«فنون الميديا» و«التجهيز في الفراغ» يسطعان في المعرض العام المصري

الأعمال استُلهمت من «كورونا» و«سوق الجمعة» والبيئة المحلّية

عملان من المجموعة الفنية «الوجه الآخر» للدكتور أشرف رضا (الشرق الأوسط)
عملان من المجموعة الفنية «الوجه الآخر» للدكتور أشرف رضا (الشرق الأوسط)
TT

«فنون الميديا» و«التجهيز في الفراغ» يسطعان في المعرض العام المصري

عملان من المجموعة الفنية «الوجه الآخر» للدكتور أشرف رضا (الشرق الأوسط)
عملان من المجموعة الفنية «الوجه الآخر» للدكتور أشرف رضا (الشرق الأوسط)

من دون ثيمة محدّدة، انطلق المعرض العام المصري في دورته الـ44، مقدِّماً عملية إبداعية خاصة لكل فنان مُشارك به، وطارحاً تنوّعاً واسعاً في أفكار التشكيليين وخاماتهم وأساليبهم ومدارسهم.

وتشهد هذه الدورة مشاركة 300 فنان، وتمتدّ عروض الأعمال للمرّة الأولى لتشمل 6 قاعات فنية بوسط القاهرة. ويستمرّ المعرض الذي يُعدّ حدثاً سنوياً مهماً، ويهدف إلى عرض أحدث الإبداعات الفنية للتشكيليين المصريين، حتى 31 يوليو (تموز) المقبل؛ تتخلله أنشطة وندوات يتضمّنها برنامجه الثقافي.

عمل للفنانة سماح حمدي ضمن المعرض (الشرق الأوسط)

ويشهد، في نسخته الحالية، وفق الأستاذ في كلية الفنون الجميلة والرئيس التنفيذي لمجمَّع الفنون والثقافة في «جامعة حلوان»، الدكتور أشرف رضا، «تغييراً كبيراً، ويتميّز بشكل جديد غير مسبوق». يقول لـ«الشرق الأوسط»: «من أهم ملامح هذا التميُّز التنوّع الشديد في الرؤى والتقنيات، ويرتبط ذلك بمشاركة أجيال الأساتذة والوسط والشباب ضمن الحركة المصرية التشكيلية، ممَن تخطّوا سنّ المشاركة في (صالون الشباب)».

العمل النحتي «أمومة وإرادة» للفنان وائل الشافعي (الشرق الأوسط)

كما يشهد، للمرّة الأولى، الخروج من دائرة العرض في مكان واحد، ليمتدّ إلى 6 قاعات متقاربة، فيتنقّل الزائر بينها؛ من أبرزها قاعة «صلاح طاهر» التي تحتضن أعمال الفنانين الروّاد الحاصلين على «جائزة النيل»، وقاعة «إيزيس» التي تضمّ أعمال الفنانين العرب المقيمين في مصر، وهو ما لم يحدث من قبل، وفق رضا.

لوحة «وصول البرابرة» للفنان عمر الفيومي (الشرق الأوسط)

ويلفت إلى أنّ «التعدُّد في القاعات لم يسمح بمشاركة مختلف الأجيال الفنية فحسب، بل أتاح أيضاً حضوراً أكبر لفنانين من أقاليم بعيدة لم يشاركوا سابقاً. كذلك شهد حالةً من الثراء في الأعمال بمجالات النحت، والتصوير، والغرافيك، والخزف، وغيرها...».

ويُعدُّ «التوسع في أعمال فنون الميديا والتجهيز في الفراغ، وظهور فنانين جدد في هذه المجالات، من الاتجاهات الجديدة في الأعمال الفنية التي شهدها المعرض هذا العام»، وفق رضا الذي أكد أنّ رحابة المساحة ساهمت في تحقيق ذلك.

من أعمال الفنان محمود حامد ضمن المعرض (الشرق الأوسط)

وبسبب هذا الثوب الجديد للمعرض، إضافةً إلى المُشاركة الرقمية للفنانين، والتنظيم الإلكتروني في مراحل الفرز، واختيار الأعمال، يرى أستاذ الفنون الجميلة النسخة 44 «دورة استثنائية تتشابه تنظيمياً مع الفاعليات الدولية والبيناليات في الخارج».

العمل المركب «عالق» للفنانة سماح حمدي بقصر الفنون (ملحق1)، هو واحد من الأعمال التي اجتذبت الزوّار المعرض، فكُتب على الباب: «ادخل هنا بمفردك... الدخول هنا على مسؤوليتك».

