بالصور... الطقس الحار يحول خيام النازحين في رفح إلى «أفران»

مخيم للنازحين الفلسطينيين في رفح جنوب قطاع غزة (رويترز)
مخيم للنازحين الفلسطينيين في رفح جنوب قطاع غزة (رويترز)
TT

بالصور... الطقس الحار يحول خيام النازحين في رفح إلى «أفران»

مخيم للنازحين الفلسطينيين في رفح جنوب قطاع غزة (رويترز)
مخيم للنازحين الفلسطينيين في رفح جنوب قطاع غزة (رويترز)

يعمد الفلسطيني سهيل فلوينة إلى نقل أبنائه خارج خيمتهم في رفح بقطاع غزة على أمل التخفيف من حدة الأجواء الحارة داخلها، قبل أن يظلل جانب الخيمة ببطانية صغيرة لإبعاد حرارة الشمس عن أجسادهم، بينما يفترش قطعة قماش مهترئة أملاً في حمايتهم من سخونة الكثبان الرملية التي يعيشون عليها.

يسلي الأب أبناءه ببعض الحكايات انتظاراً لقدوم أخيهم الأكبر أحمد (22 عاماً) الذي ذهب لملء جالون مياه من مكان يبعد نحو كيلومتر واحد عن الخيمة من أجل الاغتسال، قبل أن ينثروا المياه أعلى المكان وفي محيطهم لعلهم يظفرون بلحظات أقل حرارة في ظل الأحوال الجوية القاسية.

ينقل الأب (50 عاماً) الحبل الذي يحمل الملابس المغسولة من مكانه، ويثبته بجانب أبنائه الخمسة لتنشر الأم بعض الملابس المبللة التي تتعمد عدم عصرها لتسقط قطرات المياه بجوار الجالسين من جهة، وتظلل عليهم من أخرى، في الوقت الذي تتعثر فيه جهوده في الحصول على مياه أو مشروبات باردة يلح الأبناء عليه لشرائها على أمل منحهم إحساساً أقل بالحرارة.

مخيم للنازحين الفلسطينيين في غزة (وكالة أنباء العالم العربي)

بيد أن كل محاولات الفكاك من الأجواء الملتهبة ولو قليلاً تذهب أدراج الرياح، ولا يحتمل الأبناء البقاء طويلاً بجانب الخيمة، فينطلقون من مكانهم بحثاً عن خيمة أو عريشة أكثر ارتفاعاً قياساً بخيمتهم صغيرة المساحة، أو مكان مرتفع قليلاً قد يجدون فيه هواءً أقل حرارة.

غير أن الأبناء يجابهون بالرمال والغبار الذي يتطاير حولهم بصورة تجعل من حركة الرياح مشكلة إضافية تزيد من سوء الأحوال الجوية، ليستسلموا جميعاً لشدة الحرارة وتعامد أشعة الشمس بطريقة تجعل أجسادهم تتصبب عرقاً دون أن يجدوا ماءً للاستحمام أو التبريد.

يبدو الإجهاد بصورة أكبر على الابن الأصغر أشرف الذي لم يكمل أعوامه الستة في أثناء محاولة الأب نقله من محيط خيمة إلى أخرى بحثاً عن مكان أقل حرارة، حتى يجثو الطفل على الأرض بعد احمرار وجهه وتصببه عرقاً.

يسرع الرجل حاملاً طفله تحت أشعة الشمس إلى خيمة قريبة يمتلك أصحابها برميل مياه كبيراً سعة 1000 لتر، ليواصل صب الماء عليه من أعلى الرأس حتى أخمص القدمين، في حين يرتجف الطفل وتنخفض حرارته تدريجياً، ولا يتمنى أكثر من بقائه تحت صنبور الماء المتدفق، وهي أمنية صعبة التحقق في ظل أزمة الحصول على الماء في قطاع غزة.

