حمود الخضر... الوجه العصري للأغنية الإنسانية المُلهِمة

الفنان الكويتي لـ«الشرق الأوسط»: كأس العالم وأغنية فلسطين أهمّ ما في مسيرتي

الفنان الكويتي حمود الخضر التزم الأغنية الإنسانية منذ انطلاقته عام 2009 (إدارة أعماله)
الفنان الكويتي حمود الخضر التزم الأغنية الإنسانية منذ انطلاقته عام 2009 (إدارة أعماله)
TT

حمود الخضر... الوجه العصري للأغنية الإنسانية المُلهِمة

الفنان الكويتي حمود الخضر التزم الأغنية الإنسانية منذ انطلاقته عام 2009 (إدارة أعماله)
الفنان الكويتي حمود الخضر التزم الأغنية الإنسانية منذ انطلاقته عام 2009 (إدارة أعماله)

وضع الفنان الكويتي حمود الخضر بصمتَه الصوتيّة على أبرز حدثَين رياضيين شهدتهما المنطقة العربية مؤخراً. من كأس العالم لكرة القدم في الدوحة 2022 وأغنية «تهيّا» الحماسية، إلى كأس آسيا الذي تستضيفه العاصمة القطرية حتى العاشر من فبراير (شباط) الجاري.

في أغنيته الجديدة «هدف» التي قدّمها إلى جانب الفنان القطري فهد الحجاجي، لا يحيد الخضر عن الهدف الذي رسمه لفنّه منذ البداية؛ أغانٍ إنسانية ذات معانٍ عميقة ومحفّزة على الأفضل. الكلام الذي كتبته الشاعرة هبة حمادة ولحّنه إيهاب عبد الواحد، جاء مكمّلاً لعرض «كليلة ودمنة» الافتتاحي المبهر؛ حيث منح الخضر صوته لشخصية «كليلة».

في حديثه مع «الشرق الأوسط»، يصف حمود الخضر المشاركة في فعاليّات كأس العالم بأنها «حلم كل فنان». أما محطة كأس آسيا فلها نكهة مختلفة؛ خصوصاً لأنها تحمل أبعاداً مسرحيّة هي أقرب إلى «الميوزيكال»، ولأنها قصّرت المسافات بينه وبين جمهور كرة القدم الواسع.

لكن إذا خيّرتَه بين الجماهيريّة والمعنى، فسيختار الخضر المعنى حتماً. هو الذي تحدّدت معالم هويّته الموسيقية منذ ألبوم «فكرة» (2013)، وتكرّست مع ألبومَي «أصير أحسن» (2015)، و«ماذا بعد» (2021)، يحرص على ألا تغرق أعماله في الموجة الموسيقية التجارية العاتية.

حمود الخضر أحد أبرز نجوم حفلات افتتاح كأسَي العالم وآسيا لكرة القدم (حسابه الشخصي)

يقدّم الخضر الأغنية القيَميّة التي تحمل رسائل إنسانية هادفة ومُلهمة، أما غالبية أعماله فناطقة بالفصحى. لم يَحُل هذا الخيار المختلف عن السائد دون تحقيقه انتشاراً واسعاً في أوساط الشباب الذين تبنّوا أغانيه ومعانيها.

«لا نحتاج المال كي نزداد جمالا، جوهرنا هنا في القلب تلالا، لا نُرضي الناس بما لا نرضاه لنا حالا، ذاك جمالنا، يسمو تعالى». شكّلت لازمة أغنية «كن أنت» عام 2015 ظاهرة امتدّت أصداؤها شرقاً، إلى دول مثل ماليزيا وإندونيسيا. صحيحٌ أنها أثارت الجدل وقد تزامنت مع صعود موجة المؤثّرين على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنها شكّلت «أهمّ نقطة تحوّل» في مسيرة الخضر وفق تعبيره.

في تلك الأغنية، كانت الرسالة الأساسية أن لا داعي للتشبّه بأحد للحصول على قيمة، فالجمال الحقيقي يكمن في القيَم الداخلية. يقول الخضر إنه اختار هذا الخط الموسيقي لأنه يشبهه: «يزداد شغفي الموسيقي عندما أشعر بأنني أقدّم إضافة إلى المشهد الفني العامّ». لا ينكر أهمية الأغاني العاطفية؛ لكنه يلفت إلى «فقرٍ في الإضاءة على مواضيع اجتماعية وإنسانية ونفسية من خلال الأغاني العربية».

