مصر تحتفل بتعامد الشمس على قدس الأقداس في الأقصر

الحدث يشكِّل انعكاساً للقدرة الفريدة على دمج العلم بالدين والعمارة

جانب من الاحتفال بالتعامد في معبد الكرنك (محافظة الأقصر)
جانب من الاحتفال بالتعامد في معبد الكرنك (محافظة الأقصر)
TT

مصر تحتفل بتعامد الشمس على قدس الأقداس في الأقصر

جانب من الاحتفال بالتعامد في معبد الكرنك (محافظة الأقصر)
جانب من الاحتفال بالتعامد في معبد الكرنك (محافظة الأقصر)

احتفلت مصر، صباح السبت، بظاهرة فلكية فريدة تمثّلت في تعامد الشمس على مقصورة قدس الأقداس بمعابد الكرنك في الأقصر (502 كيلومتر جنوب القاهرة)، بالتزامن مع بدء فصل الشتاء رسمياً، وفق الحسابات الفلكية. وضمّ الحدث الذي شهدته ساحة معابد الكرنك حشوداً من السياح، استمعوا إلى تسجيلات الصوت والضوء، وسط أزياء تستعيد روح الحضارة المصرية القديمة ومجد الفراعنة.

بدأت الاحتفالية قبل شروق الشمس؛ إذ احتشد كل مَن أراد مشاهدته في ساحة معابد الكرنك، وانطلقت عروض فنية وترفيهية نظّمتها «الهيئة العامة لقصور الثقافة»، ثم قُدِّمت عروض الصوت والضوء عن تاريخ التعامد على مقصورة قدس الأقداس في واجهة الصرح الرئيسي لمعابد الكرنك.

وبعد ذلك، انطلقت موسيقى شروق الشمس التراثية أمام الصرح الرئيسي لمعابد الكرنك، واستمرّت ظاهرة تعامد الشمس على مقصورة قدس الأقداس حتى السابعة صباحاً.

لقطة من الاحتفالات المصرية بتعامد الشمس في الكرنك (محافظة الأقصر)

في هذا السياق، قال نائب محافظ الأقصر، الدكتور هشام أبو زيد، في حديث تلفزيوني، إن «الحدث ظاهرة فريدة تثبت عظمة الحضارة المصرية منذ آلاف السنوات، وتفرّدها، ويشهد على ذلك عدد الحضور اللافت من جميع الجنسيات، ومن المصريين الذين حرصوا على مشاهدة تعامد الشمس على مقصورة قدس الأقداس بمعابد الكرنك، ما يُنبئ بموسم سياحي قوي تستعدّ له الأقصر».

بدوره، عدَّ عالم الآثار المتخصّص في الحضارة المصرية القديمة، الدكتور حسين عبد البصير، تعامد الشمس على قدس الأقداس بمعبد الكرنك في الأقصر من الظواهر الفلكية الرائعة التي تحتفي بها مصر سنوياً؛ إذ يتزامن مع بدء موسم الشتاء فلكياً في 21 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «تعدُّ هذه الظاهرة أحد الإنجازات الهندسية والمعمارية العظيمة التي تركها المصريون القدماء؛ إذ تعكس قدرتهم الفريدة على دمج العلم بالدين والعمارة».

وتتعامد أشعة الشمس على قدس الأقداس، وهو الجزء الأعمق والأقدس داخل معبد الكرنك، لتضيء التمثال الرئيسي للإله آمون رع، مما يرمز إلى ارتباط الملك بالشمس وتجديد الطاقة الإلهية للموسم الجديد. ويحدُث هذا التعامد بشكل دقيق؛ إذ تدخل أشعة الشمس من المحور الرئيسي للمعبد لتصل إلى قدس الأقداس، في مشهد مهيب يستمر لدقائق، وفق عالِم الآثار.

تعامد الشمس في معبد الكرنك يتزامن مع بدء فصل الشتاء فلكياً (محافظة الأقصر)

وأشار إلى أهمية هذا الحدث؛ لذلك «شهد حضوراً كبيراً من المسؤولين والسياح الأجانب والمصريين؛ إذ تُنظم احتفالات تشمل عروضاً فنية وفلكلورية، وهو مناسبة مهمّة للترويج للسياحة الثقافية والأثرية، وجذب اهتمام عشاق التاريخ والآثار من مختلف أنحاء العالم».

وتعكس هذه الظاهرة مدى تقدُّم المصريين القدماء في علمَي الفلك والهندسة؛ إذ صُممت المعابد بعناية لتتماشى مع الأحداث الفلكية، وتؤكد دور العمارة المصرية في تعزيز الهوية الثقافية والدينية للمجتمع.

