70 عملاً فنياً تعكس دور اثنين من الرواد‏ في تشكيل مشهد الفن السعودي

يوسف جاها... يصور في أعماله بيوت مكة القديمة وتفاصيل أحيائها العتيقة

بيوت مكة وأحياؤها العتيقة بريشة الفنان الرائد يوسف جاها (الشرق الأوسط)
بيوت مكة وأحياؤها العتيقة بريشة الفنان الرائد يوسف جاها (الشرق الأوسط)
TT

70 عملاً فنياً تعكس دور اثنين من الرواد‏ في تشكيل مشهد الفن السعودي

بيوت مكة وأحياؤها العتيقة بريشة الفنان الرائد يوسف جاها (الشرق الأوسط)
بيوت مكة وأحياؤها العتيقة بريشة الفنان الرائد يوسف جاها (الشرق الأوسط)

يحتفي معهد «مسك» للفنون، برواد الفن السعوديين، ويطلق سلسلة من المعارض الفردية التي تعكس تجاربهم ورحلتهم الفنية العريضة، التي بدأت في قفر من التجارب الشحيحة، وزرعوا في الفضاء الثقافي بذور البدايات، ثم تعاهدوها بالإصرار والصبر، ومهّدوا الطريق للأجيال الفنية التي رعتها تلك التجارب الرائدة، وحصدوا اليوم ثمرة عزمهم على إغناء الوسط الفني والمشهد الثقافي السعودي.

الحديث هنا عن أعمال طه الصبان ويوسف جاها، التي زينت صالة الأمير فيصل بن فهد في مدينة الرياض، بنحو 70 لوحة متعددة الموضوعات ومتفاوتة التوقيتات، ويستعرض فيها الصبان الهويات المختلفة للمرأة وعلاقتها بالمجتمع والتقاليد، بينما توثق أعمال الفنان يوسف جاها اهتمامه ببيئته ومحيطه العمراني، ومن ذلك بيوت مكة العتيقة وتفاصيل أحيائها القديمة التي ولد فيها، وترعرعت موهبته وذائقته بين أروقتها ورواشينها.

من أعمال الفنان يوسف جاها المقدمة في المعرض (الشرق الأوسط)

يُقدم المنظور الفني لطه الصبان صورة فريدة عن المجتمع ويجسد التأثيرات النسائية المتعددة التي شكلت نظرته عن العالم (الشرق الأوسط)

صورة فريدة عن المجتمع

يقدم المنظور الفني لطه الصبان صورة فريدة عن المجتمع، ويجسد التأثيرات النسائية عليه والتي شكلت نظرته عن العالم، خصوصاً أنه تعلم الفن ذاتياً، وطوره بالممارسة، ولعب دوراً مهماً في تنمية المجتمع الفني في جدة، وشغل منصب أول رئيس لبيت التشكيليين في جدة، ولمع نجمه، وأثبت حضوره المحلي والعالمي بوصفه أحد رواد الفن في المشهد السعودي، حاضراً بكل ما تحمله الثقافة من إمكانات وعناصر فبدأ رحلته في تصوير العمارة التقليدية في رسوماته.

ومع ملازمته الفنان السعودي عبد الحليم رضوي ازداد شغفه بالرسم، وتميزت أعماله بالتجريب، واستكشاف الأساليب المتنوعة، وطوال مسيرته المهنية، شارك بنشاط في أكثر من 15 معرضاً فردياً و35 معرضاً جماعياً محلياً وعالمياً، وفاز بأكثر من 15 جائزة، ومن خلال 45 لوحة يتيحها المعرض، يتعرف الزائر على تجربة الصبان العريضة تحت عنوان «عقلية الخيال»، وعلى حضور المرأة البارز في لوحاته، بوصفه رمزية فنية شكلت المعنى العميق لديه، وارتبطت بذاكرته الزمانية والمكانية، وظل تأثير المرأة على أعمال الصبان حاضراً من أعماله المبكرة إلى أحدثها، ويتناول المعرض جوانب من المفاهيم والدلالات التي تعد جزءاً مهماً من أفكار الصبان كمكانة المرأة في المجتمع، ومشاركتها الثقافية وهوياتها المختلفة، وعلاقتها بالبيئة الطبيعية المحيطة بها.

