«فنّ الاندماج البصري» لطوني ناصيف: أرقام وحسابات في لعبة فنّية

يجمع في لوحاته الهندسة و«الميكسد ميديا» والرسم

طوني ناصيف يضع اختصاصه في خدمة لوحاته (الشرق الأوسط)
طوني ناصيف يضع اختصاصه في خدمة لوحاته (الشرق الأوسط)
TT

«فنّ الاندماج البصري» لطوني ناصيف: أرقام وحسابات في لعبة فنّية

طوني ناصيف يضع اختصاصه في خدمة لوحاته (الشرق الأوسط)
طوني ناصيف يضع اختصاصه في خدمة لوحاته (الشرق الأوسط)

«حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر»... هذا مثل شعبي رائج في لبنان. فعندما لا يتوافق أحدهما مع الآخر، تكون الخسارة آتية. ولكن في معرض «فنّ الاندماج البصري» بغاليري «غاليريست» في بيروت، الحسابات تثمر النتائج المرجوّة.

فالفنان التشكيلي اللبناني، المهندس طوني ناصيف، ينطلق من قواعد اختصاصه ليُترجم أفكاره، فيجمع فيها أكثر من تيمة، ويقولبها في خلطة من الرسم واللصق و«الميكسد ميديا» والطباعة. أما أسلوبه فيرتكز على فكرة يشرّحها بالقلم والمسطرة، ويضع حساباتها الهندسية بالطول والعرض، ليدمج هذه العناصر، فتولّد اللوحة بأبعادها المختلفة.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «لتخصُّصي في علم الهندسة، كان من البديهي أن يشكّل نقطة البداية لكل لوحة أنفّذها. التدقيق في تفاصيل الأعمال المعروضة يُبيّن خطوطاً مستقيمة تفصل الموضوعات عن بعضها ضمن اللوحة الواحدة. هذا الوضوح في الحسابات الهندسية حاولت كسره بورق الاستشفاف (Papier calque). فطبيعته المغبشّة تتيح نوعاً من الغموض».

لوحات بموضوعات مختلفة يتضمّنها معرض «اندماج الفنّ البصري» (الشرق الأوسط)

كلّما اقتربتَ من لوحات طوني ناصيف جذبتك تقنيته، فتغوص لاشعورياً في موضوع اللوحة، لتتمكّن من تحليلها، والتفكير في منبعها وانتمائها، لتكتشف في أحيان ركونه إلى حليّ زوجته أو إلى قطعة إلكترونية ورقائق كومبيوتر، وكذلك إلى جزء صغير من سجادة وحجر سيراميك.

هذا الاندماج البصري الفنّي، الذي يتبعه، لا يقتصر على صور لوحاته، فيطول أيضاً أسماءها؛ لتُذكّرك بفنون الهندسة: «المقدمة»، و«خارج الفضاء»، و«المتحدر الخلفي»، و«الأعلى والأسفل»... وكذلك يركن إلى عناوين مُحمَّلة بالحلم والفلسفة، كما في لوحات «الأعلى والأسفل»، و«شروق الشمس الأسود»، و«السفر عبر الزمن». يوضح: «أشاء دائماً مدّ الجسور بين والوقع والخيال. يحفّزني هذا الخليط لاستحضار الماضي إلى الحاضر. وهناك ما يشير إلى هذا التمازج في معظم أعمالي. أحياناً تكون ساعة الوقت أو القطار أو موسيقى فريق معيّن هي مصدر إلهامي».

ويتابع أنه تأثّر بأغنيات «بينك فلويد» و«سانتانا»، وطبعته أساليب رسامين، أمثال: بيار إيف تريموا، وموريتز كونليس إيشر، بالإضافة إلى أصحاب تعدُّد وجهات النظر في الفنون التشكيلية.

