شخصيات «أومبا-لومباس» في فيلم «ونكا» تفتح جدلاً قديماً

محاولات لتفادي تهمة العنصرية التي وُصم بها كاتب الرواية روالد دال

هيو غرانت في شخصية «أومبا لومباس» في مشهد من فيلم «ونكا» (أ.ب)
هيو غرانت في شخصية «أومبا لومباس» في مشهد من فيلم «ونكا» (أ.ب)
TT

شخصيات «أومبا-لومباس» في فيلم «ونكا» تفتح جدلاً قديماً

هيو غرانت في شخصية «أومبا لومباس» في مشهد من فيلم «ونكا» (أ.ب)
هيو غرانت في شخصية «أومبا لومباس» في مشهد من فيلم «ونكا» (أ.ب)

نيويورك: روبرت إيتو*

ماذا نفعل مع «أومبا لومباس»؟

هذا هو السؤال الذي تشابك معه صناع الأفلام والكتاب منذ عام 1964 لأول مرة منذ ظهور العمال الصغار الذين لا يحصلون على أجر إلى حد كبير في كتاب أطفال روالد دال المحبوب «تشارلي ومصنع الشوكولاته».

في رواية دال الأصلية، كان «أومبا-لومباس» من الأقزام الأفارقة الذين يتضورون جوعاً، حيث كانوا يعيشون إلى حد كبير على مجموعة من اليرقات الخضراء ولحاء الأشجار حتى «أنقذهم» ويلي ونكا. وقام بتهريب القبيلة بأكملها من أفريقيا في صناديق التعبئة للعيش والعمل، والغناء والرقص، في مصنع الشوكولاته.

قال دال في مقابلة أجريت معه عام 1988: «لم يخطر ببالي أن تصويري لقبيلة (أومبا-لومباس) كان عنصرياً».

في العقود الخمسة التي تلت الظهور الأدبي، خاضت «أومبا-لومباس» سلسلة من التحولات لزعزعة قصتهم من جذورها الاستعمارية. كانت بعض الإصلاحات تجميلية بصورة واضحة (في الطبعات اللاحقة من الكتاب، جعل الرسامون رجال القبائل ببساطة من أصحاب البشرة البيضاء). أما المحاولات الأخرى فلم يمكن عدّها إصلاحات على الإطلاق: ففي فيلم «تشارلي ومصنع الشوكولاته» لعام 2005، قام المخرج تيم بيرتون بتحويل القارات، ونقل قبيلة «أومبا-لومباس» من أفريقيا إلى مكان يشبه أميركا الجنوبية بشكل غامض، كما تصوره مخرج أفلام مغامرات من خمسينات القرن الماضي.

ملصق فيلم «ونكا» الصادر هذا الشهر

وفي فيلم «ونكا» من وارنر برذرز، التي افتتح هذا الشهر، يتناول صناع الفيلم الجوانب الاستعمارية بشكل مباشر.

ومن نواحٍ عديدة، سمحت النسخة التمهيدية - التي تصور نضال ونكا (تيموثي شالاميت) للنهوض بمشروع الشوكولاته وتشغيله - لصانعي الأفلام بتجنب العناصر الأكثر إثارة للاشمئزاز في الكتاب. وبدلاً من الخدم المبتسمين، هناك فرد واحد من «أومبا لومبا»، وهو أشبه بذئب منفرد، وهو عدو أكثر غرابةً ومعلم في نهاية المطاف أكثر من كونه خادماً خاضعاً مطيعاً. ببساطة، إنه هيو غرانت. أما بالنسبة لظروف العمل السطحية لـ«أومبا-لومباس» (هل يدفع لهم فقط بالشوكولاته؟) والأسئلة حول كيف وأين يحصل ونكا على كل حبوب الكاكاو هذه لصنع الشوكولاته اللذيذة، إنه يسرقها عن غير قصد - من «أومبا-لومباس»! - وهو يصنع الحلوى بنفسه (في هذه المرحلة من القصة، لا يزال صانع حلوى بكميات صغيرة).

قال بول كينغ، مخرج الفيلم والكاتب المشارك: «لقد كنت مهتماً حقاً بفكرة حكم (أومبا-لومباس) على (ونكا) لسرقته حبوب الكاكاو الخاصة بهم، وفرض العقوبات عليه».

وأخيراً يقدم الفيلم الجديد جانب «أومبا-لومباس» من هذه القصة التي كانت غير متكافئة. رغم ذلك، كانت هناك شكاوى حول «أومبا-لومباس» حتى قبل افتتاح هذا الفيلم الأخير، مع بعض الممثلين الذين انتقدوا قرار تقديم غرانت في دور يلعبه تقليدياً الممثلون الأقزام.

