فلسطين نجمة افتتاح مهرجان عمّان السينمائي الدولي

الأميرة ريم علي لـ«الشرق الأوسط»: لا احتفال هذه السنة بل احتفاء بقصصنا العربية في وجه التضليل

الممثلتان الأردنيتان تارا عبود وسارة يوسف في افتتاح مهرجان عمّان السينمائي الدولي (إدارة المهرجان)
الممثلتان الأردنيتان تارا عبود وسارة يوسف في افتتاح مهرجان عمّان السينمائي الدولي (إدارة المهرجان)
TT

فلسطين نجمة افتتاح مهرجان عمّان السينمائي الدولي

الممثلتان الأردنيتان تارا عبود وسارة يوسف في افتتاح مهرجان عمّان السينمائي الدولي (إدارة المهرجان)
الممثلتان الأردنيتان تارا عبود وسارة يوسف في افتتاح مهرجان عمّان السينمائي الدولي (إدارة المهرجان)

بغياب السجّادة الحمراء ونغمات الموسيقى، دخل ضيوف «مهرجان عمّان السينمائي الدولي - أول فيلم» ونجومه إلى صرح «مركز الحسين الثقافي» في العاصمة الأردنيّة. لا تُخفي إدارة المهرجان أنّ التردّد هذا العام كان سيّد الموقف؛ لم يكن من السهل التفكير في تنظيم المهرجان، وغزّة تئنّ على مرمى حجر.

«ندرك أن اللحظة صعبة في المنطقة العربية، تحديداً على أهل فلسطين وغزة، لكن كان من الضروريّ أن نشعر بأننا نفعل شيئاً من أجلهم ونقول لهم إننا معهم. تمسَّكنا بالمهرجان وتَحرّرنا من السجّادة الحمراء»، هكذا تختصر رئيسة المهرجان الأميرة ريم علي لـ«الشرق الأوسط» قرار إطلاق النسخة الخامسة منه. وبناءً على ذلك، أُطلق على هذه الدورة شعار «احكيلي»، لأن «لا وقت أهم من هذا الوقت لرواية حكاياتنا العربية، فيما نشهد على تشويهها وتضليل السرديّة»، على ما تقول ريم علي. وتضيف: «هذه السنة، نحن لا نقيم احتفالاً بل نحتفي بسَرد القصص التي تعكس هويتنا».

تحت شعار «احكيلي» انطلق مهرجان عمّان السينمائي ويستمر 10 أيام (الشرق الأوسط)

السوسنة السوداء

تُرافق عنوانَ المهرجان العريض رموزٌ تعكس هوية المنطقة كالمطرّزات الفلسطينية والأردنية، أما الرمز الثابت فهو السوسنة السوداء. تلك الزهرة الوطنية الأردنية النادرة، التي تنبت وسط ظروف مناخية قاسية حتى أنها قد تنمو على أطراف البادية، اتّخذت منها جوائز المهرجان شعاراً. على سعفة «السوسنة السوداء» ومجموعة من الجوائز المالية، تتنافس هذا العام عشرات الأفلام من المنطقة العربية. أما الفئات المكرّمة فهي أفضل فيلم روائي طويل، وأفضل فيلم وثائقي طويل، وأفضل وثائقي قصير، يتمّ اختيارها من قبل لجان تحكيم متخصصة مكوّنة من مخرجين ومنتجين وممثلين وسائر العاملين في صناعة السينما. وللجمهور كذلك كلمته، فهو يمنح الجائزة الرابعة لأفضل فيلم غير عربي.

رئيسة المهرجان الأميرة ريم علي وزوجها الأمير علي بن الحسين وولداهما (إدارة المهرجان)

القاسم المشترك بين الأفلام الـ52 الحاضرة في المهرجان، أنها تشكّل تجارب سينمائية أولى لصنّاعها، إذ يُخَصَص المهرجان لعرضٍ أوّل للأفلام بالنسبة إلى مخرجيها، وكتّابها، أو ممثّليها الرئيسيين. تشدّد مديرة المهرجان ندى دوماني، في حديث مع «الشرق الأوسط»، على تلك الخصوصيّة. تشبّه هذا الحدث الثقافي بـ«الصوت الجديد الذي يحتفي بالسينما العربية وبالإنجازات الأولى لصنّاع الأفلام».