من أعمال الفنان طه الصبان المقدمة في المعرض (الشرق الأوسط)

يتعرف الزائر على تجربة الصبان وعلى حضور المرأة البارز في لوحاته بوصفه رمزية فنية شكلت المعنى العميق لديه (الشرق الأوسط)

بيوت مكة العتيقة

من جهته، اشتهر ابن مكة الفنان يوسف جاها بلوحاته التصويرية للمناظر الطبيعية، وتميزت رحلته الفنية بالتفاني في تجسيد جوهر بيئته، وقد حصل على جائزة تجميل مكة المكرمة عام 2010 التي زينت جدران وميادين العاصمة المقدسة بمحاكاة مفردات من تراث البيئة المكية، والبُعد الإسلامي وأعمال الخط العربي الفريدة. وتأثرت ممارساته الفنية ببيئته المحلية، حيث أصبح معلماً لمادة التربية الفنية لطلاب المرحلة الابتدائية بعد التحاقه بمعهد التربية الفنية في الرياض عام 1972م، ثم حصل على شهادة في الفنون من جامعة أم القرى عام 1983م، وخلال رحلته العملية نال كثيراً من الجوائز منها الجائزة الأولى في المعرض الفني العام الثالث للرئاسة العامة لرعاية الشباب في الرياض عام 1979م، وشارك في كثير من المعارض والبيناليات المحلية والدولية مثل بينالي القاهرة الدولي الثامن في مصر عام 2001م، ومعرض Edge of Arabia في المملكة المتحدة عام 2008م.

وبين طيات التجارب الإبداعية والجمالية استوى نجم الفنان يوسف جاها في سماء جمعته بروّاد الفن السعودي، فترك بصمته على المشهد الفني وعلى المجتمع المحلي، ومن هذا الدور الذي شكله على قصة الفن في السعودية انطلق معرضه الفردي «تحرّي المطر» ضمن سلسلة المعارض الفردية التي أطلقها معهد «مسك»، توثيقاً لاهتمامه ببيئته ومحيطه العمراني، من خلال سلسلة أعماله ما بين 1991 - 2022م التي يتجلى فيها الربط بين التوثيق المعماري والتعبير الفني التجريدي.

ويجد المتطلع على أعماله المعروضة في صالة الأمير فيصل بن فهد بالرياض، مدى التناغم بين الإنسان والطبيعة، والاندماج الروحي بين عناصر الطبيعة المختلفة ومجموعة من نظريات علم النفس، حيث يُجسد هذا المعرض نهجه الفني وممارسته في مجموعة متنوعة من الأعمال التجريدية التعبيرية ولوحات لمناظر طبيعية كالسحب الممطرة على الأقمشة، التي تحتل مركز الصدارة في أعماله التجريدية، وتقدم منظوراً تصويرياً واتجاهاً يتجاوز حدود الرسم، وتعد أسلوباً مكوناً للوحته.

يحتفي المعرض بدور الصبان وجاها وجهودهما الإبداعية ومساهماتِهما الفريدة التي امتدت 50 عاماً من العطاء (الشرق الأوسط)

تستمر أعمال سلسلة المعارض الفردية في صالة الأمير فيصل بن فهد للفنون بالرياض حتى الـ19 من سبتمبر (الشرق الأوسط)

وتستمر أعمال سلسلة المعارض الفردية في صالة الأمير فيصل بن فهد للفنون بالرياض التي تضم معرضين فنيين مُتميزين يُسلطان الضوء على تجارب الرائدين طه الصبان ويوسف جاها، حتى الـ19 سبتمبر (أيلول) 2024م؛ تقديراً لدورهما وجهودهما الإبداعية التي ناقشت مختلف المواضيع الاجتماعية والثقافية، ولمساهماتِهما الفريدة التي امتدت 50 عاماً من العطاء.

