«الوجه الآخر»... بورتريهات فنّية تزهو بالألوان الفرعونية

التشكيلي أشرف رضا يتوغّل إلى سراديب خفيّة في النفس محاولاً اكتشافها

رسم بورتريه الرجل والمرأة بخطوط متباينة (الشرق الأوسط)
رسم بورتريه الرجل والمرأة بخطوط متباينة (الشرق الأوسط)
TT

«الوجه الآخر»... بورتريهات فنّية تزهو بالألوان الفرعونية

رسم بورتريه الرجل والمرأة بخطوط متباينة (الشرق الأوسط)
رسم بورتريه الرجل والمرأة بخطوط متباينة (الشرق الأوسط)

عبر الألوان الصاخبة والخطوط الحادّة القوية، والمنظور المسطّح الأفقي المباشر، يتوغّل الفنان التشكيلي المصري أشرف رضا إلى سراديب خفيّة في النفس البشرية، في محاولة لاكتشاف خباياها وأبعادها، عبر 50 لوحة ومجسَّمات نحتية قدّمها ضمن معرضه «الوجه الآخر».

يتضمّن الحدث المُقام في مؤسّسة «آراك للفنون والثقافة» بالقاهرة، والمستمرّ حتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، أكثر من مستوى للعرض، ما بين لوحات صغيرة بالأبيض والأسود، وكبيرة بالألوان الصاخبة المبهجة، ومجسَّمات نحتية أشبه بالتشكيل في الفراغ لبورتريهات متنوّعة.

يراهن أستاذ التصميم والعمارة الداخلية في كلية «الفنون الجميلة» بالقاهرة، أشرف رضا، على الأسطح المستوية والخطوط المتباينة، وعلى فلسفة ما وراء البورتريه؛ لتقديم رؤية فنّية وجمالية مبنية على قوة الألوان وجاذبية الخطوط الحادّة.

البورتريه تضمّن كثيراً من الرؤى ضمن المعرض (الشرق الأوسط)

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «فكرة المعرض جاءت بطريقة مفاجئة، وانطلقت من سؤال بعض الناس؛ لماذا لا أرسم الوجوه والشخوص؟ كانت لديّ مجموعة من الأعمال المبدئية (اسكتشات)، أحاول من خلالها إيجاد صيغة جديدة لشكل الوجوه والبورتريه، وفي الوقت عينه أستخدم التقنيات وأسلوبي الخاص الذي أحرص دائماً على أن يكون مرتبطاً بالموروثات المصرية من الحضارات القديمة، فعملتُ لعام على هذه الاسكتشات لتحويلها أعمالاً فنّية».

في هذا السياق، يرى الفنان والناقد الدكتور مصطفى عيسى أنّ معرض «الوجه الآخر» ينغمس في خلق حالة مزاجية تعتمد على اللون محوراً رئيسياً، مما يجعله يُراكم درجات اللون في خلفية الوجه، ويتركه فارغاً إلا من مجموعة خطوط باللون الأسود، ما عدَّه في دراسة نقدية مُصاحبة للمعرض، ينتج شخوصاً تستلهم واقعها المعاصر من أواصر قربى مع التاريخ القديم.

الوجه الذكوري يحمل دلالات (الشرق الأوسط)

رضا الذي تولّى سابقاً مناصب عدّة، من بينها رئاسة قطاع الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة المصرية، كما عمل مديراً للأكاديمية المصرية للفنون في روما، يتحدّث عن الألوان الساخنة-الصاخبة التي اتّسمت بها بورتريهات هذا المعرض قائلاً: «هذا أسلوبي، فأعتمد دائماً على الألوان الأساسية النابعة من البيئة المصرية، مثل ألوان النيل والشمس والنخيل والرمل. وهذه نراها جليّة على الجداريات الفرعونية، وعلى واجهات بيوت النوبيين في جنوب مصر، وكذلك على جدران المنازل في قرى مصر، احتفالاً بالحج أو المولد أو غيرها من المناسبات».

يستخدم الفنان الوجه البشري قناعاً يُسقطه على الأصعدة التعبيرية والرمزية، عبر مهارات بارزة في الغزل الخطّي واللوني معاً، بما يكشف عن فعل مسرحي يبرز من خلاله الوجه الآخر على صعيدَي الأفراد والشعوب، وفق الناقد الفنّي المصري محمد كمال.

الخطوط الحادّة والألوان القوية برزت في اللوحات (الشرق الأوسط)

وعن فلسفة المعرض ورمزية البورتريه، يقول: «بعض الناس يرون البورتريه قناعاً، وآخرون يرونه كما تصوّرته؛ الوجه الآخر الكامن داخل الإنسان، لا يُعاينه أحد إلا في لحظات معيّنة؛ هي لحظات الغضب أو الخوف أو الفرح أو الندم أو الشرّ أو الخير؛ هذا ما حاولتُ إبرازه كما تخيّلته في اللوحات».

