من ناصيف زيتون إلى الشامي... قصص نجاح استثنائية برعاية «الاحتكار الإيجابي»

غسّان شرتوني متفائل بمستقبل صناعة الموسيقى العربية ويدعو للاحتذاء بالنموذج السعودي

الفنانان ناصيف زيتون (يمين) والشامي (يسار) ورئيس مجلس إدارة «غلافا هولدينغ» غسان شرتوني
الفنانان ناصيف زيتون (يمين) والشامي (يسار) ورئيس مجلس إدارة «غلافا هولدينغ» غسان شرتوني
TT

من ناصيف زيتون إلى الشامي... قصص نجاح استثنائية برعاية «الاحتكار الإيجابي»

الفنانان ناصيف زيتون (يمين) والشامي (يسار) ورئيس مجلس إدارة «غلافا هولدينغ» غسان شرتوني
الفنانان ناصيف زيتون (يمين) والشامي (يسار) ورئيس مجلس إدارة «غلافا هولدينغ» غسان شرتوني

ليس الزمنُ زمنَ صناعة نجوم، بل بناءِ بشرٍ يتحصّنون بالعلم والثقافة ليصبحوا مؤثّرين فلا يكتفون بأن يكونوا فنانين. هذه هي القاعدة التي لطالما ارتكز إليها رئيس مجلس إدارة «غلافا هولدينغ» غسان شرتوني، كلّما وقّع عقد إدارة أعمال مع موهبةٍ موسيقية صاعدة.

إنها نظريّة الـ360 درجة التي يتمسّك بها شرتوني، والتي تقضي بأن يخضع الفنّانون المنضوون تحت لواء شركته لدوراتٍ في اللغات، والأداء الإعلامي، والصحة النفسية، وغيرها من التدريبات التي تسهم في «بناء الشخصية الفنية على أسس إنسانية وعلمية». إلّا أن هذه المقاربة الشاملة لا تقتصر على ذلك، بل فيها ما يشبه الاستحواذ على الفنان. مع العلم بأنّ شركتَي إدارة الأعمال «ميوزيك إز ماي لايف» والتوزيع «وتَري» المنبثقتَين عن مجموعته، تضمّان أسماء بارزة في عالم الأغنية مثل يارا، وناصيف زيتون، ورحمة رياض، والشامي، ومرتضى فتيتي، ولين حايك وغيرهم.

الفنانة رحمة رياض من نجمات شركة «ميوزيك إز ماي لايف» (إنستغرام)

فنانون «براند»

يشرح شرتوني تلك النظرية بالقول: «توقيع عقد 360 درجة مع الفنان يقضي بالإنتاج له وإدارة أعماله وتنظيم علاقته بالعلامات التجاريّة. وهذا يعني أنّ للشركة حصة أساسية من مداخيل الفنان كلّها، سواء كانت تلك الواردة من الحفلات، أو الإعلانات، أو الأفلام والمسلسلات التي يشارك فيها، إضافةً إلى إيرادات الاستماع إلى أغانيه على المنصات الرقميّة».

لا يوارب شرتوني بل يقرّ: «صحيح أننا نحتكر الفنان لكنه احتكار إيجابي يخدم مصلحته ويحوّله إلى (براند) أو ماركة». يتابع موضحاً: «نحتكره وهو لا مال لديه ثم يبدأ بكسب المال. نحتكره برِضاه ونحميه بالتالي من احتمالات التدمير الذاتي. نحصّنه بفريق عمل ونسلّحه بالعلم والمعرفة. غالبيّة نجومنا العرب لم تكن نهايتهم جيّدة، لأنهم لم يتحصّنوا بالعلم وبإدارة الأعمال التي تحميهم».

من أهداف شرتوني تحويل الموهبة إلى فنان والفنان إلى «براند» (غلافا هولدينغ)

قفزة رقميّة

قبل أسابيع اختارت منصة «ميوزيك بيزنس وورلدوايد» الإعلامية العالمية غسان شرتوني، كإحدى الشخصيات الرائدة في القطاع الموسيقي حول العالم. يعلّق بالقول إنّ هذه إحدى ثمار جُهدٍ متواصلٍ منذ سنوات طويلة؛ «جهدٌ بدأ في زمن لم يكن من الممكن الحديث فيه عن صناعة موسيقى، وهو مستمرّ في حقبة الأرقام والمداخيل وازدهار القطاع».

انطلقت رحلة شرتوني وشركاته مع إدارة أعمال الفنانين وتوزيع الأعمال الموسيقية ونشرها، في زمن طفرة القرصنة على شبكة الإنترنت، والتي قضت على مبيعات الكاسيت والسي دي آنذاك، مطيحةً بحقوق الفنانين وبغالبيّة شركات الإنتاج التقليديّة. «في وقتٍ فشلت غالبية الشركات في تحقيق تلك النقلة ما بين الزمن التقليدي والعصر الرقمي، حققنا القفزة»، يقول شرتوني.

