القصر الصغير في باريس يفتح أبوابه لفناني الشوارع

«نحن هنا»... صرخة هامشيين في لفت الأنظار إلى أعمالهم

التاريخ وفنّ الشارع (موقع آرت إن ذا سيتي)
التاريخ وفنّ الشارع (موقع آرت إن ذا سيتي)
TT

القصر الصغير في باريس يفتح أبوابه لفناني الشوارع

التاريخ وفنّ الشارع (موقع آرت إن ذا سيتي)
التاريخ وفنّ الشارع (موقع آرت إن ذا سيتي)

سيكون من المثير رؤية تمثال رخامي من العصور الوسطى يقف متأملاً لوحة فاقعة الألوان رسمها واحد من فناني الشارع في القرن الحادي والعشرين. هذا ما يقدّمه معرض «نحن هنا» المُقام حالياً في باريس، ويستمرّ حتى 17 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

«نحن هنا» (موقع آرت إن ذا سيتي)

هي المرّة الأولى التي يفتح فيها القصر الصغير قاعاته التاريخية لاستضافة مَن تُطلَق عليهم تسمية «فناني الشارع». إنها تلك اللوحات التي يرسمها شباب موهوبون على هامش النشاط الفنّي الرسمي واهتمامات مسؤولي المتاحف وصالات العرض المعروفة. يردِّد عنوان معرض «نحن هنا» صرخة هؤلاء الهامشيين في لفت أنظار النقّاد والجمهور العريض إلى أعمالهم. لكنّ الجميل في هذا المعرض أنه لا يكتفي بتقديم تلك الأعمال، بل يقيم بينها وبين مقتنيات القصر الكبير حواراً مدهشاً. فالرسوم التي يُفترض أنها آتية من الشوارع تتجاور مع تماثيل ولوحات من عصر النهضة، بكل ما يوحي به ذلك العصر من واقعية ورومانسية وقوة وشغل مُتقن.

من الشارع حتى القصر (موقع آرت إن ذا سيتي)

القديم والمعاصر معاً (موقع آرت إن ذا سيتي)

يستضيف المعرض المفتوح للجمهور مجاناً، 13 فناناً من أبرز ممثلي فنّ الشارع، أمثال شيبرد فيري وسيث وكليون بيترسون وهاش وسوون وفيلس وكونور هارينغتون. معروضات تبدو غريبة على أجواء القصر، لكنها تنجح، في النهاية، بنسج علاقات مع موجوداته المتحفية. والمجموع 200 لوحة تختصر مفهوم هذا النوع من النشاط الذي كان مرفوضاً وصار يحظى بالتقدير. فمن المعروف أنّ فعاليات موسمية مهمّة اكتسبت شهرتها من احتضان فنّ الشارع، مثل «صالون المرفوضين»، و«صالون الخريف» في باريس. ومنذ بداياتها كان لتلك الصالونات دور في الثورة التشكيلية التي رافقت الدخول إلى القرن العشرين. ويُخبرنا دليل المعرض أنّ الأسماء الموجودة فيه هي من طليعة هذه الحركة الفنّية وروّادها الذين كتبوا تاريخ «الستريت آرت»، أي فنّ الشارع، بكل ما يمثّله من تنوّع وثراء.

تجريد أم شخبطة؟ (موقع آرت إن ذا سيتي)

ملصق معرض «نحن هنا» (موقع آرت إن ذا سيتي)

والحقيقة أنّ هذه الحركة لم تعد هامشية، ولم يعد فنانوها مرفوضين. فقد دخلت أعمال كبارهم إلى المتاحف وقاربت أسعارها الملايين. بل إنّ صالات القصر الصغير في باريس - هذا الصرح التاريخي بالغ الفخامة - تنفض عن نفسها غبار السنوات من خلال عرض هذه الأعمال بألوانها الكثيرة وخطوطها التي لا تخلو من نزق. ويراهن القائمون على القصر على شعبية فنّ الشارع بهدف اجتذاب جمهور لم يعتد ارتياد المعارض الكبرى ذات الطنّة والرنة. ولا شك أنّ مجانية الدخول إلى المعرض ستأتي له بأفواج من الشباب وتلامذة المدارس.