وتحتفل محافظة الأقصر فجر يوم 21 ديسمبر من كل عام بهذا الحدث المهم على مستوى العالم؛ إذ يتعامد قرص الشمس على مقصورة قدس الأقداس بمعبد آمون رع بالكرنك، وذلك إعلاناً بالانتقال الشتوي رسمياً؛ علماً بأن معبد آمون رع يُعدُّ أحد أكبر معابد الكرنك الذي أقامه المهندسون المصريون القدماء، بمشهد بديع وسحر خاص على محور شمسي، مما يُعدّ إبداعاً فلكياً هندسياً معمارياً تاريخياً بأرض الأقصر.

حشود من جنسيات مختلفة في انتظار مشاهدة تعامد الشمس (محافظة الأقصر)

أما الأكاديمي المتخصّص بالحضارة المصرية والإرشاد السياحي، الدكتور محمود المحمدي، فأشار إلى أن «الظاهرة تؤكد مهارة المصريين القدماء في علم الفلك؛ إذ تدل على بداية فصل الشتاء، مما يثبت معرفة المصري القديم بالتقويم الشمسي وربطه بحياته الاجتماعية والدينية».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الظاهرة تجذب أنظار العالم إلى مصر وأسرار الحضارة المصرية القديمة، عبر تعامد الشمس على مقصورة قدس الأقداس بمعبد آمون رع بالكرنك، فيسطع قرص الشمس وهو يتوسّط البوابة الشرقية الواقعة على محوره الرئيسي الذي يمثّل أقصى الجنوب الشرقي للأفق الذي تشرق منه، ويحدّد فلكياً بيوم بدء الشتاء، وعقب ذلك ستكون الشمس عمودية على الأماكن المقدسة بالكرنك (الفناء المفتوح، صالة الأعمدة، وقدس أقداس الإله آمون)، وتنتشر بداخلها عند منتصف النهار».

وكان «المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية» بمصر قد أعلن عن بدء فصل الشتاء رسمياً، اليوم، في نصف الكرة الشمالي، ويستمرّ لـ88 يوماً و23 ساعة و39 دقيقة، مع تسجيل أقصر مدّة للنهار بنحو 10 ساعات، وأطول مدة لليل بنحو 14 ساعة، وأطول ظلّ للإنسان على الأرض، وفق وكالة الأنباء الرسمية.


مقالات ذات صلة

يوميات الشرق المهرجان يجمع بين الثقافة والتراث والفنون التي تتميز بها العلا (واس)

انطلاق «شتاء طنطورة» في العُلا بفعاليات ثقافية وتراثية

انطلقت فعاليات مهرجان «شتاء طنطورة» في نسخته الجديدة بمحافظة العُلا (شمال غربي السعودية)، ليجمع بين الثقافة والتراث والفنون التي تتميز بها المنطقة.

«الشرق الأوسط» (العُلا)
يوميات الشرق «مستر بيست» انتهى من تصوير أفلام ترويجية بمنطقة الأهرامات (إنستغرام)

«مستر بيست» يفجر جدلاً في مصر بشأن «تأجير الأهرامات»

أثار «يوتيوبر» أميركي جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر بعد حديثه عن «تأجير الأهرامات»، وهو ما نفته وزارة السياحة والآثار المصرية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق معرض «قمة الهرم» يحكي قصة الحضارة المصرية القديمة (وزارة السياحة والآثار)

«قمة الهرم» يحقق نجاحاً في الصين ويبرز المزارات المصرية

يستمر المعرض المؤقت للآثار المصرية بمدينة شنغهاي الصينية في تحقيق نجاحات وأرقام قياسية للزوار بما يبرز قصة الحضارة الفرعونية القديمة.

محمد الكفراوي (القاهرة )
عالم الاعمال فندق «شيراتون القاهرة» يعلن عن افتتاح البرج الشمالي

فندق «شيراتون القاهرة» يعلن عن افتتاح البرج الشمالي

أعلن فندق «شيراتون القاهرة»، وهو جزء من علامة «ماريوت» الدولية عن إعادة افتتاح البرج الشمالي للفندق.


حفل لإحياء تراث «موسيقار الأجيال» محمد عبد الوهاب بالأوبرا المصرية

تمثال موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب في معهد الموسيقى العربية بالقاهرة (الشرق الأوسط)
تمثال موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب في معهد الموسيقى العربية بالقاهرة (الشرق الأوسط)
TT

حفل لإحياء تراث «موسيقار الأجيال» محمد عبد الوهاب بالأوبرا المصرية

تمثال موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب في معهد الموسيقى العربية بالقاهرة (الشرق الأوسط)
تمثال موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب في معهد الموسيقى العربية بالقاهرة (الشرق الأوسط)

في إطار استعادة تراث كبار الموسيقيين، وضمن سلسلة «وهّابيات» التي أطلقتها دار الأوبرا المصرية، ممثلة في عدة حفلات لاستعادة تراث «موسيقار الأجيال» محمد عبد الوهاب، يستضيف مسرح معهد الموسيقى العربية حفلاً جديداً لتقديم أعمال الموسيقار الراحل.

