معرض فوتوغرافي مصري يوثق «عمالة الأطفال» في الريف

يضم قصصاً مصورة عن روتين حياتهم

معرض «قوة الطفل» للفنان سهل عبد الرحمن (الشرق الأوسط)
معرض «قوة الطفل» للفنان سهل عبد الرحمن (الشرق الأوسط)
TT

معرض فوتوغرافي مصري يوثق «عمالة الأطفال» في الريف

معرض «قوة الطفل» للفنان سهل عبد الرحمن (الشرق الأوسط)
معرض «قوة الطفل» للفنان سهل عبد الرحمن (الشرق الأوسط)

فكرة إقامة معرض فوتوغرافي توثيقي ربما تبدو نمطية، ولا تجتذب الجمهور غير المتخصص إلى حد كبير، لكن عندما يتجاوز هذا الحدث مراحل التسجيل والرصد والتأريخ، إلى ما يمكن أن نطلق عليه «السرد التأملي» أو جماليات القصص الإنسانية، فإن الأمر قد يختلف كثيراً، لا سيما عندما يتعلق هذا السرد بالأطفال.

في معرضه الفردي الأول «قوة الطفل» اجتذب المصور المصري سهل عبد الرحمن، الجمهور إلى خبايا قضية عمالة الصغار في الريف بمصر، من خلال 35 صورة فوتوغرافية لمجموعة من الأطفال ينتمون إلى محافظة الفيوم (جنوب غربي القاهرة)، يعملون في حصاد القطن والبابونغ، فضلاً عن مهن أخرى، ليعيش المتلقي عن قرب معهم، ويتأثر بمشاهد حقيقية من حياتهم اليومية، محاولاً مساعدتهم على فهم الواقع، وإعادة صياغته.

المعرض المقام بكلية الإعلام بمقر الجامعة الأميركية بالتجمع الخامس (شرق القاهرة) حتى منتصف أكتوبر (تشرين الأول) هو نتاج مشروع ثقافي ممتد أطلقه عبد الرحمن عام 2021، وطرح من خلاله قضية عمالة الأطفال في الفيوم بأبعادها كلها.

يقول عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»: «أردت أن أوثق لحياة الصغار من هذه الزاوية، فإذا بهم يأخذونني إلى قلب الريف المصري قديماً، حيث أخلاق القرية، ودفء الأسرة، والمشاعر الفيّاضة، لكن في الوقت نفسه اصطدمت بمرارة الواقع ومخاوف المستقبل».

المعرض يجتذب الجمهور لقضية عمالة الأطفال (الشرق الأوسط)

كانت الصدمة التي عانى منها الفنان خلال التقاط الصور هي هيمنة ظاهرة عمالة الأطفال في الفيوم، خصوصاً في المحاصيل الزراعية؛ مثل القطن والبابونغ؛ حيث تشتهر المنطقة بهذين المحصولين اللذين يُزرَعان بمساحات كبيرة، ومن ثم يحتاجان إلى عدد كبير من العمالة.

وفق عبد الرحمن فإن «العمل في إنتاج المحاصيل يكاد يقتصر على الأطفال؛ بسبب الأجور المنخفضة التي يحصلون عليها؛ حيث يحصل البالغ على 3 أضعاف أجر الطفل الواحد، وتكون النتيجة هي أن عملهم يبدأ من شروق الشمس حتى الساعة 12 ظهراً».

وعلى الرغم من رفض المصور المصري هذه القضية، فإنه تمسّك بالحيادية تجاه تناول الواقع المحيط به في مشروعه، عارضاً مختلف جوانب الحياة: «من الناحية الشخصية أقف ضد عمالة الأطفال، تلك القضية الموجعة في العالم كله، إذ أرى أن الطفل مكانه هو مدرسته أو منزله أو المكتبة، أو النوادي والساحات العامة، حيث يتعلم ويقرأ ويلعب ويرسم ويستمتع بطفولته، لكن على الرغم من ذلك فإنني قدمت من خلال الأعمال الفوتوغرافية التي يضمها المشروع لمحات صادقة ومختلفة من حياتهم برؤية فنية عفوية».