دعونا نروي حكاياتنا

على هذا الأساس، وانطلاقاً كذلك من توجيه التحية إلى فلسطين، جرى اختيار فيلمَي سهرة الافتتاح. الأوّل قصير بعنوان «لا» جرى تصويره تحت القصف في غزة، أما الثاني فوثائقي طويل بعنوان «باي باي طبريّا» من إخراج لينا سويلم وبطولة الممثلة الفلسطينية المخضرمة هيام عباس.

تخلّى المهرجان هذا العام عن السجادة الحمراء والموسيقى احتراماً للأوضاع في غزة (الشرق الأوسط)

بعد اللقاءات والتقاط الصور التذكارية وتبادل الأحاديث بين مدعوّي المهرجان، انتقل الجميع إلى قاعة المسرح حيث اعتلت الأميرة ريم علي الخشبة لتعلن الافتتاح قائلةً: «دعونا نروي حكاياتنا للعالم، لأنّ رواية حكاياتنا تذكّرنا بإنسانيتنا في وجه من يشوّهونها». وفي حضور زوجها الأمير علي بن الحسين، توجّهت ريم علي بالشكر للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني «المحبّ والداعم للسينما مما أسهم ازدهاراً لها في الأردن».

«لا» من غزة

أُطفئت أنوار القاعة إيذاناً لأبطال غزة بالإطلالة عبر الشاشة الكبيرة. الفيلم قصير وهو من إخراج هنا عليوة. كما يشير عنوانه، فهو يقول «لا» لكل من يمنع الحياة عن الغزيين. تسير المخرجة بين الركام في القطاع، تبحث عن حكايات سعيدة ترويها من قلب الدمار والموت. تجد ضالّتها في مجموعة من الشبّان والأطفال الذين يقاومون هدير الطيران ودويّ القذائف بالغناء. توثّق ضحكاتهم وإيقاعاتهم التي يتحايلون فيها على الحزن.

المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي مقدّماً مشروع «من المسافة صفر» (الشرق الأوسط)

«الوثائقي» جزء من مشروع «من المسافة صفر»، وهو سلسلة من الأفلام القصيرة التي جرى تصويرها تحت القصف في غزة، وهي تواكب يوميات الناس ومعاناتهم من دون تمثيل ولا تجميل. قاد المشروع المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي أكد أنه لا صوت يعلو فوق حكايات الغزيين في هذه اللحظة الأليمة. أما ريم علي، فقد وصفت المشروع بأنه «قمّة الشجاعة»، ولاقتها ندى دوماني بالقول إنه «تأكيد على أن السينما حياة».

باي باي طبريّا

يصعد فريق فيلم الافتتاح إلى الخشبة. هم ليسوا فريقاً إنما عائلة؛ المخرجة لينا سويلم مع والدتها الممثلة الفلسطينية هيام عباس وشقيقاتها الثلاث. هي لحظة مؤثّرة، بما أنّ سيّدات العائلة أتين ليروين حكاية أربعة أجيال من النساء اللواتي تناقلن شعلة الحب وتمسّكن بالجذور، من قرية دير حنا في الجليل، وصولاً إلى باريس وهوليوود.

الممثلة الفلسطينية هيام عباس مع شقيقتيها وابنتها المخرجة لينا سويلم (إدارة المهرجان)

هيام عباس المعروفة بشخصيتها الصلبة لا تقاوم دموعها. للمرة الأولى، هي تشارك الجمهور قصتها الشخصية ولا تؤدّي قصص الآخرين. تُعرّف الحضور باكيةً على شقيقاتها الآتيات خصيصاً من فلسطين ليشاهدن الفيلم الذي مثّلن فيه، للمرة الأولى. تعبّر الشقيقات عن فخرهنّ بهيام التي صارت نجمةً عالمية، هي التي طارت محمّلةً بأحلامها من قرية فلسطينية صغيرة قبل 4 عقود.

