السعودية تقود الحضور العربي في «كان»

المرأة تختلف في أفلام العرب عنها في أفلام الغرب

المخرج السعودي توفيق الزايدي خلال تصوير فيلمه (الشركة المنتجة)
المخرج السعودي توفيق الزايدي خلال تصوير فيلمه (الشركة المنتجة)
TT

السعودية تقود الحضور العربي في «كان»

المخرج السعودي توفيق الزايدي خلال تصوير فيلمه (الشركة المنتجة)
المخرج السعودي توفيق الزايدي خلال تصوير فيلمه (الشركة المنتجة)

فيلم توفيق الزايدي «نورة» لن يكون فقط أول فيلم سعودي يشترك رسمياً في مهرجان «كان» بل سيبقى وصفه كذلك مدى الزمن. لم يسبقه فيلم سعودي آخر لهذا الوضع، ولو أن بعض الأفلام السعودية المستقلة (تحديداً «زمن الصمت» لعبد الله المحيسن و«كيف الحال» لإيدازور مسلّم وإنتاج آرت) سبقاه خارج حدود الاشتراكات الرسمية. المفارقة، هي أن «نورة» شكّل علامة فارقة بالنسبة للسينما السعودية، ومهرجان «كان» «وجدة» لهيفاء المنصور سجّل سابقة في مهرجان «فينيسيا» سنة 2012، كما شكّل «بركة يقابل بركة» علامة فارقة بين السينما السعودية ومهرجان «برلين» سنة 2016.

«نورة» صوبَ عالمية العروض

الفيلم الجديد يختلف عن كلا الفيلمين السابقين. المخرج الزايدي سرد حكاية تعود لماضي ما قبل الحراك الفني والثقافي للمملكة، وكتب قصّة جادة تدور حول شخصيات مدروسة في معالجة جادة بدورها تصيب أهداف توفير صورة عن الوضع المجتمعي في البادية، من خلال شخصيات تحاصر بعضها الرغبات ويصدُ بعضها الآخر تجربة تطبيق ما يتمناه أستاذ جاء لتعليم أبناء القرية الفن إلى جانب المواد المدرسية المقررة.

هناك اهتمامٌ كبيرٌ بهذا الفيلم الذي لديه نسبة مقبولة من الفوز بجائزة قسم «نظرة ما»، يتوقف ذلك على لجان التحكيم، وإذا ما كان هناك في هذا القسم أفلام أفضل.

ملصق الفيلم السعودي «نورة»

الاهتمام المذكور، هو نجاح عملية بيع الفيلم للأسواق الخارجية. حتى الآن وحسب مصدر مطّلع في عملية التوزيع، هناك أسواق إسبانية وفرنسية وبريطانية وربما أميركية تم التعاقد معها.

الزايدي بدوره، منكبٌّ على وضع سيناريوهين لفيلمين مقبلين. لا يريد أن يحكي في تفاصيلهما لكن ما شاهده من نجاحٍ حتى الآن واستعداد السوق الخارجية، يشجعانه على ضرب الحديد وهو حامٍ.

النجاح كذلك من نصيب مؤسسة «العلا» التي تشقّ طريقها بثباتٍ وسط كل هذه المؤسسات العالمية. لجانب مشاريع أميركية ستُصوّر في السعودية، لجانب «العلا» واستديو موسيقي كبير لديها.

مرّة أخرى تغيب التفاصيل حالياً، لكن من بين هذه المشاريع فيلم سعودي - صيني مع نجوم أميركيين ومن الهند. كذلك لا يبدو أن هذه المؤسسة التي وُلدت كبيرة ستنأى بنفسها عن مشاريع سعودية محلية بينها فيلما توفيق الزايدي.

دراما عبر سنين

بين المؤسسات العربية الأخرى، تتقدّم جهود السينما السعودية عبر كل مشاركاتها وهيئاتها على ما عداها من مؤسسات أخرى. هناك حضور تونسي وجزائري ومغربي وأردني مهم، ثم أفلامٌ عربية على نحو منفرد. بعض التنافس موجود والكثير من السعي للتقدم وتبوأ نجاحات كبيرة، لكن هذا السّعي ليس جديداً ويحتاج إلى دعمٍ مادي وبلورة فكرية. تحتاج إلى إغلاق كتب الأمس وفتح صفحات جديدة ذات خطط قابلة للنجاح.

