«عبور النيل»... لوحات تجسِّد رحلة الحياة والموت عبر النهر

استوحاها البحريني راشد بن خليفة من تاريخ المصري القديم

«أجزاء من متاهة» الذي عُرض تحت سفح الأهرامات (الشرق الأوسط)
«أجزاء من متاهة» الذي عُرض تحت سفح الأهرامات (الشرق الأوسط)
TT

«عبور النيل»... لوحات تجسِّد رحلة الحياة والموت عبر النهر

«أجزاء من متاهة» الذي عُرض تحت سفح الأهرامات (الشرق الأوسط)
«أجزاء من متاهة» الذي عُرض تحت سفح الأهرامات (الشرق الأوسط)

بمجموعة لوحات، يستعيد الفنان البحريني الشيخ راشد بن خليفة آل خليفة، مفهوم «الخلود» عند المصري القديم، راصداً رحلة الإنسان من الموت إلى الحياة عبر نهر النيل.

وأطلق الشيخ راشد على مجموعته العاكف حالياً على إنجازها، اسم «عبور النيل». يقول لـ«الشرق الأوسط» إنّ هذا النهر العظيم جذبه في كل زيارة إلى مصر، تزامناً مع توقّفه عند معتقدات المصري القديم الذي خصَّص الضفّة الشرقية منه للأحياء، فأنشأ فيها معابد ومدناً سكنية، بينما ظلَّ غرب النيل للأموات، حيث المقابر والمدافن.

ويضيف: «شكّل النهر بالنسبة إلى المصري القديم معبراً بين الحياة والموت، ينقله للخلود محقّقاً فكرته عن البعث بعد الموت. من تلك المعتقدات القديمة، أستوحي فكرة لوحات (عبور النيل)، محاولاً تجسيد الرحلة من الموت إلى الأبدية».

تضمّ المجموعة لوحات أنجز منها الشيخ راشد حتى الآن نحو 7، ويواصل العمل على إكمال بقية الرحلة، تمهيداً لعرضها في مصر والبحرين. لكن عدداً منها سيُعرض أولاً في العاصمة الأذربيجانية، باكو، على هامش قمة المناخ «كوب29» المقرّرة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وفي بداية مايو (أيار) الحالي، زار وفد من «أكاديمية أذربيجان الحكومية للفنون»، «مؤسّسة راشد آل خليفة للفنون» في العاصمة البحرينية، المنامة، واتّفقا على «سلسلة مبادرات وبرامج تعليمية وتبادل فنّي، تبدأ بتنظيم معرض لمجموعة من الفنانين البحرينيين في (كيو غاليري) بالعاصمة باكو، بنهاية أغسطس (آب) المقبل».

الأعمال الفنّية التي تضمّها المؤسّسة تتراوح بين الواقعية والتجريد (الشرق الأوسط)

تقبع لوحات «عبور النيل» في المرسم الخاص بالشيخ راشد، وهذه ليست المرّة الأولى التي يُقدّم فيها عملاً مستوحى من الحضارة المصرية. ففي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، شارك في المعرض الدولي للفنّ المعاصر، «الأبد هو الآن»، الذي أُقيم تحت سفح الأهرامات، ونظمته «آرت دي إيجبت» بمشاركة 14 فناناً من أنحاء العالم.

حمل العمل الذي شارك فيه الشيخ راشد اسم «أجزاء من متاهة»، وهو مجسَّم يبرز من الأرض بزوايا مختلفة، ويتكوّن من 12 قطعة، ويشغل مساحة 9 أمتار × 19 متراً، بارتفاعات متفاوتة تتراوح بين مترين و5 أمتار، نُقشت عليه زخارف مستوحاة من كتاب «برج بابل» للكاهن والباحث الألماني أثناسيوس كريشر.

ويشير الفنان إلى أنه تخوَّف من عرض عمل فنّي بجوار الهرم، لكنه قرّر المغامرة مستوحياً فكرة من الأساطير الإغريقية القديمة تتحدّث عن متاهة مفقودة تحت الأرض في جنوب مصر.

يترأس الفنان البحريني «مؤسّسة راشد آل خليفة للفنون»، وهي غير ربحية تركز على «تمكين الفنانين البحرينيين»، وتضمّ متحفاً لأعماله الفنّية، بالإضافة إلى مقتنيات من أعمال فنانين عرب وأجانب؛ أُنشئت في بيت عائلة الفنان بالمنامة، العائد تاريخ بنائه إلى ثلاثينات القرن الماضي، فرمّمه الشيخ راشد، وحرص على الاحتفاظ ببعض أجزائه، لا سيما مجلس العائلة، بالإضافة إلى لوحة فنية رسمها وهو طفل على أحد جدرانه.