عمل للفنانة الفلسطينية وفاء النشاشيبي (الشرق الأوسط)

تقول حمدي لـ«الشرق الأوسط»: «هو مشروع فني بدأ في (سوق الجمعة) بمنطقة السيدة عائشة بالقاهرة، وفوجئتُ بردود الفعل الإيجابية تجاهه من الفنانين أو النقاد. البعض وصفه بأنه من أكثر التجارب جرأةً وتجديداً؛ لأنه يحمل فكراً مغايراً وتكنيكاً مختلفاً».

تجربة فنية مختلفة قدّمها إبراهيم شلبي (الشرق الأوسط)

وسجّلت البيئة المصرية حضوراً بارزاً في المعرض؛ فاتّخذها فنانون كثر مَعيناً مُلهماً لأعمالهم؛ ما جعل الحدث معبِّراً عن الهوية المصرية. من ذلك، أعمال الفنانة ميرفت شاذلي هلالي التي احتفت بالجنوب وعاداته وطقوسه التراثية، وكذلك أعمال الفنان ماهر جرجس، بينما جاءت بعض الأعمال مستلهمةً من أخرى أدبية معروفة، مثل لوحة عمر الفيومي «وصول البرابرة» المستوحاة من قصيدة «في انتظار البرابرة» للشاعر اليوناني قسطنطين كفافيس.

منحوتة للدكتورة نيفين فرغلي في المعرض (الشرق الأوسط)

مجموعة من الأدوية وعلب العقاقير والنشرات الطبّية التي شكلت جزءاً أساسياً من بروتوكول علاج «كورونا» تأتي لتُشكل هنا تجربة الفنان إبراهيم شلبي، «تجهيز في الفراغ»؛ ما أثار النقاش حولها.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «خلال مرضي بالوباء، تمنّيتُ التخلُّص من جسدي لأعود إلى حياتي العادية. رأيتُ أنه يحتضن المرض الشرس، لذا تخلّصتُ منه فنياً. قدّمتُ في هذا العمل رأساً من دون جسد، وتُمثّل فيه العقاقير وعلبها والنشرات العناصر الفنية الأساسية».

وشهد المعرض العام، وفق التشكيلي والناقد الفني محمد كمال، «مجموعة واسعة من التجارب الجادّة، مثل منحوتات محفوظ صليب، وبيوت محمد عطية الطينية، والأعمال الغرافيكية لآلاء نجم، ووجوه أشرف رضا التعبيرية، وتجريديات صلاح المليجي المستوحاة من الطبيعة، وتكايا جيهان فايز التصويرية».

منحوتات زجاجية للفنان سيد واكد ضمن المعرض (الشرق الأوسط)

في المقابل، «كانت ثمة تجارب محدودة القيمة لناحية المفهوم الإبداعي والأسلوب التقني، لكنها ظلَّت ضمن الحيّز المقبول أسوةً بأي حدث فني يحمل التنوّع في المستوى؛ ذلك أنّ وجود المتمكنين من أدواتهم بجانب الطموحين القادمين على الطريق، يكسب المشهد حيوية ويحقق حراكاً على الساحة»، يقول كمال.

ويختم: «تميّز المعرض كذلك بالبعد القومي؛ فبخلاف تخصيص قاعة للفنانين العرب، كُرِّمت رموز فنية عربية، منهم راشد بن خليفة من البحرين، وضياء العزاوي من العراق، ومحمد عمر خليل من السودان، ويوسف عبدلكي من سوريا؛ ما يؤكد قيمة مصر ودورها العروبي الرائد».


مقالات ذات صلة

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يوميات الشرق جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يجري العمل على قدم وساق لتقديم النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في 25 من يناير القادم، ما الذي يتم إعداده للزائر؟

عبير مشخص (لندن)
يوميات الشرق المعرض يشهد استحداث ممر تكريمي للشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن (وزارة الثقافة)

تجلّيات الثقافة والفكر تُزيّن معرض الرياض الدولي للكتاب

المعرض يُعدّ تظاهرة ثقافية وفكرية سنوية بارزة بالمنطقة تجسّد منذ عقود الإرث الثقافي للمملكة وترسّخ ريادتها في صناعة الثقافة وتصدير المعرفة.

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق أحد الأعمال في المعرض الاستعادي لعبد الهادي الوشاحي (الشرق الأوسط)

«فانتازيا الوشاحي»... معرض استعادي لـ«سلطان النحت الطائر»

جاء العرض البصري لـ«فانتازيا الوشاحي» بشكل يُتيح الاقتراب من عالم النحّات الراحل، إذ تُجاور أعماله الجوائز الدولية والمحلّية التي حصل عليها على مدى مشواره.

