في أجواء تاريخية تعود لنحو ألف عام، بين بيوت أثرية ومساجد وأسبلة وتكايا، عاد مهرجان «سماع الدولي للإنشاد والموسيقى الروحية» لينثر البهجة في ثنايا القاهرة التاريخية، مُعلناً انطلاق دورته الـ17 على مسرح سور القاهرة الشمالي، الجمعة، وسط حضور حاشد.
وتشارك في المهرجان المُقام تحت رعاية رئاسة الوزراء، وتنظيم مؤسسة «حوار لفنون ثقافات الشعوب»، بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار، 30 فرقة بين مصرية وعربية وأجنبية.
لسبع ليالٍ، تتواصل الفعاليات تحت شعار «رسالة سلام إلى العالم»، بين بيت السناري الأثري، وقصر الأمير طاز (وسط القاهرة)، بعد حفل الافتتاح الذي قدَّمت خلاله الفرقة الجزائرية نشيد «لا إله إلا الله والواحد ربي» وسط تفاعل جماهيري كبير.
كما شاركت فرق من المغرب واليونان وباكستان وتونس خلال الافتتاح، وقدَّمت الأخيرة قصيدة «عليك صلى السلام، والملائكة الكرام»، بالإضافة إلى جيبوتي بنشيدها «اللهم صلِّ وسلِّم على حبيبي محمد عليه الصلاة» برفقة إيقاعات الموسيقى والطبول الأفريقية.
وظهرت الفرقة الكازاخستانية بنشيدها «لا إله إلا الله»، مزجت فيه بين اللغتين العربية والكازاخية. عنها قال مؤسِّس مهرجان «سماع الدولي للإنشاد والموسيقى الروحية» ورئيسه الفنان انتصار عبد الفتاح، إنها «ضيف شرف دورته الحالية، وهي من الفرق المتميّزة بفنّها وتشارك للمرة الأولى»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الفرقة تقدّم نوعاً من الفنّ يُعرف باسم (الأكابيلا)؛ فيه تمتزج أصواتهم بما يُشبه الآلات الموسيقية مع كلمات أناشيدهم، ويستبدلون بالموسيقى أنغاماً تخرج من قلوبهم، فتصنع الألحان والأصوات النغمية التي ترافق الأناشيد والقصائد».
ولفت عبد الفتاح إلى أنّ «الفرق الأجنبية والعربية المُشاركة تأتي عن طريق العلاقات الثقافية الخارجية في وزارة الثقافة المصرية، بكونها نوعاً من التبادل الثقافي، أمّا الفرق المصرية فتشارك عن طريق منشور تعلن عنه إدارة المهرجان في كل عام، ونختار الأفضل».
وبرزت مشاركات فردية لعدد من الأصوات التي اكتشفها عبد الفتاح، من بينها المنشد عبد الرحمن السنوسي الذي جاء من الأقصر ليقدّم أداء إنشادياً فردياً بمشاركة الموسيقى، فيصفه بأنه «فنان حقيقي وسنتعاون معاً في نشر هذا اللون من الإنشاد الديني الذي نما في الساحات المفتوحة برحاب مدينة الأقصر الأثرية»، موضحاً أنّ «السنوسي سيشارك أيضاً ضمن 4 أصوات جديدة في حفل الختام، وسيلتقي جمهور المهرجان هذا العام فرقة رسالة سلام، التي تضمّ فرقتَي (سماع) والتراتيل القبطية».
وأكد رئيس المهرجان أنّ «دور (سماع) ليس فقط تقديم الإنشاد الديني والموسيقى الروحية، بالتعاون مع فرق العالم المختلفة، لكن أيضاً رعاية هذا الفنّ في مصر واكتشاف الأصوات الجديدة وتقديمها في حفلاتنا»، مضيفاً أنّ «مصر مليئة بالكنوز، فأبحث عنها وأشجّعها وأضيء طريقها عن طريق مدرسة (سماع)، وهذا لا نختبره مع الفرق المصرية فقط، بل أيضاً مع بعض الفرق الأجنبية، مثل الفرقة الرومانية التي كبرت مع دورات المهرجان. فقد جاءوا في دوراته الأولى وكانوا أطفالاً لا تتجاوز أعمارهم 5 سنوات، أما اليوم فيتجاوزون الـ20 عاماً، ونعدّهم أبناء للمهرجان».
وتقدّم فرق رومانيا وتونس عروضها، بالإضافة إلى فرقة إسلام الشيخ من مصر. كما تقدّم فرق من الجزائر واليونان عروضها المميّزة، وكذلك فرقة الحور من مصر. ويلتقي جمهور المهرجان مع أمسية روحانية، الاثنين المقبل، تجمع بين فرقة «مداحين النبي»، وكورال كنيسة السيدة مريم، وفرقة من كازاخستان. وتُختتم العروض بمشاركة فرق من جيبوتي وباكستان وفرقة الفجر من مصر.
الحفلات جاءت برؤية انتصار عبد الفتاح وإخراجه، ليؤكد من خلالها على دعم القيم الروحية المرتبطة بمفاهيم الخير والسلام والمحبة، وتوطيد العلاقات بين الشعوب من خلال الفنّ، وتحقيق مزيد من التوافق والتعارف بين الثقافات المختلفة، والحفاظ كذلك على التراث المصري الأصيل، والتراث الروحي الخاص بالدول المُشاركة.