الفنانة يارا من نجمات شركة «وتَري» (إنستغرام)

النموذج السعودي

يبدو متفائلاً حيال مستقبل قطاع صناعة الموسيقى في العالم العربي، معتبراً أنّ «السنوات العشر المقبلة ستحمل أثراً إيجابياً كبيراً على اقتصاد الدول العربية، إن هي عرفت الاستفادة من هذا القطاع». ينوّه هنا بالدور الذي لعبته المملكة العربية السعودية في هذا المجال، قائلاً «إن ما صنعته المملكة خلال 36 شهراً من خلال رؤيتها الموسيقية، تحتاج الدول إلى 30 سنة لإنجازه»، آملاً في أن يكون هذا النموذج مُعدياً لبلدان المنطقة.

وفق شرتوني، فإنّ نقاط القوة التي يمكن أن تخدم قطاع صناعة الموسيقى العربية هي «لغتنا التي توحّدناً، ولهجاتنا العابرة لحدودنا، إضافةً إلى عددنا الكبير». يدعمها كذلك كون الشعوب العربية عاطفيّة وتحب الموسيقى.

في المقابل، ما زال يعاني هذا القطاع من نقاط ضعف كغياب الاستثمارات، والنقص في شركات الإنتاج المتخصصة، وفي القدرات البشرية المحترفة من منتجين إلى مسوّقين وسائر المِهَن المرتبطة بصناعة الموسيقى. ويأسف شرتوني هنا لأنّ «الشركات العالمية جاءت لتستثمر فينا، ونحن لم نستثمر في أنفسنا».

«ميوزيك إز ماي لايف» و«وتَري» من بين أبرز شركات إدارة أعمال الفنانين والتوزيع في العالم العربي

لكن رغم ذلك فإنّ المشهد ليس قاتماً، إذ إن إيرادات الموسيقى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ارتفعت بنسبة 14.4 في المائة خلال 2023، متفوّقةً على النموّ العالمي بنسبة 10 في المائة. ويكشف شرتوني أن سوق الموسيقى العربية تحتل المرتبة 25 عالمياً في الوقت الحالي، متوقّعاً أن تخترق المراتب الـ10 الأولى خلال السنوات المقبلة. أما أهمّ ما سيدفع باتّجاه ذلك، وفق شرتوني، فهو ترسيخ ثقافة الاشتراك في المنصات الرقمية للبث الموسيقي؛ وهي ثقافة ما زالت غريبة على العرب الذين يتردّدون في تسديد مبلغ، ولو زهيد، مقابل الاستماع إلى الموسيقى.

أبرز قصص النجاح

بالعودة إلى قصص النجاح التي كتبتها «ميوزيك إز ماي لايف»، تبقى أبرزها الشراكة مع الفنان السوري ناصيف زيتون، والمستمرة منذ 12 سنة. كانت تجربة طليعيّة تَحوّل خلالها زيتون من فائزٍ في برنامجٍ للهواة، إلى أحد النجوم الأكثر استماعاً ومبيعاً في العالم العربي. يقول شرتوني إنّ «زيتون صار شريكنا ونفتخر به، كما أنه بات يملك شركة إنتاج خاصة به. معه خلقنا نموذجاً جديداً ونأمل في أن يُعمّم في العالم العربي».

لا تهمّ شرتوني العقود قصيرة الأمد مع الفنانين، بل يتطلّع إلى شراكاتٍ نوعيّة أساسها الاستمراريّة. والدليل على ذلك أنّ زيتون «بات يحضر اجتماعات مجلس الإدارة ويشارك في الدورات التدريبية، مع إبقاء الأولويّة للفن».

الشراكة مع الفنان ناصيف زيتون مستمرة منذ 12 سنة (إنستغرام)

أما قصة النجاح الثانية والتي ما زال حِبرُها رطباً، فهي تلك التي تُكتب حالياً مع النجم الصاعد «الشامي». انضمّ المغنّي السوري إلى «ميوزيك إز ماي لايف» ولمح فيه شرتوني أكثر من ظاهرة عابرة، بل تجربة موسيقيّة ستمتدّ سنوات. يقول إنه لم يخترع «الشامي»، بل إن «الشاب خرج من معاناة مزدوجة هي الحرب في بلده ثمّ وفاة شقيقه الأصغر في الغربة، والمعاناة تنجب الفن».