منى أبو النصر (القاهرة )
يوميات الشرق زائرات يشاهدن بعض لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

«سبيل الغاب» يناجي الصحراء في أبوظبي

يتقاطر محبو الفن التشكيلي، زرافاتٍ وفرادى، إلى «مَجمع 421 للفنون» في أبوظبي لمشاهدة لوحات وأعمال 19 فناناً من جنوب آسيا، وجنوب غربي آسيا، وأفريقيا.

مالك القعقور (أبوظبي)
يوميات الشرق الرئيس الفرنسي والمصوّر عمار عبد ربه

المصوّر السوري عمار عبد ربه يشارك في «نظرات على الإليزيه»

المصور السوري الفرنسي عمار عبد ربه مساهم منتظم مع «الشرق الأوسط»، يشتهر بقدرته على التقاط لحظات قوية بوضوح مدهش، وامتدت مسيرته المهنية لأكثر من 3 عقود.

«الشرق الأوسط» (باريس)

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)
جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)
TT

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)
جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)

يجري العمل على قدم وساق لتقديم النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في 25 من يناير (كانون الثاني) القادم، التحديات ضخمة أمام القائمين على البينالي خاصة بعد النجاح الساحق الذي حققته النسخة الأولى، ما الذي يتم إعداده للزائر؟ وما هي المعروضات التي ستبهر الزوار، وتداعب مخيلتهم وتفكيرهم؟ ما الذي أعده فريق إدارة البينالي للنسخة الثانية؟ «الشرق الأوسط» تحدثت مع الدكتور جوليان رابي، المدير السابق للمتحف الوطني للفن الآسيوي التابع لمؤسسة «سميثسونيان»، والمؤرخ والمؤلف الدكتور عبد الرحمن عزام، والفنان السعودي مهند شونو بصفته القيّم الفني على أعمال الفن المعاصر.

د.عبد الرحمن عزام وجماليات الأرقام

من النقاط المهمة التي يتحدث عنها الدكتور عبد الرحمن عزام هي المشاركات من الدول الإسلامية المختلفة، ومنها دول تحضر للمرة الأولى مثل إندونيسيا ومالي، ويقول: «نحن محظوظون بذلك. أردنا أن يحضروا ليرووا قصصهم، وأن نحترم تفسيراتهم وثقافتهم وتاريخهم». عن قسم «المدار» يقول إنه يعكس جلال الخالق وخلقه في إطار تفسير الآية الكريمة: «الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما»، ولكن التفسير هنا يتخذ مساراً مختلفاً، ويختار الأرقام وسيلة لذلك: «لنأخذ مفهوم الأرقام، لدينا كل هذه المؤسسات المشاركة من 21 بلداً والمتمثلة في 280 قطعة، خلال المحادثات قلنا لهم إن الطريقة التي يمكن أن تساعدنا في تفسير العنوان يجب أن تكون عبر فهم استخدام الأرقام في الحضارة الإسلامية، هي ما أطلق عليه اللغة غير المحكية، بها نوع من الغموض». الأساس في سردية العرض بالنسبة للدكتور عزام هو محاولة فهم النظام الإلهي عبر الأرقام واستخدامها لعرض الجمال الإلهي، فهناك تناغم وجمال يأتي من عمق الطبيعة، يتبدى في حركة الكواكب، وفي أوراق الزهرة... كل شيء مرتبط بنظام كوني متناغم.

سجادة أثرية من معروضات النسخة الأولى من بينالي الفنون الإسلامية في جدة (واس)

«الأرقام هي البوابة لفهم العلوم والرياضيات، ونرى نماذج في هذا القسم لاكتشافات علماء المسلمين النابعة من الأرقام، هناك قسم آخر حول حركة العلوم وتبادلها عبر الدول. رحلة المعرفة من مكان لآخر تظهر جلياً حين التمعن في جوانب الحضارة الإسلامية. ننظر إلى ترجمة ما تركه علماء اليونان مثل بطليموس للعربية، ننظر هنا كيف استوعب علماء المسلمين حاجتهم إلى معرفة الاتجاهات لتحديد القِبلة، وهو ما يقودنا لرسم الخرائط، ونعرض منها نماذج مذهلة، منها خريطة بعرض ستة أمتار لنهر النيل، وهي من مقتنيات الفاتيكان، ولم تخرج منه من قبل».