لحظات فرحة ملهمة لأطفال الفيوم (الشرق الأوسط)

من هذا المنطلق تتنوع القصص والمشاهد التي تسردها الصور في المعرض، التي تصاحبها نصوص أدبية تعزز السرد المرئي الفني، ليجمع الحدث بينهما، فنلتقي على سبيل المثال قصة الطفل يوسف، ونتعرف على سياق حياته في القرية، خلال موسم الحصاد وخارجه، فتُوثِّق الصور روتينه اليومي، وتفاعلاته مع أصدقائه وعائلته.

كما نعيش مع أحلام نيرة وريتاج، الطامحتين إلى أن تصبحا طبيبتين ماهرتين، ونراقب الصغار الذين ينفقون أجورهم على مستلزمات المدارس والملابس، وأحياناً توفير الطعام والشراب، بينما تركز صورٌ أخرى على «الأيدي غير الناعمة» للأطفال.

وخلال ذلك كله تطالعنا لحظات ملهمة عبر ابتسامات الرضا والأمل التي تنبعث من الأطفال رغم كل العناء الذي يعيشونه، ومن ذلك صورة لمجموعة من الصغار خلال عودتهم من العمل في ظهيرة أحد الأيام، وأخرى تجسّد احتضان طفل في فرحة عنزةً اشترتها أسرته من حصيلة أجره خلال موسم جني القطن، وكأنه يحتضن أجمل أيام عمره التي يقضي كثيراً منها في العمل بحقول قريته، فتشعر بأنك في الواقع أمام «قوة طفل» تنتظر الاهتمام والاستثمار الصحيح.

الأيدي غير الناعمة (الشرق الأوسط)

لا يكتب هذا المعرض النهاية لمشروع سهل عبد الرحمن الذي يحمل عنوان «الطفولة الضائعة»: «لن أحمل كاميراتي من قرى الفيوم وأرحل، فالقصة لم تنتهِ بعد، وسيستمر المشروع قائماً إلى أجل غير مسمى. أشعر بالشغف تجاه مصيرهم... ما تأثير العمل الشاق على صحتهم النفسية والجسدية؟ هل سيسمح هذا التأثير لهم بتحقيق أحلامهم وتطلعاتهم التي تحدثوا معي عنها؟».

وأثار شغف المصور بعمالة الأطفال اندهاش بعض الريفيين الذين أكدوا أن عمل الصغار في الريف أمر ممتد منذ سنوات بعيدة، إلا أن لسهل رؤية أخرى وتساؤلات لا تنتهي يطرحها ويبحث عن إجاباتها من خلال مشروعه.


مقالات ذات صلة

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

يوميات الشرق شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

تُعدّ لوحات الفنان السوري ماهر البارودي بمنزلة «شهادة دائمة على معاناة الإنسان وقدرته على الصمود».

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

احتفل فن أبوظبي بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم.

عبير مشخص (أبوظبي)
يوميات الشرق أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها، الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع...

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)

«إثراء» تكرّس مؤتمر الفن الإسلامي بالظهران «في مديح الفنان الحِرفي»

الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية والأمير سلطان بن سلمان في افتتاح مؤتمر الفن الإسلامي بمركز «إثراء» بالظهران (الشرق الأوسط)
الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية والأمير سلطان بن سلمان في افتتاح مؤتمر الفن الإسلامي بمركز «إثراء» بالظهران (الشرق الأوسط)
TT

«إثراء» تكرّس مؤتمر الفن الإسلامي بالظهران «في مديح الفنان الحِرفي»

الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية والأمير سلطان بن سلمان في افتتاح مؤتمر الفن الإسلامي بمركز «إثراء» بالظهران (الشرق الأوسط)
الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية والأمير سلطان بن سلمان في افتتاح مؤتمر الفن الإسلامي بمركز «إثراء» بالظهران (الشرق الأوسط)

افتتح الأمير سعود بن نايف بن عبد العزيز، أمير المنطقة الشرقية، اليوم الأحد، أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية، بحضور الأمير سلطان بن سلمان، المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين، رئيس مجلس الأمناء لجائزة عبد اللطيف الفوزان لعمارة المساجد.

وينظم المؤتمر مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» بالظهران، بالتعاون مع جائزة عبد اللطيف الفوزان لعمارة المساجد، ويستمر حتى 26 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، تحت شعار «في مديح الفنان الحِرفي».