يستمرّ المعرض حتى 6 يوليو في «غاليريست» ببيروت (الشرق الأوسط)

أرقام ودوائر وعبارات وأحرف وعقارب ساعة وعمارات وطائرات وغيرها من صور مطبوعة، يدمجها طوني ناصيف مع مواد مختلفة، فتؤلّف مع ريشته مشهدية فنّية خاصة، وقد ركن إلى الخشب والحديد والأقمشة لتزويدها بمعانٍ ورموز. يعلّق: «إنها ما نسمّيه في مهنتنا الـ(mis en page) أو فنّ التنسيق. وأحياناً ألوّنها بمواد أو بأحرف وبأعداد لتبدو أكثر ديناميكية وتخدم اللوحة».

تحضر أفريقيا في لوحات معرض «فنّ الاندماج البصري»، فالفنان يجدها أرضاً خصبة لتوليد الأفكار: «قساوتها وجفافها، كما غاباتها العذراء والصحاري فيها؛ تُلهمني كثيراً. لم أزرها، لكنني تعمّقتُ بطبيعتها وصرت أعرفها جيداً»، فيتجلّى حبّه للقارة السمراء في لوحات عدّة، منها «روح سافانا».

أما في لوحته «نحن وهم» فتبرز موهبته في الرسم وهي تذوب بفنّ «الكولاج»، وتتخلّلها عبارة مكتوبة بأحرف فرنسية صغيرة تدعو إلى بذل كل ما في وسعنا من أجل الشريك: «أحياناً، يكون للعبارات في اللوحة معنى ينبع من فلسفة معيّنة. ولكن في أحيان أخرى نعيش من خلال اصطفاف مُبعثَر للأحرف حالة مبهمة. هنا يحضر هذا المزيج بين الحلم والواقع والحقيقة والخيال».

أرقام وحسابات في لعبة فنّية (الشرق الأوسط)

ملاحظات كثيرة يمكن تدوينها خلال الجولة في المعرض. فهنا إطار لقطار الزمن يُشبه العملة المعدنية، وهناك عين جاحظة تُحدّق بناظرها. وفي ثالثة يجذبك هذا التأثّر الواضح بالموسيقى، فنرى أسطوانة قديمة مصنوعة من الأسفلت تندمج بشَعر أسود لامرأة أنيقة، وطيف امرأة بالأبيض وشريكها من زمن آخر تتوسّطهما أسطوانة مدمجة في حوارهما الصامت. في حين يأخذنا بلوحة «نغمات تتحرّك» إلى وجه امرأة من حقبة الخمسينات.

ونبلغ الختام في لوحة «أو بيروت»، ففيها يتناول طوني ناصيف انفجار المرفأ في 4 أغسطس (آب) 2020، وتتألّف من مواجهات بين الدمار والعمار، ومن بيوت بيروت التراثية الجميلة المتأذّية، يتصدّرها عمود كهربائي تكسّر بفعل العصف، فتشرذمت شرائطه وانحنى حزناً على مدينة منكوبة.


مقالات ذات صلة

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

يوميات الشرق شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

تُعدّ لوحات الفنان السوري ماهر البارودي بمنزلة «شهادة دائمة على معاناة الإنسان وقدرته على الصمود».

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

احتفل فن أبوظبي بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم.

عبير مشخص (أبوظبي)
يوميات الشرق أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها، الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع...

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)

تكريم الفائزين بجائزة «الملك سلمان للغة العربية»

الجائزة تهدف إلى تكريم المتميزين في خدمة اللُّغة العربيَّة (واس)
الجائزة تهدف إلى تكريم المتميزين في خدمة اللُّغة العربيَّة (واس)
TT

تكريم الفائزين بجائزة «الملك سلمان للغة العربية»

الجائزة تهدف إلى تكريم المتميزين في خدمة اللُّغة العربيَّة (واس)
الجائزة تهدف إلى تكريم المتميزين في خدمة اللُّغة العربيَّة (واس)

كرّم مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية الفائزين بجائزته في دورتها الثالثة لعام 2024، ضمن فئتي الأفراد والمؤسسات، في 4 فروع رئيسية، بجوائز بلغت قيمتها 1.6 مليون ريال، ونال كل فائز بكل فرع 200 ألف ريال، وذلك برعاية وزير الثقافة السعودي رئيس مجلس أمناء المجمع الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان.