أعمال متنوّعة ضمَّها المتحف التابع للمؤسّسة (الشرق الأوسط)

ويُعدّ الشيخ راشد آل خليفة، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس «المجلس الوطني للفنون» في البحرين، الفنّ «قوة ناعمة تُشكّل جسراً بين الثقافات»، وتعزّز تأثير الدول وقوّتها في محيطيها الإقليمي والعالمي، لذلك يعمل من خلال مؤسّسته على «تشجيع التبادل الثقافي والفنّي بين الشعوب أملاً في الارتقاء بالفنون البحرينية».

من هذا المنطلق، كشف الشيخ راشد عن برنامج للتعاون مع مصر لتدريب الفنانين البحرينيين على ترميم الأعمال الفنّية، ويقول إنه ينسّق حالياً مع وزارة الثقافة المصرية لتنفيذ هذا البرنامج رغبةً في تنمية مهارات الفنانين البحرينيين، بالإضافة إلى تنسيقه برامجَ تبادل ثقافياً وفنياً بين مصر والبحرين ضمن مشروع «المحطة الفنية».

ويوضح أنّ «المحطة الفنّية مبادرة أطلقتها المؤسّسة أخيراً، تُقدَّم من خلالها منح لفنانين من العالم، في مختلف المجالات، للإقامة في قلب سوق المحرق بالبحرين وإنجاز أعمالهم»، مشيراً إلى «استقدام عدد من الفنانين الأميركيين ضمن المبادرة».

والشيخ راشد من روّاد الحركة التشكيلية بالبحرين؛ تمتدّ مسيرته لنحو 50 عاماً، تنوّعت فيها أعماله ما بين الواقعية والتجريد. بدأ الرسم في الطفولة، ودرس الفنون في جامعة برايتون ببريطانيا. ويقول إنّ أسرته أرسلته للدراسة العسكرية في لندن، لكنه تركها وآثر دراسة الفنّ، فغضبت في البداية، لكنها سرعان ما تفاعلت مع عشقه للفنون.

بدأ مسيرته في الستينات برسم المناظر الطبيعية، قبل أن يتّجه إلى التجريد، وأخيراً الرسم على المعدن: «دائماً أطمح للتغيير وأبحث عن الجديد».


مقالات ذات صلة

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

يوميات الشرق جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

احتفل فن أبوظبي بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم.

عبير مشخص (أبوظبي)
يوميات الشرق أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها، الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع...

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)
يوميات الشرق إحدى لوحات معرض «يا عم يا جمّال» (الشرق الأوسط)

«يا عم يا جمّال»... معرض قاهري يحاكي الأغاني والأمثال الشعبية

يحاكي الفنان التشكيلي المصري إبراهيم البريدي الأمثال والحكايات والأغاني والمواويل الشعبية المرتبطة بالجمل في التراث المصري والعربي.

حمدي عابدين (القاهرة )

شكوك حول أسباب وفاة الملحن المصري محمد رحيم

الملحن المصري الراحل محمد رحيم خاض تجربة الغناء (حسابه على «فيسبوك»)
الملحن المصري الراحل محمد رحيم خاض تجربة الغناء (حسابه على «فيسبوك»)
TT

شكوك حول أسباب وفاة الملحن المصري محمد رحيم

الملحن المصري الراحل محمد رحيم خاض تجربة الغناء (حسابه على «فيسبوك»)
الملحن المصري الراحل محمد رحيم خاض تجربة الغناء (حسابه على «فيسبوك»)

أثار خبر وفاة الملحن المصري محمد رحيم، السبت، بشكل مفاجئ، عن عمر يناهز 45 عاماً الجدل وسط شكوك حول أسباب الوفاة، كما تصدر اسم رحيم «ترند» موقعي «غوغل»، و«إكس»، خلال الساعات الأخيرة.

وكان الفنان المصري تامر حسني قد أعلن عن موعد مراسم الجنازة عبر خاصية «ستوري» بصفحته الرسمية بموقع «إنستغرام»، لكنه سرعان ما أعلن تأجيل المراسم، لافتاً إلى أن طاهر رحيم، شقيق الفنان الراحل، سيعلن عن موعد الجنازة مجدداً، وكان الأخير أعلن تأجيلها «حتى إشعار آخر»، وفق ما كتب عبر حسابه بـ«فيسبوك».

