متاحف مصرية لاستقبال كنز أثري «غارق»

عثرت عليه أجهزة الأمن بحوزة لصوص سرقوه عن طريق الغوص

جانب من المضبوطات الأثرية الغارقة (وزارة الداخلية)
جانب من المضبوطات الأثرية الغارقة (وزارة الداخلية)
TT

متاحف مصرية لاستقبال كنز أثري «غارق»

جانب من المضبوطات الأثرية الغارقة (وزارة الداخلية)
جانب من المضبوطات الأثرية الغارقة (وزارة الداخلية)

أعلنت وزارة الداخلية المصرية عن ضبط 448 قطعة أثرية تعود للعصرين اليوناني والروماني بحوزة لصّين تحصلا عليها عبر الغوص، وتم التحفظ على القطع المضبوطة، واتخاذ الإجراءات القانونية بشأن الواقعة.

وأكدت الداخلية أن الشخصين المضبوطين بالقطع من محافظة الإسكندرية (شمال مصر)، وأن أحدهما له معلومات جنائية (جرائم سابقة)، وتم العثور بحوزتهما على قطع أثرية بغرض الاتجار. وفق بيان نشرته الوزارة، الاثنين.

وأوضح البيان أن القطع المضبوطة عددها 448 قطعة أثرية متنوعة، هي: 53 تمثالاً عليها نقوشات متنوعة، و3 رؤوس للتماثيل، و12 حربة برؤوس آدمية، و14 كأساً من البرونز، و41 بلطة عليها نقوش أثرية، و20 قطعة من البرونز، بالإضافة إلى 305 مصكوكات عليها نقوش أثرية.

واعترف المتهمان بحيازتهما للقطع الأثرية بقصد الاتجار فيها، وأكدا أنهما تحصلا عليها عن طريق الغطس بخليج أبو قير في الإسكندرية، وبعد عرض المضبوطات على الجهات المختصة، أفادت بأن جميع المضبوطات أثرية ضمن الآثار الغارقة، وتعود للعصرين اليوناني والروماني. وفق بيان الداخلية.

ويرى عالم الآثار المصري، الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف مكتبة الإسكندرية، أن «القطع الأثرية التي تم ضبطها في الإسكندرية تمثل جزءاً بالغ الأهمية من تاريخ مصر، حيث تعود إلى العصرين اليوناني والروماني».

تماثيل وأدوات حرب مختلفة تم ضبطها في الإسكندرية (وزارة الداخلية)

موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه القطع ليست مجرد تماثيل أو أدوات مصنوعة من البرونز، بل هي شواهد حية على حضارات قديمة تركت بصماتها على تاريخ البحر الأبيض المتوسط وعلاقاته بمصر. تمثل هذه القطع أيضاً نافذة فريدة لفهم الحياة اليومية والفنون والطقوس الدينية في العصور القديمة».

وكانت مصر قد أعلنت من قبل عن اكتشاف مدينتي كانوبيس وهيراكليون بخليج أبو قير قبل بناء مدينة الإسكندرية، وأنهما كانتا مدينتين مزدهرتين قبل بناء مدينة الإسكندرية، وقد غرقتا في القرن الرابع قبل الميلاد، وما زال سبب غرق المدينتين غامضاً، وهناك آراء رجّحت قيام زلازل أو فيضانات أدت لتلك الكارثة، وظهر معبد وتماثيل لمعبودات قديمة في هذه المنطقة، وفق وزارة السياحة المصرية.

الآثار الغارقة التي ضبطتها وزارة الداخلية المصرية (وزارة الداخلية)

ويؤكد عبد البصير أن «حماية الآثار الغارقة أمر في غاية الأهمية»، موضحاً أنها «تعرضت منذ زمن بعيد لتحديات التآكل والتهريب، فالغواصون الذين يمارسون عمليات غير قانونية لاستخراج هذه القطع يعرضونها للخطر، وبالتالي يجب أن تكون هناك آليات أكثر تطوراً لحماية هذه المواقع من العبث والسرقة».

واقترح عالم الآثار «استخدام تقنيات حديثة مثل الأقمار الاصطناعية وأجهزة الاستشعار تحت الماء لمراقبة المناطق الأثرية الغارقة بشكل أكثر فاعلية. بالإضافة إلى ذلك، يجب تعزيز التعاون بين الجهات الأمنية ووزارة السياحة والآثار للقيام بحملات تفتيشية دورية في مناطق مثل خليج أبو قير».

