النحات الكيني إلكانا أونغيسا ينهض بالفن الأفريقي ويُحرّره من الإجحاف

أعماله المستوحاة من الطبيعة زيّنت «اليونيسكو» والأمم المتحدة

لا تزال البصمة الأفريقية ظاهرة على إبداعات إلكانا أونغيسا (أ.ف.ب)
لا تزال البصمة الأفريقية ظاهرة على إبداعات إلكانا أونغيسا (أ.ف.ب)
TT

النحات الكيني إلكانا أونغيسا ينهض بالفن الأفريقي ويُحرّره من الإجحاف

لا تزال البصمة الأفريقية ظاهرة على إبداعات إلكانا أونغيسا (أ.ف.ب)
لا تزال البصمة الأفريقية ظاهرة على إبداعات إلكانا أونغيسا (أ.ف.ب)

رغم عَرْض منحوتات إلكانا أونغيسا الحجرية الضخمة في مختلف أنحاء العالم، يرى هذا النحات الكيني (79 عاماً) أنّ الفن الأفريقي لم يحظَ بعد بالتقدير الذي يستحقه، سواء في الخارج أو في القارة.

وإذ قال إنّ «الفن الأفريقي أثّر إلى حد كبير في الفن الغربي»، مشيراً على سبيل المثال إلى أعمال بابلو بيكاسو؛ لفت في مقابلة مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في منزله بتاباكا (دائرة كيسي) في غرب كينيا، إلى أن «الفن الأفريقي تعرّض للإهمال».

جابت أعماله المستوحاة من الطبيعة العالم، وزيّنت بشكل خاص مقر «اليونيسكو» في باريس، والأمم المتحدة في نيويورك.

أونغيسا يرى أنّ الفن الأفريقي لا يحظى بالتقدير الذي يستحقه (أ.ف.ب)

لكن الطريق لا تزال طويلة أمامه ليبلغ القيمة المالية «المرتفعة جداً» للأعمال الفنية الغربية، كما يقول، مستنكراً واقع أنَّ جامعي الأعمال الفنية - الأفارقة والأجانب - غير مستعدّين لإنفاق مبالغ كبرى مقابل أعمال مصدرها القارة.

ورأى أنّ السلطات لم تعد تؤدّي دورها كما يجب أيضاً، مضيفاً: «الحكومة الكينية لا تدعم بشكل كافٍ الفنانين»، متحدّثاً عن فشل ذريع عام 2014 حال دون عرض أعماله في مهرجان «سميثسونيان للفولكلور» في واشنطن.

وكان أونغيسا نفّذ منحوتة ضخمة من الغرانيت على شكل فيل لهذا الحدث المرموق. حتى إنّ أحد المشترين عرض مبلغ 1.2 مليار شيلينغ كيني (نحو 7.7 مليون دولار). لكن، من المؤسف أنّ السلطات الكينية التي أصرَّت على نقل الفيل البالغ وزنه 13 طناً - رافضة عروض المساعدة الأجنبية - أعلنت في نهاية المطاف أنّ وزنه الضخم يحول دون نقله بالطائرة، بينما ذكرت وسائل إعلام أنّ السلطات طلبت رشاوى مقابل نقل القطعة الفنية.

منحوتات إلكانا أونغيسا تُعرَض في مختلف أنحاء العالم (أ.ف.ب)

وردَّ إلكانا أونغيسا بشكل مقتضب، من دون التعليق على هذه التقارير الإعلامية، قائلاً إنّ «بعض الأشخاص داخل الحكومة الكينية الذين كان من المفترض أن يقدّموا المساعدة، رفضوا في نهاية المطاف ذلك».

وأضاف أنه لو تمت صفقة البيع، لكانت ستُشكل رقماً قياسياً لعمل فني أفريقي، ولكان «الفن الأفريقي أصبح في فئة أخرى اليوم».

ولد أونغيسا في عائلة من الحرفيين، وبدأ في صنع ألعاب طينية في سنّ مبكرة، قبل تعلُّم نحت الحيوانات الصغيرة من بقايا الحجارة.