وتشمل فروع الجائزة تعليم اللُّغة العربيَّة وتعلُّمها، وحوسبة اللُّغة وخدمتها بالتقنيات الحديثة، وأبحاث اللُّغة ودراساتها العلميَّة، ونشر الوعي اللُّغوي وإبداع المبادرات المجتمعيَّة اللُّغويَّة.

ومُنحت جائزة فرع «تعليم اللُّغة العربيَّة وتعلُّمها» لخليل لوه لين من الصين في فئة الأفراد، ولدار جامعة الملك سعود للنَّشر من المملكة العربيَّة السُّعوديَّة في فئة المؤسسات، فيما مُنحت في فرع «حوسبة اللُّغة العربيَّة وخدمتها بالتقنيات الحديثة»، لعبد المحسن الثبيتي من المملكة في فئة الأفراد، وللهيئة السُّعوديَّة للبيانات والذكاء الاصطناعي «سدايا» في فئة المؤسسات.

جائزة فرع «تعليم اللُّغة العربيَّة وتعلُّمها» لخليل لوه لين من الصين في فئة الأفراد (واس)

وفي فرع «أبحاث اللُّغة العربيَّة ودراساتها العلمية»، مُنحَت الجائزة لعبد الله الرشيد من المملكة في فئة الأفراد، ولمعهد المخطوطات العربيَّة من مصر في فئة المؤسسات، فيما مُنحت جائزة فرع «نشر الوعي اللُّغوي وإبداع المبادرات المجتمعيَّة اللُّغويَّة» لصالح بلعيد من الجزائر في فئة الأفراد، ولمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة من الإمارات في فئة المؤسسات.

وتهدف الجائزة إلى تكريم المتميزين في خدمة اللُّغة العربيَّة، وتقدير جهودهم، ولفت الأنظار إلى عِظَم الدور الذي يضطلعون به في حفظ الهُويَّة اللُّغويَّة، وترسيخ الثَّقافة العربيَّة، وتعميق الولاء والانتماء، وتجويد التواصل بين أفراد المجتمع العربي، كما تهدف إلى تكثيف التنافس في المجالات المستهدَفة، وزيادة الاهتمام والعناية بها، وتقدير التخصصات المتصلة بها؛ لضمان مستقبلٍ زاهرٍ للُّغة العربيَّة، وتأكيد صدارتها بين اللغات.

وجاءت النتائج النهائية بعد تقييم لجان التحكيم للمشاركات؛ وفق معايير محددة تضمَّنت مؤشرات دقيقة؛ لقياس مدى الإبداع والابتكار، والتميز في الأداء، وتحقيق الشُّمولية وسعة الانتشار، والفاعليَّة والأثر المتحقق، وقد أُعلنت أسماء الفائزين بعد اكتمال المداولات العلمية، والتقارير التحكيميَّة للجان.

وأكد الأمين العام للمجمع عبد الله الوشمي أن أعمال المجمع تنطلق في 4 مسارات، وهي: البرامج التعليمية، والبرامج الثقافية، والحوسبة اللغوية، والتخطيط والسياسة اللغوية، وتتوافق مع استراتيجية المجمع وداعمةً لانتشار اللغة العربية في العالم.

تمثل الجائزة إحدى المبادرات الأساسية التي أطلقها المجمع لخدمة اللُّغة العربيَّة (واس)

وتُمثِّل الجائزة إحدى المبادرات الأساسية التي أطلقها المجمع؛ لخدمة اللُّغة العربيَّة، وتعزيز حضورها، ضمن سياق العمل التأسيسي المتكامل للمجمع، المنبثق من برنامج تنمية القدرات البشرية، أحد برامج تحقيق «رؤية المملكة 2030».