وحسب مواقع إخبارية محلية، فقد تم تأجيل مراسم الجنازة عقب توقيع الكشف الطبي على جثمان الملحن الراحل، ووجود شكوك في شبهة جنائية حول وفاته، إذ تضمن تقرير طبي متداول إعلامياً ومنسوب لإحدى الإدارات الصحية بمحافظة الجيزة وجود «خدوش وخربشة»، و«كدمات» في الجثمان.

يذكر أن رحيم كان قد أعلن في شهر فبراير (شباط) الماضي عبر حسابه بموقع «فيسبوك» عن اعتزاله الفن، لكنه تراجع عن قراره ونشر مقطعاً مصوراً أكد خلاله عودته مجدداً من أجل جمهوره.

الملحن محمد رحيم والفنانة نانسي عجرم (حسابه على «فيسبوك») ‫‬

كان الراحل قد تعرض لذبحة صدرية في شهر يوليو (تموز) الماضي، دخل على أثرها إلى العناية المركزة، حسبما أعلنت زوجته مدربة الأسود المصرية أنوسة كوتة.

من جانبها، أعلنت أرملة رحيم قبل ساعات عبر صفحتها الشخصية بموقع «فيسبوك»، عن موعد الجنازة مجدداً بعد صلاة عصر اليوم (السبت)، من مسجد الشرطة بمدينة الشيخ زايد، لكنها قامت بحذف المنشور.

الشاعر والناقد الموسيقي المصري فوزي إبراهيم أكد أن «وفاة رحيم شكلت صدمةً لجمهوره ومحبيه حيث كان بصحة جيدة، وخرج من محنته المرضية الأخيرة وتعافى تماماً وذهب لأداء العمرة قبل شهر».

الملحن المصري محمد رحيم (حسابه على «فيسبوك»)

وتحدث فوزي لـ«الشرق الأوسط» عن رحيم الملحن، لافتاً إلى أن «إنتاجاته لها مذاق مختلف، وهذه السمة نادرة الوجود حيث عُرف بالتفرد والإبداع والابتكار الذاتي».

وذكر فوزي أن تعاونه مع رحيم بدأ مطلع الألفية الحالية واستمر حتى رحيله، حيث كان على موعد لتسجيل أحدث أغاني «الكينج» محمد منير من كلماته وتلحين رحيم.

ووصف فوزي، رحيم، بأنه «أحد عباقرة العصر وإحدى علامات الأغنية المصرية في الربع قرن الأخير»، لكنه كان يعاني بسبب تجاهله وعدم تقديره إعلامياً.

ويستكمل فوزي حديثه قائلاً: «إحساسه بعدم التقدير جعله يوظف طاقته بالعمل، ويبتعد عن السلبيات، حتى صار مؤخراً في المرتبة الأولى في قائمة التحصيل وحق الأداء العلني بالأرقام الرسمية من جمعية (المؤلفين والملحنين المصرية - الساسيرو)، حتى أن اسمه فاق اسم الموسيقار بليغ حمدي في التحصيل، كما جرى تكريمه بالعضوية الذهبية».

الملحن محمد رحيم والفنان محمد منير (حساب الملحن الراحل على «فيسبوك»)

وتعاون رحيم مع عدد من الفنانين، من بينهم نانسي عجرم، وعمرو دياب، ومحمد منير، وأصالة، وإليسا، ونوال الزغبي، وأنغام، وآمال ماهر، وروبي، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وساندي، وكارول سماحة، وبهاء سلطان، وتامر عاشور، وجنات، وهيفاء وهبي، وغيرهم.

ومن بين الألحان التي قدمها محمد رحيم منذ بدايته قبل 26 عاماً أغنيات «وغلاوتك» لعمرو دياب، و«أنا لو قلت» لمحمد فؤاد، و«الليالي» لنوال الزغبي، و«يصعب علي» لحميد الشاعري، و«ياللي بتغيب» لمحمد محيي، و«أحلف بالله» لهيثم شاكر، و«جت تصالحني» لمصطفى قمر، و«مشتاق» لإيهاب توفيق»، و«أنا في الغرام» لشيرين، و«بنت بلادي» لفارس، و«ليه بيداري كده» لروبي، و«في حاجات» لنانسي عجرم.