ويأتي هذا الحفل ضمن خطة وزارة الثقافة المصرية لإعادة إحياء التراث الفني، حيث تقيم دار الأوبرا برئاسة الدكتورة لمياء زايد، حفلاً تُحييه الفرقة القومية العربية للموسيقى، بقيادة المايسترو حازم القصبجي لاستعادة تراث عبد الوهاب.

وفق بيان للأوبرا المصرية، يتضمن الحفل مجموعة من أعمال الموسيقار، التي تغنى بها كبار نجوم الطرب في مصر والوطن العربي، ومن بينها «لا مش أنا اللي أبكي»، و«يا خلي القلب»، و«سكن الليل»، و«الحب جميل»، و«تهجرني بحكاية»، و«توبة»، و«هان الود»، و«خايف أقول اللي في قلبي»، و«أيظن»، و«القريب منك»، و«كل ده كان ليه»، يقوم بغنائها آيات فاروق وإبراهيم رمضان ومي حسن ومحمد طارق.

وأوضح البيان أن سلسلة حفلات «وهابيات»، والتي تقام بشكل دوري، في إطار دور الأوبرا، تهدف إلى تنمية الذوق الفني في المجتمع، وتعريف الأجيال الجديدة بتراث الرموز الخالدة وروائع الموسيقار محمد عبد الوهاب.

حفل وهابيات لاستعادة أعمال موسيقار الأجيال (دار الأوبرا المصرية)

ويعدّ عبد الوهاب من أهم الموسيقيين العرب، وقد وُلد في حي باب الشعرية الشعبي بوسط القاهرة عام 1898، والتحق بفرق غنائية وموسيقية ومسرحية في بداية القرن العشرين، وعُرف بقربه من فنان الشعب سيد درويش، وشارك في فرقته المسرحية وعمل في مسرحيتي «الباروكة» و«شهر زاد»، وفق المعلومات الببليوغرافية في متحف محمد عبد الوهاب بمعهد الموسيقى العربية.

وعدّ الناقد الموسيقي المصري أحمد السماحي «إحياء التراث وسلسلة (وهّابيات) من الأدوار المهمة التي تقوم بها وزارة الثقافة ممثلة في دار الأوبرا المصرية»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هذا التقليد ليس مصرياً فقط، ولكن عربياً وعالمياً، فكبار الموسيقيين العالميين مثل بيتهوفن وباخ وموتسارت يتم استعادة أعمالهم للأجيال الجديدة»، مضيفاً: «هذا التقليد مهم؛ لأن الأجيال الجديدة لا تعرف رموز الغناء والموسيقى، وأتمنى من الأوبرا أن تعيد أيضاً إحياء تراث كبار المؤلفين الموسيقيين، بداية من ميشيل يوسف وأندريه رايدر وفؤاد الظاهري وميشيل المصري، هؤلاء وغيرهم نحتاج إلى الاستماع لأعمالهم ليتعرف عليهم الأجيال الجديدة».

وعمل عبد الوهاب بالغناء والتمثيل إلى جانب التلحين، وغنى له كبار نجوم الطرب من أجيال مختلفة، ومن بينهم أم كلثوم وليلى مراد وفيروز وعبد الحليم حافظ وفايزة أحمد وشادية ووردة، وقدم عدداً من الأفلام ذات الطابع الغنائي مثل «الوردة البيضاء»، و«يحيا الحب»، و«يوم سعيد»، و«رصاصة في القلب».

وتابع الناقد الموسيقي أنه «كما يتم إحياء تراث كبار المطربين والموسيقيين مثل عبد الوهاب وعبد الحليم وفريد الأطرش ومحمد فوزي وغيرهم، أتمنى أيضاً إحياء تراث كبار المؤلفين والموزعين الموسيقيين؛ لأن ما قدموه يعدّ أحد الروافد التي تغذي الروح والوجدان في ظل الصخب الغنائي الذي نعيشه حالياً».

وحصل عبد الوهاب على العديد من الأوسمة والتكريمات، خصوصاً بعد قيامه بتوزيع النشيد الوطني لمصر، كما لحن النشيد الوطني الليبي في العهد الملكي، وحصل على وسام الاستحقاق من الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، وعلى الجائزة التقديرية في الفنون عام 1971.

يشار إلى أن عبد الوهاب رحل عن عالمنا في 4 مايو (أيار) عام 1991 عن عمر ناهز 93 عاماً، وودعته مصر في جنازة عسكرية؛ تقديراً لقيمته الفنية وإبداعاته التي امتدت على مدى أجيال.