يقول شرتوني إن الفرق بين «الشامي» وعشرات المواهب الجديدة، أنه «جادّ وعلميّ في اللون الموسيقي الذي يكتب ويلحّن ويغنّي». ويضيف: «كثيرون غيره قصدونا ورفضناهم. فمن بين كل 100 موهبة نختار واحدة للعمل معها».

وفق شرتوني فإنّ الشامي ليس مجرّد ظاهرة عابرة (إنستغرام)

شركات للفنانين

يسعى شرتوني حالياً إلى زيادة عدد شركات التسجيل الفرعيّة من 4 أو 5 إلى 20، وهو كشف أنه يعمل على إطلاق شركات رقميّة لبعض الفنانين، ما سيمكّنهم من دخول مجال التجارة الإلكترونية، وتعزيز مكانتهم في السوق الرقميّة، بالتوازي مع تحقيقهم دخلاً إضافيّاً.

أما الوعد الأكبر الذي يقطعه على نفسه، فهو نشر موسيقى شركاته على نطاق عالميّ من خلال خلق مزيدٍ من القصص الناجحة والنجوم الملهمين.


مقالات ذات صلة

جماليات «البيتلز» والتراث الهندي في مهرجان القلعة المصري

يوميات الشرق أغنيات «البيتلز» ضيفة مهرجان القلعة (وزارة الثقافة المصرية)

جماليات «البيتلز» والتراث الهندي في مهرجان القلعة المصري

انطلقت فعاليات الدورة الـ32 لمهرجان القلعة بتكريم 11 شخصية مؤثّرة فنياً وأدبياً، وبحفل لعازفة «الماريمبا» نسمة عبد العزيز، والفنانة المصرية كارمن سليمان.

محمد الكفراوي (القاهرة)
الوتر السادس {بالمختصر المفيد} للفنان مدحت صالح عنوان أحدث ألبوماته ويضم 11 أغنية جديدة (حسابه على {فيسبوك})

الألبومات الغنائية تنتعش بعد فترة من الركود بمصر

بعد فترة من الركود، شهدت الألبومات الغنائية انتعاشة لافتة في مصر بموسم الصيف الجاري

أحمد عدلي (القاهرة)
الوتر السادس الفنانة المغربية جنات (حسابها على «إنستغرام»)

جنات لـ«الشرق الأوسط»: ذوق المستمعين تغيّر

تستعد المطربة المغربية جنات لإطلاق أغنيتها الجديدة «خلصتني»، لتكون باكورة أغنياتها لعام 2024، بعد أن أطلقت عدداً من الأغنيات السريعة خلال الفترة الماضية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق عازف العود السوري سلام بشر (الشرق الأوسط)

سلام بشر يعزف مقطوعات تراثية وعالمية بمصاحبة «موسيقى الحجرة»

يمزج الفنان السوري سلام بشر بين المقطوعات الموسيقية العربية التراثية وبين الموسيقى العالمية، في حفل بـ«بيت العود العربي» في القاهرة.

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق يلتقط عشاق المغنية الأميركية تايلور سويفت صوراً لجدارية في ويمبلي قبل حفل جولتها الموسيقية 14 أغسطس 2024 (د.ب.أ)

من لندن... تيلور سويفت تستأنف جولتها الموسيقية بعد تهديدات إرهابية

تعود المغنية الأميركية، تيلور سويفت، لتقديم عروضها، الخميس، في العاصمة البريطانية لندن، مستأنفة أكبر جولة موسيقية على الإطلاق في العالم وسط إجراءات أمنية مشددة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

الفطرة الإنسانية بأعمال 14 فناناً في معرض بالإسكندرية

إحدى اللوحات ضمن المعرض (مكتبة الإسكندرية)
إحدى اللوحات ضمن المعرض (مكتبة الإسكندرية)
TT

الفطرة الإنسانية بأعمال 14 فناناً في معرض بالإسكندرية

إحدى اللوحات ضمن المعرض (مكتبة الإسكندرية)
إحدى اللوحات ضمن المعرض (مكتبة الإسكندرية)

في محاولة لاكتشاف أبعاد الفطرة الإنسانية، والبحث عن جذور البراءة والتلقائية، شارك 14 فناناً في معرض بعنوان «أول مرة #30»، المُقامة دورته الـ18 في قاعات مكتبة الإسكندرية، والمُستمر حتى 21 من أغسطس (آب) الحالي.

جميع الفنانين المُشاركين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً، وجاءت مشاركاتهم معبِّرةً عن تجارب متنوّعة في مجالات التصوير والنحت والحفر والرسم والخزف والتصوير الفوتوغرافي، عبر رؤى تشكيلية عن بداية الخلق وظهور الإنسان على الأرض.

