رحلة في الفن التشكيلي لا تشبه غيرها، تأخذنا بها الفنانة السورية نور الكوّا، فتقدّم، في مجموعتها «أُم كلثوم»، 30 لوحة تحكي عن الفنانة الراحلة. تدخل ناظرها إلى عالم «كوكب الشرق» بكل تفاصيله.
ممسكة محرمتها الشهيرة، تُصور الكوّا أُم كلثوم واقفة على المسرح تشدو بصوتها وكأنها تحيي حفلها الغنائي في اللحظة نفسها.
تُرفق الكوّا كلّ لوحة من لوحاتها الثلاثين بإكسسوارات وأدوات استوحتها من شخصية الفنانة الراحلة، تُصوّرها بنظّاراتها السّوداء، وتُلبسها مجموعة من تصاميم أزياء تُبرز أناقة عُرفت بها «كوكب الشرق». أما العنصر الأساس، الذي لا تخلو منه أي لوحة، فهو فريقها الموسيقي.
لماذا اتّخذت الكوّا قرارها هذا برسم مجموعة «أم كلثوم»؟ تردّ، لـ«الشرق الأوسط»: «كلنا نحبّها، ومعجَبون بقامتها الفنية في العالم العربي، وبصوتها الذي رافقني منذ الصّغر، وحفظت كلمات أغنياتها من كثرة إعاداتي وصلاتٍ من حفلاتها، (كوكب الشرق) تعني لي كثيراً لأنها تتداخل مع مراحل حياتي».
تقول نور الكوّا إن مشوارها في الفن التشكيلي مرّ بتطورات متلاحقة، بدأته برسم الأشخاص والوجوه المرتبطة حالتُها الجسدية بأصحاب الهمم. هؤلاء الذين يعانون احتياجات خاصة أسهموا في ترجمة معاني الإنسانية بالنسبة لها. ورغم تحولات مختلفة مرّت بها، فإنها أبقت على هويتها الخاصة. دراستها الجامعية في هندسة العمارة الداخلية تحمل للوحاتها نفحة مختلفة.
وعن كيفية ولادة كل لوحة تروي نور الكوّا: «أستمع لأغنيات أم كلثوم، وأنا أنفّذ اللوحة، ومن هنا ينبثق اسم كل لوحة من الأغنية التي تأخذني إلى عالمها. أغوص في الأداء بحماس الجمهور الذي يحضر الحفلات، وأنطلق برسم اللوحة بخيالي الممزوج بصورة من صورها الحقيقية. فهذا اللاوعي الذي يعمل على أساسه الرسّام يُسهم في إيصال الأحاسيس المطلوبة للمتلقي. وأحاول، أثناء الرسم، إحياء تلك اللحظات الخاصة».
تُركّز نور الكوّا على فريق أم كلثوم الموسيقي، فنجد بعضاً من أفراده الأساسيين يحضرون بوضوح. «فريقها هذا رافقها في جميع حفلاتها الغنائية. وهناك 3 أحجار أساسية من العازفين، وهم: محمد القصبجي على العود، ومحمد عبدو صالح على القانون، وسيد سالم على الناي. كانت لهم شعبية كبيرة، لذلك ركّزت عليهم وقدّمتهم بوضوح في أعمالي يرتدون الطربوش الأحمر».
من بين لوحات نور الكوّا الخاصة بأم كلثوم «يا مسهرني»، و«عصيّ الدمع»، و«عن العشاق سألوني»، و«لسه فاكر»، وكذلك لوحات أخرى بعناوين أغنيات مشهورة لكوكب الشرق. نرى الفنانة الراحلة تطلّ من صفحات تاريخها الغنائي تشدو بصوتها «غلبني الشوق»، و«ألف ليلة وليلة» وغيرها.
في غاليري «غاليرست» في السوديكو بالأشرفية، تعرض نور الكوّا بعضاً من هذه اللوحات، وتقول: «تنقلت بها في معارض عدّة، ومن بينها في سوريا، كما رسمت لوحات أخرى للعندليب الأسمر وصباح فخري وفريد الأطرش».
وتؤكد نور الكوّا أنه على الرسام أن يتمتع بركيزتين رئيسيتين ليترك بصمته الخاصة: «الممارسة والثقافة تُولّدان منه فناناً يختلف عن غيره. وعندما يتمكّن من أدواته، ويصقل فنّه بالثقافة، يكون قد أصاب الهدف».
لم تلجأ نور الكوّا إلى فن الكاريكاتير في أعمالها: «ابتعدت عنه تماماً، سيما أن هناك من استخدم هذا الفن لرسم أم كلثوم وغيرها، ومن بينهم جورج بهجوري. عملتُ في المساحة التي تترجم مشاعري وتوافق رؤيتي، واللافت أنني أتأثر بالأغنية التي أستمع إليها كي أختار ألوان اللوحة، أتفاعل معها لا شعورياً وتبدو واضحة. والموسيقى نفسها تتحكّم بريشتي كي أبرز لغة الجسد والنظرات».