وأوضح أنه، لعام، كان يرسم وجوهاً رجالية فقط، و«نبّهني إلى ذلك أصدقاء، فاستدركتُ الأمر ورحتُ أحلّل وجه المرأة أيضاً الذي لا يختلف كثيراً عن الرجل إلا في الخطوط الرقيقة وشكلَي العين والفم، فتعمّدتُ أن يكون ثمة خط خشن وألوان قوية للوجه الذكوري، وخطّ ناعم وألوان رقيقة للمرأة».

ويلفت رضا إلى أنه يبحث كل 5 سنوات عن موضوع جديد للعمل عليه بوصفه مشروعاً فنّياً، فبعد عودته من روما عمل على التجريدية المصرية، ثم على مشروع أبجدية الحضارات التي استمرّت معه مدة طويلة، وأنتج خلالها أعمالاً نحتية، من بينها النصب التذكاري في مدينة العلمين الجديدة.

مجموعة أعمال بالأبيض والأسود ضمن معرض «الوجه الآخر» (الشرق الأوسط)

أما الكاتب الأكاديمي المصري جلال الشايب، فيصف أعمال المعرض بالقول: «اللوحات تصوّر وجوهاً لأشخاص بملامح حادّة وصارمة، تواجه المُشاهد في تحدٍ واضح بعيون محدّقة في الفراغ، فتحمل لنا مزيجاً فريداً من المشاعر»، كما يعدُّ الوجوه الصلبة التي تبدو مثل تماثيل من الخشب أو الحجر قريبة الشبه بمنحوتات الأقنعة الأفريقية.

لوحات المعرض تضمّنت فلسفة ما وراء البورتريه (الشرق الأوسط)

ويختم الفنان حديثه بالتوضيح أنّ المنحوتات أو المجسّمات التي يتضمّنها المعرض هي نتاج الخط الخارجي الذي يعمل عليه في البورتريه، «فقد رأيتُ أنه يصلح للحلول في خامة أخرى بخلاف التصوير»، مشيراً إلى أنه يُعدّ عملاً كبيراً يصلح للعرض الخارجي، «الأوت دور»، من وحي هذه التجربة، ويؤكد ما يردّده دائماً: «أنا لستُ رساماً، لكنني مصمّم أُدرّس التصميم في كلية (الفنون الجميلة)، فالخطّ بالنسبة إليّ هو الأساس في الفنّ».


مقالات ذات صلة

مصر لإعادة توظيف المباني التاريخية بطريقة عصرية

يوميات الشرق عرض لإحياء مدرج غرناطة وقصر السلطانة ملك بمصر الجديدة (الجهاز القومي للتنسيق الحضاري)

مصر لإعادة توظيف المباني التاريخية بطريقة عصرية

تحت عنوان «حياة جديدة لتراث قديم: توجّهات معاصرة لإعادة توظيف المباني التاريخية في مصر»، افتُتح معرض يستهدف إعادة إحياء المباني التاريخية وتوظيفها بطرق عصرية.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق «أصدقاء مع الرماد» عمل فني للقمان (الشرق الأوسط)

معرض جديد للفنان جلال لقمان بعنوان «ما لم تأكله النار»

يقيم الفنان التشكيلي الإماراتي جلال لقمان تحت عنوان «ما لم تأكله النار» في «غاليري آرت إن سبيس» بدبي، في الفترة من 31 أكتوبر حتى 18 نوفمبر، معرضه الفردي.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
يوميات الشرق المأساة في نظرة (الشرق الأوسط)

العراقية هناء مال الله تكشف وجوه الأطفال المموَّهة في غزة

تتفنّن هناء مال الله في إعادة إنتاج آثار الحريق حدَّ أنّ مَن يقف أمام أعمالها السابقة يشمّ رائحة الشواء. وهي تسعى وراء جماليات النار وما تتركه على الورق.

«الشرق الأوسط» (عمّان)
يوميات الشرق امرأة تنظر إلى لوحة «الذئبة» للفنان الأمريكي جاكسون بولوك (أ.ف.ب)

مسيرة «جاكسون بولوك» بمتحف بيكاسو في باريس

يقدم متحف بيكاسو في باريس بدءاً من الثلاثاء معرضاً مخصصاً للسنوات الأولى للرسام الأميركي جاكسون بولوك (1912-1956) التي تميزت بتأثير بابلو بيكاسو.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق معرض شيخ الخطاطين محمود إبراهيم سلامة (مكتبة الإسكندرية - بيت السناري)

لوحات شيخ الخطاطين تزيّن «بيت السناري» في القاهرة

أكثر من 30 لوحة تضمنت تنويعات من الخطوط لفنان الخط العربي الراحل محمود إبراهيم سلامة الذي اشتهر بلقب «شيخ الخطاطين» تصدرت معرضاً استعادياً لأعماله.

