فيلم «باك تو بلاك» يلمّع صورة والد إيمي واينهاوس وزوجها

سيرة مشوّشة عن المغنّية الراحلة تسترجع طريقها المسيّج بالوشوم والآلام

فيلم جديد عن مسيرة الفنانة البريطانية الراحلة إيمي واينهاوس بعنوان «Back to Black» (أ.ب)
فيلم جديد عن مسيرة الفنانة البريطانية الراحلة إيمي واينهاوس بعنوان «Back to Black» (أ.ب)
TT

فيلم «باك تو بلاك» يلمّع صورة والد إيمي واينهاوس وزوجها

فيلم جديد عن مسيرة الفنانة البريطانية الراحلة إيمي واينهاوس بعنوان «Back to Black» (أ.ب)
فيلم جديد عن مسيرة الفنانة البريطانية الراحلة إيمي واينهاوس بعنوان «Back to Black» (أ.ب)

انقضى 13 عاماً على رحيل إيمي واينهاوس الدراماتيكي، لكنّ المغنية البريطانية ما زالت تُلهم صنّاع الفن حول العالم. وها هي تعود في فيلم يمتدّ ساعتَين، ويروي جزءاً من سيرتها متّخذاً من علاقتها العاطفية الهدّامة بزوجها السابق زاويةً أساسية.

كيف لا وقصة حب واينهاوس وبليك فيلدر سيفيل، كانت أحد أهمّ الأسباب التي دفعت بالفنانة الشابة إلى هاوية الإدمان ثم الموت مسمومةً بالكحول في صيف 2011؟

لكنّ فيلم «Back to Black» (باك تو بلاك – العودة إلى الأسوَد) للمخرجة سام تايلور سميث والكاتب مات غرينهالغ (بطولة الممثلة ماريزا أبيلا) يهادن سيفيل، كذلك يفعل مع والد إيمي، ميتش واينهاوس، الذي لعب هو الآخر دوراً سلبياً في حياة ابنته.

تبييض صفحة ميتش وبليك

لا يحكي الفيلم الذي انطلق عرضه في الصالات العالمية قبل أسابيع، كيف أنّ ميتش وقف سداً منيعاً في وجه ذهاب إيمي إلى مركز علاج الإدمان، ولا كيف أنه أرغمها على الجولات الغنائية في وقتٍ لم تكن صحّتها النفسية ولا الجسدية تسمحان بذلك، ولا كيف أنه رماها أمام عدسات التلفزيون وهي في إجازة نقاهة بعيداً عن الصحافة.

يكفي تفحّص كواليس الإنتاج ليَبطل العجب من هكذا تجميل مبالغ فيه. يُصوَّر ميتش على أنه الأب المثاليّ، والعطوف، والسند الأول لابنته، لأنّه ببساطة منحَ موافقته المسبقة على تصوير الفيلم؛ هو الذي كان قد هدّد سابقاً بمنع عرض أي سيرة مصوّرة عن إيمي. وهذا يعني أنّه اطّلع على السيناريو وربما وضع ملاحظاته عليه قبل المباشرة بالتصوير.

الممثلان ماريزا أبيلا وإدي مارسان بشخصيتَي إيمي واينهاوس ووالدها ميتش (أ.ب)

من المعروف أنّ جمهور واينهاوس لطالما كرهَ حبيبها وزوجها، خلال حياتها وبعد وفاتها. حمّلَه ذنب إغراقها في الإدمان على المخدّرات، وكذلك إيلامها في الحب. لكنّ الفيلم يقدّم شخصية بليك على قدرٍ عالٍ من الكاريزما وخفّة الظلّ والبراءة، الأمر الذي لم يُعرف عنه في الحقيقة. يعود الفضل في ذلك إلى الأداء الممتاز للممثل جاك أوكونيل، إضافةً إلى النصّ المكتوب خصيصاً من أجل هذا الهدف.

