التراث الثقافي والفنون المعاصرة يلتقيان في «أسبوع مسك للفنون»

يضمّ معارض رقمية لتأمّل العلاقة بين الموروث والتقنية والتعبير الإنساني

أفردت نسخة العام الحالي ساحة كبيرة لعلاقة الإنسان مع التقنية (معهد مسك)
أفردت نسخة العام الحالي ساحة كبيرة لعلاقة الإنسان مع التقنية (معهد مسك)
TT

التراث الثقافي والفنون المعاصرة يلتقيان في «أسبوع مسك للفنون»

أفردت نسخة العام الحالي ساحة كبيرة لعلاقة الإنسان مع التقنية (معهد مسك)
أفردت نسخة العام الحالي ساحة كبيرة لعلاقة الإنسان مع التقنية (معهد مسك)

بمشاركة أكثر من 90 فناناً في مكانٍ واحد، انطلق الحدث السنوي الذي يسلّط الضوء على الإبداع والمواهب المحلية من مختلف المجالات، ويُساعد جمهور مدينة الرياض على اكتشاف الفن واقتناء الروائع الفنية.

ولستة أيام تحتفي العاصمة السعودية بـ«أسبوع مسك للفنون» الذي انطلق الخميس، بما يضمّه من عروض حيّة، وجلسات فن ونَحت حي، ورسمٍ مشترك لجدارية الفعالية، وإطلاق فرصٍ نوعية لتطوير المواهب الفنية، وصقل مهارات المبدعين، وتعزيز قدراتهم في البرامج التعليمية، والاحتكاك بالخبراء في وِرش عمل متنوّعة، ودورات مختصة، وجلسات إرشادية مباشرة.

قالت ريم السلطان، الرئيسة التنفيذية لمعهد «مسك للفنون»: «يسعى (أسبوع مسك للفنون) في نسخته الثامنة العام الحالي، إلى تعزيز الحوار الثقافي من خلال الفن، وجعل هذه الفعاليات منصّة فاعلة لتمكين الفنانين من التّعبير عن أنفسهم، ودعمِ البرامج المستمرة التي تُسهم في تنمية المجتمع الإبداعي في المملكة، بما يحقّق مستهدفات (رؤية المملكة 2030)».

يحاول «أسبوع مسك» إثارة التفكير والانتباه إلى المألوف (معهد مسك)

عددٌ لا نهائيٌّ من العوالم

أفردت نُسخة العام الحالي من «أسبوع مسك للفنون» مساحة كبيرة لعلاقة الإنسان مع الواقع الجديد، الذي امتلأ بالخيارات التّقنية، والتداخل مع فضاءِ الرقمنة الذي أخذ يتّسع في كل تفاصيل الحياة، ويحاول «أسبوع مسك» من خلال قُدرة الفن على إثارة التفكير والانتباه إلى المعتاد والمألوف، أن يعمّق من قُدرة الفرد على مراجعة أفكاره والتّحقق من تصوراته.

وفي أحد أجنحة الأسبوع، يُتيح جناح «عالمٍ موازٍ» تجربة تفاعلية تدعو الزائرين لاستكشاف وابتكار عوالمَ بديلة في الوقت الحقيقي، من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي الإبداعية، وذلك عبر استخدام كلمات وترتيب مجموعة متنوعة من الأدوات المُتاحة لهم، ويتمكن المشاركون من تشكيل عددٍ لا نهائيٍّ من العوالم التي تتراوح بين اختلافات بسيطة وعوالمَ غنيّة بالخيال والتفرد.

انطلق «أسبوع مسك للفنون» لأول مرة عام 2017 (معهد مسك)

وفي قسم المعارض، خُصّص معرضُ حضارةٍ رقميةٍ ليحمل اسم «منحة مسك للفنون 2024»؛ حيث قُدمت المنحة هذا العام للفنانين من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لاستكشاف الظواهر التي شكّلتها التّقنيات الحديثة مثل الاتصال، وتحليل البيانات، والأنظمة الخوارزمية، وكيف أعادت هذه التقنيات تشكيل التجارب الإنسانية وطريقة التفاعل مع العالم.

