معرض «الحياة ما بعد الذات» وقفة فلسفية بالأكليريك والفحم والباستيل

يتناول النظم البيئية من بيولوجية وتكنولوجية

كريستين صافتلي في معرضها «الحياة ما بعد الذات» (الشرق الأوسط)
كريستين صافتلي في معرضها «الحياة ما بعد الذات» (الشرق الأوسط)
TT

معرض «الحياة ما بعد الذات» وقفة فلسفية بالأكليريك والفحم والباستيل

كريستين صافتلي في معرضها «الحياة ما بعد الذات» (الشرق الأوسط)
كريستين صافتلي في معرضها «الحياة ما بعد الذات» (الشرق الأوسط)

تنتمي الفنانة التشكيلية كريستين صافتلي إلى جيل الشباب الواعي على ما يحصل حوله، فزمن الحداثة والتكنولوجيا دفعها إلى الالتفات أكثر نحو سلطة الإنسان. ولم تغض النظر عن موضوع البيئة الذي ينوء تحت ثقل الاكتشافات والاختراعات العصرية. وتأتي التكنولوجيا في مقدمها كونها تترك اليوم بأثرها الكبير على الإنسان والطبيعة معاً. ومن خلال معرضها الفني «الحياة ما بعد الذات» تطرح سؤالاً وجدانياً: إلى أين نحن ذاهبون؟ فتدق جرس الإنذار من خلال 31 لوحة وتجهيزات فنية، وتطرح فيها فكرتها الأساسية عن «الحياة ما بعد الذات»، وتتهم الفنانة البشر مباشرة بمسؤوليتهم عن استملاكهم المركزية الإنسانية، فيستخفون بباقي الكائنات الحية على الأرض ويعزلونهم ويتجاهلونهم مدّعين بأنهم غير أذكياء مثلهم. من هذه النقطة تسلط الضوء على النُّظُم البيئية المتداخلة، التي غالباً ما يستملكها البشر، سواءً كانت بيولوجية أو تكنولوجية.

أشجار الليمون المعلقة تمثل ذكرياتها في المنية (الشرق الأوسط)

في معرضها الذي يقام في فندق «ماي فلاور» من تنظيم «أرت ديزاين ليبانون» تشرّح فكرتها بأسلوب فلسفي، ولكنه يرتكز على واقع استنبطت منه أفكار لوحاتها. وتتألف مجموعتها من لوحات «الملاحة البحرية» و«تعزيز الإنسان» و«وقت الحصاد» و«شجرة الليمون» و«الغابة العذراء». وكذلك من تجهيزين فنيين يحملان عنوان «الآلة الأنثروبولوجية». وبين الخيال والواقع ومواد كيميائية وأخرى مستخرجة من الطبيعة، بنت الفنانة لوحاتها الغامضة، ورغبت من خلال تقنيتها في أن تهزّ مشاعر مشاهدها، فيطرح السؤال تلو الآخر كي يستوعب معنى تلك اللوحات لأنه لا يستطيع فهمها، فتوصل صافتلي بذلك رسالتها المنوطة بموضوعها الفلسفي. فالإنسان بشكل عام يرتكب كل تلك الأخطاء ضد البيئة غير متيقظ لما تقترفه أياديه. فهو نصّب نفسه ملك الكرة الأرضية مع أن دورة الحياة تستلزم لاكتمالها جميع الكائنات الأخرى.

عند مدخل المعرض تطالعك لوحتان تتناول فيهما كريستين صافتلي الإنسان والنظام البيئي، وتبرز فيها أنانية الإنسان وتحكمه بمحيطه الطبيعي، وتستخدم صافتلي غطاءً بلاستيكياً يوضع عادة على المائدة، ومزخرفاً بصور ورسوم عن الفاكهة ترسم عليه بالأكليريك آثار يد الإنسان على طبيعته. وتكمل المشوار في المعرض لتتوقف أمام مجموعة لوحات تحمل اسم «أصناف الوعي»، ورسمت عليها بالباستيل وقلم الرصاص والفحم والزيت لتبرز هذا التشابك بين التكنولوجيا والإنسان. وتوضح: «هناك علاقة لافتة اليوم بين الطرفين إلى حدّ دخول الأول جسد الثاني والاستقرار به. وذلك يتم من خلال بقايا بلاستيك وأحياناً من خلال التطور التكنولوجي، إلى حد زرع أجسام غريبة كالرقائق الإلكترونية في الرأس، أو في أي مكان أخر لتسري في دمائنا».

