«السامبورو»... استكشف ثقافة الطعام المزيف في اليابان

عبر معرض «يبدو لذيذاً!» في لندن أكتوبر المقبل

يقدم «يبدو لذيذاً!» معرض نظرة شاملة لتقليد «السامبورو» منطلقاً من البداية (ماسودا يوشيرو - بيت اليابان)
يقدم «يبدو لذيذاً!» معرض نظرة شاملة لتقليد «السامبورو» منطلقاً من البداية (ماسودا يوشيرو - بيت اليابان)
TT

«السامبورو»... استكشف ثقافة الطعام المزيف في اليابان

يقدم «يبدو لذيذاً!» معرض نظرة شاملة لتقليد «السامبورو» منطلقاً من البداية (ماسودا يوشيرو - بيت اليابان)
يقدم «يبدو لذيذاً!» معرض نظرة شاملة لتقليد «السامبورو» منطلقاً من البداية (ماسودا يوشيرو - بيت اليابان)

ما هي ثقافة «السامبورو» اليابانية؟ من زار اليابان سيتعرف فوراً على «السامبورو»، وهي نسخ من الأكلات والأطعمة اليابانية مصنوعة من البلاستيك بدقة لاستنساخ شكل الطعام الحقيقي، وتوضع هذه النسخ في المطاعم بدلاً من القوائم المعتادة (المنيو)، وهو تقليد لا يوجد خارج اليابان. لـ«السامبورو» تقاليد وفنانون متخصصون ومصانع تنتجها وتاريخ ثري، كل هذا سيستكشفه معرض «يبدو لذيذاً!» الذي يقيمه مركز «بيت اليابان» الثقافي في لندن في شهر أكتوبر (تشرين الأول)، وسيكون الأول من نوعه في بريطانيا.

يقدم «يبدو لذيذاً!» معرض نظرة شاملة لتقليد «السامبورو» منطلقاً من البداية (ماسودا يوشيرو - بيت اليابان)

سيقدم المعرض نظرة شاملة لتقليد «السامبورو» منطلقاً من البداية حين بدأ تاكيزو إواساكي، وهو رجل أعمال من غوجو هاشيمان في محافظة غيفو، في صنع «السامبورو» للمطاعم في أوائل الثلاثينات. في ذلك الوقت، كانت المطاعم تتكاثر. وكانت فكرة إواساكي هي إعادة تشكيل الأطباق باستخدام الشمع حتى يتمكن الناس من رؤية ما سيأكلونه. كان أول طبق صنعه إواساكي تنفيذاً لوجبة من البيض المقلي المحشو بالأرز.

منذ ذلك الوقت اعتمدت متاجر التجزئة والمطاعم هذه النماذج، المعروفة باسم «عينات الطعام»، وهي مستخدمة حتى يومنا هذا، مع أنها عادة ما تكون مصنوعة من مادة «بولي كلوريد الفاينيل» (اختصاراً PVC)، وتُعرض بالطريقة نفسها التي تستخدم بها قائمة الطعام في الثقافات الأخرى.

نسخة لطبق شهي من «الباستا» (مايزورو - بيت اليابان)

في أعقاب هذا النجاح، أسس إواساكي الشركة المعروفة اليوم باسم «إواساكي موكيي سيزو ليمتد»، في مسقط رأسه غوجو هاشيمان في محافظة غيفو. لا تزال الشركة الرائدة في تصنيع «السامبورو» المحلي إلى اليوم، حيث تمثل 60 في المائة من السوق. غير أن البعض يُشكك في ادعاء إواساكي أنه الأب الوحيد لـ«السامبورو»، مشيرين إلى أنه حتى في عشرينات القرن الماضي، كانت مقاهي متاجر البيع بالتجزئة في مدن مثل طوكيو تُصنع نماذج أساسية للطعام من مواد مختلفة لتوضيح بضائعها بصورة أفضل لجيل جديد من المستهلكين في المناطق الحضرية. ويرى أصحاب هذا الرأي أن النماذج المكررة بعناية التي أنشأها إواساكي في الثلاثينات من القرن الماضي رسخت مفهوم «سامبورو» الحديث، وساعدت في تعميمه في جميع أنحاء البلاد.