الآثار الغارقة بخليج أبوقير بالإسكندرية (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وتضم مدينة الإسكندرية الساحلية أكثر من موقع للآثار الغارقة، من بينها موقع قلعة قايتباي الذي عثر فيه على أكثر من 3 آلاف قطعة أثرية، وكذلك مواقع الشاطبي وخليج المعمورة والميناء الشرقي بالإسكندرية، كما تم تنظيم معرض خارجي بعنوان «أوزيريس: أسرار مصر الغارقة» في معهد العالم العربي بباريس عام 2015، ثم انتقل المعرض إلى الولايات المتحدة الأميركية عام 2019 تحت عنوان «المدن الغارقة... عالم مصر الساحر»، وضم المعرض 293 قطعة أثرية تم انتشالها من مدينتي (هيراكليون) و(كانوبيس) بالميناء الشرقي، وفق «الهيئة المصرية العامة للاستعلامات».

مدينتان كاملتان غرقتا في خليج «أبو قير» بالإسكندرية (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وبخصوص القطع المضبوطة أخيراً، أوضح عبد البصير أنها «تمثل ثروة تاريخية لا يمكن تجاهلها، ومن المتوقع أن يتم عرضها في المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية، الذي يعد واحداً من أبرز الأماكن التي تحتفظ بالآثار المهمة من هذه العصور. لكن من الممكن أيضاً أن يتم توزيع بعضها على متاحف أخرى في مصر، مثل المتحف المصري الكبير أو المتحف القومي للحضارة المصرية، خصوصاً إذا كانت تحتوي على نقوش وأدوات فريدة. هناك أيضاً احتمال أن يتم إنشاء متحف مخصص للآثار الغارقة في المستقبل».

تمثال لملكة من العصر البطلمي مصنوع من الجرانوديوريت (وزارة السياحة والآثار)

وانتشلت الإدارة الخاصة بالآثار الغارقة التي أُنشئت عام 1996 آلاف القطع الأثرية من 25 موقعاً على مدى 20 عاماً، بحسب تصريحات سابقة لمدير الآثار الغارقة بالإسكندرية لوسائل إعلام محلية، مؤكداً أن هذه القطع يتم توزيعها على المتاحف المختلفة سواء اليوناني الروماني أو متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية أو المتحف القومي بالإسكندرية أو المتحف المصري الكبير بالقاهرة، فضلاً عن تنظيم معارض لها بالخارج.

جدير بالذكر أن متاحف مصرية كانت قد استقبلت عدداً من القطع المستردة من الخارج، من بينها المتحف المصري بالتحرير الذي أعلن مسؤولون من قبل عن استقباله 8 حشوات خشبية من منبر خشبي لمسجد جانم البهلوان الأثري، سرقت عام 2008 وتم تهريبها إلى الدنمارك، واستردتها مصر بحكم قضائي عام 2014، وبعد استعادتها تم إيداعها في مركز الترميم بالمتحف المصري.


مقالات ذات صلة

روسيا تعرض بقايا ماموث محفوظة بشكل جيد عمرها 50 ألف سنة

علوم الماموث «إيانا» عمرها 50 ألف عام (رويترز)

روسيا تعرض بقايا ماموث محفوظة بشكل جيد عمرها 50 ألف سنة

عرضت روسيا، اليوم (الاثنين)، بقايا محفوظة بشكل جيد لماموث صغير عمرها 50 ألف عام، عُثر عليها خلال الصيف الفائت في أقصى الشمال الروسي.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
يوميات الشرق القبقاب الذي تم العثور عليه عمره 500 عام (رويترز)

علماء آثار هولنديون يكتشفون قبقاباً نادراً عمره 500 عام

تشتهر هولندا عالمياً بأحذيتها الخشبية، لكن الاكتشاف النادر في الآونة الأخيرة لقبقاب عمره 500 عام بمدينة ألكمار أظهر مدى انتشار استخدام مثل هذه الأحذية بالماضي.

«الشرق الأوسط» (أمستردام)
سفر وسياحة رئيس بلدية روما روبرتو غوالتيري خلال حفل إعادة افتتاح النافورة الشهيرة (أ.ب)

نافورة تريفي في روما تستقبل زوارها بعد إعادة افتتاحها (صور)

أُعيد افتتاح نافورة تريفي الشهيرة رسمياً بعد أعمال تنظيف استمرت أسابيع، وقررت البلدية الحد من عدد الزوار إلى 400 في آن واحد.