بين الدموع والضحكات وسَردٍ لحكاية شعب من خلال حكاية عائلة، يدور الفيلم دورته لينتهي بتصفيق الجمهور المتأثّر.

مديرة المهرجان ندى دوماني والممثل التونسي ظافر العابدين (إدارة المهرجان)

المحتوى قبل الاحتفال

يؤكّد اختيار وثائقي «باي باي طبريّا» على الأولوية التي وضعها مهرجان عمّان السينمائي الدولي نصب عينَيه؛ «المحتوى ثم المحتوى». تقول ندى دوماني: «لا نركّز على الاحتفاليّة بقَدر ما نركّز على المحتوى»، وتضيف مديرة المهرجان: «لا يعنينا أن نكبر بسرعة بقدر ما يهمنا أن تكون خطواتنا مدروسة». هذه الانتقائية تنعكس على تفاصيل المهرجان كافةً، من اختيار الأفلام والمشاركين، وليس انتهاءً بتخصيص مساحة واسعة للمواهب الناشئة.

تعبّر الأميرة ريم علي عن فخرها بهؤلاء الشبّان والشابات الذين انطلقوا من قلب المهرجان، وتضيف: «قد لا تسمح لنا ميزانيتنا بمنافسة المهرجانات الأخرى، لكن هذا طريقنا. أسس زوجي الهيئة الملكية للأفلام قبل 21 سنة، وكان لا بد أن نكمّل مهمتها من خلال مهرجانٍ يركّز على الشباب والشابات ويمنحهم فرصة التطور. نشجّعهم على صناعة أفلامهم الأولى، وهذا يعود بالثراء على السينما العربية بشكل عام والأردنية بشكل خاص».


مقالات ذات صلة

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )
سينما  مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» بمفاجأة رائعة

محمد رُضا‬ (القاهرة)
سينما دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق الفنان المصري أحمد زكي قدم أدواراً متنوعة (أرشيفية)

مصر تقترب من عرض مقتنيات أحمد زكي

أعلن وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد فؤاد هنو عن عرض مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، ضمن سيناريو العرض الخاص بمركز ثروت ‏عكاشة لتوثيق التراث.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

عرض مسرحي
عرض مسرحي
TT

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

عرض مسرحي
عرض مسرحي

نثر مهرجان للمسرح، أقيم في درنة الليبية بعضاً من الفرح على المدينة المكلومة التي ضربها فيضان عارم قبل أكثر من عام.

ومع حفلات للموسيقى الشعبية الليبية والأغاني التقليدية، استقطب افتتاح المهرجان أعداداً كبيرة من سكان درنة وفنانين وممثلين ليبيين وغيرهم من الضيوف الفنانين من بعض الدول العربية، أبرزها سوريا والأردن ومصر وتونس.

الفنان صابر الرباعي

واختتم، مساء الخميس، المهرجان الذي استهل أعماله بحفل غنائي أحياه الفنان صابر الرباعي، على مسرح المدينة الرياضية، وسط حضور جماهيري وفني، محلي ومن دول عربية من بينها مصر وتونس.

وتحت شعار «درنة عادت، درنة الأمل»، دعا المهرجان سبع فرق: خمساً من ليبيا، وفرقةً من مصر، وأخرى من تونس.

أحد العروض

وعُرضت أعمال عديدة من بينها مسرحية «خرف» لفرقة الركح الدولي من بنغازي، التي أثنى عليها الجمهور، من حيث الأداء المميز لجميع الفنانين المشاركين، كما عرضت مسرحية «صاحب الخطوة» لفرقة المسرح القوريني من مدينة شحات، وجاء العرض مليئاً بالرسائل العميقة، وقد نال إعجاب الحضور.

وأعلنت إدارة المهرجان عن توزيع جوائز للأعمال المشاركة، بالإضافة لتكريم عدد من نجوم الفن في ليبيا ودول عربية.