انتقد الباحثون كتب دال للأطفال على مدى عقود، مشددين على حالات من القوالب النمطية العنصرية والجنسية. هذا العام، أشعلت دار «كتب بوفين» عاصفة نارية عندما أصدرت نسخاً جديدة منقحة من كلاسيكيات دال، بما في ذلك «تشارلي ومصنع الشوكولاته» و«ماتيلدا»، التي أزالت، من بين أمور أخرى، إشارات إلى لون البشرة وحجم الجسم والعبودية. ولأعوام عديدة، ظل كُتاب السيرة الذاتية يهجمون دال ذاته، ويصفونه بمعاداته للسامية وبمعاملته القاسية إلى حد مذهل لزوجته الأولى، الممثلة باتريشيا نيل الحائزة على جائزة «الأوسكار».

أومبا لومباس في نسخة عام 1971 من فيلم «تشارلي ومصنع الشوكولاته» (imdb)

لذا، ليس من المستغرب أنه عندما قام مبدعو فيلم «ويلي ونكا ومصنع الشوكولاته» في عام 1971، من بطولة جين وايلدر، بتكييف قصة دال»لأول مرة، كانوا يبتعدون بأقصى سرعة ممكنة وأبعد ما يستطيعون عن رواية «العبد السعيد» في الكتاب.

بعد أعمال الشغب العرقية في بريطانيا في خمسينات القرن العشرين وحركة الحقوق المدنية الأميركية في ستينات القرن نفسه، قالت كاثرين كيزر، أستاذة اللغة الإنجليزية بجامعة ساوث كارولينا ومؤلفة مقالة «أطفال الحلوى ومصانع الشوكولاته: روالد دال، والعنصرية، والصناعة العالمية»: «ليست هناك طريقة للمبالغة في تقدير أن ذلك لم يكن مؤاتياً لتلك اللحظة».

في نسخة وايلدر، تحولت شخصيات «أومبا-لومباس» من السكان الأصليين الجائعين من «أعمق وأظلم جزء في أفريقيا» إلى رجال برتقاليي الوجوه، ذوي شعر أخضر في أزياء أوروبية غريبة. وقد تغير موطنهم الأفريقي إلى دولة لومبالاند الخيالية؛ وبدلاً من تهريبهم من الأدغال في صناديق، جرى نقلهم كبشر محترمين.

في عام 1971 وظف صانعو الفيلم فنانين يعانون من التقزم ولوّنوهم باللون الأخضر، وهو قرار أزعج دال. قال ماثيو دينيسون، مؤلف كتاب السيرة الذاتية الذي نال استحساناً النقاد بعنوان «روالد دال: راوية اللامتوقع». (قال: كره دال نسخة الفيلم، جزئياً، لأنه لم يستطع تحمل جين وايلدر، لأسباب لا أفهمها).

كما تعرض دال للضغط لإعادة صياغة «أومبا-لومباس» في طبعات لاحقة من كتبه. أعاد رسامون مختلفون تخيل صور الرسام جوزيف شيندلمان للسكان الأصليين السود المبتسمين على أنهم عفاريت ذوو بشرة فاتحة مع شعر أشقر، أو هِيبِيز ملتحون.

بالنسبة لكيزر، فإن محاولات الروائي «نزع الزنجية» (كلمات دال) عن شخصياته الخاصة، تحت الضغط المعروف، جعلتهم، من بعض النواحي، أقل إنسانية.

شخصية أومبا لومباس كما ظهرت في فيلم «تشارلي ومصنع الشوكولاته» من إخراج تيم بيرتون عام 2005 (imdb)

على مر السنين، استمرت «أومبا-لومباس» في التحول. في عام 2005 أعاد تيم بيرتون صنع فيلم «تشارلي ومصنع الشوكولاته»، تم اختيار ممثل واحد، ديب روي، ليلعب كل أفراد «أومبا-لومباس»، حيث استخدمت التقنية الرقمية لخلق نسخ طبق الأصل من العمال الذين يغنون ويرقصون ويسبحون في ملابس زاهية ومتطابقة (استخدمت الروبوتات أيضاً في بعض المشاهد). على خشبة المسرح في عدد لا يحصى من إنتاجات المدارس، كان الأداء من قبل الأطفال يرتدون الشعر المستعار باللون الأخضر، مع أو بدون وجه برتقالي، وفي ويست آند لندن من قبل هجين من نصف إنسان ونصف دمية.

من الواضح أنه كان هناك الكثير من المواد البصرية لدى كينغ ليختار منها. ومع ذلك، فإن شخصيات دال الأصلية، الأقزام الأفارقة، لم تكن أبداً موضع اعتبار.

وقال كينغ: «لقد كان اختياراً جيداً لتغيير ذلك. شعرت بالارتياح الشديد لقرار دال».

هيو غرانت في شخصية «أومبا لومباس» في مشهد من فيلم «ونكا» (وارنر بروذارز)

إنه دور صغير نسبياً لهيو غرانت، ولكنه دور يلعب في رؤية كيزر لقصة من شأنها أن تعوض قبيلة «أومبا-لومباس»، وهو دور يُروى من وجهة نظرهم. وقالت: «أعتقد أن أومبا-لومباس كانت طريقة لجعل العولمة ذات الإطار الاستعماري تبدو مريحة وممتعة وجذابة. ولكن ربما لو كان بوسعك الحصول على (رواية التشكيل) من منظور فرد واحد يدعى أومبا لومبا، مما يمنح أومبا لومبا طابعاً داخلياً ومسمى، مما من شأنه أن يصلح هذه المعضلة».