«الشرق الأوسط» (روما)
المشرق العربي لقطة جوية تُظهر قلعة حلب (أ.ف.ب)

حلب «الشاهدة على التاريخ والمعارك» تستعد لنفض ركام الحرب عن تراثها (صور)

أتت المعارك في شوارع حلب والقصف الجويّ والصاروخي على كثير من معالم هذه المدينة المُدرجة على قائمة اليونيسكو، لا سيما بين عامي 2012 و2016.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
يوميات الشرق «مستر بيست» انتهى من تصوير أفلام ترويجية بمنطقة الأهرامات (إنستغرام)

«مستر بيست» يفجر جدلاً في مصر بشأن «تأجير الأهرامات»

أثار «يوتيوبر» أميركي جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر بعد حديثه عن «تأجير الأهرامات»، وهو ما نفته وزارة السياحة والآثار المصرية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«عبده وسنية» يراهن على نوستالجيا «الأبيض والأسود» والسينما الصامتة

إنجي الجمال في مشهد داخل القرية (الشركة المنتجة)
إنجي الجمال في مشهد داخل القرية (الشركة المنتجة)
TT

«عبده وسنية» يراهن على نوستالجيا «الأبيض والأسود» والسينما الصامتة

إنجي الجمال في مشهد داخل القرية (الشركة المنتجة)
إنجي الجمال في مشهد داخل القرية (الشركة المنتجة)

يترقّب المخرج المصري الأميركي عمر بكري عرض فيلمه الأول «عبده وسنية»، متمنياً أن يحوز إعجاب الجمهور في العرض العام، لا سيما بعد الاستقبال اللافت الذي حظي به الفيلم عند عرضه بمهرجان «البحر الأحمر السينمائي» ضمن قسم «روائع عربية»، مؤكداً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن الفيلم يعد «نوستالجيا» لزمن السينما الصامتة وأفلام «الأبيض والأسود»، كاشفا عن أنه استغرق 7 سنوات حتى يرى النور.

ويعود الفيلم إلى أجواء السينما الصامتة «دون حوار منطوق»، كما تم تنفيذه بتقنية «الأبيض والأسود»، فيما يمثل محاولة لإحياء زمن أفلام «شارلي شابلن»؛ ليثير تساؤلات حول اختيار المخرج هذا التوجه في أول أفلامه الطويلة.

ويروي الفيلم لمحات مؤثرة من حياة زوجين يعيشان حياة عادية بقريتهما في ريف مصر، لكن تؤرق حياتهما مشكلة عدم الإنجاب، خاصة في ظل ترقّب والدي الزوج حفيداً من ابنهما، وضيق الأم كعادة أهل الريف لعدم إنجابهما، يسافر الزوجان إلى القاهرة وتنصح الطبيبة الزوج بإجراء تحليلات لأن زوجته لا تعاني من شيء، غير أنه يستنكف هذا الأمر، ويقرر وزوجته السفر لأميركا بحثاً عن حل لمشكلتهما.

ويتسبب عدم معرفتهما القراءة والكتابة وعدم إجادتهما اللغة الإنجليزية في وقوعهما فريسة لمشكلات عدة؛ حيث يواجهان التشرد والضياع، لكنهما يتحديان كل الظروف ويعملان في المطاعم وأعمال النظافة سعياً وراء حلمهما.

عبده وسنية في حالة انبهار لدى وصولهما لأميركا (الشركة المنتجة)

ويؤدي مخرج الفيلم شخصية «عبده» بينما تؤدي زوجته الفنانة إنجي الجمال شخصية «سنية» ويشارك في بطولته ممثلون أميركيون، من بينهم روجر هندريكس وسيمون ومارلين فيلافان.

ويعتمد المخرج على أداء الممثلين ويشرح بعض الأحداث بعبارات مدونة على الشاشة، وتلعب الموسيقى دوراً لافتاً لأهميتها في التعبير عن مواقف درامية، وقد اعتمد الفيلم مزيجاً من الموسيقى الشرقية والغربية، وتم تصوير مشاهده بين كل من مصر وأميركا.

