«ناصر الوهبي» أمين سر جماليات «الربع الخالي» ومعالمه الطبيعية

قضى 3 عقود في تتبع تفاصيله وتأملها

«بحيرة أم الحيش» جوهرة تائهة في أعماق الربع الخالي (تصوير: ناصر الوهبي)
«بحيرة أم الحيش» جوهرة تائهة في أعماق الربع الخالي (تصوير: ناصر الوهبي)
TT

«ناصر الوهبي» أمين سر جماليات «الربع الخالي» ومعالمه الطبيعية

«بحيرة أم الحيش» جوهرة تائهة في أعماق الربع الخالي (تصوير: ناصر الوهبي)
«بحيرة أم الحيش» جوهرة تائهة في أعماق الربع الخالي (تصوير: ناصر الوهبي)

وسط بحر من الرمال الناعمة، يشق ناصر الوهبي الطريق في رحلاته المتكررة إلى الربع الخالي منذ 30 عاماً بلا انقطاع، لتتبع تفاصيله وتأمل جمالياته، إذ يُعد مطلع كل شتاء ترتيبات رحلته إلى هذا الفضاء الرملي الزاخر بالتنوع والغنى البيئي والطبيعي. وبين النهار الذي تشع فيه الشمس على صفحات الكثبان الرملية، وتلمع ذراتها، وتشع قاماتها، وليل الربع الخالي الذي يبسط فيه الهدوء سلطانه على المكان، يواصل الوهبي المولود في مدينة الرياض رحلاته في أكبر صحراء رملية متّصلة في العالم.

يعد الربع الخالي أكبر صحراء رملية متّصلة في العالم (تصوير: ناصر الوهبي)

الضوء والظل في الربع الخالي (تصوير: ناصر الوهبي)

نقطة تحول

بدأ ناصر الوهبي أولى رحلاته إلى الربع الخالي عام 1413هـ، وكان يركز في بداية الأمر على أغراض الصيد والمقناص، لكنّ حدثاً غير متوقع، كان نقطة تحوّل في ارتباطه بالمكان، وذلك عندما تاه مع رفاق رحلته وسط الصحراء، وكاد الموقف يودي بهم، وشارفوا على الهلاك. يقول الوهبي في حديث تملؤه الدهشة مع «الشرق الأوسط»: «إنه رغب مع زملائه في خوض مغامرة لاكتشاف مكان جديد»، ويواصل: «في عام 1419هـ، تعرضت وزملائي خلال إحدى الرحلات للضياع، ولنقص شديد في المياه، قاربت أنا و6 أشخاص كانوا معي للهلاك، وذلك بعد أن عجزت الأجهزة المتواضعة عن تحديد طريق للخروج من منطقة التيه التي كانت شديدة الوعورة وقاسية التضاريس، وانقطعنا تماماً عن العالم الخارجي، ولم يبقَ في حوزتنا سوى 30 لتراً من الماء»، حينها قرر الفريق المغامرة، وسلوك طريق آخر، ولحسن الحظ تمكنوا من الخروج من هذا المأزق، والوصول إلى مركز إداري سعودي، بادر بإنقاذهم، وكانت هذه المغامرة بالنسبة إلى ناصر الوهبي نقطة تحوّل، ليركز جهده واهتمامه على إعادة اكتشاف الربع الخالي، وتغيير الهدف من رحلاته، والبحث عن موارد المياه في هذا البحر الرملي الكبير.

لا يبخل الربع الخالي بأسراره لمن شغف به ويزوره الوهبي منذ ثلاثين عاماً بلا ملل أو سأم (تصوير: ناصر الوهبي)

يختلي الوهبي بنفسه في الربع الخالي لأيام مستمتعاً برفقة هذا الصمت المهيب الذي يلف المكان (تصوير: ناصر الوهبي)