طفلاً، رافقَ الخضر خاله إلى جوقات الأناشيد؛ حيث لفت صوتُه الانتباه. لاحقاً، أيقنَ أنه من الممكن تقديم المحتوى الغنائي الملتزم إنسانياً ضمن إطارٍ ترفيهي جذّاب ومحترف. لفتَه نجاح الفنان سامي يوسف الذي حوّل الأنشودة إلى حدثٍ عالميّ.

كل أغنية من أغانيه تحمل رسائل محفّزة وملهمة (حسابه الشخصي)

بالتزامن مع تخصّصه الجامعي في الإعلام والتقاط مبادئ الموسيقى، من خلال مشاهَداته في الاستوديوهات واحتكاكه بالمؤلفين والموزّعين، أتته «صُدفة» على هيئة أغنية. طلب إليه أحد الأصدقاء أن يؤلّف أغنية تخرُّج لصفّه في المدرسة، فكانت «على طاري الفرح». تلك الأغنية التي كان من المفترض أن يغنّيها الخرّيجون وألا تتخطّى أسوار المدرسة، سرعان ما انتشرت خارج المناسبات المدرسيّة والجامعيّة. «استنتجتُ متفاجئاً أن الناس متعطّشة لسماع أغانٍ محفّزة، تتكلّم عن الطموح وتحقيق الذات، والتغلّب على التحديات»، يقول الخضر الذي اتّضحت أمامه يومذاك معالم دربه الفني.

بين «على طاري الفرح» وأحدث إصداراته «فلسطين بلادي»، تعدّدت الأطُر الموسيقية بين نغمٍ هادئ وإيقاع سريع؛ لكن اللبّ بقي واحداً. يتوجّه حمود الخضر إلى القلوب الباردة لتدفأ، وإلى المنعزلين ليقول لهم إنهم ليسوا وحدَهم في هذا العالم، وإلى اليائسين ليمنحهم جرعة أمل.

«هأنذا أروي الحياة سعادة وتفاؤلا، هأنذا لا مستحيل يعيقني في الكون لا»... تعود إلى ذاكرته تلك الأمّ التي تواصلت معه لتخبره أن أغنيته «هأنذا» ساعدت طفلها على تخطّي أوجاع مرض السرطان. «لا تقديرَ يضاهي فرحتي بمعرفتي أن إحدى أغانيّ كانت بمثابة سلاح نفسي خلال رحلة التعافي». يتابع الخضر: «هذا أكثر ما يدفعني للاستمرار في هذا النمط من الأغاني الملهمة والهادفة».

يقدّم الخضر الأغنية ذات المعاني العميقة ضمن قالبٍ عصري وإنتاج موسيقي متطوّر (حسابه الشخصي)

لكن، في زمنٍ باتت فيه الطاقة الإيجابية والتحفيز على الأفضل مادّة تسويقية بامتياز؛ لا سيما على صفحات التواصل الاجتماعي، كيف يقدّر حمود الخضر المسافة الفاصلة بين الإيجابية الواقعية والإيجابية المبالغ فيها؟

«أحرص على عدم الغرق في الإيجابية المفرطة، والكلام لمجرّد الكلام»، يجيب. «في بداياتي ربما كنت حالماً أكثر، أما اليوم فطريقة الطرح صارت أنضج وأكثر واقعية». يؤكد الخضر أنه ليس من رُعاة الإيجابية الفارغة: «أنا لا أقول في أغانيّ إن الحياة ورديّة وخالية من المشكلات؛ بل أحفّز المستمع على مواجهة المصاعب من دون أن أغيّبها أو أجمّلها».

الخضر: النضج علّمني الواقعيّة وعدم الغرق في الإيجابية المفرطة (حسابه الشخصي)

«سواءً حلوة مُرّة أليسَ نعيشها مَرّة، فعِشها لحظة لحظة وحاول مرّة أخرى»... لا يشجّع الخضر مستمعيه فحسب حينما يغنّي هكذا كلام؛ بل يشجّع نفسه كذلك. فهو الذي يرفع شعارات: السلام الداخلي، والأمل، والابتسامة؛ لم يكن بمنأى عن الهشاشة النفسية.

