مسرحية «جريمة بيضاء» تطرح معاني فلسفية في قالب بوليسي

مُعالجة مصرية جديدة لرواية «العُطل» لفردريش دورينمات

لعبة المحاكمة كشفت أسراراً مجهولة (مخرج المسرحية)
لعبة المحاكمة كشفت أسراراً مجهولة (مخرج المسرحية)
TT

مسرحية «جريمة بيضاء» تطرح معاني فلسفية في قالب بوليسي

لعبة المحاكمة كشفت أسراراً مجهولة (مخرج المسرحية)
لعبة المحاكمة كشفت أسراراً مجهولة (مخرج المسرحية)

يبدو أن رواية «العطل» القصيرة للكاتب السويسري الشهير فردريش دورنيمات تحوّلت إلى عنصر جذب شديد وقع صناع المسرح المصري في غرامه مجدداً، فبعد مرور أقل من شهر على انتهاء عرض مسرحية «النقطة العميا» على مسرح «الغد» المأخوذة عن الرواية نفسها، تُعرض راهناً مسرحية «جريمة بيضاء» على مسرح «الهوسابير» بوسط القاهرة.

تبدأ القصة الأصلية بتاجر أقمشة يدعى «ألفريدو ترابس» تتعطل سيارته في إحدى المدن الصغيرة النائية، ويبدو أن إصلاحها سيستغرق وقتاً أطول ممّا كان يُعتقد. يذهب الرجل لقضاء ليلته في الفندق فلا يجد غرفة شاغرة، لكن مدير الفندق ينصحه بالتوجه إلى بيت القاضي المتقاعد «فيرجين» الذي بات معروفاً في المنطقة بترحيبه بالغرباء حتى أنه لا يتوانى عن استضافتهم ببيته.

أداء مميز للفنان ناصر سيف (مخرج المسرحية)

ينتظر «ترابس» مفاجأة تتمثل في وجود عدد من أصدقاء القاضي المتقاعدين، منهم وكيل نيابة وجلاد، اعتادوا ممارسة لعبة غريبة كل ليلة بأن يعقدوا «محاكمة» يتحررون فيها من قبضة القوانين البالية التي ترفع شعار «العبرة ليست بما تعرف أنه الحقيقة بل بما تستطيع أن تثبته بالدليل».

يتورط الضيف الغريب في اللعبة بسبب إصرار الآخرين على دخوله فيها وإجراء محاكمة له. تتفجر المفاجآت المذهلة تباعاً لندرك أن «ترابس» ارتكب جريمة قتل بشعة، ولو بشكل غير مباشر، لكنه أفلت من العقاب لعدم وجود نص قانوني يدين هذه النوعية من الجرائم. استغل ثقة مديره بالعمل فيه وعرف أسرار بيته وتقرب من زوجة المدير التي تحب زوجها لكنها تعاني من الفراغ والإهمال وأغواها بالخيانة. ولا يكتفي بذلك، بل يسرق عملاء المدير ويضعه على حافة الإفلاس، ومن ثَمّ يسرّب له عن طريق آخرين معلومة خيانة زوجته له فيلقى المدير حتفه نتيجة أزمة قلبية.

العرض لم يخلُ من بعض المشاهد الكوميدية (مخرج المسرحية)

تصدر المحكمة حكمها بإعدام «ترابس» الذي يستيقظ من نومه في نهاية العمل ليجد أنه لا يزال في بيت القاضي وعلى قيد الحياة، ويعود لممارسة حياته بشكلها المعتاد من دون أن يتّخذ من تلك الواقعة عبرةً أو عظةً.

في معالجة الشاعر والمسرحي يسري حسان الجديدة، حافظت مسرحية «جريمة بيضاء» على روح النص الأصلي مع إضافة العديد من علامات الاستفهام ذات الطابع الفلسفي في العدالة الغائبة وقصور القوانين ومفهوم الجريمة، وكيف أنّ الفعل الإجرامي يحمل أشكالاً عديدة، فقد تكون الكلمة على سبيل المثال أقوى تأثيراً من السكين أو الرصاص.

العرض ترجمة سمير جريس، وإخراج سامح بسيوني، وبطولة ناصر سيف، وخالد محمود، وعلاء قوقة، وأيمن الشيوي، ورضا إدريس. ديكور حازم شبل، وملابس سماح نبيل، وإضاءة إبراهيم الفرن، وموسيقى محمد علام.