استخدام «السامبورو» يعد طريقة سهلة لتجاوز الحواجز اللغوية وتسهيل التواصل بين المطاعم والعملاء (ماسودا يوشيرو - بيت اليابان)

وفي فترة ما بعد الحرب، أصبح «سامبورو» ضرورياً للعديد من المطاعم التي خدمت الجنود الأميركيين المتمركزين في اليابان، الذين لم يكونوا على دراية باللغة اليابانية، وبهذا أصبحت عروض «سامبورو» طريقة سهلة لتجاوز الحواجز اللغوية وتسهيل التواصل بين المطاعم والعملاء، وهي ميزة استمرت في الحصول على قيمة هائلة مع بدء توسع السياحة الدولية إلى اليابان في الثمانينات. ويتخصص شارع «كاباباشي دوغوغاي» في طوكيو في بيع «السامبورو» إلى مطاعم العاصمة، حيث يتم صنع كثير منها يدوياً في ورش العمل.

مراحل الصناعة

وحسب مقال نشره موقع «المركز الثقافي الياباني» في لوس أنجليس، فإن صنع «السامبورو» يتم يدوياً باستخدام قوالب مشكلة بتفاصيل الطبق المراد تصويره. يصف سام ثورن، المدير العام في مركز «بيت اليابان» بلندن التقليد بأنه «غريب ومثير»، ويشير في حديث لصحيفة «الغارديان» إلى أنه «نوع من النحت الواقعي للغاية في النموذج المصغر للغاية؛ الخداع البصري ثلاثي الأبعاد... يمكنك أن تلاحظ أن العملية تشبه الطهي إلى حد كبير: يتم تقطيع المكونات الفردية، ودمجها، وترتيبها، وتصفيحها».

صنع «السامبورو» يتم يدوياً باستخدام قوالب مشكلة بتفاصيل الطبق المراد تصويره (ماسودا يوشيرو - بيت اليابان)

ويعد سعر «السامبورو» عالي الجودة من هذا القبيل مرتفعاً، حتى إنَّ معظم المتاجر اليابانية تستأجره بدلاً من الشراء. مع أن زائر متجر «غانسو» التابع لشركة إواساكي يمكنه التقاط طبق «سامبورو» من حساء «أونيون غارتين» مقابل 100 جنيه إسترليني كهدية تذكارية، فإن قطعة عرض المطعم تكلف الآلاف. بالنسبة لمعرض «يبدو لذيذاً!»، كُلِّفت شركة إواساكي بصنع 47 «سامبورو»، واحد لكل محافظة من محافظات اليابان، لعرض الأكلات الإقليمية وتوفير تاريخ ثقافي للمطبخ الياباني. ومن بين الأطباق التي ستقدمها «غويا تشانبورو» البطيخ المر المقلي من أوكيناوا، والمأكولات البحرية من هوكايدو.

يوضح المعرض أيضاً كيف أصبحت نماذج الطعام جزءاً لا يتجزأ من التعليم الغذائي في اليابان.

تطور صناعة «السامبورو»

على مدى ما يقرب من 100 عام، مرت عملية إنتاج «السامبورو» ببعض التحديثات. منذ السبعينات، صُنِّعت من البلاستيك «بولي كلوريد الفاينيل» بدلاً من الشمع، حيث إنه أقوى وأطول عمراً، ويمكنه أن يأخذ مجموعة متنوعة من الأشكال. ومع ذلك، تظل التقنية الأساسية كما هي. في حين أن بعض المطاعم تشتري نسخاً عامة «جاهزة للاستخدام» للأطباق الشائعة، فإن كثيراً من المطاعم الأخرى لا تزال تفخر بتقليد نسخ من أكلاتها بدقة شديدة، وهو أمر مكلف، حيث يمكن أن يُكلف ما يصل إلى 10 آلاف دولار أميركي لتقديم قائمة كاملة من «سامبورو». في هذه الحالة، وإذا اختار المطعم التميز بقائمة طعام ثلاثية الأبعاد فيكون عليه إرسال صور واضحة لمنتجاته إلى الجهة المصنعة أو الحرفي الذي سيقوم بالتنفيذ.

حرفي ياباني يصنع قالباً من السيليكون يشبه قالب الطعام (ماسودا يوشيرو - بيت اليابان)

يقوم الحرفي بعد ذلك بإنشاء قوالب سيليكون، وأخيراً «صب» النسخ المتماثلة في البلاستيك السائل.

