إيلي مرعب... صحافي لبناني يعاند الامتحان الصعب

غسيل الكلى والسرطان سلّماه للنضج وتعلُّم الدرس

في لبنان رفع كثيرون الصلاة لشفائه (صور إيلي مرعب)
في لبنان رفع كثيرون الصلاة لشفائه (صور إيلي مرعب)
TT

إيلي مرعب... صحافي لبناني يعاند الامتحان الصعب

في لبنان رفع كثيرون الصلاة لشفائه (صور إيلي مرعب)
في لبنان رفع كثيرون الصلاة لشفائه (صور إيلي مرعب)

أنذر الإفراط بشرب الماء ابنَ السنوات الخمس بأنّ ثمة شيئاً ينبغي التوقُّف عنده. راقب بروفيسور حالته، وكثُر إجراء الفحوص. كان الظنّ أنّ إيلي مرعب مصاب بكهرباء في الرأس أو باضطراب القلب، حتى تبيَّن أنّ الكلى تتسبّب بتغيير مجرى الوظائف. رافقه الدواء حتى شبَّ. بلغ الـ21 وهو يتحايل على الآلام. حاول عقد اتفاق مع المرض لعلّه يُهدّئ بعض قسوته، لكنه فضَّل أن يُدخله في التجربة.

إيلي مرعب صحافي لبناني له حضوره في مواقع التواصل (حسابه الشخصي)

لم يكن هذا الشاب اللبناني قد عُرف بعد وكثُر متابعوه. يروي إيلي مرعب، وهو اليوم صحافي له حضوره في مواقع التواصل، قصّته لـ«الشرق الأوسط». يكبُر التعاطف معه منذ مشاركته أوجاعه بصوت عالٍ. في لبنان، رفع كثيرون الصلاة لشفائه، ونُظِّمت حملة جمع تبرّعات ليخضع لجراحة. من الحبّ، راحت أوجاع تُسمح وآمال تُهوِّن امتحانه. اليوم يمتنّ لمَن شكَّلت مناجاته عناقاً في أوانه.

لم يدُم التحايل، فامتلاء الرئتين بـ8 كيلوغرامات من الماء فرض المسار الصعب. يذكُر: «لـ8 أشهر، تواصلت مشكلات الكلى وسط تلاعُب الضغط. دخلتُ العناية المركّزة لأشهر، إلى أن خُيِّرت بين مُرَّين: الغسيل أو زراعة كلية. استعدَّت أمي لمنحي إحدى كليتيها. لكنني رفضت. أردتُ تجنيبها عذاب المستشفى ومضاعفات هذا العطاء. تدهوُر صحتي أرغمني على التسليم لهذا القدر. منحتني كليتها التي ضربها السرطان لاحقاً».

بدأ إيلي مرعب بتتبّع أخبار الفنانين، ووصل إلى اتصالهم به وطلبهم نشر أخبارهم. تعلَّم أنّ مواقع التواصل هي صحف هذا العصر، فكثَّف نشاطه. خَبرَ العمل الإلكتروني، قبل إطلاق موقعه، ومنهما توصَّل إلى أنّ ما يكتبه عبر «إكس» يشكّل بصمته ويثبت حضوره. وحين يكتب عن حفل أو إصدار لفنان، ويُخبر بعد ساعات عن دخوله في جلسة العلاج الكيميائي، فهو ينال تفاعلاً في الموضوعين، مع حصاد المعاناة الصحّية لفتة احتضان وحبّ.

اختار المرض أن يُدخله في التجربة (صور إيلي مرعب)

تدخّلت هشاشة المناعة في جعل الأحوال تسوء. وراحت الفيروسات تجد فيه ملاذاً لتخرق وتقيم. عاد إيلي مرعب إلى غسيل الكلى بعد الظنّ أنّ الدواء جنّبه الأفظع، وأيام المستشفى بلياليها كانت ضريبة لا مفرّ من تسديدها قبل نيل الشفاء. نزَفَ حتى سلَّم أطباء مصيره لله. خسارة الكلية المزروعة استدعت السرطان، وهو اليوم يُكمل جلسات الغسيل مع الجلسات الكيميائية، وشيء في الداخل يخبره بأنّ الضربة التي لا تقضي على المرء تعلّمه فنّ النهوض وتدرّبه على القوة.

بدايةً رفضَ الواقع وحلَّ شعورٌ بإنكاره: «أردتُ التوقُّف عن العمل ونسيان الصحافة. إنها تتطلّب جهداً لستُ أملكه، ومزاجاً غير مزاجي المتقلّب. العلاج يسلبني بهجة الأشياء، ويرميني بما يشبه العزلة. فنانون وعائلتي رفضوا استسلامي. بعضٌ ظلمَ فنانين واتّهمهم بالتقصير حيالي. ليس صحيحاً. كثيرون ساندوا ودعموا مادياً ومعنوياً. زاروني في العناية الفائقة، وكانوا لطفاء».