لقطة من الفيلم المغربي «عبر البحر» (مهرجان «كان»)

من بين الأفلام العربية المشتركة، فيلمان مغربيان تجدر الإشارة إليهما. أولهما، نسبة لتاريخ عروضه، «عبر البحر» لسعيد حميش بن العربي الذي عرضته تظاهرة «أسبوع النقاد» والثاني هو «الجميع يحب توده»، لنبيل عيوش (خارج المسابقة).

«عبر البحر» لابن العربي (أول أفلامه) دراما تمرّ عبر عقودٍ تنطلق من حياة شاب اسمه بابلو، يعيش حياته في المغرب كما يحلو له. قليلٌ من الأفكار الثورية. كثيرٌ من الترفيه والغناء والرقص قبل أن يصطدم بمحقق عندما ألقي القبض عليه وعلى رفاقه في إحدى الليالي.

يحرق المحقق جواز سفر بابلو بعدما أخبره بأنه يودّ الهجرة. يمرّ بابلو بعد ذلك بأيام عصيبة. إفلاسٌ وضياعٌ وإخفاقات خطى، إلى أن يلتقي، بعد فترة طويلة، بالمحقق نفسه. يبدو المحقق أكثر لطفاً وكياسة مما كان عليه في اللقاء الأول... وهذا مفهوم لأنه مُثلي (رغم زواجه).

مشاهد كثيرة تمر قبل وبعد وفاة المحقق مصاباً (وقد وصلنا إلى مطلع التسعينات) بما انتشر آنذاك من مرض جنسي (سيدا). بعدَ مشاهد أخرى تؤول زوجة المحقق لبابلو ويتزوّجان. هنا تقع حفلة رقص وغناء مغربية بدورها هي واحدة من أغاني فولكلورية يوظّفها المخرج بدراية في عمله هذا.

لا يشعر المُشاهد إلّا بدرجة محدودة من الاهتمام بما يقع. هناك أهمية بما تعرضه الحكاية من مشاغل ومواقف، لكن سعي المخرج لتوفير معالجة أكثر من مجرد سردية شبه غائب.

الممثلة نسرين الراضي ونبيل عيوش منتج «الجميع يحب توده» (أ.ف.ب)

عيوش يعرض للمرأة

هناك غناء أيضاً في فيلم نبيل عيوش «الجميع يحبّون توده». حتى الآن كوّن عيوش لنفسه سمعة طيبة بين أترابه المغاربة. لديه اسم معروفٌ في أوروبا، وعددٌ كبيرٌ من الأفلام المتنوّعة على مدار 20 سنة أو نحوها. جلّها حكايات اجتماعية وبعضها محض عاطفي، لكنها تختلف في مستوياتها على نحو يثير العجب أحياناً.

يبدأ الفيلم ببطلته توده (نسرين إرادي) وينتهي بها وقد أصبحت على مفترق طريق بين البقاء في الموقع نفسه أو مواصلة طموحها الكبير الذي تسعى إليه للخروج من البيئة الصعبة حيث تعيش، وتتحوّل من مغنية في قريتها إلى مغنية مشهورة على طول البلاد وعرضها.

الطموح يبدو قابلاً للتحقيق، لكن السيناريو، الذي شاركت المخرجة مريم التوزاني بكتابته، يضع كثيراً من العثرات أمامها. لا تملك المال. تعمل في إحدى الحانات الليلية. تتحمّل اعتداءات السكارى. لديها ابن صغير وُلد أصمّ وكل هذه معيقات قد تمنع أي شخصٍ يحلم بالخروج منها، فما البال إذا ما كان هذا الشخص امرأة بمواصفاتها.

الممثلة المغربية نسرين الراضي (إ.ب.أ)

المعالجة، كغالب أفلام عيوش، واقعية ما يمنح الفيلم مصداقيته. عيوش يعرف متاعب مجتمعه ومتاعب بطلته ويوجّه فيلمه للكشف عنهما. ما يعارض منهجه هو انتقالات مفاجئة بين الأحداث بسبب توليفٍ لا يخلو من التوتر.

لكن الفيلم لا يتحوّل إلى استعراض للبؤس واليأس، بل يواكب بطلته وقد ازدادت إلماماً ومعرفة وسمت فوق المعيقات على نحو يبدو موجهاً لإيصال رسالة تضامن مع المرأة المغربية.

هذا الفيلم أفضل من «أي شيء تطلبه لولا» الذي حقّقه عيوش 17 سنة عن راقصة في أميركا، تنتقل إلى مصر حباً بالرقص الشّرقي؛ بيد أن ذلك الفيلم كان استعراضاً أكثر منه دراماً تلتف جيداً حول قضية المرأة كما يفعل هذا الفيلم.