يتم خبز هذه عند درجات حرارة عالية لتصبح متينة، ثم تُطلى، وتُزين بتفاصيل مقنعة مختلفة، مثل وضع «الكريمة» على الكعكة، أو تقطيع شطيرة بسكاكين الطهاة الحقيقية. وعلى سبيل المثال عند تشكيل حساء الشعيرية اليابانية «رامن»، يقوم الصانع بغمس قطع فردية من الخيط في طلاء بلاستيكي لجعلها أكثر واقعية، ويتم تجميع قطع «السوشي» من حبوب بلاستيكية صغيرة من البلاستيك على شكل «أرز» يتم ضغطها معاً بعناية، مثل تشكيل قطعة من السوشي الحقيقي. ويدعي حرفيو «سامبورو» أن الأمر يستغرق عقداً من الزمن لإتقان هذه التقنيات الدقيقة، ويمكن أن يستغرق صنع طبق رئيسي معقد واحد ما يصل إلى أسبوع كامل.


مقالات ذات صلة

​«ملمس المياه» لريم الجندي فسحة صيف تطوف على وهم

يوميات الشرق جانب من معرض «ملمس المياه» لريم الجندي (الشرق الأوسط)

​«ملمس المياه» لريم الجندي فسحة صيف تطوف على وهم

يسرح المتفرّج في تفاصيل الأعمال فيُخيَّل إليه بأنّ الوهم الذي بحثت عنه الفنانة أصابه أيضاً فيتزوّد بجرعات من الطاقة الإيجابية وبمشاعر النضارة والحيوية.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق مشاهد من رحلة عبد الله فيلبي إلى عسير عام 1936 (وزارة الثقافة)

التاريخ الثقافي والحضاري لمنطقة عسير حيّ في معرض للمخطوطات

انطلق «معرض مخطوطات عسير» لاستكشاف قصص الأجداد وتاريخ المنطقة بين طيّات المخطوطات ومن خلال الأجنحة المتنوعة والندوات والجلسات الحوارية المتخصصة.

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق إحدى اللوحات ضمن المعرض (مكتبة الإسكندرية)

الفطرة الإنسانية بأعمال 14 فناناً في معرض بالإسكندرية

في محاولة لاكتشاف أبعاد الفطرة الإنسانية، والبحث عن جذور البراءة والتلقائية، شارك 14 فناناً في معرض بعنوان «أول مرة #30».

حمدي عابدين (القاهرة )
يوميات الشرق لوحة الفنان عبد الحليم رضوي (سوذبيز)

«حفلة»... فن سعودي ومجوهرات شرقية وخط عربي في لندن

عرض نماذج من الثقافة العربية الغنية، نرى من خلال جولة في الدار بعضَها، منها معرض ضخم لأعمال فنية من السعودية، هناك أيضاً عرض للمجوهرات.

يوميات الشرق المنزل التراثي بحجره العتيق وَهَب شكله المُهدَّم إلى فكرة إعادة الإحياء (صور جوني فنيانوس)

«جبيل تحتضن بيروت» مدينة الأمل العنيد

الصمود تؤكّده لوحة تظلُ مُعلَّقة على جدران انهار ما حولها، وتجسّده موسيقى تُعزَف لتُطيّب الجراح، فيتسلّل نغمها إلى الفوضى والأرض المحروقة ليس بالنار وحدها.

فاطمة عبد الله (بيروت)

حفل «أوتار بعلبك»... سهرة تروي حكاية الفرح والألم

شربل روحانا مع الفرقة السداسية (فيسبوك الفنان)
شربل روحانا مع الفرقة السداسية (فيسبوك الفنان)
TT

حفل «أوتار بعلبك»... سهرة تروي حكاية الفرح والألم

شربل روحانا مع الفرقة السداسية (فيسبوك الفنان)
شربل روحانا مع الفرقة السداسية (فيسبوك الفنان)

رغم الأوضاع الصعبة فإن لجنة مهرجانات بعلبك أصرّت على أنها يجب أن تكون حاضرة في الموسم الصيفي ولو بحفلة واحدة، ولتكن في بيروت، ما دام عزّت إقامتُها بمدينة الشمس.

وفي التاسع والعشرين من الشهر الحالي، بـ«مسرح الإيفوار»، يلتقي كبار عازفي العود في لبنان وفلسطين، لسهرة تحكي فيها الأوتار حكاية الفرح والألم بمنطقة تبحث عن وئامها وسلامها، باللحن والأغنية، وبثّ الأمل.

