الحكومة المصرية تنفي تضرر تماثيل أثرية بسقارة

بعد انتقادات واسعة لطريقة التعامل معها

لقطات من أحد الاكتشافات الأثرية بسقارة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
لقطات من أحد الاكتشافات الأثرية بسقارة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

الحكومة المصرية تنفي تضرر تماثيل أثرية بسقارة

لقطات من أحد الاكتشافات الأثرية بسقارة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
لقطات من أحد الاكتشافات الأثرية بسقارة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

نفت الحكومة المصرية ما تردد عن تضرر تماثيل أثرية بمنطقة سقارة (غرب القاهرة)، نتيجة عرضها على طاولة بطريقة غير لائقة، وفق مقطع فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، الاثنين، وأدى لانتقادات واسعة.

وذكر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء في بيان أصدره، الثلاثاء، أنه تواصل مع وزارة السياحة والآثار التي قالت إنه «لا صحة لتضرر مجموعة من التماثيل الأثرية بمنطقة آثار سقارة، نتيجة عرضها على طاولة بطريقة غير لائقة».

منطقة سقارة تعج بالقطع الأثرية (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وشدد البيان الذي نشرته رئاسة الوزراء على أن «منطقة آثار سقارة وجميع مقتنياتها من التماثيل والقطع الأثرية سليمة وآمنة تماماً، ولم تقع بها أي أضرار على الإطلاق، وأن عملية عرض أي قطع أثرية تتم وفقاً لإجراءات محددة، تراعي كافة معايير الأمان والسلامة للحفاظ على الآثار المصرية».

وذكر البيان الذي تضمن رداً توضيحياً من وزارة السياحة والآثار، أن «الفيديو المتداول يعود لعام 2020، خلال أزمة (كورونا)؛ حيث كانت البعثة الأثرية المصرية تستكمل أعمال الحفائر والترميم والدراسات اللازمة بمنطقة البوباسطيون بسقارة، خلال فترة إغلاق المواقع الأثرية أمام الزوار في ذلك الوقت، وتم عرض هذه التماثيل على طاولة بصفة مؤقتة لإجراء أعمال التنظيف المبدئي، قبل نقلها لمعامل الترميم أو المخازن بالمنطقة، لإجراء أعمال الترميم لها كما هو متبع، دون إحداث أي أضرار بها».

توابيت مكتشفة بمنطقة سقارة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

رئيس اتحاد الآثاريين العرب الدكتور محمد الكحلاوي، قال إن «الخطأ وارد، ولكن من أخلاقيات الإدارة الصحيحة أن تصوب الخطأ»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا الخطأ الذي ارتُكب أعتبره خطأ مقصوداً وليس إهمالاً؛ لأن أعمال الحفر والتنقيب لها معايير متعارف عليها دولياً ومحلياً، والعاملون في هذه الحفريات مدربون على هذه المعايير؛ لكن ما يحدث عندنا في مصر مختلف تماماً، فالعمالة المتدربة على أعمال الحفر لا تلتزم بأساليب وبروتوكولات الحفر، فمن يمسك أثراً يجب أن يرتدي قفازاً بيديه، فلا (يكبش) الآثار بيديه، ويضعها على طاولة كما رأينا في الفيديو المتداول»، واعتبر أن «تبرير الخطأ بأنه في وقت سابق غير مقبول».

وتعد منطقة سقارة الأثرية من المناطق التي ما زالت تبوح بأسرارها، وكانت البعثة الآثارية المصرية التي تعمل في المنطقة منذ عام 2018، قد أعلنت في عام 2020 الكشف عن أكثر من 100 تابوت خشبي مغلق بحالتها الأولى من العصر المتأخر، و40 تمثالاً لإله جبانة سقارة بتاح سوكر بأجزاء مذهبة، و20 صندوقاً خشبياً للإله حورس. وقد تم تصنيف هذا الكشف بوصفه واحداً ضمن أهم 10 اكتشافات أثرية في عام 2020، حسب بيان نشرته الوزارة وقتها.