سبق أن صرّحت المخرجة سميث بأنها لم تكن تريد «شيطنة بليك»، كما أكّدت أن ميتش واينهاوس لم يتقاضَ أي مبلغ مقابل منح موافقته على التصوير. لكنّ ذلك لم يهدّئ امتعاض عشّاق إيمي حول العالم. وقد تكون ردّة الفعل تلك مبرَّرة، فتلميع صورة شخصيتَين محوريّتَين في مسيرة المغنية الراحلة، بدا في غير مكانه. صحيح أنّ «Back to Black» لا يدّعي أنه وثائقيّ، لكنه يُكثر من التضخيم الدراميّ.

جمعت واينهاوس قصة حب عاصفة وهدّامة ببليك فيلدر سيفيل (أ.ب)

مرآة إيمي المحطّمة

إضافةً إلى التلاعب بالوقائع، يُلام الفيلم على هفواتٍ أخرى، من بينها تقديم عبقريّة واينهاوس الموسيقية ومحطات مسيرتها القصيرة إنما الحافلة، بشكلٍ مشظّى. وكأنّ المُشاهد أمام أجزاء مبعثرة من مرآة إيمي المحطّمة. تستعجل سميث في عرض لحظات المجد، وهي كثيرة. عارفو إيمي ومُتابعو رحلتها الموسيقية من كثب سيُلاحظون اختلالاً في التسلسل الزمني وسيتوقون إلى المزيد عن الحفلات، وجلسات التسجيل، والتكريمات العالمية.

البديل عن كل ذلك هنا هو تصويب العدسة على إدمان واينهاوس، وعلى هشاشتها، وعلى العلاقة السامّة التي ربطتها بحبيبها بليك. هذا الخيار ظالم في حقّ موهبة واينهاوس الاستثنائية، التي استشهد فيها كبار الفنانين وكرّستها 6 جوائز «غرامي» موسيقية.

يغفل الفيلم محطّات المجد الموسيقي على حساب تصوير هشاشة واينهاوس الإنسانية وإدمانها الكحول والمخدرات (أ.ب)

ماريزا أبيلا تمثيلاً وغناءً

تُخرج الممثلة ماريزا أبيلا كل ما في جعبتها من موهبة في محاولة لإيفاء واينهاوس حقّها. هي، وإن نجحت في ذلك في معظم الأحيان، يبقى تقمّص شخصية إيمي الفريدة مهمّة مستحيلة. وما يجعل المهمة أكثر استحالةً في الفيلم، الاستغناء عن صوت واينهاوس غناءً واستبدال به صوت الممثلة التي تؤدّي الدور. ليس أداء أبيلا الغنائي سيّئاً وهي تحاول جاهدةً استحضار أسلوب إيمي وطبقاتها، لكن هنا كذلك فإنّ المهمة مستحيلة وغير مُقنعة، إذ لا بديل عن صوت إيمي واينهاوس.

أما تمثيلاً، فيبدو الرهان على أبيلا صائباً، لا سيّما في المشاهد التي تُبرز النواحي الإنسانية في شخصية إيمي وحياتها القصيرة. تُجيد البطلة التنقّل بين شخصية الشابّة المهذّبة الجالسة إلى مائدة بيت الوالد عام 2002، والحفيدة العاشقة لجدّتها ومُلهمتها «نان»، التي تؤدّي دورها ببراعة الممثلة المخضرمة ليسلي مانفيل. تعكس أبيلا كذلك صورة إيمي المتمرّدة في العمل، والعارفة منذ بداية الدرب أنّها ليست مشروعاً تجارياً في عالم الموسيقى.

ثمّ تتحوّل إلى امرأةٍ مصابة بسهم الحب وما خلّفه من دمارٍ شامل سلبَها اتّزانها وصحّتها، ولاحقاً بريقَها الفنّي. ينجح الفيلم هنا في نقل صورة إيمي واينهاوس المجرّدة من هالة النجوميّة؛ الضعيفة أمام المخدّرات والكحول وأمام سطوة مشاعرها تجاه بليك. يحطّمان بعضهما بينما عدساتُ المصوّرين النهِمة تلاحقهما في شوارع لندن. تتّسع مساحة الصدق والتجرّد في هكذا مشاهد، حيث لا تجميل لوهن إيمي وأخطائها وجنونها العنيف.

