رحيل عبد العزيز الهزاع مطلق الضحكات في العالم وأشهر مقلّدي الأصوات

الملك سعود كافأه والملك سلمان أنقذه من السجن ومازحه والملك فاروق دشّن موهبته

عبد العزيز الهزاع... محبوب الملوك وأشهر مقلِّدي الأصوات في العالم العربي
عبد العزيز الهزاع... محبوب الملوك وأشهر مقلِّدي الأصوات في العالم العربي
TT

رحيل عبد العزيز الهزاع مطلق الضحكات في العالم وأشهر مقلّدي الأصوات

عبد العزيز الهزاع... محبوب الملوك وأشهر مقلِّدي الأصوات في العالم العربي
عبد العزيز الهزاع... محبوب الملوك وأشهر مقلِّدي الأصوات في العالم العربي

غيّب الموت، الاثنين، الفنان والممثل ومقلد الأصوات السعودي الأشهر في العالم العربي عبد العزيز بن عبد الرحمن الهزاع، وذلك بعد رحلة طويلة مع الحياة لامست قرناً من الزمن، قضى جلها في الفن وتقليد الأصوات، وعايش خلالها ملوك الدولة السعودية الثالثة، وله معهم قصص ومواقف وممازحات، كما أن له مواقف مع الملك المصري فاروق، والملك العراقي فيصل.

برز الهزاع من خلال المسلسل الإذاعي «أم حديجان» الذي كان يقدم في إذاعة الرياض قبل عدة عقود وتحول لاحقاً إلى رسوم متحركة على إحدى القنوات الفضائية يتابعها الأبناء كما كان الأجداد والآباء يتابعون ذات المسلسل قبل نصف قرن عبر الإذاعة ويعد في طليعة الأعمال التي تميزت بها الإذاعة السعودية وكسبت بها جمهوراً عريضاً، وأدى بطولة جميع أدوار المسلسل الفنان الراحل، الذي اشتهر بتقليد الأصوات لدرجة أن لديه القدرة على تقليد 15 صوتاً في وقت واحد، وهو ما جعله يلفت النظر في بدايات تفتق موهبته وينال حظوة عند الملوك والرؤساء في الدول العربية ويكسب جمهوراً عريضاً في جميع أنحاء الوطن العربي والعالم.

حمل الهزاع منذ صغره بذور التمرد، وقد يكون يتمه وفقدانه والديه في سن مبكرة سبب ذلك. يقول الهزاع عن أحد المواقف إنه عند التحاقه بدار الأيتام بالرياض في عهد الملك عبد العزيز وجد أن بعض الحاجات الأساسية تنقص النزلاء فخطط مع زملائه لتقديم شكوى إلى الملك المؤسس: «خططنا لأن نقوم بعمل تمردي على المشرفين بدار الأيتام ونتقدم بشكوى للملك عبد العزيز، ولكن كيف نخرج من الدار، وكيف نوصل شكوانا للملك؟ كانت علاقتنا ممتازة مع حارس الدار، فاقترح أن يُخرجنا بطريقة لا تهدد وظيفته ولا تقطع رزقه، وذلك بأن نبدو كأننا تمرَّدنا عليه وقيَّدناه بأحد أعمدة الدار وهربنا وهذا ما حدث، فخرجنا في مظاهرة باتجاه القصر الملكي، ونحن ننشد بصوت واحد:

إنّ عهد الظلم ولّى - وأتى عصر السعود

فجميع العرب أضحوا - في أمان ابن السعود

وعند بوابة القصر الذي كان مفتوحاً للجميع، أبلغنا الحراس أن لدى جلالته ضيفاً جاء في زيارة رسمية للبلاد فقررنا أن نذهب إلى ولي العهد الملك سعود الذي استقبلنا بابتسامة وترحيب وأنصت لجميع مطالبنا وما ينقصنا من مستلزمات الحياة، ولم يكتفِ بتأمين متطلباتنا بل أمر بمحاسبة المقصّرين في الدار».