تجهيزات فنية تبرز التلاصق بين التكنولوجيا والإنسان (الشرق الأوسط)

تستوقفك مجموعة أخرى من لوحات صافتلي تحمل اسم «شجرة الليمون»، فهي ابنة المنية في مدينة طرابلس، ولا تزال رائحة شجر الليمون الحامض عالقة في أنفها. «أمّا اليوم فهذه المساحات الخضراء استُهدفت بالعمران. وكان من الأجدى على الإنسان الاحتفاظ ولو بقسمٍ من بيئته ليبقيها حاضرة في حياته». وضعت صافتلي ثمار شجر الليمون بشكل نافر ليسود اللوحات الأصفر. وفي إطار مربع تمت إضاءته لتعرض لوحاتها المعلقة. «هذه الإضاءة تشير إلى الثلاجة، فنحن نخزّن ثمارنا فيها بدل أن نأكلها طازجة فتفقد من حموضتها التي نحب».

ومن الليمون ننتقل إلى موضوع أكثر تعقيداً يتمثل بتجهيزين فنيين، ويمكن تسميتهما منحوتتين للتفاصيل الصغيرة التي تحتويهما وبدقة. فكل القلق والصراعات والتشابك تحضر فيهما. وتركن الفنانة إلى مواد مختلفة لبنائها من «لاتيكس»، وشاشة تلفزيون، وحديد ومسامير وغيرها من أغطية مصنوعة من الـ«بوليستر». وضعت على إحدى المنحوتتين السّكر والملح بوصفهما مكونين طبيعيين. وقابلتهما بأخرى غير طبيعية أفرزتها التكنولوجيا. وتطوّرُ صافتلي أعمالها على أنواعٍ مختلفة من الأسطح مثل الورق والقماش، ولكن أيضاً على مواد مُصنعة مثل أغطية الطاولات البلاستيكية أو أغطية الأسِرّة الصدّئة، وتعترف أن أفكارها تولد في لحظتها. «هذا الغطاء قطعته من شرشف لسرير يحمل صور أسماك بحرية. فاستخدمته في لوحة (الملاحات البحرية). ولونته بالأكليريك المصنّع وبالفحم والباستيل لترجمة واقع التصاق الإنسان بالتكنولوجيا إلى حدٍ كبير».

استخدمت صافتلي غطاء سريرها لإبراز علاقة تشابك معقدة (الشرق الأوسط)

حالات خطرة مختلفة تصورها كريستين صافتلي في معرضها الغني بأفكار عميقة تُنذر بغدٍ غير مشرق. ولعل اختصاصها العلمي في الرسم والنحت أسهما في بلورة أفكارها بأسلوب فني متميز. فهي سبق وشغلت منصب زميلة في برنامج «فضاء أشغال خارجية»، الذي تنظمه الجمعية اللبنانية للفنون. كما شاركت في أكثر من معرض وبينها «بينالي برلين» في دورته الثانية عشرة.

تَلِج في لوحاتها إلى داخل جسم الإنسان وتشرّحه لتعرض بشعفها الفني ما يمكن أن يحتويه من تناقضات، وتتطرق إلى موضوع انقراض الطبيعة وما فيها من نباتات وأشجار بفعل التكنولوجيا والحداثة.


مقالات ذات صلة

ملتقى الأقصر الدولي للتصوير يتفاعل مع روح المدينة القديمة

يوميات الشرق ملتقى الأقصر الدولي للتصوير (إدارة الملتقى)

ملتقى الأقصر الدولي للتصوير يتفاعل مع روح المدينة القديمة

مع انطلاق فعاليات الدورة الـ17 من «ملتقى الأقصر الدولي للتصوير» في مصر، الاثنين، بدأ الفنانون المشاركون في التفاعل مع فضاء مدينة الأقصر.

منى أبو النصر (القاهرة )
يوميات الشرق شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

تُعدّ لوحات الفنان السوري ماهر البارودي بمنزلة «شهادة دائمة على معاناة الإنسان وقدرته على الصمود».

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

احتفل فن أبوظبي بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم.

عبير مشخص (أبوظبي)
يوميات الشرق أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها، الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع...