ثم تابع دراساته في جامعة ماكيريري بأوغندا المجاورة، من ثَمّ في جامعة ماكغيل الكندية. هناك، اكتشف فنانين أثّروا في عمله بمنحوتات تكشف، وفق قوله، مزيداً من «التعبير الفني من كونها حرفية»، وصولاً إلى استخدام البريطاني الشهير هنري مور الفضاء السلبي. وأضاف: «كانت نقطة تحوُّل مهمّة جداً بالنسبة إليّ».

لا تزال البصمة الأفريقية ظاهرة على إبداعاته. فحجر كيسي، مادته المفضّلة، غير موجود إلا في غرب كينيا، خلافاً للحجر الأملس، وهو صخرة أكثر انتشاراً غالباً ما تربط بشكل خاطئ بأعماله.

يشير عمله عموماً إلى رموز منبثقة من الأساطير والأغنيات الأفريقية. فتمثال الغرانيت العملاق الذي يزين مقرّ «اليونيسكو» في باريس «Enyamuchera» («طائر السلام» بلغة كيسي)، يأخذ أصله من طائر أبيض وأسود موطنه أفريقيا جنوب الصحراء. ويمكن أن يكون نذير حظ أو شؤم، وفق الزاوية التي يُنظَر منها إليه.

الجدّ لخمسة أحفاد التقط أدواته مرة أخرى (أ.ف.ب)

ينوي الفنان تنفيذ عمل يُحقّق صدى في الداخل والخارج. فمنحوتاته تُعرَض في شوارع كيسي، في حديقته التي يدرّب فيها الفنانين الشباب والأطفال على نحت الحجر، وفي المتحف الذي بناه لاستضافة ورش العمل وعرض الفن الأفريقي.

أرغمته مشكلاته الصحية على التوقّف عن العمل في السنوات السبع الماضية، لكن هذا الجدّ لخمسة أحفاد التقط أدواته مرة أخرى في الآونة الأخيرة، وقال: «أرغب في ممارسة فني».

وهو بدأ مجدداً في تنفيذ منحوتات أصغر حجماً، لكن القطع الأكبر تُسبّب له مشكلات جسدية، كما قال، لأنه غير قادر على البقاء واقفاً لفترات طويلة.

وتابع: «آمل وأصلّي أن تتحسّن صحتي»، مضيفاً: «حين تنحتُ حجراً وترى ما في داخله، يكون الأمر جميلاً جداً. هذا ممتع حقاً».


مقالات ذات صلة

100 لوحة لرائد التصوير محمود سعيد وأصدقائه في معرض بانورامي

يوميات الشرق إحدى لوحات محمود سعيد (الشرق الأوسط)

100 لوحة لرائد التصوير محمود سعيد وأصدقائه في معرض بانورامي

يقدّم المعرض وكتابه التعريفي السيرة الذاتية للفنان وكيف بدأ حياته محباً للرسم، واضطراره للعمل في القضاء تماشياً مع رغبة أسرته التي كانت من النخبة الحاكمة لمصر.

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق يستطيع الفنّ أن يُنقذ (إكس)

معرض هولندي زوّاره مُصابون بالخرف

لم تكن جولةً عاديةً في المعرض، بل مثَّلت جهداً متفانياً للترحيب بالزوّار المصابين بالخرف ومقدِّمي الرعاية لهم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق فستان بطراز فيكتوري في معرض «تايلور سويفت... كتاب الأغاني» في متحف فيكتوريا آند ألبرت (أ.ب)

تايلور سويفت تغزو قاعات متحف «فيكتوريا آند ألبرت» بكتاب الأغاني

تهيمن تايلور سويفت على قاعات متحف عريق مثل «فيكتوريا آند ألبرت» الشهير في لندن الذي يطلق بدءاً من السبت 27 يوليو الحالي عرضاً مخصصاً لرحلتها الغنائية.