تماثيل أثرية لرؤوس حيوانات تم اكتشافها بمنطقة سقارة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وعلقت الخبيرة الآثارية الدكتورة مونيكا حنا متسائلة: «نريد أن نعرف، هل هذه الآثار التي ظهرت في الفيديو مسجلة أم غير مسجلة؟». وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «يجب أن نعرف من هو أمين العهدة وسجل المخزن الخاص بدخول وخروج القطع منه، والتواريخ. يجب التحقيق في ذلك»، وشددت حنا على أنه «يجب أن يكون هناك كود لنقل وتداول القطع الأثرية».

واعتبرت أن «هذا الفيديو المتداول يحتاج إلى ما هو أكثر من بيان توضيحي ينفي شائعة التعامل غير اللائق مع الآثار؛ بل يتطلب تحقيقاً دقيقاً وموسعاً في هذا الأمر للوقوف على حقيقته».

واستعاد رئيس الاتحاد العام للآثاريين العرب ما حدث قبل سنوات في منطقة المطرية الأثرية، قائلاً: «حين دخل البلدوزر منطقة آثار في المطرية، قال الوزير خالد العناني إن البلدوزر بعيد عن المنطقة، في حين أن الصور رصدت البلدوزر وهو يرفع الأثر»، موضحاً: «على الوزير المحترم ألا يبرر الخطأ أبداً، من يجده مخطئاً يحوله للتحقيق، هذا هو المطلوب».

مقطع من الفيديو المتداول لآثار سقارة على مواقع التواصل (فيسوك)

وفي مايو (أيار) من العام الماضي، أعلن أحمد عيسى وزير السياحة والآثار المصرية عن كشف أثري جديد بمنطقة سقارة؛ حيث عثرت البعثة الآثارية المصرية برئاسة الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، على أكبر ورشتين للتحنيط، إحداهما آدمية والأخرى حيوانية، بالإضافة إلى مقبرتين وعدد من اللقى الأثرية، وذلك خلال استكمال أعمال حفائر البعثة بجبانة الحيوانات المقدسة (البوباسطيون).

وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تم إعادة افتتاح متحف إيمحتب بمنطقة سقارة الأثرية، والذي يحكي قصة أقدم البنائين في مصر.


مقالات ذات صلة

معرض أثري مصري مؤقت في السعودية

يوميات الشرق متحف الفن الإسلامي في القاهرة (وزارة السياحة والآثار)

معرض أثري مصري مؤقت في السعودية

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية عن المشاركة بعدد من القطع الأثرية من مقتنيات متحف الفن الإسلامي بالقاهرة في معرض بعنوان «وما بينهما».

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق جولات «تمشية» توفر معلومات دقيقة وحكايات تاريخية موثقة بأسلوب سرد مشوق (صفحة المعز لدين الله على الفيسبوك)

جولات ميدانية شبابية تعيد اكتشاف دروب القاهرة التاريخية

عرفت القاهرة أخيراً تنظيم جولات سياحية جماعية ومنتظمة سيراً على الأقدام إلى شوارعها التاريخية ومواقعها العتيقة عبر جولات شبابية.

نادية عبد الحليم (القاهرة)
المشرق العربي الجيش الإسرائيلي تَعَمَّدَ استهداف المواقع التراثية والأثرية في لبنان

الجيش الإسرائيلي تَعَمَّدَ استهداف المواقع التراثية والأثرية في لبنان

تتعمّد إسرائيل في حربها على لبنان تدمير وهدم مواقع تراثية وأثرية في الجنوب والنبطية والبقاع؛ لمحو جزء من ذاكرة اللبنانيين التاريخية والثقافية والحضارية.

يوميات الشرق الاحتفال بمرور 70 عاماً على تأسيس معهد الدراسات القبطية (وزارة السياحة والآثار)

مصر تحتفي باللغة القبطية وتوثيق الحضارة الفرعونية 

احتفت مصر باللغة القبطية التي يجري تدريسها في المعهد العالي للدراسات القبطية التابع للكنيسة الأرثوذكسية المصري، وذلك بمناسبة مرور 70 عاماً على إنشاء المعهد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق المتحف المصري الكبير يضم آلافاً من القطع الأثرية (الشرق الأوسط)

المتحف المصري الكبير يحتفي بالفنون التراثية والحِرف اليدوية

في إطار التشغيل التجريبي للمتحف المصري الكبير بالجيزة (غرب القاهرة) أقيمت فعالية «تأثير الإبداع» التي تضمنت احتفاءً بالفنون التراثية والحِرف اليدوية.