يسيطر الحزن على الأب الذي انتقل من مشكلة برودة الخيام في الشتاء إلى سخونتها في الوقت الحالي رغم عدم دخول فصل الصيف بعد، بينما يحاول في الوقت نفسه توفير أي بديل يمكّنهم من استمرار الحياة بالحد الأدنى في ظل ارتفاع درجات الحرارة.

مخيم للنازحين الفلسطينيين في غزة (وكالة أنباء العالم العربي)

أجواء خماسينية يعيش قطاع غزة أجواءً خماسينية من المتوقع أن تستمر أياماً عدة وفق الأرصاد الجوية، وتزداد هذه الأجواء سخونة للنازحين في رفح المجاورة لصحراء شبه جزيرة سيناء المصرية لتأثرها بالأجواء الصحراوية أكثر من بقية مدن القطاع.

يوضح فليونة، النازح من مدينة غزة 6 مرات قبل انتقاله إلى رفح، أن اليوم الأول لارتفاع درجات الحرارة بصورة غير مسبوقة جعل من الخيمة «فرنا» يشوي أجساد البشر من سخونته مع عدم وجود بديل آخر أو مكان يمكن اللجوء إليه ولو بضع ساعات خلال تعامد الشمس وسط النهار.

وقال لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: «خيامنا مقامة على كثبان رملية ممتدة، ولا يوجد حتى بيت أو عريشة أو أي مكان يمكننا الفرار إليه حتى نستظل ولو قليلاً».

وأضاف: «عذاب فوق العذاب، وحياة لا أعتقد أننا سنصمد معها طويلاً أمام حرارة الصيف، مخرجنا الوحيد مغادرة هذه الصحراء القاحلة إلى بيوتنا».

وإلى جانب الحدود المصرية مباشرة، نزحت عائلة جهاد الغندور من حي الزيتون في مدينة غزة بعدما تنقلت 5 مرات قبل أن تحط رحالها في رفح، لتكتوي أجساد أبنائها الصغار بالأجواء الخماسينية شديدة الحرارة، فلا تجد بدّاً من أن تستظل بحائط غرفة حراسة كانت للأمن الفلسطيني قرب الحدود رغم خطورة استهدافها من جانب إسرائيل.

يجلس جهاد (30 عاماً) على مقربة من أطفاله الأربعة، في حين تجتهد زوجته في توفير مياه الشرب لأطفالها وبعض قطع القماش المبللة بالماء التي تضعها على رقابهم ورؤوسهم.

مخيم للنازحين الفلسطينيين في غزة (وكالة أنباء العالم العربي)

يعبر جهاد عن خشيته من تعرض أطفاله للخطر جراء ارتفاع درجات الحرارة وعدم القدرة على العودة بهم إلى داخل الخيمة «التي تشتعل ناراً» على حد قوله، معتبراً أنهم لم يستطيعوا تجاوز اليوم الأول من أول موجة حر شديدة «فكيف الحال ببقية الصيف وأجوائه الملتهبة؟».

يتحدث جهاد بغضب وإحباط عن الحال التي وصلوا إليها مع حياة النزوح بعد أن كانوا يعيشون في بيوتهم التي تتوافر فيها مقومات الحياة، متوقعاً أن تزداد حياتهم قسوة مع ارتفاع درجات الحرارة يوماً بعد آخر.

مخيم للنازحين الفلسطينيين في غزة (وكالة أنباء العالم العربي)

ويقول: «الأزمة الكبرى أننا لا نجد مكاناً لوضع أطفالنا فيه علهم يشعرون بدرجة حرارة أخف ولو حتى شجرة أو مبنى، فكل المنطقة خيام تتضاعف فيها درجات الحرارة، ونحن بجوار صحراء سيناء».

وأضاف: «كما لا نجد مياهاً باردة أو مشروبات تخفف عن الأطفال هذه الحرارة، لنقف عاجزين أمامهم، وهم يعذبون من الحرارة دون أن نفعل شيئاً».