ترك شقيقه كندا وأتى ليكون السند (صور إيلي مرعب)

يفضّل تفادي أسماء الخيِّرين خشية أن يفوته ذكر جميع مَن ساعدوا. عتبه على مَن انتظر منهم اتصالاً، فاستكثروه: «علّموني إعادة حساباتي. إنني ممَّن يتطلّعون إلى الأمور بإيجابية ويتجنّبون الإضاءة على السلبيات. بعض الفنانين لقّنني الدرس. عليَّ ضبط لهفتي حيالهم. البعض يمتهن الأخذ فقط».

بخسارته الكُلية، أُرجئ السفر، فسدَّ المبلغ المُتبرَّع به تكاليف 4 أشهر في المستشفى؛ بمقدار 40 ألف دولار. يبلغ إيلي مرعب عامه الـ30، بإصرار على أنّ الضوء سيقطع النفق. يحلُم ويخطّط، ويشاء للأحلام التحقُّق، ليُخبر الحياة بأنها لا تقوى على المُعاندين.

أراد تجنيب والدته عذاب المستشفى ومضاعفات العطاء (صور إيلي مرعب)

ظنَّ أنّ السرطان لن يطوله. هكذا هو الإنسان، يستبعد على نفسه أسى الآخرين: «لمرّات ردّدتُ (يا حرام) في داخلي حيال المتألمين. والآن أنا منهم. في البداية، لا نجاة من الصدمة. ثم تصبح أنت ممَن كنت تقول عنهم (يا حرام). تشاء ترك كل الأشياء وراءك وعدم الاكتراث لما تحارب من أجله. لكنّ صوتاً في الداخل يُرغمك على الاستمرار».

لفح الوالدة ذنب الابن حين اختار السرطان استهداف كليته المنتقلة من جسدها إلى جسده: «قالت لي: هل يُعقل أنني السبب؟ فرفضتُ ذلك. أخبرتها أنّ هذا المرض يختار أكثر الأماكن وهناً، وقد ساعدت المناعة المتردّية على تمهيد طريقه نحوي. عائلتي عزائي. يكفيني أنني مَن يتألم، وليسوا هم المتألمين».

ترك شقيقه كندا وأتى ليكون السند. والأخت أيضاً، شكَّلت دفء الروح. الأم حمَّالة الهَمّ، تتفقده كل الوقت، بينما الأب يخترع المشوار ليُرفّه عنه. يقول: «يمنحونني الدافع لأصمد وأحارب. من المهم أن يتحلّى المرء بمَن يجعله أفضل».

العائلة تمنحه الدافع ليصمد ويحارب (صور إيلي مرعب)

الغد ليس في اليد. هذه قناعة المتعقّلين في حياة دولابها دوّار. يسير بهذا الزهد نحو أيامه المقبلة؛ وهو المولود من نضج التجربة ومرارة الاختبار: «كنتُ دائم التفكير بالغد. اليوم أدرك عبث ذلك. لا أفكّر حتى في بعد الظهر. أعيش اللحظة، فهي ما أملك. الحياة مُباغتة حدّ أننا ننام على مسألة ونستيقظ على نقيضها. لم أعد أخشى السرطان. أعلم أنّ الأصحاء أيضاً معرّضون للموت بحادث سيارة مثلاً. أتمسّك بما يمكن التمسّك به، وأعالج ما أمكن علاجه. حَمْدُ الله يُهوِّن كل المراحل».


مقالات ذات صلة

صحتك سرطان الثدي أحد أكثر أنواع السرطان شيوعاً بين النساء (جامعة ولاية كينت)

دراسة: الجراحة قد لا تفيد المصابات بسرطان القنوات الموضعي بالثدي

أكدت نتائج أولية لدراسة طبية أن التدخل الجراحي ربما لا يفيد معظم النساء المصابات بسرطان القنوات الموضعي، وهو نوع منخفض الخطورة من سرطان الثدي.

«الشرق الأوسط» (تكساس)
صحتك مريضة بالسرطان (رويترز)

علماء يستعينون بـ«الغراء» في تطوير علاج جديد للسرطان

طوَّر علماء يابانيون علاجاً جديداً للسرطان باستخدام مركَّب موجود في الغراء يسمى «أسيتات البولي فينيل PVA».

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
صحتك زيوت البذور يمكن أن تتسبب في إصابة الأشخاص بسرطان القولون (رويترز)

للوقاية من سرطان القولون... تجنب استخدام هذه الزيوت في طهي الطعام

حذَّرت دراسة من أن زيوت البذور -وهي زيوت نباتية تستخدم في طهي الطعام، مثل زيوت عباد الشمس والذرة وفول الصويا- يمكن أن تتسبب في إصابة الأشخاص بسرطان القولون.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك أواني الطهي البلاستيكية السوداء قد تكون ضارة بالصحة (رويترز)

أدوات المطبخ البلاستيكية السوداء قد تصيبك بالسرطان

أصبحت أواني الطهي البلاستيكية السوداء عنصراً أساسياً في كثير من المطابخ، لكنها قد تكون ضارة؛ إذ أثبتت دراسة جديدة أنها قد تتسبب في أمراض مثل السرطان.