محمد الكفراوي (القاهرة)

راوية زنتوت تنفصل بريشتها عن لبنان الحرب

أحدث لوحات زنتوت عن مدينة بيروت «سيعود بريقها» (راوية زنتوت)
أحدث لوحات زنتوت عن مدينة بيروت «سيعود بريقها» (راوية زنتوت)
TT

راوية زنتوت تنفصل بريشتها عن لبنان الحرب

أحدث لوحات زنتوت عن مدينة بيروت «سيعود بريقها» (راوية زنتوت)
أحدث لوحات زنتوت عن مدينة بيروت «سيعود بريقها» (راوية زنتوت)

تسير الفنانة التشكيلية راوية زنتوت عكس التيار. فما تراه عيناها من دمار وركام أثناء الحرب في لبنان يحضّها على الانفصال عنه. تحمل ريشتها وتهرب إلى عالمها الخاص. عالم لبنان الأخضر والجميل هو الوحيد الذي تحفظه ذاكرتها. تصوّره بطبيعته وأشجاره وبيوته وغروب شمه وشروقها. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «لطالما انفصلت بلوحاتي عن واقع أعيشه. وهو ما قمت به خلال اندلاع ثورة أكتوبر وأثناء الجائحة. وكذلك في حربَي غزة ولبنان».

ما ترسمه بريشتها، وفق قولها، هو للتذكير بجمال لبنان، «إنها الرسالة التي أرغب دائماً في تحميلها لريشتي. فمن يُشاهد لوحاتي يحنّ إلى لبنان الحياة والنشاطات الجميلة. وهو ما أرغب في أن يحفر في أذهان اللبنانيين، لا سيما المهاجرين منهم».

في خضم الحرب اختارت راوية زنتوت مدناً ومناطق لبنانية تعرّضت للقصف، فرسمتها متألقة بمعالمها وآثارها وشوارعها وأسواقها. وتتابع: «كما العاصمة بيروت، رسمت مدن صيدا وصور وبعلبك. صحيح أنها تعرّضت لتبدّل في معالمها إثر الحرب، بيد أنني قدمتها على طريقتي وكما حفظتها ذاكرتي. وبهذه التفاصيل الصغيرة التي ترافق لوحاتي أعبر إلى زمن آخر إلى زمن لبنان الجميل».

«رماد الأمل» مشهد مؤثر يتصدّره العلم اللبناني (راوية زنتوت)

خصّصت راوية بيروت بواحدة من مجموعاتها. تنقلت بين شوارعها في الجميزة ومونو ورأس بيروت. «أحاول في جميع لوحاتي أن أرسم الابتسامة على شفاه اللبنانيين. وعندما أراها أشعر بالفخر وأفرح كونها أصابت الهدف. كما أن ريع لوحاتي عندما أبيعها يعود إلى النازحين. فبهذه الطريقة وجدت طريقة أساعد بها أبناء بلدي».

في لوحة «رماد الأمل» تصوّر راوية زنتوت مشهداً مؤثراً يتصدّره العلم اللبناني. وتوضح: «هو رماد الأمل، لأنه وعلى الرغم من كل ما تعرّض له لبنان من عدوان بقي صامداً. إنه بذلك يترجم أسطورة طائر الفينيق التي تلازمه. فهو دائماً ينفض الغبار عنه ويقوم من جديد».

شروق الشمس (راوية زنتوت)

في لوحتها «الغروب» تصوّر الشمس الضخمة تغطس في بحر بيروت، وتعكس بلونها على أمواجه وعمارات العاصمة. وإذا ما دقّقت باللوحة يلفتك العلم اللبناني المنتصب بين مبانٍ متراصة. وبألوان الأكليريك المتدرجة بين البرتقالي والأصفر تنام بيروت على أمل الخلاص.

«هذا المشهد رأيته من على شرفة منزلي في منطقة الروشة المطلّة على البحر. فتخيلت الغروب غيمة سلام تظلّل المدينة كي تهدئ من روعها. إنه الغد الذي يتلألأ في مدينتي مشرقاً رغم كل شيء».