عمود الكتب (موقع آرت إن ذا سيتي)

ويقول مهدي بن شيخ، وهو تونسي يملك صالة للعرض تدعم هذا النوع من الفنّ، إنّ باريس تُجسّد، أكثر من أي وقت مضى، ريادتها بوصفها أول مدينة تعترف بضخامة حركة فنّ الشارع ودوره في ضبط إيقاع التاريخ. فهذا المعرض سيدفع العاصمة الفرنسية بجرأة نحو الحداثة من دون التخلّي عن تاريخها الماضي. وهي مدينة تؤكد دائماً أنها مكان الالتقاء الذي لا يمكن تفويته لكبار الفنانين العالميين.


مقالات ذات صلة

بريجيت ماكرون... ممثلة بدور حقيقي

يوميات الشرق بريجيت بين ضحكتين (الجهة المنتجة)

بريجيت ماكرون... ممثلة بدور حقيقي

نشرت جهة الإنتاج الصورة الأولى للفرنسية الأولى مع اثنتين من ممثلات مسلسل «إميلي في باريس»، حيث تؤدّي دورها الحقيقي في مَشاهد من موسمه الرابع.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق القمر يُضيء الحلقات الأولمبية على البرج الأشهر (أ.ف.ب)

ورثة مهندس برج إيفل يرفضون إبقاء الشعار الأولمبي على واجهته

رفض ورثة المهندس الفرنسي غوستاف إيفل ما أعلنته عمدة باريس آن هيدالغو عن النية بالحفاظ على الشعار الأولمبي مُعلَّقاً فوق واجهة البرج الذي يُعدُّ من أبرز المعالم.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عالمية لويس إنريكي سعيد بلاعبي باريس سان جيرمان (إ.ب.أ)

إنريكي سعيد بتشكيلة باريس سان جيرمان

عبّر لويس إنريكي مدرب باريس سان جيرمان، بطل دوري الدرجة الأولى الفرنسي لكرة القدم، (السبت) عن سعادته بصفقات الفريق خلال فترة الانتقالات الصيفية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شمال افريقيا الخلاف الجديد بين الجزائر وفرنسا حول الصحراء المغربية يعقّد مرة أخرى حلّ قضايا الذاكرة (أ.ف.ب)

خلاف الجزائر وفرنسا الجديد حول الصحراء يعقّد أكثر حلّ قضايا الذاكرة

الخلاف الجديد بين الجزائر وفرنسا حول الصحراء المغربية، الذي يأتي مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الجزائرية، يعقّد مرة أخرى حلّ قضايا الذاكرة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
أوروبا سرب من طائرات رافال لسلاح البحرية الفرنسي فوق العاصمة الفرنسية بمناسبة العيد الوطني للبلاد (أ.ف.ب)

ماكرون يروج لصفقة دفاعية فرنسية إلى صربيا ويكثف البحث عن رئيس للحكومة الجديدة

الرئيس الفرنسي يدافع عن خيار تسليح صربيا بصفقة طائرات رافال قيمتها 3 مليارات يورو ويجهد في البحث عن شخصية يكلفها تشكيل حكومة جديدة.

ميشال أبونجم (باريس)

احتفاء سينمائي مصري بـ«الطير المسافر» بليغ حمدي

الموسيقار بليغ حمدي (دار الأوبرا المصرية)
الموسيقار بليغ حمدي (دار الأوبرا المصرية)
TT

احتفاء سينمائي مصري بـ«الطير المسافر» بليغ حمدي

الموسيقار بليغ حمدي (دار الأوبرا المصرية)
الموسيقار بليغ حمدي (دار الأوبرا المصرية)

احتفت دار الأوبرا المصرية، بالتعاون مع «المركز القومي للسينما»، بالذكرى الـ31 لرحيل الموسيقار المصري بليغ حمدي، الملقب بـ«عاشق النغم»، وشهد المسرح الصغير، الخميس، حضوراً جماهيرياً كبيراً للندوة التي أدارها الناقد الفني المصري محمود عبد الشكور، وشهدت عرض الفيلم التسجيلي «الطير المسافر... بليغ عاشق النغم»، عن فكرة وسيناريو الناقدة الفنية المصرية فايزة هنداوي، ومن إخراج حسين بكر.