وضمن فعالية إقامة مساحة، وهو برنامج الإقامة المحلي ضمن فعاليات «أسبوع مسك للفنون»، قُدم عرضٌ لأعمال 12 فناناً مقيماً في الرياض؛ وقد تميّزت فعالية العام الحالي بالتعمق في مفهوم الإعلام والتقنية من خلال البحث في موضوعات مشتركة تتضمّن الحياة اليومية والمادية، والتكنولوجيا الجديدة، وفن السرد.

يسعى الأسبوع إلى تعزيز الحوار الثقافي من خلال الفن (معهد مسك)

الرياض في قلب المشهد الفني

يُبرز «معرض ملامح الرياض»، الذي يُعدّ جزءاً من «أسبوع مسك للفنون»، التّطورات الهائلة التي شهدتها الرياض، خلال العقد الأخير؛ إذ اختار تسليطَ الضوء على جانبٍ مختلف من العاصمة السعودية، يتمثّل في توجيه الفنانين المشاركين كاميراتهم نحو المساحات العامة، وأحياءِ المدينة السكنية وضواحيها، مع التركيز على الهندسة المعمارية، حيث التُقطت صورٌ دقيقة لكثير من المواقع التاريخية والمعاصرة التي لا يزال بعضها قيد الاستخدام، فيما هُجِّر بعضها الآخر.

ومن عبق التاريخ إلى حداثة اليوم، مروراً بالأماكن المنسيّة، يرصد 23 مصوراً جوهر الرياض الحضاري والطبيعي، وملامح العاصمة السعودية في رؤيةٍ تتجاوز أُفق المدينة، مستكشفين قِصصاً خفيّة وروابط شعورية شكّلت هويتها.

يُبرِز المعرض التطورات الهائلة التي شهدتها الرياض خلال العقد الأخير (معهد مسك)

ومنذ انطلاقه في عام 2017، تحوّل «أسبوع مسك للفنون» إلى منصة رئيسية لتعزيز الإنتاج الإبداعي ولقاءِ أهل الفن في مجال الفنون البصرية، وبما يُجسّد رؤية معهد مسك لبناء مجتمع إبداعيٍّ مزدهر، وفتح المجال أمام الجميع للاستفادة من الفنون والتعرّف على هذا العالم الغني بالمواهب والتميز.

وتتمحور موضوعات النسخة الثامنة من هذا الحدث حول مفهوم «الإعلام والتقنية» وكيفية مساهمته في تقديم فرصٍ جديدة للفنانين والمجتمع.



من التصميم إلى الإنشاء… ابتكارات مستدامة تُشكِّل معرضاً دولياً في السعودية

معرض مستدام وصديق للبيئة من إنشائه إلى تصميمه ومكوّناته (تصوير: تركي العقيلي)
معرض مستدام وصديق للبيئة من إنشائه إلى تصميمه ومكوّناته (تصوير: تركي العقيلي)
TT

من التصميم إلى الإنشاء… ابتكارات مستدامة تُشكِّل معرضاً دولياً في السعودية

معرض مستدام وصديق للبيئة من إنشائه إلى تصميمه ومكوّناته (تصوير: تركي العقيلي)
معرض مستدام وصديق للبيئة من إنشائه إلى تصميمه ومكوّناته (تصوير: تركي العقيلي)

وسط ازدياد أعداد الوافدين إلى مقرّ «المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير» بنسخته الثانية في العاصمة السعودية، بتنظيم من «المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر»، في منطقة «كوب 16» بالرياض، رصدت «الشرق الأوسط» جوانب لافتة حول تصميم مقرّ المعرض وإنشائه.

