سيرة القاهرة القديمة تستهوي زوار «معرض الكتاب»

إصدارات جديدة تسلط الضوء عليها تحظى باهتمام الجمهور

كتاب «أحاديث الجوى» جناح «دار الرواق» للنشر (الشرق الأوسط)
كتاب «أحاديث الجوى» جناح «دار الرواق» للنشر (الشرق الأوسط)
TT

سيرة القاهرة القديمة تستهوي زوار «معرض الكتاب»

كتاب «أحاديث الجوى» جناح «دار الرواق» للنشر (الشرق الأوسط)
كتاب «أحاديث الجوى» جناح «دار الرواق» للنشر (الشرق الأوسط)

تبرز الكتب التي تتناول سيرة القاهرة القديمة بأبوابها ودروبها ومقابرها، في معروضات دور النشر المشاركة هذا العام بمعرض «القاهرة الدولي للكتاب»، الذي يواصل أعماله حتى 6 فبراير (شباط) المقبل، في مركز مصر للمعارض والمؤتمرات الدولية بالتجمع الخامس (شرق القاهرة).

تعتني تلك الإصدارات بالرصد التاريخي والتوثيقي لطبقات القاهرة بصيغة سردية تقتفي أثر المدينة العريقة بطابع حكائي، وما زالت مدينة الفسطاط، أول عاصمة لمصر تحت الحكم الإسلامي، قادرة على إلهام الباحثين في التراث لاستجلاء أسرارها وحكاياتها، وهو ما يطرحه كتاب «الفسطاط وأبوابها» للكاتب والباحث المصري عبد الرحمن الطويل (صادر عن دار العين للنشر)، الذي يصفه بأنه «إعادة تسليط للضوء على مدينة الفسطاط التي غرقت طويلاً في عالم النسيان حين تراجعت وانحسرت لصالح القاهرة التي توسعت واستحوذت على دورها ووظائفها ومجدها القديم»، كما يقول في حديثه مع «الشرق الأوسط».

تاريخ الفسطاط في إصدار جديد (الشرق الأوسط)

ويضيف الباحث المصري أن الكتاب يقوم على محورين، الأول «سرد تاريخ مدينة الفسطاط بدءاً من عمران العواصم القديمة في إقليمها مروراً بتأسيسها على يد القبائل العربية التي كوّنت جيش عمرو بن العاص ومن ثَمّ توسعها وتطورها وازدهارها وصولاً إلى مراحل انحسارها لصالح القاهرة ومحطات اندثارها، فيما يمثل المحور الثاني بحثاً طبوغرافياً في تفاصيل أحياء المدينة ومعالمها مع التركيز على الأبواب والأسوار وتنزيل المعالم القديمة على مواقعها المعاصرة».

وعلى مدار العام الماضي، واكب قيام السلطات في مصر بهدم المقابر القديمة جدل وانتقادات واسعة خرجت من حيّز المُتخصصين في التراث إلى الرأي العام و«السوشيالي»، لا سيما أنها طالت مقابر تخص رموزاً وطنية وثقافية في مصر، منها مقبرة الشاعر الكبير محمود سامي البارودي، والروائي الراحل يحيى حقي وغيرهما.

معرض القاهرة الدولي للكتاب (صفحة وزارة الثقافة المصرية)

وصاحبت هذا الاهتمام فعاليات لناشطين في مجال التراث والعمارة للتوعية بالقيمة الأثرية والتراثية للمباني والمقابر القديمة، وطرح إصدارات تخصّ هذا التاريخ وسط حالة من الاهتمام المتصاعد بها، ويرى الباحث عبد الرحمن الطويل أن «السنوات الأخيرة شهدت موجات اهتمام شعبية متصاعدة في القاهرة القديمة عبر المبادرات الشعبية والجهود الأهلية التي جذبت قطاعات واسعة من الشباب إلى القاهرة القديمة».

كنوز المقابر في كتاب (الشرق الأوسط)

ويستلهم الكاتب والباحث المصري حامد محمد حامد عنوان كتابه «أحاديث الجوى - في اقتفاء أثر القاهرة» من قصيدة الشاعر المصري الراحل إبراهيم ناجي «الأطلال»: «كيف ذاك الحب أمسى خبراً وحديثاً من أحاديث الجوى»، ويبدو حديث الأطلال هنا مُكرساً للأماكن التي لم يعد لها وجود فعلي، بقدر ما تبقت على ألسنة الرُواة هنا وهناك، يصف حامد محمد حامد كتابه بـ«مرثية للقاهرة ليست بكائية بقدر ما هي إحياء لتاريخها العامر بالتفاصيل الثرية التي تعكس امتداداً بالغ التفرد».

ويضيف صاحب «أحاديث الجوى» (الصادر عن دار الرواق للنشر) في حديثه مع «الشرق الأوسط» أن الكتاب يرصد طبقة من القاهرة لم تعد موجودة بالفعل بعد أن هُدمت، ولكن حتى لو لم تعد تلك الأماكن موجودة، نستطيع استحضار تاريخ الأشخاص المرتبطين بها عن طريق تذكرها «فالأماكن حتى لو هُدمت نستطيع إعادة بنائها وتشكيلها من جديد من خلال تذكّر حكايات مرتبطة بها»، على حد تعبيره.