لوحة الغروب في بيروت (راوية زنتوت)

مقابل لوحة «الغروب» ترسم زنتوت «شروق الشمس» في العاصمة. وبالفضي والذهبي تؤلّف بنية لمشهدية تنبض بالحياة. «هو مشهد لشروق الشمس الباكر الذي يعني بأنها مهما غابت لا بدّ أن تشعّ من جديد على بلدي».

تحاول راوية زنتوت بلوحاتها أن تقدّم أسلوباً فنياً شبيهاً بالثلاثي الأبعاد. ولذلك تستخدم أناملها إلى جانب ريشتها لتعطي هذا الانطباع. «أستخدم أناملي في معظم لوحاتي. أشعر أني من خلالها أستطيع التعبير بشكل أفضل. وبالألوان الزاهية والدافئة تعكس اللوحة الشعور بالتفاؤل والفرح». وتتابع: «أتجنب استعمال الألوان القاتمة فهي لا تمثّل شخصيتي بتاتاً. كما أني لا أركن إلى الألوان الفاقعة والنافرة. ما أصبو إليه دائماً هو مدّ لوحتي بالهدوء والفرح معاً».

أرزة لبنان رمز الصمود (راوية زنتوت)

لم تنسَ راوية أن تخصص لأرزة لبنان لوحةً خاصةً بها. وتحت عنوان «رمز الصمود» رسمتها خضراء على خلفية سماء زرقاء صافية. وتعلّق بأنها «الرمز السرمدي لبلدٍ يرفض الخنوع للموت. أما الألوان المستخدمة فيها فتشير إلى طبيعة لبنان وطقسه الجميل».

لا تلجأ راوية إلى موسيقى أو أغانٍ محددة، وهي تقوم بمهمة الرسم. «أصغي فقط إلى أنغام ريشتي فأرقص على نوتاتها وحدي في أجواء هادئة. مؤخراً انتقلت للعيش في الجبل لأحظى بالسكينة المتعطشة لها. وهو ما ساعدني على تنفيذ لوحاتي المتفائلة».

لوحة «بيروت» تقدم راوية المدينة كجوهرة يلمع بريقها من بعيد (راوية زنتوت)

في لوحة «بيروت» تقدم المدينة كجوهرة يلمع بريقها من بعيد. وتقول: «لقد جلت بلدان العالم بأجمعه ولم أجد أجمل من مدينتي بيروت. فهي فريدة من نوعها بخصوصيتها وبأحيائها وبمعالمها وناسها. ليس هناك من مدينة أخرى على كوكب الأرض تشبهها، وأنا أكيدة من ذلك».

تستوقفك لوحة «بعلبك» التي يرفرف العلم اللبناني فوق قلعتها. «هكذا أتذكر بعلبك بمهرجاناتها الفنية وأهلها الطيبين. إنها مدينة الشمس وتراث لبنان البهي. فعندما نذكر لبنان تقفز بعلبك تلقائياً أمامنا. رأيناها تُقصف وتُدمّر، وهو أمر لم أستطع تحمّله. فعدت إلى ذاكرة وطنٍ نتغنى به ورسمت القلعة المنتصبة دائماً».

قلعة بعلبك من رموز لبنان التراث (راوية زنتوت)

بتقنية فنية ثلاثية الأبعاد، حاولت راوية زنتوت أن تتميّز عن غيرها. «أعتقد أنني بذلك نجحت في خلق هوية خاصة بي. وعندما تعلّق إحدى لوحاتي على جدار منزل ما، لا بدّ أن يُدرك الناظر إليها بأنها من تنفيذي».

ميزة راوية في الرسم ترتكز على طبقات متراكمة من الطلاء تؤلّف تفاصيلها. «أعمّر لوحتي بنحو 15 طبقة من الطلاء المعدّل بريشتي وأناملي. وهو ما يزوّدها بهذا النبض المختلف عن لوحات فنانين آخرين».

اليوم، بعد توقف الحرب في لبنان ماذا سترسم راوية زنتوت؟ تختم: «أعتقد أنني سأتحوّل إلى عودة النازحين إلى بيوتهم وديارهم. إنه مشهد مفعم بالوطنية والفرح. ولا بدّ أن أركّز عليه في الأيام المقبلة».