بدخول الزوّار المنطقة المركزية، يجدون أنفسهم في قلب الحدث. وكشف «المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر»، لـ«الشرق الأوسط» عن أنّ المعرض يقدّم رؤيته للمستقبل المستدام من خلال مجموعة متنوّعة من الأنشطة والجلسات ومناطق الجذب؛ فتمثّل المنطقة المركزية قلبَه، إذ تُشكِّل نقطة الانطلاق والتواصل مع المناطق الأربع المحيطة، مما يسمح للزوار بالتعرُّف إلى كيفية تضافر الجهود المختلفة لتحقيق الاستدامة.

جانب من التقنيات ضمن المعرض (تصوير: تركي العقيلي)

قلب النبتة وبتلاتها

وتُمثّل المنطقة المركزية في المعرض «قلب النبتة»؛ وهي المحور الرئيس الذي يمدُّ جميع المناطق المحيطة بالأفكار والموارد اللازمة. تحتوي هذه المنطقة على المعرض وجناح المركز، حيث تُعرض الرؤية الشاملة لمستقبل مستدامٍ ومكافحة التصحّر.

ولاحظت «الشرق الأوسط» خلال جولتها في أجنحة المعرض، انقسامه إلى 4 مناطق تُمثّل «بتلات النبتة»، إذ تجسِّد كل منطقة شريكاً من شركاء المركز في رحلتهم نحو بناء مستقبل مستدام.

استعراض عدد من الأرقام المهمّة (تصوير: تركي العقيلي)

وشرح القائمون على «المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير»، تلك المناطق كالآتي:

«صون الطبيعة»؛ وهي مخصّصة لعرض جهود حماية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر، و«واحة التشجير» المُرتكزة على أهمية المشاتل والمتنزهات في تعزيز الغطاء النباتي ودورها في الحفاظ على التنوّع البيولوجي.

شاشات عرض متعدّدة داخل المعرض (تصوير: تركي العقيلي)

أما الثالثة، «منطقة المستقبل والابتكار»، فتتضمّن عرضاً لأحدث الابتكارات والتقنيات التي تقدّم حلولاً عملية للتحدّيات البيئية، إلى جانب «منطقة النماء المستدام» المُرتكزة على أهم الطرق والأساليب المستدامة لإنماء الطبيعة من خلال بناء شراكات وتوفير فرص استثمارية وجهات داعمة لتنمية الغطاء النباتي.

استدامة من التصميم إلى الإنشاء

وأكد «المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر» حرص المعرض على استخدام مواد مستدامة وصديقة للبيئة في جميع جوانب التصميم والإنشاء، بما فيها مناطق الجلوس والديكورات، والأثاث، بهدف تقليل البصمة الكربونية وتعزيز أهمية الاستدامة البيئية.

شاشة تستعرض المتنزهات الجيولوجية (تصوير: تركي العقيلي)

ومن المواد المستخدمة في التصميم والإنشاء، مادة «الإكريليك» المعروفة باسم «البليكسيغلاس» أو «صفائح البليكسيغلاس»، وهي متعدّدة الاستخدامات وصديقة للبيئة ومثالية لمجموعة واسعة من المشروعات. وأوضح المسؤولون أنَّ مَن يبحث عن إنشاء قطعة ديكور منزلية، أو قطعة أثاث مخصّصة، أو ميزة معمارية فريدة، فإنّ صفائح «الإكريليك» توفِّر فوائد عدَّة تجعلها الخيار الأمثل لأي مشروع.

وثانياً «الألمنيوم» الذي يُعدّ من أكثر المعادن الصديقة للبيئة. وثالثاً خشب «شيبورد» وهو لوح حُبيبي أو منتج خشبي هندسي يُضغَط من رقائق الخشب ويُستَخدم على هيئة رقائق خشب مُشكَّلة، أي مُعاد تدويرها. وأوضح المعرض أنه باستخدام هذه الأخشاب، «نعمل على تقليل الطلب على الأخشاب المقطوعة حديثاً، مما يساعد في الحفاظ على الغابات ونُظمها البيئية».