ناصر الوهبي استثمر في شغفه بتتبع تفاصيل الربع الخالي، وحوّله إلى مشروع فريد لبناء خريطة جديدة له، وساعدت جهوده المتصلة منذ عام 1439، ولثلاث سنوات، في استحداث خرائط أكثر دقة بمقياس (1:25000)، وهو ما لم يكن موجوداً قبل ذلك. ووقف خلال رحلته التوثيقية على 130 ألف موقع لتأمين وتحديث المعلومات المطلوبة لرسم الخريطة الجديدة، وساهم بعمله هذا في تقليص الفجوة المتعلقة بشح المعلومات المتعلقة بالربع الخالي، الذي كان بالنسبة له بمثابة فضاء غير مكتشف. يقول الوهبي: «الخرائط الرسمية القديمة كانت تقول إن هناك 670 مورد ماء، وأنا رصدت خلال رحلتي ما يربو على 2400 مورد»، مشيراً إلى أن «أغلبها تتركز في المنطقة الشرقية من الربع الخالي، بخلاف الحال في المنطقة الغربية، إذ تقل المياه ويزيد عمقها، بسبب ارتفاعها التضاريسي عن سطح البحر، وفي كل مرة أكتشف مورداً جديداً للماء».

بدأ ناصر الوهبي أولى رحلاته إلى الربع الخالي عام 1413هـ ولم ينقطع منذ ذلك التاريخ (الشرق الأوسط)

‏جماليات من الربع الخالي (تصوير: ناصر الوهبي)

خلوة وسط الصمت المهيب

يختلي الوهبي بنفسه في الربع الخالي لأيام، يستمتع برفقة هذا الصمت المهيب الذي يلف المكان، وقد يهمّ برحلة لا تنقصها المشقة، ويقطع المسافات الطويلة بين مفاوز وقفار، للقاء أحد الأدلاء بأسرار هذه الصحراء، للتزوّد بمعلومات لموقع جديد يتعرف عليه. يقول الوهبي: «عادة ما أنفرد برحلاتي، وأعيش في طقسي الخاص، وأقف مشدوهاً على زوايا خاصة دون تشويش من مرافق أو هواجس، وقد أسمع خلال خلواتي في هذه الفلاة أصواتاً غريبة من العالم الآخر، وأرى (أزوال) أشخاصاً، لكنني لا أدع طرفاً من الخوف يساورني، وأنشغل بقراءة أورادي وأذكاري».

«بحيرة أم الحيش» جوهرة تائهة في أعماق الربع الخالي (تصوير: ناصر الوهبي)

لا يبخل الربع الخالي بأسراره لمن شغف به، يزور الوهبي هذا البحر الرملي منذ 30 عاماً، ولم يشعر طوال هذه المدة بملل ولا سأم، يضيف: «الربع الخالي، لا يكرر نفسه، ورغم أن المكان يبدو إطاراً ثابتاً مستقراً بلا حياة، لكنه في الواقع سخي بالمفاجآت التي تطرد الملل والسأم، تغير ألوان الرمل وأشكال الكثبان وتغير أنواع النبات، وهي من طرائق الاستدلال القديمة، كلها مظاهر حيّة على أن هذا الفضاء الرملي يجدد نفسه، ويتمتع بتنوع فريد وملهم». وإذا ما حلّ الليل بكامل أبهته على المكان، يغمر الوهبي شعور مختلف، إذ يقول: «الليل في الربع الخالي فريد، إذا طلعت النجوم، وسكنت الأرض، وبسط الهدوء سلطانه، تبدو السماء مفتوحة بلا انتهاء لناظريك وأنت تتأمل في هذا الخلق العجيب».


مقالات ذات صلة

اتفاقات دعم سعودي إنساني لمنظمات دولية في 3 دول

الخليج جانب من توقيع اتفاقيتي التعاون المشترك بين مركز الملك سلمان للإغاثة ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (واس)

اتفاقات دعم سعودي إنساني لمنظمات دولية في 3 دول

أبرمت السعودية، ممثلة في مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، اتفاقيات تعاون مشترك مع منظمات دولية لدعم العمل الإنساني في سوريا والسودان وأوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق الناقد المسرحي القطري الدكتور حسن رشيد (الشرق الأوسط)

المسرحي د. حسن رشيد لـ«الشرق الأوسط»: الرياض حاضنة الإبداع... والحضور القطري تكريمٌ للثقافة

تحلُّ دولة قطر «ضيف شرف» معرض الرياض الدولي للكتاب 2024 الذي تنظّمه هيئة الأدب والنشر والترجمة السعودية، تحت شعار «الرياض تقرأ»، وتستمر فعالياته حتى 5 أكتوبر …

ميرزا الخويلدي (الرياض)
الخليج وزير الخارجية السعودي يتحدث خلال جلسة لمجلس الأمن بشأن غزة في نيويورك (الأمم المتحدة)