قضايا المرأة في الغرب تختلف بالطبع، وهذا ما يجعل لقاءَ المشاهدين الغربيين مع أفلام تحكي قصصاً عربية وشرقية اجتماعية نوعاً من الاكتشاف الذي لا يتوقف.

مريم توزاني ومخرج فيلم «الجميع يحب توده» ومنتجه نبيل عيوش ونسرين الراضي (إ.ب.أ)

حتى الآن عُرضت عشرات الأفلام من هذا النوع في كل مهرجانات العالم ولا يزال الاهتمام بها مرتفعاً.

غالباً، لأن مشاكل المرأة في الغرب ليست نفسها في الشرق. لن تجد كثيراً من الأفلام الأوروبية التي تدور أحداثها في الزمن الحاضر أو الماضي غير البعيد، تتحدّث بالنبرة نفسها عمّا تتحدّث عنه أفلام مصرية ولبنانية ومغربية أو تونسية.

كما ورد هنا قبل أيام قليلة «الفتاة ذات الإبرة» لماغنوس فون هورن، ينتقل إلى عام 1919 لينقل ذلك الجزء الموازي من الحديث عن وضع المرأة الدنماركية في ذلك الحين.

وسنجد في فيلم «بيرد» للبريطانية أندريا أرنولد، الذي سنتحدّث عنه موسعاً في مناسبة قريبة، مشاكل البراءة وهي تختبر مستقبلاً غامضاً، وهو يدور حول فتاة في الثانية عشرة من عمرها تحاول حماية إخوتها الصغار في عالم لا يعرف الرحمة.

إنها تلك الحكايات التي تعبق بها شاشات السينما بينما تتماهى طالبات الشهرة على البساط الأحمر أمام المصوّرين بملابس مزركشة وفضفاضة وابتسامات مصطنعة.


مقالات ذات صلة

ثلاثة أفلام تسجيلية تمر على أحداث متباعدة

يوميات الشرق من «واحد لواحد: جون ويوكو» (مركوري ستديوز)

ثلاثة أفلام تسجيلية تمر على أحداث متباعدة

«رايفنشتال» للألماني أندريس فايَل فيلم مفعم بالتوثيق مستعيناً بصور نادرة ومشاهد من أفلام عدّة للمخرجة التي دار حولها كثير من النقاشات الفنية  والسياسية.

محمد رُضا (ڤينيسيا)
يوميات الشرق ويجز في حفل ختام مهرجان العلمين (إدارة المهرجان)

مصر: مهرجان «العلمين الجديدة» يختتم بعد 50 يوماً من السهر

اختتم مهرجان «العلمين الجديدة» نسخته الثانية بحفل غنائي للمطرب المصري الشاب ويجز، الجمعة، بعد فعاليات متنوعة استمرت 50 يوماً.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)

هاني شاكر في بيروت... الأحزان المُعتَّقة تمسحها ضحكة

فنان الغناء الحزين يضحك لإدراكه أنّ الحياة خليط أفراح ومآسٍ، ولمّا جرّبته بامتحانها الأقسى وعصرت قلبه بالفراق، درّبته على النهوض. همست له أن يغنّي للجرح ليُشفى.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق أنجلينا جولي في مهرجان ڤنيسيا (إ.ب.أ)

«الشرق الأوسط» بمهرجان «ڤنيسيا-4»... ماريا كالاس تعود في فيلم جديد عن آخر أيام حياتها

إذا ما كانت هناك ملاحظة أولى بالنسبة للأيام الثلاثة الأولى التي مرّت على أيام مهرجان ڤنيسيا فهي أن القدر الأكبر من التقدير والاحتفاء ذهب لممثلتين أميركيّتين.

محمد رُضا (فينيسيا)
يوميات الشرق جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» خلال مشاركتها في افتتاح مهرجان البندقية (الشرق الأوسط)

«البحر الأحمر السينمائي» تشارك في مهرجان البندقية بـ4 أفلام

تواصل «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» حضورها بالمهرجانات الدولية من خلال مشاركتها في الدورة الـ81 من مهرجان البندقية السينمائي بين 28 أغسطس و7 سبتمبر.