في النهاية، يقدم غرانت دور أومبا-لومبا تحية إجلال لذكرى الرواية الأصلية التي يعود إلى عام 1971، حتى عندما مُنح نوعاً من السلطة والاستقلال لم يكن بوسع أولئك الخدم الأصليين إلا أن يحلموا به.

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

يوميات الشرق «أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

أثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعاليات المهرجان.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )
سينما  مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» بمفاجأة رائعة

محمد رُضا‬ (القاهرة)

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
TT

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)

وجدت دراسة جديدة، أجراها فريق من الباحثين في كلية الطب بجامعة نورث وسترن الأميركية، أن الأجزاء الأكثر تطوراً وتقدماً في الدماغ البشري الداعمة للتفاعلات الاجتماعية -تسمى بالشبكة المعرفية الاجتماعية- متصلة بجزء قديم من الدماغ يسمى اللوزة، وهي على اتصال باستمرار مع تلك الشبكة.

يشار إلى اللوزة تُعرف أيضاً باسم «دماغ السحلية»، ومن الأمثلة الكلاسيكية لنشاطها الاستجابة الفسيولوجية والعاطفية لشخص يرى أفعى؛ حيث يصاب بالذعر، ويشعر بتسارع ضربات القلب، وتعرّق راحة اليد.

لكن الباحثين قالوا إن اللوزة تفعل أشياء أخرى أكثر تأثيراً في حياتنا.

ومن ذلك ما نمر به أحياناً عند لقاء بعض الأصدقاء، فبعد لحظات من مغادرة لقاء مع الأصدقاء، يمتلئ دماغك فجأة بأفكار تتداخل معاً حول ما كان يُفكر فيه الآخرون عنك: «هل يعتقدون أنني تحدثت كثيراً؟»، «هل أزعجتهم نكاتي؟»، «هل كانوا يقضون وقتاً ممتعاً من غيري؟»، إنها مشاعر القلق والمخاوف نفسها، ولكن في إطار اجتماعي.

وهو ما علّق عليه رودريغو براغا، الأستاذ المساعد في علم الأعصاب بكلية فاينبرغ للطب، جامعة نورث وسترن، قائلاً: «نقضي كثيراً من الوقت في التساؤل، ما الذي يشعر به هذا الشخص، أو يفكر فيه؟ هل قلت شيئاً أزعجه؟».

وأوضح في بيان صحافي صادر الجمعة: «أن الأجزاء التي تسمح لنا بالقيام بذلك توجد في مناطق الدماغ البشري، التي توسعت مؤخراً عبر مسيرة تطورنا البشري. في الأساس، أنت تضع نفسك في عقل شخص آخر، وتستنتج ما يفكر فيه، في حين لا يمكنك معرفة ذلك حقّاً».

ووفق نتائج الدراسة الجديدة، التي نُشرت الجمعة في مجلة «ساينس أدفانسز»، فإن اللوزة الدماغية، بداخلها جزء محدد يُسمى النواة الوسطى، وهو مهم جدّاً للسلوكيات الاجتماعية.

كانت هذه الدراسة هي الأولى التي أظهرت أن النواة الوسطى للوزة الدماغية متصلة بمناطق الشبكة المعرفية الاجتماعية التي تشارك في التفكير في الآخرين.

لم يكن هذا ممكناً إلا بفضل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، وهي تقنية تصوير دماغ غير جراحية، تقيس نشاط الدماغ من خلال اكتشاف التغيرات في مستويات الأكسجين في الدم.

وقد مكّنت هذه المسوحات عالية الدقة العلماء من رؤية تفاصيل الشبكة المعرفية الاجتماعية التي لم يتم اكتشافها مطلقاً في مسوحات الدماغ ذات الدقة المنخفضة.

ويساعد هذا الارتباط باللوزة الدماغية في تشكيل وظيفة الشبكة المعرفية الاجتماعية من خلال منحها إمكانية الوصول إلى دور اللوزة الدماغية في معالجة مشاعرنا ومخاوفنا عاطفياً.

قالت دونيسا إدموندز، مرشح الدكتوراه في علم الأعصاب بمختبر «براغا» في نورث وسترن: «من أكثر الأشياء إثارة هو أننا تمكنا من تحديد مناطق الشبكة التي لم نتمكن من رؤيتها من قبل».

وأضافت أن «القلق والاكتئاب ينطويان على فرط نشاط اللوزة الدماغية، الذي يمكن أن يسهم في الاستجابات العاطفية المفرطة وضعف التنظيم العاطفي».

وأوضحت: «من خلال معرفتنا بأن اللوزة الدماغية متصلة بمناطق أخرى من الدماغ، ربما بعضها أقرب إلى الجمجمة، ما يسهل معه استهدافها، يمكن لتقنيات التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة استهداف اللوزة الدماغية، ومن ثم الحد من هذا النشاط وإحداث تأثير إيجابي فيما يتعلق بالاستجابات المفرطة لمشاعر الخوف والقلق».