ويهدف «مسك للفنون» إحدى الجهات التابعة لمؤسسة محمد بن سلمان «مسك»، من خلال إقامة سلسلة المعارض الفنية إلى توثيق وحفظ إرث الفن السعودي، وضمان الحفاظ على الأعمال الفنية للجيل الحالي وأجيال المستقبل، بما يسهم في استكشاف الفنون والاستلهام من رسالتها الإبداعية، كما يسعى إلى تحقيق رسالته المُتمثِلة في تمكين الفنانين الصاعدين من خلال منظومة متكاملة من التعليم والدعم والخبرات والمعارض لإتاحة فُرص جديدة للارتقاء بالفن؛ وذلك من خلال الإسهام في إثراء وتوثيق المشهد الفني المحلي والإقليمي، وتطوير الرؤى والأفكار الفنية، وتوفير مساحات فنية مُخصَّصَة للنقاش والتواصل مع الفنانين.



هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
TT

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ45، «تشريفاً تعتز به»، ومسؤولية في الوقت نفسه، مؤكدة أن «السينما العربية حققت حضوراً جيداً في المهرجانات الدولية». وأشارت، في حوارها مع «الشرق الأوسط»، إلى أنها تنحاز للأفلام التي تُعبر عن أصالة الفكرة وروح المغامرة، منوهة بعملها على فيلمها الطويل الأول منذ 3 سنوات، لكنها لا تتعجّل تصويره؛ كون الأفلام الطويلة تتطلّب وقتاً، ولا سيما الأفلام الأولى التي تحمل تحديات على صُعُد القصة والإنتاج والممثلين، مُشيدة بالخطوات التي قطعتها السينما السعودية عبر أفلام حقّقت صدى محلياً ودولياً على غرار «نورة» و«مندوب الليل».

بدأت هند الفهاد عملها عام 2012، فأخرجت 4 أفلام قصيرة شاركت في مهرجانات عدة وهي: «بسطة» الذي فاز بجائزة في «مهرجان دبي» 2015، و«مقعد خلفي»، و«ثلاث عرائس وطائرة ورقية»، و«المرخ الأخير» الذي جاء ضمن فيلم «بلوغ»، وتضمّن 5 أفلام قصيرة لـ5 مخرجات سعوديات، وشارك قبل 3 أعوام في «مهرجان القاهرة السينمائي».

وبين حضورها المهرجان في أحد أفلامها قبل سنوات، ومشاركتها بلجنة تحكيم العام الحالي، ترى هند الفهاد فرقاً كبيراً، موضحة: «أن أكون مشاركة في فيلم ويعتريني القلق والترقب شيء، وأن أكون أحد الأعضاء الذين يُسمّون هذه المشروعات شيء آخر، هذا تشريف ومسؤولية، إذ أشاهد الأفلام بمنظور البحث عن الاختلاف والتميز وأساليب جديدة لصناع أفلام في تناول موضوعاتهم، وأجدني أنحاز للأفلام التي تعبّر عن أصالة الفكرة وتقدم حكاية لا تشبه أي حكاية، وتنطوي على قدر من المغامرة الفنية، هذه من الأشياء المحفزة في التحكيم، وقد ترأستُ قبل ذلك لجنة تحكيم أفلام الطلبة في مهرجان أفلام السعودية».

