هل تكفي القوانين الحالية لتحقيق فكرة العدالة وإنزال العقاب اللازم على الجناة أم أن طرق الاحتيال على اللوائح والقواعد تجعلنا في حاجة إلى وسائل أخرى لإنصاف الضحايا والإمساك بالخارجين عن مسار الحق والخير والجمال؟ يطرح صناع مسرحية «النقطة العميا»، التي تُعرض يومياً عدا الاثنين على مسرح «الغد» بالقاهرة حتى نهاية ديسمبر (كانون الأول) الحالي، هذا السؤال ضمن رؤية فنية تؤكد قصور القوانين الحالية في تحقيق فكرة العدل وتطرح نموذجاً درامياً يتسم بالتصاعد والتشويق في جلب مجرم بارع إلى العدالة عبر طرق غير تقليدية.
العرض مأخوذ عن نص شهير يمكن تصنيفه بـ«النوفيلا» أو الرواية القصيرة بعنوان «العُطل» للكاتب السويسري فريدريش دورينمات «1921- 1990» وتحكي الرواية قصة رجل أعمال شاب تتعطل سيارته وهو عائد إلى منزله قادماً من رحلة إلى مدينة بعيدة، ونتيجة اشتداد العاصفة وهطول المطر بغزارة، لا يجد بداً من اللجوء إلى أحد المنازل في منطقة نائية وقبول دعوة شيخ طاعن في السن إلى المبيت عنده تلك الليلة.
يبدو البطل متوجساً من الأجواء المحيطة به، لكن لا مفر من استكمال التجربة حتى نهايتها. يفاجأ الشاب بوجود لعبة يعقدها المضيف بصحبة اثنين من أصدقائه تحمل عنوان «المحكمة». ويطالب اللاعبون الشاب بالانضمام إليهم ومجاراتهم في اللعبة. تتوالى المفاجآت انطلاقاً من هذه النقطة ليصل الشاب إلى قناعة أنه قتل مديره في العمل ويشنق نفسه. ويعد «دورينمات» أحد أبرز كتاب المسرح باللغة الألمانية في القرن العشرين وتشكل المسؤولية الأخلاقية والتسامح والإحساس بالذنب موضوعات مكررة في أدبه. ومن أشهر أعماله «زيارة السيدة العجوز» و«الوعد» و«زواج السيد ميسسبي» و«القاضي وجلاده». وقام بإعداد المعالجة الدرامية وإخراج العمل أحمد فؤاد، وهو من بطولة نور محمود وأحمد السلكاوي وأحمد عثمان وهايدي بركات، ديكور أحمد أمين، أزياء نور سمير.
ومع كل عمل مسرحي مأخوذ عن نص أجنبي، تثار علامات استفهام حول معايير المعالجة الجديدة، ما الذي أبقت عليه، وما الذي غيرت فيه؟ طرحنا التساؤل على أحمد فؤاد الذي أجاب قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «تستهويني الأفكار الفلسفية العميقة حول النفس الإنسانية والمصير البشري، وهو ما وجدته بامتياز في هذا النص، لكن عند المعالجة النهائية راعينا عدة أشياء منها حذف بعض الشخصيات الموجودة في النص الأصلي المكتوب كعمل سردي وليس كعمل مسرحي، والتركيز على الخطوط الرئيسية دون تفريعات أو استطرادات تأكيداً على فكرة التكثيف مع الحرص الشديد على التصاعد الدرامي في أجواء من الإثارة والتشويق تناسب الشباب والأجيال الجديدة». وأضاف: «يظهر أعضاء المحكمة في النص الأصلي بوصفهم قضاة في زيهم الرسمي لكننا في المعالجة جعلناهم أساتذة قانون بلا خلفيات مهنية مباشرة تخص مهنة جليلة كمهنة القضاء». واتسم العرض بالإيقاع السريع وتلاحق الأحداث فيما يشبه الحبكة البوليسية. ورغم الطابع الفلسفي النفسي على مستوى المضمون، لم يخل العمل من الطابع الكوميدي الذي خفّف من أجواء الجدية وأنقذ العمل من السقوط في هوة التجهم الشديد.
من جانبها، قالت الناقدة الفنية هند سلامة لـ«الشرق الأوسط» إن «المسرحية مختلفة وتحظى بحضور جماهيري لافت، وهي تنتمي إلى ما يعرف بـ(السايكو دراما) أو الدراما النفسية التي تركز على ما يخبئه العقل الباطن من أسرار خفية وجرائم مدفونة في أعماق اللاشعور». وأوضحت أن «المعالجة تتسم بالذكاء ومراعاة البيئة المحلية، فعلى سبيل المثال ضغط القضاة على المتهم في النص الأصلي مستغلين تناوله مشروبات كحولية ووقوعه تحت تأثير السُكْر وخروجه عن وعيه، أما في العرض المسرحي المصري فقد أبقوه على وعيه وحاصروه بالأسئلة الأخلاقية والقانونية ليصلوا إلى النتيجة نفسها، وهي اعتراف الشاب بمسؤوليته».