«الشرق الأوسط» (أمستردام)

«الثقافة السعودية» تطلق 4 خدمات لدعم المبتعثين

الوزارة تسعى لتوفير تجربة تعليمية غنية وداعمة للمبتعثين في مجالات الثقافة والفنون حول العالم (واس)
الوزارة تسعى لتوفير تجربة تعليمية غنية وداعمة للمبتعثين في مجالات الثقافة والفنون حول العالم (واس)
TT

«الثقافة السعودية» تطلق 4 خدمات لدعم المبتعثين

الوزارة تسعى لتوفير تجربة تعليمية غنية وداعمة للمبتعثين في مجالات الثقافة والفنون حول العالم (واس)
الوزارة تسعى لتوفير تجربة تعليمية غنية وداعمة للمبتعثين في مجالات الثقافة والفنون حول العالم (واس)

أطلقت وزارة الثقافة السعودية، 4 خدمات جديدة عبر «منصة الابتعاث الثقافي»؛ لتوفير تجربة تعليمية غنية وداعمة لمبتعثيها بمجالات الثقافة والفنون حول العالم، وذلك ضمن جهودها لتنمية وتأهيل الكوادر الوطنية لتلبية احتياجات سوق العمل الحالية والمستقبلية.

وتقدم خدمة «الاستشارات الأكاديمية» استشارات مخصصة للمبتعثين خلال مشوارهم، للمساهمة في توجيههم، ودعمهم في اختيار التخصصات والمواضيع البحثية المناسبة. بينما تدعمهم «الاستشارات المهنية» وتُوَجِّههم نحو الإعداد المسبق لسوق العمل، عبر مساعدتهم في استغلال تجربة الابتعاث لتطوير المعارف والمهارات اللازمة لبدء مسارٍ مهني ناجح.

ويركز «التدريب المهني في بلد الابتعاث» على دعمهم بالشراكة مع صندوق «هدف» خلال فترة تدريبهم على رأس العمل في الشركات والجهات الرائدة بمجالات الثقافة والفنون، ليتسنّى للخريجين تعزيز معارفهم ومهاراتهم عبر تطبيقها في بيئات مختلفة، وتعزيز أقصى استفادة ممكنة من تجربة الابتعاث.

وتُمكِّن خدمة «دعم البحوث العلمية» القائمين على دراسات ومشاريع بحثية من التواصل مع الأفراد والجهات المختلفة ذات العلاقة في السعودية، مما يُسهِّل وصولهم إلى البيانات الموثوقة، وإجراء البحوث النوعية، ويساهم في تميزهم الأكاديمي.

يُشار إلى أن برنامج الابتعاث الثقافي أُطلق عام 2020 ضمن أولى مبادرات الوزارة لخدمة مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للثقافة، وتحت مظلة «رؤية السعودية 2030»، بهدف تمكين المبدعات والمبدعين السعوديين من الالتحاق بأبرز المؤسسات التعليمية في التخصصات الثقافية بمختلف أنحاء العالم.

ويساهم في تحقيق استراتيجية تنمية القدرات الثقافية عبر توفير فرصٍ تعليمية متميزة لهم، تمكِّنهم من التخرج بدرجاتٍ علمية مميزة، وبمستوياتٍ مختلفة من أبرز جامعات العالم في مجالات متنوعة تشمل علم الآثار والتراث، والعمارة والتصميم، والمتاحف، والموسيقى، والمسرح، وصناعة الأفلام، والأدب، واللغات واللغويات، والمكتبات وعلم البيانات، والفنون البصرية، والطهي، وتصميم الأزياء، وتكنولوجيا علوم الأغذية، والمحتوى الرقمي.

من جهة أخرى، وقّعت وزارةُ الثقافة وهيئة الأوقاف، الثلاثاء، مذكرةَ تفاهم لتعزيز التعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك، بهدف إثراء القطاعين الثقافي والوقفي بما يحقق استراتيجياتهما الوطنية، حيث مثّل الوزارةَ نائب الوزير حامد فايز، فيما مثّل الهيئة محافظها عماد الخراشي.

مذكرة تفاهم لإثراء القطاعين الثقافي والوقفي عبر عدة مجالات (وزارة الثقافة)

وتضمنت المذكرة عدة مجالات، من أبرزها تطوير السياسات والإجراءات للأوقاف الثقافية، ودراسة تعزيز الاستدامة المالية لها، وتنويع مصادر إيراداتها، وتوجيه مصارفها، كذلك المساهمة في إنشاء وتطوير منتجات تدعم الحفاظ على الأصول الثقافية الوطنية والإرث الإسلامي، ودعم قطاع الأوقاف في تنويع منتجاته، وزيادة الإنتاج الثقافي، مما يساهم في تنويع المحتوى الثقافي وتحفيز الابتكار.

وتُساهم في تعظيم أثر القطاع الوقفي الثقافي، وإثراء مساهمته في تطوّر القطاع الثقافي، في ظل التعاون الدائم بين الوزارة ومختلف الجهات؛ للمساهمة في الحفاظ على التراث الوطني، وبناء مستقبل غنيّ تزدهر فيه مختلف أنواع الثقافة والفنون، لتحقيق مستهدفات الاستراتيجية.