عبير مشخص (لندن)
يوميات الشرق تعرض روميرو فنها الفريد القائم على النباتات (روميرو)

فنانة إسبانية تطبع الصور على النباتات الحية

تعرض روميرو فنها الفريد القائم على النباتات والذي يدفع الجمهور إلى التساؤل حول استهلاكه المفرط للنباتات، كما يُظهر أنه من الممكن إنتاج الفن بطريقة صديقة للبيئة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق المربعات الرملية كانت ساحة لألعاب كثيرة حاضرة في المعرض (غاليري صفير- زملر)

«أحلام إيكاروس» عندما تحترق الأجنحة

المعرض وإن كان موضوع ألعاب الأطفال محوره، فهو أشبه بفخّ لذيذ، نستسلم له بداية، لنكتشف أننا كلّما غصنا في معروضاته، وجدنا أنفسنا نسافر بالذاكرة في اتجاهات مختلفة

سوسن الأبطح (بيروت)

«ليلة الأحلام» تُبهر جمهور جدة بتألُّق عمر خيرت وآمال ماهر

«ليلة الأحلام» جمعت عمر خيرت وآمال ماهر في جدة (بنش مارك)
«ليلة الأحلام» جمعت عمر خيرت وآمال ماهر في جدة (بنش مارك)
TT

«ليلة الأحلام» تُبهر جمهور جدة بتألُّق عمر خيرت وآمال ماهر

«ليلة الأحلام» جمعت عمر خيرت وآمال ماهر في جدة (بنش مارك)
«ليلة الأحلام» جمعت عمر خيرت وآمال ماهر في جدة (بنش مارك)

في ليلة ساحرة خارج صخب يوميات الحياة، استمتع الحضور بحفل «ليلة الأحلام»، الجمعة، فاجتمع الموسيقار المصري عمر خيرت وابنة بلاده الفنانة آمال ماهر على خشبة مسرح «عبادي الجوهر أرينا» ليقدّما عرضاً استثنائياً ضمن فعاليات «موسم جدة 2024»، لتشكّل الأمسية رحلة إبداعية فريدة.

البداية بعرض فيديو للتمارين المكثَّفة التي جمعت الأوركسترا العالمية بقيادة الموسيقار وليد فايد والفنانة؛ فأشار فايد إلى أنّ صوت ماهر «يعزف ولا يغنّي»، فيما أبدى عازف الفلوت العالمي بيدرو أوستاش إعجابه الكبير به.

عمر خيرت يشدو بألحانه في «ليلة الأحلام» بجدة (بنش مارك)

افتتح خيرت الأمسية بأداء مبدع، فقدَّم مقطوعات شهيرة مثل «قضية عم أحمد»، و«فيها حاجة حلوة»، و«عارفة» التي شاركه الجمهور بغنائها، بجانب «ليلة القبض على فاطمة»، و«ما طلعت شمس ولا غربت».

وفي ختام عرضه، سلَّمه رئيس «الهيئة العامة للترفيه» المستشار تركي آل الشيخ دعوة لتكريمه ضمن حفل ضخم يقيمه في «موسم الرياض 2024»، تقدَّم بها بالنيابة عنه رئيس مجلس إدارة شركة «بنش مارك» زكي حسنين.

علَّق خيرت في مؤتمره الصحافي على الدعوة قائلاً: «سعيد جداً بها، وبجمهور السعودية الذي أشعر بتجاوبهم العميق والكيمياء التي تجمعهم بالموسيقى».

وأشاد بتعاونه مع فنانين سعوديين منذ مدّة طويلة، مشدّداً على أنّ الأغنية مهمّة جداً، ولكن بجانب أهميتها، تأتي أيضاً أهمية الموسيقى: «وهذا ما حرصتُ عليه منذ صغري، أن تكون لدينا موسيقى مرافقة للغناء».

صعدت آمال ماهر إلى المسرح، وافتتحت عرضها بأغنيتها الشهيرة «اللي قادرة» بمشاركة عمر خيرت على البيانو، ثم تتابعت الأغاني: «كل ده كان ليه»، و«مش أنا اللي أشكي» لمحمد عبد الوهاب، و«إنت الحب» لأم كلثوم بتألُّق صوتها وموسيقى الموسيقار المصري.

تعلَّم حبّ الموسيقى من عائلته (بنش مارك)

كما قدَّمت أغنية «الرسايل» لمحمد عبده مع عازف الساكسفون العالمي ديفيد كوز وعازف البيانو العالمي راؤول دي بيلاسيو الذي أشاد بصوتها وإحساسها العميق بالموسيقى العربية.