يقول الهزاع في إصدارٍ ضمن سلسلة «الرواد» للناشئة، أنجزته وكالة وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية سابقاً، وصدر قبل سنوات: «بدأتُ في صياغة أول سيناريو مشوّق لشخصياتي المبتكرة: بربيخ، ومتيخ، وغزوي... حيث أجدت أول تمثيلية حققت لي شهرة كبيرة لدى عامة الناس وعنوانها (بدوي في الطائرة) التي يعتقد الناس أن من يقوم بأدوارها ليس رجلاً واحداً، وقد قدمت هذه التمثيلية أمام الملك سعود خلال زيارته للمنطقة الشرقية، حيث قُمت بأدوار هذه التمثيلية أمامه، وكانت الابتسامة طوال الوقت لا تفارق محيّاه، وقد أُعجب بها وبموهبتي كثيراً ومنحني مكافأة مجزية قدرها ألف ريال فضة، وهو مبلغ كبير آنذاك، بل إن الملك سعود طلب تسجيل التمثيلية على شريط كاسيت وأخذه معه إلى مسكنه، وقد طلب مني الحضور إلى قصره بالدمام، وأدّيت التمثيلية أمامه من جديد بحضور أفراد عائلته وضيوفه مبرهناً للجميع على أن من نفَّذ هذه الأصوات هو رجل واحد».

وامتدت شهرة الهزاع إلى خارج الحدود وأصبح اسمه لامعاً في مصر والعراق، وعن ذلك يقول: «إن الملك فيصل ملك العراق زار السعودية يرافقه خاله الأمير عبد الإله، وحضر خلال الزيارة حفل تخرج في كلية الملك عبد العزيز الحربية، وكان من ضمن فقرات الحفل مشاركة لي بـ(بدوي في الطائرة)، وأتقنت أداء أدوارها من وراء الستار، فما إنْ عَلِم ملك العراق بأن هذه الأدوار والأصوات يقوم بها شخص واحد حتى طلب شريط كاسيت للتمثيلية وأخذه معه إلى العراق، ولما سمع أفراد الأسرة المالكة والضيوف في بغداد الشريط لم يصدقوا أن هذه الأصوات من أداء رجل واحد، فأرسل ملك العراق إلى الملك سعود طالباً أن يأذن لي بالسفر على نفقة الحكومة العراقية. وكانت الرحلات بين الرياض وبغداد في تلك الفترة أسبوعية، فلم يستطع الملك فيصل أن يصبر لحين موعد الرحلة بعد أيام، فأرسل لي طائرة خاصة تنقلني إلى بغداد. حينها شعرت بقيمة فني وموهبتي. عندما حطَّت الطائرة في بغداد وجدت سيارة السفارة السعودية في انتظاري، وكذلك مندوباً من وزارة الإعلام العراقية الذي قابلني بابتسامة وسألني عن فرقتي الفنية فأجبته: في بطني، ثم ذهبنا إلى قصر الملك حيث كان الأمير عبد الإله بانتظارنا، وعندما دخلت إلى بهو القصر فوجئت بالعائلة المالكة كلها تنتظر فارتبكت، إذ لم يكن مألوفاً أن أجلس بحضور نساء كاشفات دون غطاء للوجه حيث كل واحدة منهن تحمل بيدها مسجلاً. جلست مشوَّشاً. قبل أن أبدأ، كنت أحاول أن أتحكم في قلقي وانطلقت وقضيت أياماً رائعة في بغداد حيث سكنت في فندق (الرشيد) شهرين كاملين أزور العائلة المالكة وأقدم التمثيليات لهم حتى هزّني الشوق إلى بلادي، فطلبت من السفير السعودي أن يستأذن لي من الملك فيصل، ملك العراق، في العودة، فوافق على أن أقدم ما لديَّ مسجَّلاً لصالح الإذاعة العراقية، كما عرضتُ التمثيلية في التلفزيون العراقي بعد أن شكك الناس في أن شخصياتها من أداء رجل واحد، وعندما عدت إلى بلادي وبُعيد رجوعي بأسبوع حدثت الثورة العراقية والتي قُتل فيها الملك فيصل وخاله الأمير عبد الإله وعدد من أفراد العائلة المالكة. وحين ذهبت للسلام على الملك سعود بُعيد عودتي من خارج الرياض، قال لي ممازحاً: يبدو أنك نذير شؤم على العراق؟ فأجبت على الفور: ما رأي جلالتكم ترسلونني لإسرائيل؟ لعلّ الشؤم الذي أنقله يصيبهم، فضحك جلالة الملك، وكذلك الحاضرون في مجلسه».