«أوتار بعلبك» حفل من قسمَين؛ حيث سيقدّم عازف العود والكاتب والملحّن شربل روحانا مع فرقته السداسية عزفاً وأغنيات لنحو 45 دقيقة، وأغنية جديدة من وحي الأوضاع.

وفي القسم الثاني ستكون متعة بنكهة أخرى مع عازفي العود الفلسطينيين الثلاثة؛ الأخوة جبران، وفي الجزء الأخير من الحفل تقدّم الفرقتان معاً ما يسميها روحانا «تحية» ارتجالية للحضور، يفترض أن تكون ذات طابع شعبي، مما يعرفه الناس ويأنسون له، «نريد بثّ الفرح، تكفي صعوبات الدنيا، نحن في هذه الأمسية كل هدفنا أن نُشعر الحاضرين بالرضا والفرح».

شربل روحانا في حفلة سابقة (المصدر: فيسبوك الفنان)

يشارك روحانا في عزفه كلٌّ من إيلي خوري الذي يأتي من فرنسا، ونديم روحانا على الأكورديون، ومارك أبو نعوم على البيانو، إضافةً إلى مكرم أبو الحسن على الكونترباص، وزاد خليفة وإيلي يموني على الإيقاع.

وسيحرص شربل روحانا على تقديم مقطوعات موسيقية وأغنيات بنكهات متنوعة لكل الأذواق، من الشرقي الطربي، إلى الفلكلوري، والرومانسي كما السالسا، وغيرها.

وكان نقاش قد دار على وسائل التواصل، وعتب على لجنة المهرجانات أن تقيم حفلها في بيروت بدلاً من بعلبك، التي استَهدف محيطها القصف الإسرائيلي في الفترة الأخيرة، وهو عتب لا ردّ عليه، ما دامت الصور، وما يرِد في نشرات الأخبار، يكفي ليجيب، لكن شربل روحانا كتب مؤخراً رداً فنياً، من خلال أغنية جديدة: «أشكر كل أولئك الذين أثاروا هذا النقاش، وأوحوا لي بهذا العمل الذي لم يكن ضمن برنامجي في الحفل»، أما وأن السؤال قد طُرح، والأغنية قد كُتبت، فهو سيؤديها للحاضرين في تلك الأمسية المنتظرة، وتقول: «كنّا منتمنّى نطلع عَبعلبك، نعزف سوا، نغنّي سوا عَدراج بعلبك، لكن صار، صار اللي صار، رجعنا نزلنا على بيروت، وبالقلب بعلبك».

ويُكمل: «مهما إيّامي تغيَّروا بيضلّ بيتي حلو ونبيذي عتيق، مهما عيوني دمَّعوا، ولا مرّة ضَيَّعوا، رَح كمِّل الطريق، بيروت وبعلبك إخوة، والإخوة وقت الشِّدّة والفرح منعيدو، ببعلبك رح منزيدو».

منذ بداية الصيف، كانت لجنة المهرجانات قد اتخذت قرارها النهائي بإقامة هذا الحفل، مع شعور بأن بعلبك ستكون وجهة صعبة للفنانين كما الضيوف، وهي ليست المرة الأولى، للأسف، التي يتم فيها نقل حفل أو حفلات للمهرجانات، على أن تكون عودة بالطبع في السنة المقبلة، إلى القلعة الرومانية التي لها جمال لا يقاوَم.

وكان روحانا قد عزف في بعلبك عام 1999 مع فرقة أجنبية، وبمشاركة الفنانة فاديا طنب الحاج، وكانت ألحانه حاضرة بشكل غير مباشر، من خلال مسرحية استعراضية لفرقة «كركلا» خلال مهرجانات بعلبك، وكان روحانا يومها أحد كُتّاب الموسيقى التصويرية، وهذه المرة كان يتمنّى لو يُقام الحفل الذي يشارك فيه، في هذا المكان المهارب، لكن الظروف شاءت غير ذلك.

الثلاثي الأخوة جبران (فيسبوك الفنان سمير جبران)

وهذه هي المرة الأولى التي يتشارك فيها شربل روحانا المسرح مع الثلاثي جبران، رغم أن لقاءً جمعهم في أحد مهرجانات سلطنة عُمان قبل سنوات عدة.