اهتمام من زوّار دوليّين بمشاهدة تقنية سلّة المهملات الذكية (تصوير: تركي العقيلي)

وأخيراً «الدهانات المائية صديقة البيئة»، المتميّزة بأنها طلاءات ذات أساس مائي. ورغم ذلك، فإنّ هذا الأساس المائي ليس كافياً لتكون صديقة للبيئة، فيؤكد المعرض ضرورة تجنُّب استخدام المركّبات العضوية المتطايرة وشبه المتطايرة في الطلاءات لتأثيرها السلبي في الصحة، ولتوفير نوعية ممتازة من الهواء في الأماكن المغلقة.

الشجرة التفاعلية تتحدّث إلى أحد الزوّار (تصوير: تركي العقيلي)

ويقدّم المعرض أيضاً فرصة فريدة لاستعراض جهود «المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر» عبر 14 تقنية منتشرة في أرجائه، منها: «تقنية خريطة تأثير المركز» التي تُبرز جهوده عبر تسليط «بروجكتور» على خريطة البلاد لتُقسَّم تلك الجهود إلى 7 قوائم رئيسية؛ وعند اختيار قائمة، تُحدَّد المنطقة وتُعرَض الجهود فيها على شكل جداول.

فمن خلال «هولوغرام» نَظم المعلومات الجغرافية، والاستعراض التفاعلي للمنتزهات الجيولوجية، وشاشة بحجم يتجاوز المترين، تُعرَض جميع بيانات إدارة الفرص والاستثمارات.

جانب من التقنيات الـ14 في المعرض (تصوير: تركي العقيلي)

وضمن التقنيات، برزت شاشة بحجم 9 أمتار، متخصّصة في إدارة الرصد والحماية، فكشف المركز لـ«الشرق الأوسط» عن رصد الإدارة العامة للرقابة والحماية 2752 مخالفة بيئية خلال عام 2024، مضيفاً أنّ الإدارة العامة للرقابة والحماية تُعنى بالمحافظة على الغطاء النباتي من خلال تسيير دوريات الحماية الخاصة بالمركز وأعمال الرقابة الجوّية باستخدام الطائرات المسيَّرة للمحافظة على سلامة الغطاء النباتي في المتنزهات والغابات والأراضي والمراعي؛ مع نشر أكثر من 600 مراقب بيئي للحدّ من المخالفات وضبط المُخالفين.

عرض ثلاثيّ البُعد (تصوير: تركي العقيلي)

تبرز تقنية «الشجرة التفاعلية» وسط القاعة. فعندما يقترب الزائر، تدبُّ الحياة في الشجرة ويُعرَض وجهٌ عليها لتبدأ بسرد قصتها ممثلةً الأشجار المُعمِّرة في السعودية.

كذلك تتعدّد التقنيات لتشمل غرفة التنوّع النباتي، بالإضافة إلى جولة تفاعلية للمتنزهات الوطنية، عبر «هولوغرام» مع شاشة جانبية تعرض صوراً ثلاثية البُعد لمستقبل هذه المتنزّهات.

من وسائل الرصد والحماية في المركز (تصوير: تركي العقيلي)

ذلك بالإضافة إلى مؤشِّر التنوّع البيئي، وجهاز الرخص والتراخيص، وشاشة خطّ الإنجازات، وسلّة المهملات الذكية، وتقنية الواقع المعزِّز أمام كل شجرة لكشف تفاصيل تتعلّق بها وببيئتها ومواقعها والجهود المبذولة بشأنها.

وأخيراً مُساعد الذكاء الاصطناعي الذي يتفاعل مع الزوّار بطرح الأسئلة والتحدُّث معهم حول موضوعات التصحُّر والتشجير في السعودية.