ويشير حامد إلى ما يصفه بـ«الإقبال الكبير» خلال الفترة الراهنة للحديث عن التاريخ بشكل عام، والقاهرة بشكل خاص، بما في ذلك تاريخ المكان، والأرشيف، ويرى أن ذلك مرجعه «حالة نوستالجيا عامة لدى شريحة كبيرة من القرّاء، يمكن إيعازها لشعور عام بالاغتراب، وقد دفعت تلك الحالة دُور النشر للكتابة في الاهتمام بإصداراتها».

هدم مقابر قديمة بجبانة القاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

ويضيف: «هناك شعور آخر يرافق النوستالجيا مرجعه أن القاهرة تتغيّر ملامحها بشكل كبير وسريع بسبب عمليات التطوير والتغيير اللذين يلحقان بالعمران، وصاحبت سرعة الوتيرة رغبة محمومة للتدوين والكتابة عنها، لا سيما بعد عمليات إزالة وهدم المقابر، خصوصاً أنها الحلقة الأضعف دائماً في أي عمران، وليس لها من يدافع عنها، وحسب اعتقادي ستواكبها حركة نشر كبيرة في هذا الموضوع، بدأت بكتاب (كنوز مقابر مصر) للدكتور مصطفى محمد الصادق، الذي طُرح خلال الدورة الحالية من معرض القاهرة الدّولي للكتاب».


مقالات ذات صلة

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

يوميات الشرق شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

تُعدّ لوحات الفنان السوري ماهر البارودي بمنزلة «شهادة دائمة على معاناة الإنسان وقدرته على الصمود».

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

احتفل فن أبوظبي بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم.

عبير مشخص (أبوظبي)
يوميات الشرق أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها، الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع...

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)

حفر صينية عملاقة تحبس الزمن في باطنها... وتجذب السياح

اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
TT

حفر صينية عملاقة تحبس الزمن في باطنها... وتجذب السياح

اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)

على عمق يتخطى 100 متر تحت الأرض (328 قدماً) ثمة عالم مفقود من الغابات القديمة والنباتات والحيوانات. كل ما يمكنك رؤيته هناك قمم الأشجار المورقة، وكل ما تسمعه صدى أزيز حشرة الزيز وأصوات الطيور، الذي يتردد على جوانب الجروف، حسب «بي بي سي» البريطانية .على مدى آلاف السنين، ظل ما يعرف بـ«الحفرة السماوية» أو «تيانكنغ»، كما تُسمى باللغة المندرينية، غير مكتشفة، مع خوف الناس من الشياطين والأشباح، التي تختبئ في الضباب المتصاعد من أعماقها. إلا أن طائرات الدرون وبعض الشجعان، الذين هبطوا إلى أماكن لم تطأها قدم بشر منذ أن كانت الديناصورات تجوب الأرض، كشفت عن كنوز جديدة، وحوّلت الحفر الصينية إلى معالم سياحية. ويُعتقد أن ثلثي الحفر، التي يزيد عددها عن 300 في العالم، توجد في الصين، منتشرة في غرب البلاد، منها 30 حفرة، وتضم مقاطعة «قوانغشي» في الجنوب أكبر عدد من هذه الحفر، مقارنة بأي مكان آخر. وتمثل أكبر وأحدث اكتشاف قبل عامين في غابة قديمة تحتوي على أشجار يصل ارتفاعها إلى 40 متراً (130 قدماً). تحبس هذه الحفر الزمن في باطنها، ما يحفظ النظم البيئية الفريدة والدقيقة لقرون. ومع ذلك، بدأ اكتشافها يجذب السياح والمطورين، ما أثار المخاوف من أن هذه الاكتشافات المدهشة والنادرة قد تضيع إلى الأبد.

بوجه عام، تعد هذه الحفر الأرضية نادرة، لكن الصين، خاصة «قوانغشي»، تضم كثيراً منها بفضل وفرة الصخور الجيرية. جدير بالذكر هنا أنه عندما يذيب نهر تحت الأرض الصخور الجيرية المحيطة ببطء، تتكون كهوف تتمدد صعوداً نحو الأرض. وفي النهاية، تنهار الأرض تاركة حفرة واسعة، ويجب أن يكون عمقها وعرضها لا يقل عن 100 متر حتى تُعدّ حفرة أرضية. وبعض الحفر، مثل تلك التي جرى اكتشافها في «قوانغشي» عام 2022، أكبر من ذلك، مع امتدادها لمسافة 300 متر في الأرض، وعرضها 150 متراً.

من وجهة نظر العلماء، تمثل هذه الحفر العميقة رحلة عبر الزمن، إلى مكان يمكنهم فيه دراسة الحيوانات والنباتات، التي كانوا يعتقدون أنها انقرضت. كما اكتشفوا أنواعاً لم يروا أو يعرفوا عنها من قبل، بما في ذلك أنواع من أزهار الأوركيد البرية، وأسماك الكهوف البيضاء الشبحية، وأنواع من العناكب والرخويات. وداخل محميات من الجروف الشاهقة، والجبال الوعرة، والكهوف الجيرية، ازدهرت هذه النباتات والحيوانات في أعماق الأرض.