ومن الأعمال المُشاركة، ما قدّمه الفنان إبراهيم عوض، مُستخدماً خامة الطين، إذ رآها تناسب تماماً فكرة منحوتاته التي تكشف ملامحها عن رغبة في العودة إلى أصل الحياة على الأرض، والخلاص من التشوُّهات المتراكمة في النفس البشرية عبر العصور.

مجموعة خزفية للفنانة دعاء عيد (مكتبة الإسكندرية)

بينما صوّر الفنان إيهاب فراج الإنسان في أطوار عدّة؛ مرة في سعيه للانعتاق من القيود والانطلاق لاكتشاف المجهول، وأخرى في تحرُّكه للحصول على قوت يومه. وقد استعان بصورة واحدة لشخص صنعه من المعدن، فارغ الطول، ذي ملامح حادّة، وجعله تارة محاطاً بشبكة عنكبوتية يسعى إلى تحطيمها، وأظهره تارةً بالشبكة عينها، ضمن وضعية مختلفة، ليبدو كأنه خارج على قارب يستخدمه في رحلة صيد ليكسب من خلاله لقمة عيشه.

انطلقت الدورة الأولى من المعرض عام 2006 لتجسيد فكرة جديدة لمشروع تحتضنه مكتبة الإسكندرية بعرض أعمال فنانين شباب أصحاب تجارب حديثة. وهو يختلف عن معارض الشباب الأخرى بإعطاء مساحة كبيرة لمشاركين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً لعرض تجاربهم باستفاضة، كأنّ كلاً منهم يحظى بفرصة إقامة معرض فردي خاص به.

لوحات حفر في معرض «أول مرة» (مكتبة الإسكندرية)

من الأعمال اللافتة أيضاً لوحات الفنان آدم موسى باللونين الأبيض والأسود، إذ بدت شخصياته كأنها منحوتات على سطح الأوراق؛ ملامحها بريئة وقد صوّرها بملابس شعبية كأنها قادمة من زمن قديم، تحاول استعادته من شرفاتها، بينما تنصت إلى مذياع يستعير وجوده من أثير بلا تشوّهات، بعيداً عن زمن مواقع التواصل.

الروح عينها تبدو في لوحة أخرى صوَّر فيها موسى طفلاً شارداً يجلس على كرسي في ساحة، بينما تبدو البيوت مختفيةً خلف غابة ضبابية تختلط فيها ملامح الأشياء والتفاصيل.

وإلى التصوير الفوتوغرافي، تنقلنا أعمال الفنان أحمد كوته بواقعيتها، فيصوّر مَشاهد حيّة من العاصمة المصرية، منها ما يُظهر جموع الزحام في محطة لمترو الأنفاق، فتبدو الشخصيات كأنها جزر منعزلة، كلٌ مشغول بنفسه. كما يتفاعل الظلّ والنور في اللوحات، ويترك تأثيراته في ملامح الشخوص.

وتبرز أعمال الفنانة دعاء عيد الخزفية المبهجة التي ركزت فيها على محبّة الحياة، فتبدو بخفّتها كأنها تطير في فضاء آمن، أو تنام في حراسة عرائس ملائكية، جعلت منظّمي المعرض، وفق الدكتور جمال حسني، مدير إدارة المعارض والمقتنيات بمكتبة الإسكندرية، يبرزون عرضها داخل القسم الخاص بها.

قال حسني لـ«الشرق الأوسط»: «تتجاور الأعمال لتُظهر حالة بانورامية تتنوّع في اتجاهات قدّمها فنانون جاءوا من محافظات مختلفة؛ من قنا والقاهرة والإسكندرية والغردقة، وقد حظي كل فنان بمساحة عرض كبيرة تظهر تجربته بشكل ناضج، وتتيح فرصة لرؤيتها بشكل شبه متكامل. ومن هذه الأعمال ما قدّمته دعاء عيد ضمن 4 مجموعات من الفخار الملوَّن».

جانب من معرض «أول مرة» (مكتبة الإسكندرية)

ولفت إلى أنّ «أعمال التصوير الفوتوغرافي من الأبيض والأسود التي شارك فيها أحمد كوته تُظهر نوعاً من دراما تتشكّل من تعانُق الضوء والظلّ الذي تُظهره لوحات تُصوّر جوانب من حياة البشر خلال سعيهم اليومي في القاهرة».

لقطة من افتتاح معرض «أول مرة» (مكتبة الإسكندرية)

وتحدّث حسني عن لوحات آدم موسى صاحب الـ18 عاماً، قائلاً: «تبدو فيها حرفيته وموهبته المدهشة في رسم الشخصيات الممتلئة بالمشاعر والانفعالات التي تختزنها أرواحها، وتظهر واضحة على ملامحها التي تعاني اغترابها ومحاولاتها للبحث عن لحظات للتحقُّق».