مقالات ذات صلة

شولتس يدعو لوقف إطلاق النار في الشرق الأوسط

أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس (أ.ب)

شولتس يدعو لوقف إطلاق النار في الشرق الأوسط

دعا المستشار الألماني أولاف شولتس، مجدّداً، الأحد، إلى وقف إطلاق النار في الشرق الأوسط، عشية الذكرى الأولى لهجوم حركة «حماس» على إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (برلين)
تحليل إخباري نتنياهو يصافح ماكرون في القدس أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

تحليل إخباري ماذا وراء الخلاف الحاد بين نتنياهو وماكرون؟

أزمة حادة بين ماكرون ونتنياهو، والإليزيه يسعى لتطويقها... ورسالة فرنسية ضمنية إلى بايدن تدعوه «للانسجام» في المواقف.

ميشال أبونجم (باريس)
تحليل إخباري الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مؤتمر صحافي في القمة الفرنكوفونية التاسعة عشرة في باريس (رويترز)

تحليل إخباري دعوة ماكرون لوقف تسليح إسرائيل... هل يمكن تفعيلها؟

وسط تصعيد إسرائيلي للحرب في لبنان وتواصلها في غزة، أثارت دعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بشأن الكف عن تسليم أسلحة لإسرائيل، تساؤلات بشأن إمكانية تفعيلها

«الشرق الأوسط» (القاهرة ) «الشرق الأوسط» (القاهرة)
الولايات المتحدة​ نائبة الرئيس الأميركي والمرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية كامالا هاريس (أ.ب)

هاريس: الولايات المتحدة ستواصل الضغط على إسرائيل من أجل وقف إطلاق النار

أعلنت نائبة الرئيس الأميركي والمرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية كامالا هاريس أن الولايات المتحدة ستواصل الضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي الرئيس السيسي والشيخ محمد بن زايد يشهدان الاحتفال بتخريج دفعات جديدة من طلبة الكليات العسكرية الخميس الماضي (الرئاسة المصرية)

مصر: الاحتفاء الواسع بـ«6 أكتوبر» يتفاعل مع الاضطرابات الإقليمية

برغم مرور 51 عاماً على حرب السادس من أكتوبر عام 1973، تشهد مصر منذ أيام احتفالات واسعة بالنصر على إسرائيل الذي تحلّ ذكراه بالتزامن مع استمرار الحرب في غزة.

فتحية الدخاخني (القاهرة)

«ودارت الأيام»... مسرحية مصرية تُحذّر من «تضحيات الزوجة المفرِطة»

الديكور جزء أساسي من مفردات العمل (إدارة مهرجان القاهرة للمونودراما)
الديكور جزء أساسي من مفردات العمل (إدارة مهرجان القاهرة للمونودراما)
TT

«ودارت الأيام»... مسرحية مصرية تُحذّر من «تضحيات الزوجة المفرِطة»

الديكور جزء أساسي من مفردات العمل (إدارة مهرجان القاهرة للمونودراما)
الديكور جزء أساسي من مفردات العمل (إدارة مهرجان القاهرة للمونودراما)

حين أطلق صُنّاع أغنية «ودارت الأيام» تحفتَهم الغنائية الخالدة عام 1970 لتصبح واحدة من روائع «كوكب الشرق» أمّ كُلثوم، ربما لم يخطر على بالهم أنها سوف تصبح اسماً لواحد من العروض المسرحية بعد مرور أكثر من نصف قرن.

وبينما تحفل الأغنية الشهيرة التي كتبها مأمون الشناوي، ولحّنها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، بالتفاؤل والنهاية السعيدة لجفوة قديمة بين حبيبَين التقيا بعد سنوات من الفراق، فإن المسرحية التي تحمل الاسم نفسه، وتُعرَض حالياً ضمن فعاليات مهرجان «أيام القاهرة للمونودراما الدّولي»، تحمل أجواءً حزينة مِلؤها الحسرة والأسى لزوجة تكتشف بعد فوات الأوان أنها خسرت كل شيء، وأن تضحياتها الزوجية عبر أحلى سنوات العمر ذهبت أدراج الرياح.