بوستر المسرحية (مخرج المسرحية)

وقال حسان لـ«الشرق الأوسط» إنه قرأ رواية دورينمات منذ فترة طويلة، وكان متيماً بها، وعندما طلب منه المخرج سامح بسيوني إعدادها مسرحية، تحمّس للغاية لكنه عندما علم أن النص سيكون بالفصحى، وعبر إنتاج خاص أيضاً، تردّد للحظات لأن الأمر سيكون بمنزلة مغامرة، لكنه في النهاية أنجز المطلوب بشغف وحب.

المسرحية تطرح مفهوماً جديداً للخيانة (مخرج المسرحية)

وعن أبرز التغييرات التي أجراها حسان على النص الأصلي، أوضح أنه حاول تقديم معالجة مختلفة وأضاف أحداثاً وشخصيات جديدة وغيّر كثيراً في النهايات بالنسبة للشخصيات الرئيسية، كما أضاف بعض الملامح الكوميدية، ليس لأن العمل ينتمي إلى مسرح قطاع خاص، لكن لأن الأحداث نفسها استدعت بعض المواقف الفكاهية، فضلاً عن حرصه على أن تكون اللغة بسيطة بقدر الإمكان، كما أضاف العديد من المونولوجات.

وفيما يتعلق بوجود مسرحية أخرى تتناول العمل نفسه في التوقيت نفسه تقريباً، أشار إلى أنه بعد الانتهاء من كتابة النص فوجئ بوجود عرض آخر هو «النقطة العميا» مأخوذ عن القصة نفسها فذهب لمشاهدته واحتفى به، وكتب عنه مقالاً نقدياً مطولاً لأنه يستحق ذلك ولأنه مؤمن بفكرة التجاور لا الصراع أو الإزاحة، معداً أن كل ذلك يصب في النهاية في صالح المسرح.

الديكور لعب دوراً مهما في العرض (مخرج المسرحية)

من جانبه، قال مخرج العرض سامح بسيوني لـ«الشرق الأوسط»: «من الممكن إيجاز العمل في جملة واحدة وهي أن (الرقابة يجب أن تنبع أخلاقياً من داخل الفرد فلا ينتظر تطبيق القوانين الخارجية)»، مشيراً إلى أن «المسرحية تحمل كذلك رسالة في خطورة الكلمة، وكيف يمكن أن تقتل شخصاً من دون أن نعي».


مقالات ذات صلة

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

يوميات الشرق الفنانة المصرية منة شلبي تقدم أول أعمالها المسرحية (حسابها على «فيسبوك»)

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

تخوض الفنانة المصرية منة شلبي أولى تجاربها للوقوف على خشبة المسرح من خلال عرض «شمس وقمر» الذي تقوم ببطولته، ويتضمن أغاني واستعراضات.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق عرض مسرحي

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

من خلال حفلات للموسيقى الشعبية الليبية والأغاني التقليدية، استقطب افتتاح المهرجان أعداداً كبيرة من سكان درنة، لينثر ولو قليلاً من الفرح بعد كارثة الإعصار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق مجموعة نشاطات فنّية يقدّمها الفريق في كل مركز (فضاء)

مؤسّسة «فضاء» تؤرشف للمسرح خلال الحرب

يختصر عوض عوض أكثر ما لفته في جولاته: «إنهم متعلّقون بالحياة ومتحمّسون لعيشها كما يرغبون. أحلامهم لا تزال تنبض، ولم تستطع الحرب كسرها».

فيفيان حداد (بيروت)

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج (جنوب مصر). وذكرت البعثة الأثرية المشتركة بين «المجلس الأعلى للآثار» في مصر وجامعة «توبنغن» الألمانية أنه جرى اكتشاف الصرح خلال العمل في الناحية الغربية لمعبد أتريبس الكبير.

وعدّ الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد، هذا الكشف «النواة الأولى لإزاحة الستار عن باقي عناصر المعبد الجديد بالموقع»، وأوضح أنّ واجهة الصرح التي كُشف عنها بالكامل يصل اتساعها إلى 51 متراً، مقسمة إلى برجين؛ كل برج باتّساع 24 متراً، تفصل بينهما بوابة المدخل.

