مصر: قرار إخلاء متحف «رائد الخزف» نبيل درويش يجدد الجدل

أسرته تنتقد عدم توفير مكان بديل... والبرلمان على خط الأزمة

متحف نبيل درويش (أسرة الفنان الراحل)
متحف نبيل درويش (أسرة الفنان الراحل)
TT

مصر: قرار إخلاء متحف «رائد الخزف» نبيل درويش يجدد الجدل

متحف نبيل درويش (أسرة الفنان الراحل)
متحف نبيل درويش (أسرة الفنان الراحل)

تجدّد الجدل بشأن إزالة متحف الفنان المصري الرّاحل نبيل درويش «1936: 2002»، عقب تلقي أسرة درويش قراراً بإخلاء محتويات المتحف في غضون أسبوعين، وذلك بسبب دخول المتحف حيّز توسعة جديد على طريق سقارة السياحي بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة).

وحسب أسرة الفنان الراحل فإنه قد سبق قبل عامين أن تلقّوا إخطاراً لإزالة المتحف لتوسعة ستجري على كوبري محاذٍ له، فإن الأمر استُوعب في ذلك الوقت وجرى تجنب إزالة المتحف، حسبما تقول سارة درويش، كريمة الفنان الراحل، وفي حديثها مع «الشرق الأوسط» توضح: إن «قرار الإزالة الجديد الذي وصلنا هو بسبب تأسيس طريق جديدة على طريق المريوطية، ورغم كل المناشدات التي قمنا بها فإن آخر ما توصّل له اجتماع اللجنة الخاصة بهيئة الطرقات والكباري والمساحة، أن قرار إزالة المتحف قائم».

وتشير سارة درويش إلى أن قرار الإزالة سيشمل المتحف والحديقة والبيت، لذلك فحتى عملية نقل محتويات المتحف إلى البيت لم تعد تصلح «طلبنا أن نُمنح فرصة لنقل محتويات المتحف أو مساعدتنا في نقل محتوياته إلى مكان آمن، لكن لم يجرِ التواصل معنا ولا مُنحنا مكاناً بديلاً، فالمتحف يضمّ نحو 3500 قطعة خزفية، وهو من المتاحف النادرة في العالم المختصة بفن الخزف».

قرار الإزالة يشمل المتحف وبيت الفنان الراحل (نبيل درويش)

وتقول ابنة الفنان الراحل: إن «وزارة الثقافة تنظر إلى متحف نبيل درويش بوصفه متحفاً خاصاً وليس حكومياً، وهذا في الوقت نفسه، يشير لأزمة عدم وجود قانون لحماية المتاحف الخاصة في مصر، ووصل إلينا مندوب من الوزارة قبل أيام لاستبيان الموقف، لكن بلا موقف محدد من الوزارة».

ويُعد الفنان نبيل درويش أحد أبرز رُوّاد فن الخزف في مصر، وله أعمال مقتناة في عدد من أكبر المتاحف العالمية، وقد أنشأ متحفه عام 1983 في منطقة طريق سقارة بالجهود الذاتية، ويقع على مساحة ألف متر، ويجاور المكان العديد من مدارس تعليم الكليم والبردي، وهو مفتوح بالمجان للزائرين وطلاب كليات الفنون الجميلة والتربية الفنية، وإلى جانب مُنجزه الفني الواسع، فإن الراحل كان له باع بحثي في مجال فن الخزف، فسجّل أول رسالة علمية للدكتوراه عن صنع المصريين القدماء لفوهات سوداء للأواني الخزفية.

جانب من أعمال الفنان الراحل (أسرة نبيل درويش)

ويثير خبر إزالة متحف الفنان نبيل درويش ردود أفعال غاضبة، وسط تداول واسع لصور المتحف، وسيرة الفنان نبيل درويش، ودعاوى لزيارة المتحف في محاولة لتجنّب وقف هدمه، كما دخل البرلمان على الخط، بعد تقديم طلب إحاطة لكلٍّ من رئيس مجلس الوزراء، ووزير النقل، ووزيرة الثقافة، بشأن القرار الصادر بإزالة متحف نبيل درويش.

وتقول النائبة المصرية مها عبد الناصر: «تقدمت بطلب الإحاطة بعد استغاثة أسرة نبيل درويش برئيس الجمهورية، في أعقاب تلقيهم إخطاراً بضرورة إخلاء متحف الفنان الراحل ضمن أعمال توسعة (دائري المريوطية)»، وفق ما تقول لـ«الشرق الأوسط».

المتحف يضمّ أكثر من 3 آلاف قطعة (أسرة نبيل درويش)

وتضيف مها عبد الناصر أن «هذا القرار يُعيد طرح أكثر من سؤال بداية من أولويات الدّولة وسط ظروف اقتصادية ضاغطة، إضافة إلى أن هذا القرار ينضمّ لسلسة من القرارات التي تستسهل هدم المنشآت الثقافية»، مُطالبة الحكومة بالتنسيق مع الجهات المُنفذة لأعمال التوسعة وإيجاد موقع بديل لأعمال المشروع بعيداً عن أرض المتحف ومنزل الفنان الراحل وأسرته.