وكشف المخرج عمر بكري عن أسباب تقديم فيلمه الطويل الأول صامتاً وبتقنية «الأبيض والأسود»، قائلاً: «نشأت منذ طفولتي على أفلام شارلي شابلن وحينما درست السينما وشاهدت أفلام (الحركة الألماني التشكيلية)، وتعرضت لمخرجين آخرين مثل باستر كيتون الذي كان له تأثير كبير عليّ، كان هناك جزء يُلح عليّ بإعادة السينما الصامتة لأن عدم وجود حوار بالفيلم يجعل المخرج أكثر إبداعاً، فالفيلم صورة بالأساس تعتمد على العناصر الفنية المختلفة من أداء وتصوير وغيرهما، كما أن الموسيقى تخلق طابعاً سحرياً للفيلم».

وأشار إلى أن تقنية «الأبيض والأسود» تثير «نوستالجيا» لدي شخصياً ولدى جمهور كبير، ورأيت فيها تجربة جميلة لا تتعرض لها السينما العربية؛ مما دفعني إلى إعادة الجمهور إلى أجواء السينما الصامتة قبل ظهور الصوت فيها.

وكان لا بد لفكرة الفيلم أن تلائم اختيارات المخرج للإطار الفني الذي قدمه وقد وجدها في مشاهداته بأميركا التي تفد إليها جنسيات كثيرة من نوعية بطلي الفيلم اللذين ليست لديهما دراية بطبيعة الحياة ولا قدرات خاصة تؤهلهما للعمل فيجدان مشقة كبيرة، حسبما يقول بكري: «هؤلاء موجودون بكثرة في أميركا ويتجهون للعمل في المطابخ أو أعمال النظافة، وهي مهن لا تتطلب أن يصدروا أصواتاً في عملهم، لذا كان موضوع الفيلم ملائماً ليكون صامتاً».

ويلفت بكري إلى أنه عاش ظروفاً قاسية في بداية هجرته إلى الولايات المتحدة، موضحا: «سافرت منذ 17 عاماً وبدأت حياتي من الصفر وقد عشت فترة قاسية، لكن ما عانيته لا يقارن بما يعيشه هؤلاء البسطاء».

المخرج عمر بكري خلال مشاركته بمهرجان البحر الأحمر (الشرق الأوسط)

ويتضمن الفيلم مشهداً واحداً بالألوان، ويبرر المخرج ذلك بأن بطلي الفيلم حين تأقلما مع طبيعة الحياة بأميركا كان هذا المشهد بالألوان الذي يعبر عن بداية فهمهما للأمور، ويشير بكري إلى أن تصوير أفلام «الأبيض والأسود» أصعب في تنفيذها من تقنية الألوان.

وحول كيفية تهيئة الممثلين للأداء الصامت، يقول إن «التركيز كان بالأساس على لغة الجسد وتحديداً على تعبيرات الوجه وحركة اليدين، فنحن الشرقيين نستخدم أيدينا كثيراً حين نتحدث، وقد خضنا تدريبات على الأداء بالطبع، كما أنني أعمل مع ممثلين محترفين، فزوجتي ممثلة تعمل في أميركا منذ سنوات وشاركت في مسلسلات أميركية ولها أعمال مسرحية، كما أن الفنان روجر هندريكس لديه استديو لتدريب الممثلين».

وأخرج بكري أفلاماً قصيرة خلال دراسته للفنون الجميلة بالقاهرة وقد تأثر فيها بعمله فناناً تشكيلياً. وواجه المخرج أزمة في تمويل الفيلم يرويها قائلاً: «استغرق الفيلم 7 سنوات حتى يرى النور، في البداية صورنا عدداً من المشاهد بأميركا وحصلنا على دعم من بعض المؤسسات لكنه لم يكن كافياً، ثم صورنا مشاهد في مصر وعرضتها على المنتج محمد حفظي، لكن العمل لم يكن واضحاً له، وحينما صورنا قدراً أكبر اتضحت معالم الفيلم أمامه وشجعني على استكماله، وتحمس لمشاركتنا الإنتاج».

من وقت لآخر يدفع الحنين لتجارب سينمائية مغايرة، وقد فعلها المخرج الفرنسي ميشال هازنافيسيوس حين قدّم تجربة سينمائية مهمة من خلال فيلمه البديع (The Artist) 2011 الذي قدمه بوصفه فيلماً صامتاً «أبيض وأسود»، ودارت أحداثه عام 1927 وقد حاز 5 جوائز أوسكار. ويقول المخرج عمر بكري إن «(عبده وسنية) تدور أحداثه في الزمن الحالي»، مؤكداً أنه سيواصل مشواره السينمائي في مسار التعبير عن الجاليات العربية بالولايات المتحدة.