يتحدث عن الأرقام بوصفها أساساً للجمال والتناغم، ضارباً المثل بالسجادة الجميلة وتنسيق الأشكال عليها: «عندما نتحدث عن الأرقام، أول ما ندركه هو أنها في حد ذاتها مجردة، وتكتسب معنى إذا أضفنا لها معرفات، أو أن تتخذ شكلاً معيناً كالدائرة والمربع تنتج منها قطعاً من الجمال الفائق. ما نؤكد عليه هنا هو أن الأرقام ليست فقط علمية، ولكنها أيضاً جميلة». ينتقل للحديث عن تأثير الفن الإسلامي في الفن المعاصر، وكيف استفاد الفنانون من ذلك في تبنيهم لأساليب الخط العربي والأشكال الهندسية: «الكثيرون من الفنانين المعاصرين عادوا للمنبع وللأساسيات، ولكنهم يستخدمونها بطرق مختلفة، مثل استخدام التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي». يختتم حديثه معي بالتأكيد على أهمية إقامة مثل هذا الحدث في جدة بوابة الحرمين حيث الزوار من المملكة وخارجها مثل المعتمرين الذين يتفاعلون مع القطع المعروضة بأسلوب مختلف عن شخص تتاح له الفرصة لرؤيتها في أحد المتاحف الغربية: «هناك عامل مهم، وهو أن زوار البينالي يفهمون اللغة العربية، وبالتالي تصبح رؤية مخطوطة أو نسخة من القرآن الكريم تجربة مختلفة. لاحظت أيضاً الإحساس بالفخر لدى الزوار، فهذه القطع ليست قطعاً تاريخية منفصلة عن ثقافتها، يرى الزوار هذه القطع كجزء من ثقافتهم بالكثير من الفخر».

جانب من عرض في النسخة الأولى من بينالي الفنون الإسلامية في جدة (واس)

د.جوليان رابي: العرض ينظر إلى المقدس عبر القلب والعقل

للدكتور جوليان رابي رأي خاص حول الفرق بين عرض الفن الإسلامي في المتاحف وبين عرضه في «بينالي» مخصص له. يقول في حديث مع «الشرق الأوسط» إن «البينالي ليس عن الفن الإسلامي، بل هو عن فن أن تكون مسلماً». يعرج في حديثه لمفهوم الفن الإسلامي في الغرب، قائلاً: «من المؤسف أن الجمهور الغربي يرى الفن الإسلامي بمنظار أوروبي من القرن الـ19، وهو ما أطلق عليه (الفنون الإسلامية الفرعية)، وهي فنون جميلة، ولكن بالنسبة إليّ الإسلام جزء صغير في هذه الفنون».

شمعدان مملوكي عُرض في النسخة الأولى من بينالي الفنون الإسلامية في جدة (واس)

الاهتمام الأوروبي بتلك الفنون يغفل جانباً مهماً، وهو الجزء الروحاني الذي لا يمكن رؤيته: «عندما نتحدث عن الصلاة يمكننا رؤية سجادة صلاة، ولكن هنا يصبح التعبير عن الإسلام مختزلاً في الجانب المادي». يعاكس قسم «البداية» الذي يشرف عليه رابي تلك النظرة الغربية، ويشير إلى الفرق «هنا في جدة بقربها من مكة والمدينة، لدينا فرصة للحديث عن موضوعين: الأول هو مركز الإسلام في مكة، والثاني عن التأثير حول العالم. لا يمكننا تحقيق ذلك بالتفصيل، وإلا تحول العرض إلى درس في التاريخ أو الجغرافيا، ولكن ما يهمنا هو إبراز المشاعر. جمال البينالي يأتي من التقابل بين التاريخي والمعاصر، وهو ما يمنحنا فرصة لتحقيق شيء لا يمكن لأي متحف تحقيقه؛ لأن الفن المعاصر يمكنه التعبير عن أشياء قد لا تتبدى في القطع التاريخية، ولهذا أعتقد أنها خلطة رائعة».

«بين الرجال» للفنان هارون جان - سالي من النسخة الأولى من بينالي الفنون الإسلامية في جدة (واس)