وناشدت الأكاديمية الدّولية للخزف في سويسرا التابعة لـ«اليونيسكو» عبر خطاب أرسلته قبل أيام إلى وزارة النقل في مصر، بعدم هدم متحف نبيل درويش استناداً للقيمة الفنية للفنان المصري الراحل.

وأثار هدم مقابر وأحواش تراثية في جبّانة القاهرة التاريخية انتقادات واسعة في مصر العام الماضي، تصاعدت مع صدور قرارات إزالة لمقابر رموز وطنية وثقافية من أجل توسعة طرقات مرورية في هذه المنطقة.


مقالات ذات صلة

أول تمثال شمع لنجمة كرة قدم نسائية بمتحف مدام توسو

يوميات الشرق تُلهم النساء التحليق (حساب ماري إيربس في إنستغرام)

أول تمثال شمع لنجمة كرة قدم نسائية بمتحف مدام توسو

أصبحت حارسة مرمى منتخب إنجلترا، ماري إيربس، أول لاعبة كرة قدم محترفة تحظى بتمثال شمع في متحف مدام توسو اللندني.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق المتحف يتراجع عمّا ارتكبه (أ.ب)

متحف في دبلن يزيل تمثالاً أظهر المغنّية شينيد أوكونور أشبه بـ«روبوت»

تسبَّب سيل من الانتقادات الحادّة بإزالة تمثال من الشمع للمغنّية الآيرلندية الراحلة شينيد أوكونور من متحف الشمع الوطني الآيرلندي في دبلن.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق المومياء تعود إلى فترة تتراوح بين 2000 و3000 سنة حينما كان تحنيط الحيوانات في مصر القديمة في ذروته (جامعة مانشستر)

الوجبة الأخيرة القاتلة: أسرار حياة ونفوق تمساح مصري محنّط

كشف الباحثون، أخيراً، رؤى جديدة ومثيرة حول حياة ونفوق تمساح مصري قديم محنّط، مسلطين الضوء على وجبته الأخيرة وتفاصيل أخرى مذهلة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق تعززت مكانة متحف اللوفر كمتحف شامل من خلال استيلاء الجيش الفرنسي على القطع الفنية المختلفة (شاترستوك)

غنائم نابليون: عندما قرر العالم إعادة الفن المنهوب

تواجه المتاحف الآن مطالب متزايدة لإعادة المجموعات الفنية المعروضة داخلها إلى أوطانها ويعود الجدل إلى 1815 عندما أُجبر متحف اللوفر على تسليم غنائم حرب سابقة.

نينا سيغال (باريس)
يوميات الشرق صورة نشرها البروفيسور كابا أحد دعاة الأفروسنتريك على صفحته في فيسبوك (فيسبوك)

زيارة «الأفروسينتريك» للمتحف المصري تجدد الجدل بشأن أفكارها

جددت زيارة لمجموعة من «الأفروسينتريك» للمتحف المصري بوسط القاهرة الجدل بشأن أفكارها التي تدعي أن أصول الحضارة المصرية القديمة أفريقية.

محمد الكفراوي (القاهرة )

هاني شاكر في بيروت... الأحزان المُعتَّقة تمسحها ضحكة

بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)
بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)
TT

هاني شاكر في بيروت... الأحزان المُعتَّقة تمسحها ضحكة

بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)
بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)

القبلات المتطايرة التي تدفّقت من هاني شاكر إلى أحبّته طوال حفل وداع الصيف في لبنان، كانت من القلب. يعلم أنه مُقدَّر ومُنتَظر، والآتون من أجله يفضّلونه جداً على أمزجة الغناء الأخرى. وهو من قلّة تُطالَب بأغنيات الألم، في حين يتجنَّب فنانون الإفراط في مغنى الأوجاع لضمان تفاعل الجمهور. كان لافتاً أن تُفجّر أغنية «لو بتحبّ حقيقي صحيح»، مثلاً، وهو يختمها بـ«وأنا بنهار»، مزاج صالة «الأطلال بلازا» الممتلئة بقلوب تخفق له. رقص الحاضرون على الجراح. بارعٌ هاني شاكر في إشعالها بعد ظنّ أنها انطفأت.

بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)

تغلَّب على عطل في هندسة الصوت، وقدَّم ما يُدهش. كان أقوى مما قد يَحدُث ويصيب بالتشتُّت. قبض على مزاج الناس باحتراف الكبار، وأنساهم خللاً طرأ رغم حُسن تنظيم شركة «عكنان» وجهود المتعهّد خضر عكنان لمستوى يليق. سيطر تماماً، بصوت لا يزال متّقداً رغم الزمن، وأرشيف من الذهب الخالص.