«الشرق الأوسط» (البندقية)

الواقع الافتراضي يمنح ذوي الإعاقة الذهنية استقلالية أكبر

نظارات الواقع الافتراضي تتيح لذوي الإعاقة الذهنية تعلم مهارات حياتية بشكل أسرع (جامعة كالجاري)
نظارات الواقع الافتراضي تتيح لذوي الإعاقة الذهنية تعلم مهارات حياتية بشكل أسرع (جامعة كالجاري)
TT

الواقع الافتراضي يمنح ذوي الإعاقة الذهنية استقلالية أكبر

نظارات الواقع الافتراضي تتيح لذوي الإعاقة الذهنية تعلم مهارات حياتية بشكل أسرع (جامعة كالجاري)
نظارات الواقع الافتراضي تتيح لذوي الإعاقة الذهنية تعلم مهارات حياتية بشكل أسرع (جامعة كالجاري)

أظهرت دراسة أسترالية أن استخدام نظارات الواقع الافتراضي يُمكِن أن يفتح آفاقاً جديدة للأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية، مما يتيح لهم تعلم مهارات حياتية عملية بشكل أسرع دون الحاجة إلى الاعتماد على مقدمي الرعاية.

وأوضح الباحثون بجامعة «جنوب أستراليا» وجامعة «نيو ساوث ويلز»، أن هذه التقنية يمكن أن تتيح لهؤلاء الأشخاص تعلم مهارات أساسية مثل النظافة الشخصية وإدارة المهام اليومية، ونشرت النتائج، الجمعة، بدورية (Intellectual Disability Research).

ونظارات الواقع الافتراضي (VR) هي أجهزة إلكترونية يتم ارتداؤها على الرأس، مصممة لخلق تجربة غامرة في بيئة افتراضية ثلاثية الأبعاد. وتعتمد هذه النظارات على عرض صور ومقاطع فيديو بزاوية 360 درجة، بحيث يشعر المستخدم وكأنه موجود داخل البيئة الافتراضية.

وتستخدم نظارات الواقع الافتراضي بشكل واسع في الألعاب الإلكترونية، والتعليم، والتدريب المهني، والطب، حيث تتيح للمستخدم التفاعل مع بيئة محاكية للواقع دون مغادرة مكانه. وتوفر هذه التقنية تجربة غنية وحسية تحاكي الواقع، ما يجعلها أداة فعالة لتعلم المهارات والتفاعل مع العالم الافتراضي بطريقة واقعية.

ويواجه معظم الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية تحديات كبيرة في أداء المهارات الحياتية الأساسية مثل الطهي، والاستحمام، والتنظيف دون مساعدة من مقدمي الرعاية، مما يمنعهم من العيش باستقلالية والتمتع بجودة حياة أفضل.

وقام الباحثون بمقارنة فعالية نظارات الواقع الافتراضي الغامرة مع البيئات الافتراضية غير الغامرة مثل التدريب على جهاز لوحي، لتدريب 36 بالغاً من ذوي الإعاقة الذهنية على كيفية فصل النفايات العامة عن النفايات القابلة لإعادة التدوير، والنفايات العضوية من الحدائق والطعام.

وشملت الدراسة، 12 جلسة تدريب افتراضية. وأظهرت النتائج أن المجموعة التي استخدمت نظارات الواقع الافتراضي الغامرة حققت أداءً أفضل بشكل ملحوظ في الحياة الواقعية مقارنة بالمجموعة التي استخدمت جهازاً لوحياً للتدريب.

وأكد الباحثون أن تقنية التدريب باستخدام الواقع الافتراضي الغامر يمكن أن تُستخدم أيضاً لتعليم مهارات أساسية أخرى مثل الطهي وأمان المطبخ، والنظافة الشخصية، والتنقل في وسائل النقل العامة، والمهارات الاجتماعية.

وقال الباحث الرئيسي للدراسة بجامعة نيو ساوث ويلز، الدكتور ستيفان ميشالسكي، إن «الواقع الافتراضي الغامر يتيح للأفراد تجربة الأنشطة في بيئة آمنة ومتحكم بها وقابلة للتكرار».

وأضاف عبر موقع الجامعة، أن البحث يظهر أن التعلم بالممارسة، المعروف أيضاً باسم التعلم التجريبي، يبدو أكثر فعالية لهذه الفئة مقارنةً بالأساليب التعليمية التقليدية، مشيراً إلى أن هناك أدلة متزايدة على فوائد الواقع الافتراضي، لكننا بحاجة لسد الفجوة بين البحث والتطبيق حتى يتمكن المزيد من الناس من الاستفادة من هذه التكنولوجيا.