بالتزامن مع نجاح ألبومه «كن أنتَ»، مرّ بفترة من الاكتئاب صارع خلالها الضيق والحزن والتشاؤم، فلجأ إلى العلاج النفسي لمداواة روحه.

سرّعت تلك التجربة في نضج الخضر، وعمّقت أكثر المعاني التي يغنّيها. في ألبوم «ماذا بعد»، احتفى بالتسامح بين البشر، والصداقة الخالية من المصالح، والامتنان للحياة، والابتسام في وجهها، حتى وإن عبست. وبما أنّ الإنسان عنوان رئيس في أعماله، فقد خصّص أحدث أغانيه لأهل غزة، علّه يتخفف قليلاً من شعوره بالعجز أمام ما يجري، وفق تعبيره.

عن «فلسطين بلادي» يقول إنها كانت أشبَه بعلاج بالنسبة له، ويضيف: «لم أُرِدها أغنية سلبيّة تضيف على المشاهد المؤلمة ألماً. هذا لا يعني أن العمل منفصل عن الواقع؛ لكنه يصوّر فلسطين الحرّة بعد أن ينتهي الكابوس». أما إذا عدّد أبرز إنجازات مسيرته، فيضع تلك الأغنية في الطليعة، إلى جانب المشاركة في كأس العالم.


مقالات ذات صلة

رحلة أم كلثوم في باريس تثير «إعجاباً وشجناً»

يوميات الشرق أم كلثوم (أرشيفية)

رحلة أم كلثوم في باريس تثير «إعجاباً وشجناً»

تأرجحت مشاعر رواد «السوشيال ميديا» العربية، بعد إذاعة حلقة «أم كلثوم في باريس»، التي قدمها «اليوتيوبر» المصري أحمد الغندور، في برنامجه «الدحيح».

محمد عجم (القاهرة)
يوميات الشرق فريق «كولدبلاي» البريطاني في جولته الموسيقية الأخيرة (إنستغرام)

ألبوم مصنوع من النفايات... «كولدبلاي» يطلق إصداره الجديد

يصدر غداً الألبوم العاشر في مسيرة «كولدبلاي»، الفريق الموسيقي الأكثر جماهيريةً حول العالم. أما ما يميّز الألبوم فإنه مصنوع من نفايات جمعت من أنهار جنوب أميركا.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق النجمة الأميركية سيلينا غوميز (أ.ب)

بعد دخولها نادي المليارديرات... كيف علّقت سيلينا غوميز؟

بعد دخولها نادي المليارديرات... كيف علّقت سيلينا غوميز؟

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الأوركسترا الملكي البريطاني (هيئة الموسيقى) play-circle 01:33

حفل الأوركسترا السعودي في لندن... احتفاء بالوطن وأرجائه

سرت الأنغام السعودية الآتية من قلب الجزيرة العربية في أرجاء إحدى أعرق قاعات لندن؛ وهي «سنترال ويستمنستر هول» لتطوف بالحاضرين، حاملةً معها روائح الوطن.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ النجمة تايلور سويفت والرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (أ.ف.ب)

بين تايلور سويفت وترمب... من يتمتع بشعبية أكثر؟

أظهر استطلاع رأي أن عدد الأميركيين الذين ينظرون إلى نجمة البوب تايلور سويفت بشكل إيجابي أقل من أولئك الذي ينظرون بطريقة إيجابية للمرشح الجمهوري دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

التمارين الخفيفة تساعد في محو ذكريات الخوف

التمارين الرياضية قد تساعد في منع حدوث اضطراب ما بعد الصدمة (مؤسّسة كيسلر)
التمارين الرياضية قد تساعد في منع حدوث اضطراب ما بعد الصدمة (مؤسّسة كيسلر)
TT

التمارين الخفيفة تساعد في محو ذكريات الخوف

التمارين الرياضية قد تساعد في منع حدوث اضطراب ما بعد الصدمة (مؤسّسة كيسلر)
التمارين الرياضية قد تساعد في منع حدوث اضطراب ما بعد الصدمة (مؤسّسة كيسلر)

أظهرت دراسة أجراها باحثون من جامعة «تسوكوبا» اليابانية أنّ ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بانتظام قد تساعد في محو ذكريات الخوف ومنع اضطراب ما بعد الصدمة.