أُدخل قالب حلوى للاحتفاء بأغنيته الجديدة «يا ويل حالي» باللهجة اللبنانية في بيروت التي تُبادله الحبّ. قبل لقائه بالآتين من أجله، كرَّرت شاشة كبيرة بثَّها بفيديو كليبها المُصوَّر. أعادتها حتى حُفظت. وحين افتتح بها أمسيته، بدت مألوفة ولطيفة. ضجَّ صيف لبنان بحفلاته، وقدَّم على أرضه حلاوة الأوقات، فكان الغناء بلهجته وفاءً لجمهور وفيّ.

بقيادة المايسترو بسام بدّور، عزفت الفرقة ألحان العذاب. «معقول نتقابل تاني» و«نسيانك صعب أكيد»، وروائع لا يلفحها غبار. الأغنية تطول ليتحقّق جَرْف الذكريات. وكلما امتّدت دقائقها، نكشت في الماضي. يوم كان هاني شاكر فنان الآهات المستترة والمعلنة، وأنّات الداخل وكثافة طبقاته، وعبق الورد رغم الجفاف والتخلّي عن البتلات. حين غنّى «بعد ما دابت أحلامي... بعد ما شابت أيامي... ألقاقي هنا قدامي»، طرق الأبواب الموصودة؛ تلك التي يخالها المرء صدأت حين ضاعت مفاتيحها، وهشَّم الهواء البارد خشبها وحديدها. يطرقها بأغنيات لا يهمّ إن مرَّ عُمر ولم تُسمَع. يكفيها أنها لا تُنسى، بل تحضُر مثل العصف، فيهبّ مُحدِثاً فوضى داخلية، ومُخربطاً مشاعر كوَقْع الأطفال على ما تظنّه الأمهات قد ترتَّب واتّخذ شكله المناسب.

هاني شاكر مُنتَظر والآتون من أجله يفضّلونه جداً (الشرق الأوسط)

تتطاير القبلات من فنان يحترم ناسه، ويستعدّ جيداً من أجلهم. لا تغادره الابتسامة، فيشعر مَن يُشاهده بأنه قريب ودافئ. فنانُ الغناء الحزين يضحك لإدراكه أنّ الحياة خليط أفراح ومآسٍ، ولمّا جرّبته بامتحانها الأقسى، وعصرت قلبه بالفراق، درّبته على النهوض. همست له أن يغنّي للجرح ليُشفى، وللندبة فتتوارى قليلاً. ولا بأس إن اتّسم الغناء بالأحزان، فهي وعي إنساني، وسموّ روحي، ومسار نحو تقدير البهجات. ابتسامة هاني شاكر المتألِّمة دواخلَه، إصرار وعناد.

تراءى الفنان المصري تجسيداً للذاكرة لو كان لها شكل. هكذا هي؛ تضحك وتبكي، تُستعاد فجأة على هيئة جَرْف، ثم تهمد مثل ورقة شجر لا تملك الفرار من مصيرها الأخير على عتبة الخريف الآتي. «بحبك يا هاني»، تكرَّرت صرخات نسائية، وردَّ بالحبّ. يُذكِّر جمهوره بغلبة السيدات المفتتنات بأغنياته، وبما تُحرِّك بهنّ، بجمهور كاظم الساهر. للاثنين سطوة نسائية تملك جرأة الصراخ من أجلهما، والبوح بالمشاعر أمام الحشد الحاضر.

نوَّع، فغنّى الوجه المشرق للعلاقات: «بحبك يا غالي»، و«حنعيش»، و«كدة برضو يا قمر». شيءٌ من التلصُّص إلى الوجوه، أكّد لصاحبة السطور الحبَّ الكبير للرجل. الجميع مأخوذ، يغنّي كأنه طير أُفلت من قفصه. ربما هو قفص الماضي حين ننظر إليه، فيتراءى رماداً. لكنّ الرماد وجعٌ أيضاً لأنه مصير الجمر. وهاني شاكر يغنّي لجمرنا وبقاياه، «يا ريتك معايا»، و«أصاحب مين»؛ ففي الأولى «نلفّ الدنيا دي يا عين ومعانا الهوى»، وفي الثانية «عيونك هم أصحابي وعمري وكل أحبابي»، لتبقى «مشتريكي ما تبعيش» بديع ما يُطرب.

ضجَّ صيف لبنان بحفلاته وقدَّم على أرضه حلاوة الأوقات (الشرق الأوسط)

استعار من فيروز «بحبك يا لبنان» وغنّاها. بعضٌ يُساير، لكنّ هاني شاكر صادق. ليس شاقاً كشفُ الصدق، فعكسُه فظٌّ وساطع. ردَّد موال «لبنان أرض المحبّة»، وأكمله بـ«كيف ما كنت بحبك». وكان لا مفرّ من الاستجابة لنداء تكرَّر. طالبوه مراراً بـ«علِّي الضحكاية»، لكنه اختارها للختام. توَّج بها باقة الأحزان، كإعلان هزيمة الزعل بالضحكاية العالية.