حالات متناقضة من المشاعر والانفعالات (إدارة مهرجان القاهرة للمونودراما)

تروي المسرحية قصة زوجة تستيقظ فجأةً على نبأ وفاة زوجها، بيد أن المصيبة هذه لم تأتِ بمفردها، بل جرّت معها مصائب متلاحقة، ليُصبح الأمر كابوساً متكامل الأركان، فالزوج لم يَمُت في بيت الزوجية، بل في بيت آخر مع زوجة أخرى اقترن بها سراً قبل نحو 15 عاماً، لتكتشف البطلة أنها عاشت مخدوعة لسنوات طوال.

محاولة لاستعادة الماضي بلا جدوى (إدارة مهرجان القاهرة للمونودراما)

تلك الصّدمة العاطفية الكُبرى شكّلت نقطة الانطلاق الحقيقية للعرض المسرحي الذي أخرجه فادي فوكيه، حين تأخذ البطلة التي جسّدت شخصيتها الفنانة وفاء الحكيم، في استرجاع ذكريات رحلتها الزوجية التي اتّسمت بتنازلها عن كثيرٍ من حقوقها بصفتها زوجة وأنثى، كما تروي مواقف عدّة، تقبّلت فيها معاملة زوجها المهينة ونظرته الدُّونية لها، وأنانيته وتغطرسه؛ إذ لم يكن يفكر إلا في نفسه، وكان يتعامل مع زوجته كأنها خادمة مسخّرة لتلبية رغباته، وليست شريكة حياة لها حقوق كما أن عليها واجبات.

عدّ الناقد المسرحي د. عبد الكريم الحجراوي، مسرح المونودراما الذي ينتمي إليه العمل «من أصعب أنواع القوالب الفنية؛ لأنه يعتمد على ممثّل واحد في مواجهة الجمهور، مطلوب منه أن يكون شديدَ البراعة ومتعددَ المواهب من حيث التّشخيص، والمرونة الجسدية، والاستعراض، والتحكم في طبقات صوته»، مشيراً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هذا الممثل مُطالَب بالسيطرة على المتفرج، والإبقاء عليه في حالة انتباه وتفاعل طوال الوقت، ومن هنا تكمن الصعوبة، حيث لا وجود لشخصيات أخرى أو حوار.

ويضيف الحجراوي: «وجد ممثل المونودراما نفسه مطالَباً بالتعبير عن الصراع الدرامي بينه وبين الآخرين الغائبين، أو بينه وبين نفسه، فضلاً عن أهمية امتلاكه مرونة التعبير عن حالات مختلفة من المشاعر، والانفعالات، والعواطف المتضاربة التي تتدرّج من الأسى والحزن والشّجَن إلى المرح والكوميديا والسُّخرية، وهو ما نجحت فيه وفاء الحكيم في هذا العمل».

أداء تمثيلي اتّسم بالإجادة (إدارة مهرجان القاهرة للمونودراما)

ويُبرِز العمل الذي يُعدّ التجربة الأولى للمؤلفة أمل فوزي، كثيراً من محطات الخذلان والإحباط التي عاشتها الزوجة؛ فقد رفضت والدتها ذات الشخصية القوية، فكرة انفصالها عن زوجها في السنوات الأولى لحياتهما معاً، ومن ثَمّ رفضت الزوجة نفسها فكرة الانفصال بعد إنجاب أكثر من طفل، وتلوم البطلة نفسها بسبب قبولها لموضوع الزواج في سنٍّ صغيرة وهي لا تزال في بداية دراستها الجامعية، وعجزها عن التمرد بوجه زوجها حين رفض بإصرارٍ أن تُكمل دراستها، مخالِفاً بذلك وعدَه لها ولأسرتها أثناء فترة الخطوبة.

واللافت أن الزوجة لا تغار من الزوجة الثانية التي أنجبت هي الأخرى طفلاً من زوجهما المشترك، بل تلومُ نفسها على ضعف شخصيتها حيناً، وثقتها غير المبرّرة في زوجها أحياناً.