وأيضاً شاركت عازفة التشيللو العالمية ماريكو موراناكا في أداء أغنيتَي «رايح بيّا فين» و«من غير ليه» لمحمد عبد الوهاب. وفي لمسة مُشابهة لما قدَّمه الفنان محمد منير في حفله السابق، قدَّمت ماهر أغنية «علّي صوتك بالغنا» بمشاركة عازف الفلوت بيدرو أوستاش وعازف الكمان ديفيد غاريت.

وختمت الحفل بأغنية «يا أنا يا أنا» لفيروز بمشاركة عازفَي الكمان غاريت وغارسيا وعازفة التشيللو ماريكو موراناكا. وبعد أكثر من ساعتين ونصف ساعة من الأداء المبهر، تحوّل الحفل واحداً من أجمل ليالي «موسم جدة 2024».

عازفون عالميون و150 آخرون ضمن أوركسترا بقيادة وليد فايد (بنش مارك)

وفي حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، قال الموسيقار خيرت: «أعتزّ كثيراً بالدعوة لتكريمي في (موسم الرياض)، فقد بات من الفعاليات العربية التي تتميّز بأهمية خاصة؛ إذ يُعمِّق تفاعل الجمهور العربي مع الفنّ، ويضع الفنان المُشارك أمام مسؤولية كبيرة».

وأضاف: «الدعوة فرصة للاحتفاء بمشواري الفنّي، ومشاركتي في حفل (ليلة الأحلام) جعلتني أستعيد ذكريات عزيزة على قلبي».

وعن أغنيات الحفل، تابع: «حقَّق الفنان محمد عبد الوهاب نقلة كبيرة في الموسيقى المصرية، وأنا من عشاقه. ألبوم (الوهابيات) الذي قدّمته مع (صوت الموسيقى) في الثمانينات، من التجارب الفنّية المهمّة المتعلّقة بتقديم الموسيقى الشرقية في قالب أوركسترالي؛ فوزَّعتُ بعض أغنياته، منها (لأ مش أنا اللي أبكي)، و(كل ده كان ليه)، و(كنت فين)».

وأوضح أنّ «عبد الوهاب لم يكن يرفض التوزيعات الأوركسترالية، بل كان يحترمها ويحبّها، ومن المعروف أنّ موسيقار الأجيال خاض تجربة توزيع أغنيته (لأ مش أنا اللي أبكي) مع الفنان أندريه رايدر».

ديفيد غارسيا وعازف البيانو راؤول دي بيلاسيو يقدّمان مقطوعة لويتني هيوستن (بنش مارك)

ومن الذكريات التي جالت في خاطره خلال العزف، إشادة تلقّاها من عبد الوهاب في شبابه، والتي يعدُّها تكريماً حقيقياً له في بداية مشواره: «فوجئتُ بعد عرض مسلسل (ضمير أبلة حكمت)، من بطولة فاتن حمامة وأحمد مظهر، بمكالمة هاتفية منه يهنئني على موسيقى المسلسل، قائلاً: (ربنا يخليك لمصر). كان لهذه الكلمات سحرٌ خاص على أذني، لأنها جاءت من موسيقار بحجمه، ولأنني أعشق تراب بلادي».

وعدَّ الفنان عمر خيرت الموسيقى جزءاً من تكوينه و«شفرته الجينية»، وفق تعبيره: «أراها إرثاً عائلياً نتناقله عبر الأجيال. فقد كان جدّي عاشقاً لها، وكان لأبي الفضل في استغراقي مبكراً في عالمها. كثيراً ما جلست أستمع إلى عزفه روائع الموسيقى العالمية على البيانو، لأتعلّم العزف مبكراً على هذه الآلة، إلى أن أتقنته بشكل أكاديمي ولم يتجاوز عمري 11 عاماً».

وأكمل استدعاء الذكريات: «أتذكر أنّ أبي اقتنع بإصراري على اختيار طريق الموسيقى، وأخذ أوراقي من الثانوية العامة لتقديمها لمعهد الموسيقى بنفسه، مؤكداً على تمتّعي بالموهبة. لقد شكَّل نموذجاً للآباء المتفهّمين حق الأبناء في تحديد مصيرهم».