فقد المسرح البحرينيّ والخليجيّ، اليوم السبت، عاشقاً مغرماً به حدّ الجنون، غاص في مائه حدّ الغرق، وتنفس هواءه منذ الصّغر؛ هو المخرج والممثل المسرحي البحريني عبد الله السعداوي، الذي رحل عن عالمنا عن 76 عاماً.
يُعدّ السعداوي أحد أبرز من صنع الحراك المسرحي الخليجي، وأثّر في جيل من المسرحيين في البحرين ودول الخليج، متنقلاً بتجربته بين البحرين وقطر والشارقة، كما أثّر في العديد من المسرحيين السعوديين في المنطقة الشرقية، منتهجاً سبيل التنوع والابتكار في التجارب التي قدّمها، والانفتاح على المدارس العربية والعالمية مع إضفاء لمسة خاصة لرؤيته الفنية وتجربته الخاصة.
ارتبط السعداوي بالمسرح منذ شبّ صغيراً، وتعلق به كخشبة خلاص، ولم يكن أحد رغم المحاولات قادراً على وصف علاقته بالمسرح أكثر منه، فوحده تمكن من التعبير عن شغفه به، وعلاقته التي تقترب من «الفانتازيا» وتجمع بين السحر والخيال، وبهذا الوصف تحدّث عنها ذات مرّة قائلاً: «أذكر في سنين طويلة مرت ما زالت في ذاكرتي، في يوم ما وجدت أنه لا معنى للحياة، لا معنى لهذا الوجود، وفجأة (شعرت) أن كل شيء صار مظلماً... (حيث) لا مسرح... بحثت، وبحثت، وبحثت، لعلي أجد مسرحاً، فلم أجد... فكرت أين أذهب؟ فلم يكن أمامي إلا جسر المحرق... وقفت عند هذا الجسر... ونظرت إلى البحر، فوجدته المكان الوحيد الذي يمكنه أن (يضمني).... لم أكن أعرف السباحة، وكانت مغامرة (بالطبع)... لم أكن أحب الموت... لكن في لحظة ما قرّرت أن أنتحر... فقذفت بنفسي في البحر. فجأة فتحت (بصري).... رأيت نفسي على الشاطئ، وإذا بوجوه تحلّق حولي... وبعضها أراه في صالة المسرح، انتشلتني من هذا الغرق... فصرت أجمل غريق في هذا العالم، وصار هؤلاء أجمل منقذين في هذا العالم... فكيف يمكن للغريق أن يقدم هؤلاء المنقذين؟ كل ما أقوله لهم: حين وضعتم شفاهكم على فمي لتمنحوني قبلة الحياة ونفختم الهواء في رئتيّ... شعرت أن لهذه الحياة معنى... وأعتقد أن الحياة من دون مسرح، ليس لها معنى...!».
يُعدّ السعداوي، (مواليد البحرين 1948) من أهم المسرحيين الخليجيين، هو مخرج وكاتب سيناريوهات مسرحية، وناقد في مجال السينما والمسرح والأدب والقضايا الفكرية المتنوعة، بدأ حياته الفنية في عام 1964 من خلال الانفتاح على المؤلفات المسرحية العالمية، وحصل على جائزة الإخراج في مهرجان القاهرة التجريبي عن مسرحيته «الكمامة». وهو عضو مؤسس في مسرح الصواري.
وتجربته الأولى كانت مسرحية ألّفها وهي «الحمار ومقصلة الإعدام» وأخرجها الفنان جمال الصقر تحت عنوان: «مؤلف ضاع في نفسه»، وشارك في علم 1970 بتمثيل أول مسرحية على نطاق المسارح الأهلية البحرينية، وهي «أنتيجونا». سافر إلى قطر في عام 1975 حيث شارك في تأسيس مسرح السّد مع الفنان القطري غانم السليطي وعدد من الفنانين، كما سافر إلى دولة الإمارات، وشارك في تأسيس مسرح الشارقة مع عدد من الفنانين الإماراتيين، والتقى حينها الفنان العراقي إبراهيم جلال، الذي أثّر في مسيرة السعداوي الفنية.
أخرج كثيراً من الأعمال المسرحية منها: «الرجال والبحر» لعوني كرومي 1986، و«الصديقان» لمحيي الدين زنكنة 1987، و«الجاثوم» ليوسف الحمدان 1989، و«الرهائن» لعصام محفوظ 1990، و«اسكوريال» لميشال دي غيلدرود 1993، و«الكمامة» لألفونسو ساستري 1994، و«القربان» لصلاح عبد الصبور 1996، و«الطفل البريء» لبريم تشند 1999، و«الكارثة» لعبد الله السعداوي 2002، و«الستارة المغلقة» لمحمد عبد الملك 2003، و«ابني المتعصب» لحنيف قريشي 2003، و«بورتريه» لغالية قباني 2003، و«الحياة ليست جادة» لخوان رولفو 2003، و«الساعة 12 ليلاً» لعبد الله السعداوي 2004. ومسرحية «ابني المتعصب» 2003، وفيلم «الشجرة التي سُرقت أوراقها» 2004، وفيلم «غُبار» 2008، ومسلسل «أين الطريق»، ومسلسل «سماء ثانية» 2011.
يلاحظ المسرحي السعودي عبد العزيز إسماعيل أن السعداوي أسّس خروجاً قوياً على نمط «مسرح العلبة» الإيطالي السائد، باتجاه مسرح مفتوح بلا حدود، واستلهم نصوصاً وروايات عالمية لم نعهدها في المسرح من قبل، فقدّم مسرحاً خليجياً جديداً وجريئاً في الطرح وفي أسلوب العرض.