ووفق نتائج الدراسة المنشورة في مجلة «الطب والعلوم في الرياضة والتمارين الرياضية»، تتمثّل إحدى الفرضيات العلمية في أنّ مُركّباً حيوياً يُعرف بـ«عامل التغذية العصبية المشتقّ من الدماغ»، يلعب دوراً حاسماً في القضاء على ذكريات الخوف. ومن المعروف أنّ تأثير التعبير عن هذا المركب في المنطقة المسؤولة عن الذاكرة والتعلم بالدماغ، يتفاقم مع ممارسة التمارين الرياضية المعتادة.

وتشير بحوث حديثة إلى أنّ التمارين الرياضية يمكن أن تساعد في منع اضطراب ما بعد الصدمة وفي علاجه أيضاً. ومع ذلك، فإنّ تأثيرها على أعراض هذا الاضطراب لا تزال غير واضحة.

واضطراب ما بعد الصدمة هو اضطراب عقلي شائع ينجم عن التعرّض للضغوط الشديدة، ويعاني مرضاه غالباً أعراض اكتئاب متزامنة، ويكافحون للحفاظ على روتين ثابت ومستمر للتمرينات الرياضية في مثل هذه الظروف المرضية القاسية.

ووفق باحثي الدراسة: «استخدمنا نموذجاً للتمرين على جهاز المشي لحيوانات التجارب، صُمِّم خصيصاً لتحديد شدّة التمرين بناءً على منحنى اللاكتات».

وأضافوا، في بيان منشور، الجمعة، عبر منصة «ميديكال إكسبريس»: «ساعد هذا النموذج على استكشاف ما إذا كان التمرين المنتظم يمكن أن يمحو ذكريات الخوف، ومعرفة ما إذا كان (عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ) يشارك في هذه العملية أم لا».

ومن المعروف أنه عندما يبذل الجسم مجهوداً معيّناً يستهلك الغلوكوز لإنتاج الطاقة؛ ليتحوّل بعدها الغلوكوز إلى مادة اللاكتات. وتُعدّ نقطة تغير منحنى اللاكتات هي مقياس كثافة التمرين التي يبدأ عندها تركيز هذه المادة في الدم بالزيادة بسرعة.

في هذه التجربة، وُضعت حيوانات التجارب في غرفة، حيث تعرّضت لتحفيز كهربائي خفيف لتحفيز ذكريات الخوف. بعد ذلك، خضعت لتدريب رياضي خفيف لجهة الشدّة لمدة 4 أسابيع.

بعد فترة من التدريب، وُضعت الحيوانات مرة أخرى في الغرفة لملاحظة سلوكها ومقارنته بسلوك الحيوانات الأخرى التي لم تخضع للتدريبات الرياضية. وعادةً ما تُظهر هذه الحيوانات «سلوك التجميد من الصدمة عند الشعور بالخوف».

في البداية، أظهرت جميع الحيوانات سلوك التجميد الناجم عن الخوف، لكنّ الحيوانات التي كانت تمارس الرياضة بانتظام أصبحت أكثر نشاطاً مع الوقت. يشير هذا إلى أنّ التمرين المنتظم سهّل محو ذكريات الخوف.

كما أنه عندما جرى تثبيط إشارات «عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ» في حيوانات التجارب من خلال إعطاء دواء معيّن، اختفت تأثيرات التمرين على محو ذاكرة الخوف؛ مما يشير إلى أنّ إشارات هذا العامل العصبي تشارك في محو ذكريات الخوف عبر ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة.

وتُشدد نتائج الدراسة على أنّ الأعراض النفسية لاضطراب ما بعد الصدمة الناجمة عن التعرُّض للضغوط النفسية الشديدة يمكن تخفيفها من خلال ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل مستمر، عبر تعزيز نشاط «عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ» في المنطقة المسؤولة عن الذاكرة والتعلم بالدماغ.