السعودية تدعو لشراكة جادة تحقق السلام في المنطقة

أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن بلاده تؤمن بأن تنفيذ حل الدولتين هو الأساس لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

جبير الأنصاري (الرياض)
الخليج وزير الخارجية السعودي يتحدث خلال جلسة مفتوحة لمجلس الأمن حول القيادة في السلام بنيويورك (واس)

وزير الخارجية السعودي: الدولة الفلسطينية حق أصيل لا نتيجة نهائية

أكد الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، أن «الدولة الفلسطينية حق أصيل وليست نتيجة نهائية»، مشدداً على صعوبة تقييم الوضع في الشرق الأوسط الآن.

جبير الأنصاري (الرياض)
يوميات الشرق محمد حسن أكد أن السعودية لديها سلالة «نادرة» للنحل لم يشاهدها في أي منطقة أخرى (الشرق الأوسط)

السعودية أول دولة عربية تخصص طبيباً متنقلاً للنحل

أصبحت السعودية، عبر وزارة البيئة والزراعة، أول دولة عربية «تخصص عربات متنقلة للنحل» تُعنى بعلاج آفاته وأمراضه، وكل ما يخص «الحشرة الاقتصادية».

ناصر العمار (الرياض)

سمير نخلة لـ«الشرق الأوسط»: ولادة الأغاني الوطنية صعبة

مع الفنان ناجي الأسطا (سمير نخلة)
مع الفنان ناجي الأسطا (سمير نخلة)
TT

سمير نخلة لـ«الشرق الأوسط»: ولادة الأغاني الوطنية صعبة

مع الفنان ناجي الأسطا (سمير نخلة)
مع الفنان ناجي الأسطا (سمير نخلة)

يسجّل الشاعر سمير نخلة حالة خاصة بكلام الأغاني التي يكتبها. يتعرّف سامعها بسرعة على أنه هو موقّعها. تعاون مع أهم النجوم في لبنان والعالم العربي. حقق نجاحات متتالية مع فنانين مشهورين أمثال عاصي الحلاني، ونانسي عجرم، ووائل كفوري، ونجوى كرم، وراغب علامة وغيرهم.

كتب «بزعل منّك» لديانا حداد و«أنا هيفا» لهيفاء وهبي و«كلما غابت شمس» لملحم زين، فشكّلت مجموعة أغنيات من فئة العمر المديد. وفي «لون عيونك غرامي» لنانسي عجرم حقق نجاحاً هائلاً. فهو لا يزال يحصد صدى أعماله تلك حتى اليوم.

مع الفنان الراحل وديع الصافي (سمير نخلة)

وكما في الأغنية الرومانسية كذلك في الأعمال الوطنية استطاع سمير نخلة أن يحفر في ذاكرة اللبنانيين، ولعلّ أغنية جوزيف عطيّة «الحق ما بموت» من أشهر ما قدّمه في هذا الإطار.

فقلّة من الأغاني الوطنية التي تستطيع أن تحقق الانتشار الواسع على مدى سنوات طويلة. عمرها الذي ناهز الـ15 عاماً لم يقهره الزمن، وتُعدّ اليوم بمثابة نشيد وطني يتفاعل معه اللبنانيون في كلّ مرّة يستمعون إليها.

يقول الشاعر سمير نخلة في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن للأغنية الوطنية صفات خاصة كي تنجح. وإن كلاماً كثيراً اختصرته أغنيات وطنية لم تحقق هدفها.

ويتابع: «لا بدّ أن تنبع من الروح فلا تكون مجرّد صفّ كلام»، وهذا ما يفعله في كلمات أغنياته الوطنية وغيرها. وتابع: «لذا تصل إلى قلوب الناس بسرعة. فما ينبع من القلب لا يمكن أن يخطئ. كما أن التركيبة الثلاثية للأغنية من شاعر وملحن ومغنٍّ، تلعب دوراً مهماً».

يتشارك نخلة ملاحظات العمل مع الملحن والمغني، يقول: «أحياناً تُعدّل عبارة أو نوتة موسيقية أو أسلوب أداء. فالأمر يتطلّب اجتماع الركائز الثلاث على قاعدة الانسجام».