تؤدّي الممثلة ليسلي مانفيل دور جدّة واينهاوس ومُلهمتها (أ.ب)

ذهبت إلى الموت برِجلَيها

كانت إيمي واينهاوس، كلّما أرادت توثيق لحظة محوريّة أو شخصاً مهماً في حياتها، تذهب إلى رسّام الوشم. دمغت جلدها بأسماء جدّتها ووالدها وحبيبها الأوحد بليك. مشت طريقها على إيقاع الآلام والوشوم. فقدت جدّتها بعد صراع مع المرض، ثم خسرت الرجلَين الأهمّ في حياتها بفِعل الخيبات المتتالية.

بعد أن هجرها بليك وتزوّج ورُزق بالمولود الذي لطالما حلمت به إيمي، وبعد أن انطفأ صوتها الجبّار وضاقَ فكرُها اللمّاح، لم يبقَ أمامها سوى الرحيل. لم تنتحر، لكنها ذهبت إلى الموت برجلَيها.

لا يجسّد الفيلم وفاتها سوى برموز وتلميح، هي التي ستبقى لغزاً فنياً وإنسانياً. ومهما كثُرت الأعمال التي تحاول تشريح حياة إيمي واينهاوس، تبقى هي أفضل من شرح هذا اللغز: «لا أكتب الأغاني لأصير مشهورة بل لأنني لا أعرف ماذا أفعل إن لم أكتب. عليّ أن أحوّل الأشياء السيئة إلى أشياء جيّدة». وليس إرث واينهاوس الموسيقي سوى إثباتٍ لمقولتها تلك.


مقالات ذات صلة

«أنا لبناني»... نادر الأتات يغنّي الأمل فوق ركام البيوت التي دمّرتها الحرب

يوميات الشرق الفنان اللبناني نادر الأتات (صور الفنان)

«أنا لبناني»... نادر الأتات يغنّي الأمل فوق ركام البيوت التي دمّرتها الحرب

تهدّم بيت والدَيه، وخسر أحد عناصر فريقه، واختبر تجربة النزوح... الفنان اللبناني نادر الأتات قرر تخطّي الجراح بالغناء لوطنه وللأمل بغدٍ أفضل.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)

موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

«مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس، موسيقى ونغمات وأمل».

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

محمد رحيم... رحيل يستدعي حزن جيل التسعينات

ما أن تم الإعلان عن خبر الرحيل المفاجئ للملحن المصري محمد رحيم حتى سيطرت أجواء حزينة على الوسط الفني عامة والموسيقي خاصة بمصر.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق عزفت "الأوركسترا السعودية" أروع الالحان الموسيقية في ليلة ختامية استثنائية كان الابداع عنوانها (واس)

ألحان وألوان من الموسيقى السعودية تتألق في «طوكيو أوبرا سيتي»

عزفت «الأوركسترا السعودية» أجمل الألحان الموسيقية في ليلة ختامية كان الإبداع عنوانها على مسرح «طوكيو أوبرا سيتي» بالعاصمة اليابانية بمشاركة 100 موسيقي ومؤدٍ.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الوتر السادس أحمد سعد سيطرح ألبوماً جديداً العام المقبل (حسابه على {إنستغرام})

أحمد سعد لـ«الشرق الأوسط»: ألبومي الجديد يحقق كل طموحاتي

قال الفنان المصري أحمد سعد إن خطته الغنائية للعام المقبل، تشمل عدداً كبيراً من المفاجآت الكبرى لجمهوره بعد أن عاد مجدداً لزوجته علياء بسيوني.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