خلال الأمسية، رغم أننا لن نرى الفرقتين معاً سوى في نهاية الحفل، فإنها ستكون متعة لمحبّي العود الذين سيتمكّنون من الاستمتاع بمعزوفات طوال نحو الساعتين، لمجموعة من أهم عازفي هذه الآلة الشرقية بالعالم العربي في حفل واحد.

نسأل شربل روحانا عن إحساسه وهو يحيي حفلاً في وقت بالغ الصعوبة، وتتباين الآراء بين مَن يرى في الحفلات الموسيقية الفنية صموداً في وجه الحرب، ومن يرى فيها لا مبالاة وخفة بالمآسي الإنسانية.

يشرح بأن بعض الشعوب العربية، خصوصاً اللبنانيين والفلسطينيين، يعيشون منذ 70 أو 80 سنة في حالة حرب، «نحن كل سنة أو سنتين عندنا سبب للحروب والتوتر، حتى صارت جزءاً من حياتنا اليومية».

ويتابع: «أريد أن أذكّر بأننا نعيش مرة واحدة، وهي تجربة لن تتكرّر لأي منّا لمرتين، لهذا أعتقد أننا بحاجة لمقومات نفسية كي نتمكن من الصمود».

الموسيقيون أيضاً بحاجة إلى التواصل مع الناس: «نحن نعيش مع الموسيقى وبها، وهذا له أبعاد نفسية ومعنوية ومادية. الحفلات هي وسيلتنا الوحيدة للتواصل مع الناس بطريقة سريعة وفعّالة تؤثر بالآخرين، وتجعلنا نتأثر بهم».

لكن الحفلات ليست كلها شيئاً واحداً، «الموسيقِي مواطِن كما الآخرين، يقع عليه عبء الأحداث، وتصيبه الهموم، وتضغط عليه النكبات، لهذا فإن الفرق يصبح بيّناً بين فنان وآخر من خلال الأسلوب»، لهذا فإن الجمهور يشعر من خلال الأداء بمدى ارتباط الفنان بمشاعره وقضاياه وهمومه، «أنا لست آتياً من سويسرا، ولا من مدينة كان، أنا ابن هذه البلاد، وأعرف أن مهمتي أصعب من موسيقيين غيري يعيشون في مكان أكثر رغداً وسكينة».

تتكرّر كلمة «فرح» ونحن نتحدّث مع شربل روحانا، يعتقد أن مهمته هي بث الأمل، وقليل من السرور في قلوب الناس. «ألف باء العمل الموسيقي هو إمتاع الناس، لذلك يجب على الأقل أن أكون هادئاً وقادراً على الاستمتاع، وأن أنزع عني كل ما يسيء إلى المزاج الموسيقي؛ كي أتمكّن من إمتاع غيري»، وهنا تكون المهمة أصعب؛ «لأنني النحّات والمنحوتة، وبوصفي موسيقياً يجب أن أوصل الفرح إلى الناس، وإذا لم أنجح في مهمتي سيتمنّون لو أنهم لم يأتوا لرؤيتي».

ويؤكّد تكراراً على مفهوم الأسلوب، والفنان نفسه ومدى تعاطيه وارتباطه ببيته ووطنه: «ينسى البعض أننا بدأنا العمل الموسيقي خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاماً، هذه الحرب لم يتوقف خلالها الإبداع الفني، لا، بل نتاجات تلك المرحلة كانت دسمة، وبقيت في الذاكرة، سواءً مسرحيات زياد الرحباني وأغنياته، أو أعمال مارسيل خليفة مثلاً أو الأخوين رحباني، وغيرهم».

ويقول وهو يتحدث عن صعوبة العمل الفني في الظروف الصعبة التي نعيشها: «أنا موسيقِي، وما أفعله أنني أقوم بعملي، وأمارس مهنتي، ولكلٍّ مهمته التي يجب أن يضطلع بها، لست جندياً ولا مقاتلاً، كلٌّ يقوم بمهمته التي يرى أنها تُرضيه، وتجلب له السعادة، مفهوم الفرح ليس واحداً لكل الناس، كلٌّ يبحث عن الطريق الذي يحقّق له الرضا، والذين سيحاسبونه على ما يقدّمه من خلاله هم الناس».