ويحضر المؤتمر باحثون في الفن والتاريخ الإسلامي، ومثقفون وضيوف من مختلف دول العالم،

ويهدف إلى دعم وإحياء التقاليد الفنية الإسلامية بتسليط الضوء على أعمال الحِرفيين المعاصرين الذين يُبقون هذه التقاليد الفنية والحِرفية على قيد الحياة.

الحرف رحلة تعلّم

وفي كلمته، ثمن المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين ورئيس مجلس أمناء جائزة عبد اللطيف الفوزان لعمارة المساجد الأمير سلطان بن سلمان آل سعود، جهود «أرامكو» في مجال الإرث والحضارة ودعم المشاريع التراثية في المنطقة الشرقية، مستعرضاً الأهمية التاريخية للحِرف بوصفها مليئة بالتراث الحضاري للمناطق، وذلك عطفاً على إنجازات المملكة في المحافل الدولية والعالمية بمشاركات متنوعة، سواء من مؤسسات ومعارض ومؤتمرات ذات بُعد تاريخي واجتماعي تصبّ في المنفعة المجتمعية.

وأكد «الأهمية التاريخية للحرف على أنها رحلة تعلم وليست إنجازات»، لافتاً، في الوقت نفسه، إلى «دور المتاحف في تعزيز التاريخ بوصفها وجهة رئيسية لكل دولة». وأشار إلى جهود المملكة في تسجيل واحة الأحساء بصفتها موقعاً تراثياً عالمياً في منظمة اليونسكو.

الحرفي شاعر صامت

وفي كلمته ذكر مدير مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» عبد الله الراشد أن مدرسة الفنون الإسلامية يكاد يغيب عنها الصانع، قائلاً: «القطع الإسلامية لا تعرف من صنعها، أما القطع المعاصرة فيُحتفى بالصانع، وكأن الحرفي في الفنون الإسلامية يود أن يبقى في الظل والخفاء»، مشيراً إلى أن «الحرفي شاعر صامت»، فمن هذا المنطلق حرص «إثراء» على إقامة هذا المؤتمر «في مديح الفنان الحرفي»، والذي «يحوي أوراقاً بحثية وجلسات حوارية ومعارض مصاحبة من أنحاء العالم؛ لنستكشف جمال الحرف الإسلامية وتأثيرها العميق على الثقافة الإنسانية، ولنعبر بتقدير عالٍ لمن يبدعون بأيديهم تراثنا وهويتنا ويصنعونها في زمن جل ما يلمس ويستخدم يصنع بالآلة، لذا أتينا بهذه المعارض لنحتفي باليد البشرية».

ولفت الراشد إلى إطلاق ثلاثة معارض متزامنة مع أعمال المؤتمر في القطع الأثرية والفنون الإسلامية والأزياء التراثية من حول العالم، في حين يتزامن إطلاق المؤتمر مع تسمية عام 2025 عام الحرف اليدوية الذي أطلقته وزارة الثقافة، مما يضيف بعداً خاصاً لهذه المناسبة.

وأضاف: «جهودنا في (إثراء) للعام المقبل تتضمن تقديم عشرات البرامج الكبرى والمعارض والورش؛ كلها حول الحرف اليدوية نستهدف فيها آلاف الزوار».

كود المساجد

بدوره، أعلن رئيس مجلس أمناء الفوزان لخدمة المجتمع عبد الله بن عبد اللطيف الفوزان، اعتماد كود المساجد في المملكة، والذي عملت عليه الجائزة بالشراكة مع وزارة الشؤون الإسلامية واللجنة الوطنية لكود البناء، مشيراً إلى أنه سيجري تدشينه في شهر يناير (كانون الثاني) المقبل.

وأشار إلى أن المؤتمر ملهم لإحياء الإرث الحضاري والتاريخي للأجيال القادمة، منوهاً، في الوقت نفسه، بالمكانة التي يتمتع بها الفنان الحرفي عبر العصور، لذا جاءت الجائزة بوصفها مرجعاً ثقافياً وفكرياً ومظلة حاضنة للمبادرات، والتي تحافظ على الموروث بوصفه رؤية مستقبلية.