ولفت إسماعيل إلى أنّ الارتفاع الأصلي للصرح بلغ نحو 18 متراً، وفق زاوية ميل الأبراج، ما يضاهي أبعاد صرح معبد الأقصر، مؤكداً على استكمال أعمال البعثة في الموقع للكشف عن باقي المعبد بالكامل خلال مواسم الحفائر المقبلة، وفق بيان للوزارة.

جانب من صرح المعبد المُكتشف (وزارة السياحة والآثار)

بدوره، قال رئيس «الإدارة المركزية لآثار مصر العليا»، ورئيس البعثة من الجانب المصري، محمد عبد البديع، إنه كُشف عن النصوص الهيروغليفية التي تزيّن الواجهة الداخلية والجدران، خلال أعمال تنظيف البوابة الرئيسية التي تتوسَّط الصرح، كما وجدت البعثة نقوشاً لمناظر تصوّر الملك وهو يستقبل «ربيت» ربة أتريبس، التي تتمثّل برأس أنثى الأسد، وكذلك ابنها المعبود الطفل «كولنتس».

وأوضح أنّ هذه البوابة تعود إلى عصر الملك بطليموس الثامن الذي قد يكون هو نفسه مؤسّس المعبد، ومن المرجح أيضاً وجود خرطوش باسم زوجته الملكة كليوباترا الثالثة بين النصوص، وفق دراسة الخراطيش المكتشفة في المدخل وعلى أحد الجوانب الداخلية.

وقال رئيس البعثة من الجانب الألماني، الدكتور كريستيان ليتز، إنّ البعثة استكملت الكشف عن الغرفة الجنوبية التي كان قد كُشف عن جزء منها خلال أعمال البعثة الأثرية الإنجليزية في الموقع بين عامَي 1907 و1908، والتي زُيّن جانبا مدخلها بنصوص هيروغليفية ومناظر تمثّل المعبودة «ربيت» ورب الخصوبة «مين» وهو محوط بهيئات لمعبودات ثانوية فلكية، بمثابة نجوم سماوية لقياس ساعات الليل.

رسوم ونجوم تشير إلى ساعات الليل في المعبد البطلمي (وزارة السياحة والآثار)

وأضاف مدير موقع الحفائر من الجانب الألماني، الدكتور ماركوس مولر، أنّ البعثة كشفت عن غرفة في سلّم لم تكن معروفة سابقاً، ويمكن الوصول إليها من خلال مدخل صغير يقع في الواجهة الخارجية للصرح، وتشير درجات السلالم الأربع إلى أنها كانت تقود إلى طابق علوي تعرّض للتدمير عام 752.

يُذكر أنّ البعثة المصرية الألمانية المشتركة تعمل في منطقة أتريبس منذ أكثر من 10 سنوات؛ وأسفرت أعمالها عن الكشف الكامل لجميع أجزاء معبد أتريبس الكبير، بالإضافة إلى ما يزيد على 30 ألف أوستراكا، عليها نصوص ديموطيقية وقبطية وهيراطيقة، وعدد من اللقى الأثرية.

وعدَّ عالم الآثار المصري، الدكتور حسين عبد البصير، «الكشف عن صرح معبد بطلمي جديد في منطقة أتريبس بسوهاج إنجازاً أثرياً كبيراً، يُضيء على عمق التاريخ المصري في فترة البطالمة، الذين تركوا بصمة مميزة في الحضارة المصرية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنّ «هذا الاكتشاف يعكس أهمية أتريبس موقعاً أثرياً غنياً بالموروث التاريخي، ويُبرز تواصل الحضارات التي تعاقبت على أرض مصر».

ورأى استمرار أعمال البعثة الأثرية للكشف عن باقي عناصر المعبد خطوة ضرورية لفهم السياق التاريخي والمعماري الكامل لهذا الصرح، «فمن خلال التنقيب، يمكن التعرّف إلى طبيعة استخدام المعبد، والطقوس التي مورست فيه، والصلات الثقافية التي ربطته بالمجتمع المحيط به»، وفق قوله.

ووصف عبد البصير هذا الاكتشاف بأنه «إضافة نوعية للجهود الأثرية التي تُبذل في صعيد مصر، ويدعو إلى تعزيز الاهتمام بالمواقع الأثرية في سوهاج، التي لا تزال تخفي كثيراً من الكنوز».