وحاز جائزة أفضل نص دنيا مناصرية من تونس، عن مسرحية «البوابة 52»، بينما حصلت الفنانة عبير الصميدي من تونس على جائز أفضل ممثلة عن العمل نفسه.

ومن ليبيا حاز الفنان إبراهيم خير الله، من «المسرح الوطني» بمدينة الخمس، جائزة أفضل ممثل عن مسرحية «عرض مسرحي للبيع»، وذهبت جائزة أفضل إخراج للمخرج منير باعور، من المسرح الوطني الخمس عن مسرحية «عرض مسرحي للبيع».

عرض مسرحي

كما كرمت إدارة المهرجان الفنان المصري أحمد سلامة، والفنانة عبير عيسى، والإعلامية صفاء البيلي؛ تقديراً «لإسهاماتهم القيمة في مجال الفن والمسرح». وقالت إدارة المهرجان إن هذا التكريم «يعكس التقدير والاحترام للفنانين الذين ساهموا في إثراء الثقافة والفنون، ويعزّز من أهمية دعم المواهب الفنية في المجتمع».

وكانت الدورة السادسة لمهرجان «درنة الزاهرة»، وهو اللقب الذي يُطلق على هذه المدينة المعروفة بأشجار الياسمين والورد، قد ألغيت العام الماضي بسبب الدمار الذي طال معظم مبانيها التاريخية جراء الكارثة.

في ليلة 10 إلى 11 سبتمبر (أيلول) 2023، ضربت العاصفة «دانيال» الساحل الشرقي لليبيا، ما تسبّب في فيضانات مفاجئة تفاقمت بسبب انهيار سدين في أعلى مدينة درنة. وخلفت المأساة ما لا يقل عن 4 آلاف قتيل وآلاف المفقودين وأكثر من 40 ألف نازح، حسب الأمم المتحدة.

مسرح جامعة درنة

وتقول الممثلة المسرحية التونسية عبير السميتي، التي حضرت لتقديم مسرحية «الباب 52»، لـ«وكالة الأنباء الفرنسية»، «هذه أول مرة آتي فيها إلى هنا. بالنسبة لي، درنة اكتشاف. كنت متشوقة للمجيء. عندما نصل إلى هنا، نشعر بالألم، وفي الوقت نفسه، نشعر بالفرح وبأن الشعب كله لديه أمل».

بدورها، ترى الممثلة والمخرجة الليبية كريمان جبر أن درنة بعدما خيّم عليها الحزن، عادت إلى عهدها في «زمن قياسي».

جانب من تكريم الفنانين في مهرجان للمسرح في درنة الليبية (إدارة المهرجان)

ومن الكنوز المعمارية الشاهدة على الماضي الفني والأدبي الذي فقدته درنة في الفيضانات، «بيت الثقافة»، وخصوصاً «دار المسرح»، أول مسرح تم افتتاحه في ليبيا في بداية القرن العشرين.

وفي انتظار إعادة بنائه، اختارت الجهة المنظمة إقامة المهرجان على خشبات «المسرح الصغير» بجامعة درنة.

تكريم الفنانة خدوجة صبري بمهرجان للمسرح في درنة الليبية (إدارة المهرجان)

وقال المدير الفني للمهرجان نزار العنيد: «كلنا نعرف ما حدث في درنة العام الماضي، أصررنا على أن يقام المهرجان (هذا العام) حتى لو كان المسرح لا يزال قيد الإنشاء».

وأوضحت عضوة لجنة التحكيم، حنان الشويهدي، أنه على هامش المهرجان، «يُنظَّم العديد من الندوات وورش العمل التدريبية المهمة للممثلين والكتاب المسرحيين الشباب».

وتقول الشويهدي: «الصورة التي تقدمها درنة اليوم تُفرح القلب، رغم الموت والدمار»، معتبرة أن المدينة المنكوبة تظهر «بوجه جديد؛ درنة تستحق أن تكون جميلة كما يستحق سكانها أن يفرحوا».