فيلمان سعوديان يحصدان جوائز في «الفيوم السينمائي» بمصر

خالد ربيع خلال تسلّمه جائزة الفيلم السعودي (إدارة المهرجان)
خالد ربيع خلال تسلّمه جائزة الفيلم السعودي (إدارة المهرجان)
TT

فيلمان سعوديان يحصدان جوائز في «الفيوم السينمائي» بمصر

خالد ربيع خلال تسلّمه جائزة الفيلم السعودي (إدارة المهرجان)
خالد ربيع خلال تسلّمه جائزة الفيلم السعودي (إدارة المهرجان)

اختُتمت، مساء الجمعة، فعاليات الدورة الأولى لمهرجان الفيوم السينمائي الدولي لأفلام البيئة والفنون المعاصرة الذي أُقيم بمحافظة الفيوم (100 كيلو جنوب القاهرة)، بحفل بسيط على بحيرة قارون، بحضور عدد من صنّاع الأفلام وأعضاء لجان التحكيم؛ حيث جرى إعلان جوائز مسابقات المهرجان الثلاث.

ومنحت لجنة تحكيم «المسابقة الدولية للفيلم الطويل» تنويهاً خاصاً للفيلم السعودي «طريق الوادي» للمخرج خالد فهد الذي تدور أحداثه حول شخصية الطفل «علي» الذي يعاني من متلازمة الصمت، فبعد أن ضلّ طريقه في أثناء توجهه لرؤية طبيب في قرية مجاورة، ينتهي به المطاف وحيداً في مكان ناءٍ، إلا أن سلسلة العقبات والتحديات لم تمنعه من اكتشاف العالم الذي ينتظره؛ حينها فقط أدركت عائلته أن ما يعانيه «علي» ليس عائقاً وإنما ميزة، منحته سيلاً من الخيال والتخيل.

ونال الفيلم المغربي «الثلث الخالي» للمخرج فوزي بنسعيدي جائزة أفضل فيلم بالمسابقة، وهو الفيلم الذي حصد جائزة أفضل إخراج بجانب حصول بطلَيه فهد بنشمسي، وعبد الهادي الطالبي، على جائزة أفضل تمثيل، في حين نال الفيلم الإيراني «كارون الأهواز» جائزة لجنة التحكيم الخاصة.

وحصد الفيلم السعودي «ترياق» للمخرج حسن سعيد جائزة «لجنة التحكيم الخاصة للفيلم الروائي القصير»، في حين حصل الزميل عبد الفتاح فرج، الصحافي بـ«الشرق الأوسط»، على جائزة أفضل فيلم تسجيلي قصير، عن فيلمه «العشرين»، الذي صوّره في شارع العشرين بحي «فيصل» في القاهرة الكبرى، وتدور أحداثه في 20 دقيقة.

الزميل عبد الفتاح فرج خلال تسلّم الجائزة (إدارة المهرجان)

ويتضمّن فيلم «العشرين» بشكل غير مباشر القضايا البيئية المختلفة، وجرى تصويره على مدار 5 سنوات، رصد خلالها فترة مهمة بعيون أحد قاطني الشارع، متناولاً الفترة من 2018 وحتى عام 2023، واحتضن المهرجان عرضه الأول في مصر.

وتسلّم عضو لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة بالمهرجان الناقد السعودي خالد ربيع جوائز الفيلمين السعوديين نيابة عن صناع العملين الفائزين، في حين عبّر لـ«الشرق الأوسط» عن سعادته بالتعاون مع باقي أعضاء اللجنة خلال مشاهدة الأفلام، مشيداً بالأنشطة والفعاليات المتنوعة التي تضمّنها المهرجان.

وشهد المهرجان مشاركة 55 فيلماً من 16 دولة، من أصل أكثر من 150 فيلماً تقدّمت للمشاركة في الدورة الأولى، في حين شهد الاحتفاء بفلسطين بصفتها ضيف شرف، عبر إقامة عدة أنشطة وعروض فنية وسينمائية فلسطينية، من بينها أفلام «من المسافة صفر».