محمد الكفراوي (القاهرة )

«أسبوع الأزياء بالرياض» يستقطب رموز الموضة العالمية ومصمميها

المصمم عدنان أكبر قدّم أعمالاً مستوحاة من التراث التقليدي والصيحات المعاصرة (المركز الإعلامي للحدث)
المصمم عدنان أكبر قدّم أعمالاً مستوحاة من التراث التقليدي والصيحات المعاصرة (المركز الإعلامي للحدث)
TT

«أسبوع الأزياء بالرياض» يستقطب رموز الموضة العالمية ومصمميها

المصمم عدنان أكبر قدّم أعمالاً مستوحاة من التراث التقليدي والصيحات المعاصرة (المركز الإعلامي للحدث)
المصمم عدنان أكبر قدّم أعمالاً مستوحاة من التراث التقليدي والصيحات المعاصرة (المركز الإعلامي للحدث)

شهدت العاصمة السعودية، الخميس، افتتاحاً حافلاً للنسخة الثانية من «أسبوع الأزياء بالرياض»، بحضور نخبة من النجوم، وروّاد الموضة، ومصممين مبدعين، ضمن مساعي تعزيز مكانة البلاد الرائدة على خريطة الموضة العالمية.

ويُقام هذا الحدث في ثلاثة مواقع أيقونية هي: «قصر طويق، والمدينة الرقمية، وحي جاكس»، واستقطب كل منها مجموعة رائعة من المواهب العالمية والمحلية بعالم الموضة، احتفالاً بالإبداع، والثقافة، والأزياء الراقية.

وقدّم في اليوم الأول لعروض الأزياء المصممون المبدعون، بينهم عدنان أكبر وتيما عابد، مجموعة مستوحاة من التراث التقليدي والصيحات المعاصرة، التي عكست التنوع والموهبة التي يمثلها الحدث.

من أعمال المصممة تيما عابد (المركز الإعلامي للحدث)

واستقطب الحدث جمهوراً حصرياً من روّاد الأزياء، وشخصيات دبلوماسية وإعلامية دولية، منهم جيمس فالون المدير الرئيسي للمحتوى بمجلة «وومنز وير ديلي»، وباتريك ميزونووف السفير الفرنسي لدى السعودية، وفرانشيسكا أيرولدي رئيسة قسم الإيرادات بمجلة «كوندي ناست إيطاليا»، والممثلة التايلاندية دافيكا هورن، وغيرهم.

وتُعزز هذه المشاركة المتنوعة مكانة الرياض بوصفها موقعاً محورياً للابتكار في عالم الموضة والتعاون الثقافي، كما يعكس حضور مجموعة كبيرة من النجوم والمؤثرين من مختلف أنحاء العالم الاهتمام الدولي المتزايد تجاه الموضة السعودية وإمكاناتها العالمية.

من جانبه، قال بوراك شاكماك، الرئيس التنفيذي لهيئة الأزياء السعودية: «يعكس اليوم الافتتاحي رؤيتنا في ترسيخ المملكة وجهة عالمية رائدة للموضة والإبداع»، مبيناً أن المواهب المُشاركة «تسلط الضوء على الإبداع المذهل لمصممينا في السعودية».

من أعمال المصممة هنيده صيرفي (المركز الإعلامي للحدث)

وأكد شاكماك أن هذا الحدث «ليس مجرد عرض للأزياء، بل احتفالٌ بثقافتنا، وشهادة على التأثير المتزايد للمملكة على الساحة العالمية»، مضيفاً: «معاً، نرسم معايير جديدة للابتكار والحرفية والتعاون، مما يمهد الطريق لمستقبل الموضة السعودية».

ويقدم الحدث على مدى أربعة أيام، نحو 30 عرضاً للموضة بتوقيع أسماء بارزة ومواهب سعودية صاعدة، تشمل مجموعات من مصممين وعلامات معروفة؛ مثل منى الشبل، و«KML» لأحمد زاهر، وغيرها، مما يقدم رؤية حقيقية عن مستقبل الأزياء الراقية والجاهزة و«الستريت وير».

وتأتي دورة هذا العام بعد نجاح النسخة الافتتاحية عام 2023 ومعرض «100 براند سعودي» في «أسبوع الموضة بباريس» خلال يونيو الماضي، وسيشهد العالم على مزيجٍ ديناميكي بين الحضارة والحداثة، بحضور المصممين السعوديين إلى جانب عمالقة الموضة العالمية.

من أعمال دار الهنوف (المركز الإعلامي للحدث)