وتناول الفيلم جوانب عدة من حياة بليغ، وسلَّط الضوء على مسيرته الفنية مع نجوم «الزمن الجميل»، كما تضمَّن مراحل تطوره من بداياته عازفاً على آلة العود، حتى أصبح اسماً بارزاً في عالم الموسيقى.

صورة من ندوة بليغ (دار الأوبرا المصرية)

الناقدة فايزة هنداوي كشفت عن الدافع وراء كتابتها الفيلم، قائلة، لـ«الشرق الأوسط»: «بجانب قيمته الفنية وتنوعه وعبقريته، والتطور الذي قدّمه في الموسيقي، فإن والدي جعلني أرتبط به منذ الصغر، من خلال أعماله وجمله الموسيقية؛ لإيمانه بأنه من أهم الموسيقيين في تاريخ مصر».

وذكرت هنداوي أنها عرضت الفكرة على مُخرج الفيلم، الذي رحّب وتحمّس لها، وأن البداية كانت عند نهلة الحكيم؛ وهي الصديقة المقرَّبة للموسيقار الراحل وشقيقة الإعلامي المصري وجدي الحكيم.

وتوضح: «جرى التصوير في مكتب الحكيم مع شقيقته، قبل الحصول على موافقات (القومي للسينما)؛ نظراً لسفرها الدائم خارج مصر، كما حرصت على تنوع ضيوف الفيلم؛ للحديث عن كل جوانب حياة وفن بليغ».

الموسيقار الراحل بليغ حمدي (أرشيفية)

وتابعت: «مِن بين الضيوف عميد المعهد العالي للموسيقى، والناقد الموسيقى الدكتور أشرف عبد الرحمن، كما استعنتُ بنجل شقيقه تامر، وأيضاً بمدير أعماله، وبفنانين مِن اكتشافه؛ مِن بينهم علي الحجار، وعفاف راضي، وكذلك الموسيقار أحمد عاطف الذي قدَّم الموسيقى التصويرية للفيلم، وممن كتبوا مؤلفاتٍ عنه؛ مِن بينهم الكاتب أيمن الحكيم، والكاتبة منى البكري، وصديقه الشخصي المُخرج عمر عبد العزيز، والشاعر الراحل شوقي حجاب».

وتؤكد فايزة أن ضيوف الفيلم لم يتقاضوا مقابلاً نظير ظهورهم، في حين استغرق تصوير الفيلم ما يقرب من 11 ساعة، جرى اختصارها لـ50 دقيقة، بعد مونتاج استمرّ لشهور عدة كي يظهر الوثائقي مُلماً بجوانب عدة من حياة الموسيقار الراحل.

واستعانت فايزة، في كتابة الفيلم، بالذاكرة التي كوّنتها عن بليغ، كما شاهدت لقاءات تتحدث عنه، عبر موقع «يوتيوب»، بجانب أرشيفه الفني في المطبوعات الورقية التي قام بجمعها المسؤول عن صفحة «بليغ ملك الموسيقى» بـ«فيسبوك»، إبراهيم يوسف.

جانب من ندوة بليغ بالمسرح الصغير (دار الأوبرا المصرية)

وعن أكثر الجوانب التي شغلتها وقت الكتابة وسلّطت الضوء عليها، قالت: «القضية التي اتهم فيها، وتسببت في ابتعاده لسنوات عن مصر رغماً عنه، ورغم حبه للسفر الدائم حتى إنه عُرف بـ(الطير المسافر)، فإن ذلك ظلمه لابتعاده اضطرارياً، مما أثّر عليه وعلى مسيرته الفنية».

وخلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، احتفت هيئة الترفية في السعودية بالموسيقار بليغ حمدي، عبر حفل جماهيري أُقيم على مسرح «أبو بكر سالم» في «بوليفارد رياض سيتي»، من تنظيم شركة «بنش مارك»، بمشاركة عدد كبير من نجوم الوطن العربي.

وتعاون بليغ، على مدار مسيرته الفنية، مع نخبة من نجوم الفن؛ من بينهم أم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، وشادية، ووردة الجزائرية، ومحمد العزبي، ومحمد رشدي، وغيرهم، كما لحن شارات عدد كبير من الأعمال الفنية بالتلفزيون والسينما والإذاعة والمسرح.