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)

ملتقى الأقصر الدولي للتصوير يتفاعل مع روح المدينة القديمة

ملتقى الأقصر الدولي للتصوير (إدارة الملتقى)
ملتقى الأقصر الدولي للتصوير (إدارة الملتقى)
TT

ملتقى الأقصر الدولي للتصوير يتفاعل مع روح المدينة القديمة

ملتقى الأقصر الدولي للتصوير (إدارة الملتقى)
ملتقى الأقصر الدولي للتصوير (إدارة الملتقى)

مع انطلاق فعاليات الدورة الـ17 من «ملتقى الأقصر الدولي للتصوير» في مصر، الاثنين، بدأ الفنانون المشاركون في التفاعل مع فضاء مدينة الأقصر (جنوب مصر) بحضارتها العريقة وطبيعتها المُشمسة، استعداداً للبدء في تنفيذ أعمالهم من وحي روح المدينة القديمة.

الملتقى الذي يقام تحت رعاية وزارة الثقافة المصرية وينظمه صندوق التنمية الثقافية، يواصل أعماله حتى السابع من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

ويقول الفنان المصري ياسر جعيصة، القوميسير العام للملتقى، إن «دورة هذا العام يشارك فيها 25 فناناً من مصر ومختلف دول العالم، منهم فنانون من سوريا، والأردن، والسودان، وقطر، واليمن، والولايات المتحدة، والهند، وبلغاريا، وروسيا، وألبانيا، وبولندا، والسنغال».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «لم يتم تحديد ثيمة معينة ليعمل عليها الفنانون المشاركون في الملتقى؛ إذ نهدف إلى أن يلتقط كل فنان روح مدينة الأقصر بأسلوبه الفني الخاص وأسلوبه في التفاعل معها بشكل حُر، دون تقيّد بثيمة أو زاوية مُحددة، سواء كان التفاعل بطبيعتها، أو بوجهها الأثري، أو الخروج بانفعال فني ذاتي، وهذا يمنح للأعمال فرصة الخروج بصورة أكثر تنوعاً كنتاج للملتقى».

ويتابع: «بالإضافة إلى ذلك، فهناك اهتمام هذا العام بخلق حوار مع مجتمع مدينة الأقصر، عبر تنظيم أكثر من فعالية وورش عمل بين الفنانين والأطفال والأهالي لخلق حالة أكبر من التفاعل الفني».

عدد من الفنانين المشاركين في ملتقى الأقصر للتصوير (قوميسير الملتقى)

ومع اليوم الأول لانطلاق الملتقى بدأ الفنانون في الاندماج مع المدينة من خلال ورش عمل متخصصة، منها ورشة للفنان الهندي هارش أجراول الذي نظم ورشة عمل باستخدام خامة «الأكواريل» المعروف بتميزه في التعامل معها فنياً، وهي ورشة استقبلت عدداً من طلاب كلية الفنون الجميلة من قسم التصوير بالأقصر الذين سيحضرون على مدار أيام الملتقى للتفاعل مع الفنانين بشكل مباشر والاستفادة من خبراتهم الفنية، وفق القوميسير.

ويعتبر الدكتور وليد قانوش، رئيس قطاع الفنون التشكيلية في مصر، عضو اللجنة العليا للملتقى، أن «ثمة تغييرات تم استحداثها في برنامج الملتقى للخروج بنسخة مميزة لدورة هذا العام»، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «توفير أفضل الظروف للفنانين من خامات، وإطالة مدة الجولات الفنية الخارجية داخل المدينة، والرسم في المواقع المفتوحة والأثرية... كان من أبرز الأفكار والموضوعات التي يسعى لتفعيلها قوميسير الملتقى ياسر جعيصة خلال تلك الدورة، في محاولة أن تخرج أعمال الملتقى أكثر انسجاماً وتعبيراً عن روح مدينة الأقصر».

ومن المنتظر أن تُعرض أعمال الملتقى في اليوم الختامي بمحافظة الأقصر، على أن يتم تنظيم عرض خاص آخر لها بالقاهرة مطلع العام المقبل.

ويرى الفنان طارق الكومي، نقيب الفنانين التشكيليين بمصر، عضو اللجنة العليا للملتقى، أن «ملتقى الأقصر مناسبة لتبادل الخبرات بين الجنسيات والأجيال المختلفة، وكذلك مناسبة لتقديم حدث تشكيلي مميز للمجتمع الأقصري وزوار المدينة، واستلهام الفنانين لعالم فني مُغاير يستفيد من عناصر مدينة الأقصر وتاريخها العريق»، وفق تصريحاته لـ«الشرق الأوسط».

وتعد مدينة الأقصر من أبرز الوجهات السياحية العالمية التي تضم مواقع أثرية وثقافية بارزة منها: معبد الأقصر، ومعبد الكرنك، ومقابر وادي الملوك، ووادي الملكات.