لا تتعجل الفهاد فيلمها الطويل الأول (الشرق الأوسط)

وعن رؤيتها للسينما العربية بعد مشاهدتها أحدث إنتاجاتها في «مهرجان القاهرة»، تقول هند الفهاد: «لا شك في أنها قطعت خطوات واسعة في السنوات الأخيرة بحضورها في المهرجانات الكبرى؛ لأن لدينا حكايات تخصّنا، وهناك مخرجون ومخرجات أثبتوا حضورهم القوي عبر أفكار وأساليب متباينة، وأنا أقول دائماً إن الفكرة ليست في القصة، وإنما في كيف تروي هذه القصة ليتفاعل معها الجمهور في كل مكان».

وتكشف المخرجة السعودية عن استعدادها لتصوير فيلمها الروائي الطويل الأول الذي تعمل عليه منذ سنوات، قائلة: «كتبته المخرجة هناء العمير، ووصلنا أخيراً لنسخة السيناريو المناسبة، لكن الأفلام الطويلة، ولا سيما الأولى تحتاج إلى وقت للتحضير، خصوصاً إذا كان في المشروع تحديات على صُعُد القصة والممثلين والإنتاج».

وتتابع هند: «لم أحدّد بعدُ توقيت التصوير. وعلى الرغم من أنه مشروعي الأساسي، لكن هناك مشروعات أخرى أشتغل عليها، وفي تعدّدها أضمن استمرارية العمل لأكون حاضرة في المجال، فقد تكون هناك فكرة رائعة، لكن حين تُكتب نكتشف أنه من الصعب تنفيذها، لأسباب عدة».

وعن نوعية الفيلم تقول: «اجتماعيّ دراميّ، تدور أحداثه في غير الزمن الحالي. وانتهت مرحلة تطوير النص لفيلمي القصير، ووصل إلى النسخة المناسبة، وأنا، الآن، أختار أبطاله، وهو يروي حكاية تبدو في ظاهرها بسيطة، وتحمل أوجهاً عدّة، فأنا لا أُعدّ الأفلام القصيرة مرحلة وانتهت، بل أحب العمل عليها بشغف كبير في ظل ما أريده، والمعطيات من حولي وكيف أتقاطع مع هذه الأشياء».

وحاز مشروع فيلمها الطويل «شرشف» على منحة إنتاج من معمل البحر الأحمر، وترى هند الفهاد أن التّحدي الحقيقي ليس في التمويل؛ لأن النص الجيد والسيناريو المكتمل يجلبان التمويل، مُشيدة بتعدّد جهات الدعم في المملكة من منطلق الاهتمام الجاد بالسينما السعودية لتأسيس بنية قوية لصناعة السينما أوجدت صناديق تمويل متعددة.

وعلى الرغم من عمل هند الفهاد مستشارة في تطوير المحتوى والنصوص الدرامية، فإنها تواصل بجدية الانضمام إلى ورش السيناريو؛ بهدف اكتساب مزيد من الخبرات التي تُضيف لها بصفتها صانعة أفلام، وفق تأكيدها.

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

بدأت هند الفهاد مشوارها قبل القفزة التي حققتها صناعة السينما السعودية. وعن ذلك تقول: «كنا نحلم بخطوة صغيرة فجاءنا بحرٌ من الطموحات، لذا نعيش لحظة عظيمة لتمكين المرأة ورعاية المواهب المحلية بشكل عام، وقد كنّا نتطلع لهذا التّحول، وأذكر في بداياتي أنه كان وجود السينما أَشبه بالحلم، لا شك في أن نقلة كبيرة تحقّقت، لكن لا تزال التجربة في طور التشكيل وتتطلّب وقتاً، ونحن مهتمون بتطوير المواهب من خلال مشاركتها في مشروعات عربية وعالمية لاكتساب الخبرات، وقد حقّقت أعمالٌ مهمة نجاحاً دولياً لافتاً على غرار (نورة) و(مندوب الليل)».

وتُعبر هند الفهاد عن طموحاتها قائلة: «أتطلع لأحكي قصصنا للعالم، فالسينما هي الصوت الذي يخترق جميع الحواجز».