وزار الهزاع مصر قبل ما يقرب من 45 عاماً، طلباً للعلاج من ضعف بصره، وكانت فرصة له لإبراز قدراته التمثيلية، حيث شارك في برنامج «نجوم الغد» وقلَّد فيه أصوات ولهجات مفهومة للشعب المصري بنبرات مختلفة، مما لفت انتباه العاملين في البرنامج وكذلك الجمهور، وحصد عدداً من الجوائز وتفوَّق على المشاركين في البرنامج، وكتبت عنه الصحف المصرية.

وذكر الهزاع أن من أبرز العناوين التي أسعدته: الملك (فاروق) يزيح الستار عن اكتشاف أول ممثل سعودي.

وللراحل أيضاً مواقف مع الملك سلمان بن عبد العزيز عندما كان أمير منطقة الرياض، حيث أنقذه من السجن بل من القتل، كما يعتقد البعض، لتطابق أوصافه مع شكل مقاول نَصَب على سكان بمدينة الرياض.



اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
TT

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)

مع انتشار اختبار «اللهجة الفلاحي» عبر مواقع التواصل في مصر بشكل لافت خلال الساعات الماضية، وتندُّر كثيرين على مفردات الاختبار التي عدَّها البعض «غير مألوفة» وتحمل معاني متعدّدة؛ تطوّر هذا الاختبار إلى «وصم اجتماعي» بتحوّل ناجحين فيه إلى مادة للسخرية، بينما تباهى خاسرون بالنتيجة، وعدّوا أنفسهم من أبناء «الطبقة الراقية».

وكتبت صاحبة حساب باسم بسمة هاني بعد نشر نتيجة اختبارها «اللهجة الفلاحي»، 5/ 20، عبر «فيسبوك»: «يعني أنا طلعت من EGYPT»، مع تعبير «زغرودة» للدلالة إلى الفرح.

ونشر حساب باسم المهندس رامي صورة لرجل يركب حماراً ويجري بسرعة وفرح، معلّقاً أنه هكذا يرى مَن نجحوا في اختبار «اللهجة الفلاحي».

وكتب حساب باسم سعيد عوض البرقوقي عبر «فيسبوك»: «هذا اختبار اللهجة الفلاحي... هيا لنرى الفلاحين الموجودين هنا وأقصد فلاحي المكان وليس الفكر».

ورداً على موجة السخرية والتندُّر من هذا الاختبار، كتب صاحب حساب باسم محمد في «إكس»: «هناك فلاحون يرتدون جلباباً ثمنه ألف جنيه (الدولار يساوي 48.62 جنيه مصري) ويمتلك بيتاً من هذا الطراز – نشر صورة لبيت بتصميم فاخر – ويعرف الصح من الخطأ، ويعلم بالأصول وهو أهل للكرم، تحية لأهالينا في الأرياف».

وأمام التحذير من تعرّض المتفاعلين مع الاختبار إلى حملات اختراق، كتب الإعلامي الدكتور محمد ثروت على صفحته في «فيسبوك»: «اختبار اللهجة الفلاحي مجرّد (ترند) كوميدي وليس هاكرز، ويعبّر عن جهل شديد في أصولنا وعاداتنا المصرية القديمة». فيما كتب حساب باسم إبراهيم عبر «إكس»: «أخاف المشاركة في الاختبار والحصول على 10/ 20. أهلي في البلد سيغضبون مني».

وتضمّ مصر عدداً من اللهجات المحلّية، وهو ما يردُّه بعض الباحثين إلى اللغة المصرية القديمة التي تفاعلت مع اللغة العربية؛ منها اللهجة القاهرية، واللهجة الصعيدية (جنوب مصر)، واللهجة الفلاحي (دلتا مصر)، واللهجة الإسكندراني (شمال مصر)، واللهجة الساحلية واللهجة البدوية. ولمعظم هذه اللهجات اختبارات أيضاً عبر «فيسبوك».