الدورة القادمة من البينالي تتقدم خطوة عن الدورة السابقة في هذا المسعى: «العرض سيمثل رحلة عبر إحساسنا بخلق الله، وكيف صنع الإنسان الجمال تمجيداً للخالق. هي رحلة عبر أقسام مختلفة، حيث ننظر إلى المقدس عبر قلوبنا وعقولنا وأيدينا». يعد الزوار بالاستمتاع وبالتدبر: «سيكون هنا الكثير من المتعة والكثير من الروحانية، أرى أنه يحاول وضع الإسلام في الفن الإسلامي». يرى أن العرض المنقسم لثلاثة أجنحة أساسية يمكن رؤيته كـ«رحلة واحدة متصلة، أو يمكن رؤية كل منها على حدة». قسم «البداية» سيضم عدداً كبيراً من القطع «الفريدة» بحسب تعبير الخبير الذي يعد الجمهور بمفاجآت. وعبر مزج رائع بين التاريخي والمعاصر سيمر الزائر في القسم ما بين مفاهيم المقدس، ثم يصل إلى أعمال معاصرة تعبر عن «المقدس» بطريقتها. يتحدث عن تفسيره لعنوان البينالي: «وما بينهما لا يمكننا رؤية هذه العبارة وحدها، الآية تتحدث عن الخلق، بالتأكيد لن نعرض السموات، ولن نعرض الأرض، ولكن العنوان سيُفسر من قبل كل شخص بطريقة مختلفة، وسيستنبط كل منهم المعاني بحسب تفكيره الخاص. أحس أنه عنوان يثير الفضول، وأيضاً عنوان يطلب من الزائر أن يبحث بنفسه عن التفسير».

مهند شونو وأوركسترا الأفكار

الفنان مهند شونو يعود لبينالي الفنون الإسلامية هذه الدورة بوصفه قيّماً على قسم «الفن المعاصر» بعد أن شارك في الدورة الأولى بعمل فني ضخم. بطريقته الهادئة في الكلام يتحدث شونو عن دوره في تنسيق أعمال الفن المعاصر، وعن الموضوع العام للبينالي، وما يقدمه فنانون معاصرون في ضوء هذا العنوان. يصف شونو الجانب المعاصر في الدورة الثانية بأنه «أوركسترا أفكار»، ويتحدث عن التعاون المثمر مع مديري البينالي والمشرفين عليه. بالنسبة إلى شونو، فالنقطة الأساسية هي التكامل بين الجانب التاريخي والجانب المعاصر، يصفه بـ«الحوار بين القطع المعاصرة والتاريخ».

عمل فني عُرض في النسخة الأولى من بينالي الفنون الإسلامية في جدة (واس)

ننطلق من العنوان الذي أعلن عنه الأسبوع الماضي، وهو: «وما بينهما»، أسأله عن رؤيته للعنوان، وكيف يتجلى في أعمال الفن المعاصر المختارة: «عندما نفكر في العنوان يجب أن نتذكر السياق الذي وردت فيه العبارة في القرآن الكريم، فهي جزء من آية: (الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما)، هنا نتبين أن العنوان ليس منصبّاً على جزئية واحدة من اثنتين، بل أيضاً على المساحة الوسطى بين مساحتين، بين فكرتين. بشكل ما أرى أن ذلك المفهوم يختزل ثراء محتويات البينالي ما بين القطع التاريخية والتكليفات الفنية والمؤسسات المشاركة، ولكن من الناحية المعاصرة أرى أن العرض سيستكشف تلك المساحة الثرية ذات الطبقات المختلفة بين مساحتين». هل ترى أن العنوان يشير إلى الإنسان؟ يقول: «بالتأكيد، هناك الكثير من التفكير والبحث والاستكشاف لمفهوم أن تكون مسلماً، ما هي الحدود؟ وكيف نفسر تلك المساحة الوسطى؟ هنا يأتي العنوان: (وما بينهما) ليلقي الضوء الحاني على الإنسان، وما يمر به كشخص وكعنصر داخل مجتمع».

التكليفات الفنية في الدورة الماضية كانت ضخمة، مشحونة بالأفكار والمعاني التي توافقت مع عنوان الدورة الافتتاحية، وكان «أول بيت». ما الذي يميز التكليفات الفنية للدورة الثانية؟ يقول شونو إن التكليفات الجديدة ستثير لدى الزائر حس الاستكشاف، وهو ما يفسر استبعاد أعمال فنانين راحلين، والتركيز عوضاً عن ذلك على «اللحظة المعاصرة، وهي متغيرة ومليئة بالتحديات، وتحتاج لما يمكن وصفه بالتعليق الحي، هي أعمال متفردة ومرتبطة بالمكان الذي ستُعرض فيه، تبحر في الواقع وتحاول فهمه». وعن مشاركات الفنانين السعوديين يقول: «أعتقد أنها ستكون لحظة اكتشاف وتعرّف إلى أسماء غير معروفة، ستحمل تجربة ماذا يعني أن تكون مسلماً هنا في هذه البقعة من الأرض. يمكننا وصف المشاركات بأنها نقاشات عالمية، فعالمنا متصل والسعودية جزء منه».