أغنية «الحق ما بموت» التي لحّنها هشام بولس وكتبها سمير نخلة وغناها جوزيف عطية نجحت في الامتحان. وهي اليوم تعدّ من ريبرتوار الأغاني الوطنية الأشهر في لبنان. ونسأل الشاعر نخلة عن سبب الوقت الطويل الذي يفصل بين أغنية وطنية ناجحة وأخرى مثلها، يوضح: «الأغنية الوطنية صعبة الولادة وعندما كتبت (الحق ما بموت) استلهمتها من حلم يراودني. كنت حينها أحلم بلبنان ينتفض من كبوته ويستعيد دوره الريادي في العالم العربي. كل هذا الحب والشغف تجاه وطني فرّغته في كلمات هذه الأغنية. وهذه الأحاسيس الدفينة والعميقة لا يمكن أن تحضر بسهولة».

الشاعر سمير نخلة يرى أن ولادة الأغنية الوطنية صعبة (سمير نخلة)

وإذا ما تصفّحنا مشهدية الأغنيات الوطنية في لبنان، لاحظنا أن الرحابنة كانوا الأشهر فيها. وقد استطاعوا أن يُنتجوا كثيراً منها بصوت فيروز. ويعلّق نخلة: «كانت مسرحيات الرحابنة لا تخلو من الأغاني الوطنية. ويعدّونها أساسية بحيث تؤلّف مساحة لا يستهان بها من باقي الأعمال الغنائية المغناة بصوت فيروز. وأنا شخصياً معجب بعدد كبير من تلك الأغنيات. ومن بينها (رُدّني إلى بلادي) و(بحبك يا لبنان) و(وطني) وغيرها».

ولكن، ما ينقص الساحة اليوم لتوليد أغنيات بهذا المستوى؟ يقول: «زمن اليوم تبدّل عن الماضي، وأصبح العمل الرديء يطغى. ولكن لا شيء يمكن أن يمحو الأصالة. وعلى هذا الأساس نلحظ موت تلك الأغنيات بسرعة. ولكن ولحسن الحظ لا يزال لبنان ولّاداً لشعراء أصحاب أقلام جيدة. فإضافة إلى مخضرمين مثلي تلوح على الساحة أسماء جيل شاب يمكن التّعويل على الكلام الذي يكتبونه».

حالياً يعيش لبنان حالة حرب قاسية، فهل ألهمته كتابة أغنية وطنية؟ يردّ في سياق حديثه: «ما نعيشه اليوم مليء بالمآسي. ولا أستطيع شخصياً أن أكتب في هذه الأجواء. أميل أكثر إلى كتابة الكلام المفعم بالأمل وقيامة لبنان».

عادة ما يحصد المغني شهرة أغنية معينة، ويغيّب - إلى حدّ ما - اسم كلّ من ملحنها وكاتبها. يعلّق الشاعر سمير نخلة: «الكلمة في الأغنية هي الأساس، وهناك ألحان جميلة لم تلفت النظر بسبب ضعف الكلمة المغناة. وبشكل عام الملحن والشاعر لا يُسلّط الضوء عليهما. بعض الأحيان، نلاحظ أن الملحن يحاول الترويج لعمله من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. ومع ذلك بالكاد تبقى مكانته محفوظة في الأغنية».

يعتب نخلة على المطرب الذي لا يذكر اسم ملحن وشاعر أغنية يقدّمها، «لا أتوانى عن التدخل مباشرة إذا ما لاحظت هذا الأمر. أتصل بالمغني وأصارحه بأنه نسي ذكر اسمي شاعراً، فأنا متابع جيد لعملي. وأحياناً، عندما يُكتب اسم شاعر آخر بدل اسمي على قناة تلفزيونية ألفت نظرهم إلى ضرورة تصحيح الخطأ».

يعاني الشعراء في لبنان من عدم حصولهم على حقوق الملكية لمؤلفاتهم، «هل تعرفين أنه على المغني دفع نسبة 8 في المائة من أرباح حفلاته للملحّن والشاعر. وهذا بند مدرج ضمن نص حقوق الملكية الفكرية في لبنان، ولكنه لا يُطبّق. في الدول الأجنبية الأمر طبيعي. وأركان العمل الغنائي تصلهم حقوقهم بلا أي معاناة. ولكن مع الأسف حقوقنا في لبنان مهدورة ولا أحد يهتمّ بها».