اختبار «اللهجة الفلاحي» يغزو وسائل التواصل (فيسبوك)

في هذا السياق، يرى أستاذ الأدب والتراث الشعبي في جامعة القاهرة الدكتور خالد أبو الليل أنّ «هذا (الترند) دليل أصالة وليس وصمة اجتماعية»، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «إقبال البعض في وسائل التواصل على هذا الاختبار محاولة للعودة إلى الجذور».

ويُضيف: «صوَّر بعض الأعمال الدرامية أو السينمائية الفلاح في صورة متدنّية، فترسَّخت اجتماعياً بشكل مغاير للحقيقة، حتى إنّ أي شخص يمتهن سلوكاً غير مناسب في المدينة، يجد، حتى اليوم، مَن يقول له (أنت فلاح) بوصفها وصمة تحمل معاني سلبية، على عكس طبيعة الفلاح التي تعني الأصالة والعمل والفَلاح. محاولة تحميل الكلمة معاني سلبية لعلَّها رغبةُ البعض في التقليل من قيمة المجتمعات الزراعية لأغراض طبقية».

ويتابع: «مَن يخوض الاختبار يشاء استعادة المعاني التي تعبّر عن أصالته وجذوره، أما من يتندّرون ويسخرون من الفلاحين فهُم قاصرو التفكير. ومن يخسرون ويرون أنّ خسارتهم تضعهم في مرتبة اجتماعية أعلى، فهذا تبرير للفشل».

ويشير أبو الليل إلى دور إيجابي تؤدّيه أحياناً وسائل التواصل رغم الانتقادات الموجَّهة إليها، موضحاً: «أرى ذلك في هذا الاختبار الذي لا يخلو من طرافة، لكنه يحمل دلالة عميقة تردُّ الحسبان للفلاح رمزاً للأصالة والانتماء».

لقطة من فيلم «المواطن مصري» الذي تدور أحداثه في الريف (يوتيوب)

ويعيش في الريف نحو 57.8 في المائة من سكان مصر بعدد 45 مليوناً و558 ألف نسمة، وفق آخر إحصائية نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2022، بينما يبلغ سكان المدن نحو 40 مليوناً و240 ألف نسمة.

من جهتها، ترى أستاذة علم الاجتماع في جامعة بنها، الدكتورة هالة منصور، أنّ «الثقافة الشعبية المصرية لا تعدُّ وصف (الفلاح) أمراً سلبياً، بل تشير إليه على أنه (ابن أصول) وجذوره راسخة»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يُسأل الوافدون إلى القاهرة أو المدن الكبرى عن أصولهم، فمَن لا ينتمي إلى قرية يُعدُّ غير أصيل».

وتُرجِع الوصم الاجتماعي الخاص بالفلاحين إلى «الهجرة الريفية الحضرية التي اتّسع نطاقها بدرجة كبيرة نظراً إلى ثورة الإعلام ومواقع التواصل التي رسَّخت سلوكيات كانت بعيدة عن أهل الريف».

وتشير إلى أنّ «السينما والدراما والأغنيات ترسّخ لهذا المنظور»، لافتة إلى أنه «من سلبيات ثورة 1952 التقليل من قيمة المهن الزراعية، والاعتماد على الصناعة بوصفها قاطرة الاقتصاد. وقد أصبحت تلك المهن في مرتبة متدنّية ليُشاع أنَّ مَن يعمل في الزراعة هو الفاشل في التعليم، وهذا لغط يتطلّب درجة من الوعي والانتباه لتصحيحه، فتعود القرية إلى دورها المركزي في الإنتاج، ومكانها الطبيعي في قمة الهرم الاجتماعي».

وعمَّن فشلوا في اختبار «اللهجة الفلاحي» وتفاخرهم بذلك بوصفهم ينتمون إلى طبقة اجتماعية راقية، تختم أستاذة علم الاجتماع: «هذه وصمة عار عليهم، وليست وسيلة للتباهي».