يظل الوهج السحري للفنان التشكيلي المصري جميل شفيق عصيّاً على الانطفاء، رغم سنوات غيابه الطوال. ففي ذكرى رحيله السابعة تُعيد أعماله صاحبها إلى المشهد التشكيلي المصري عبر معرض استعادي تستضيفه قاعة «أفق» في متحف «محمد محمود خليل وحرمه»، ويفتح المعرض أبوابه للجمهور حتى 3 يناير (كانون الثاني) المقبل.
ونظم قطاع الفنون التشكيلية في مصر هذا المعرض تحيةً لمشروع الفنان التشكيلي البارز جميل شفيق (1938 - 2016)، الذي «أخذ على عاتقه الحفاظ على واحد من كنوز الميثولوجيا المصرية الشعبية في أعماله السلسة والمنيعة، المتمثلة في أساطير البسطاء التي تناقلتها الأجيال، والحكايات التي أثرت جلسات السمر للطبقات الكادحة» وفق تعبير الدكتور وليد قانوش، رئيس قطاع الفنون التشكيلية.
ويضم المعرض أكثر من 100 عمل تُعرض لأول مرة، وتمثل مراحل مختلفة من «مشروع جميل شفيق الثري»، وفق الفنان التشكيلي المصري ياسر جاد، قوميسير ومُنظم المعرض ومدير قاعة «أفق». ويصف جاد في حديث لـ«الشرق الأوسط» الفنان الراحل بأنه «إحدى أبرز أيقونات التجارب الفنية التي أثرت المشهد التشكيلي في النصف الثاني من القرن العشرين».
وتميّز جميل شفيق بتوظيف اللونين الأبيض والأسود في أعماله، ليحلّق بهما في آفاق لا نهائية من الحكايات والرؤى الفلسفية.
وتصدّرت واجهة المعرض رسالة من النحّات المصري الراحل آدم حنين إلى جميل شفيق، جاء فيها: «عزيزي جميل... ليس من الغريب أنك لجأت إلى الأبيض والأسود ولم يُبهرك اللون، فالنور هو الذي يهمك».
وحسب تعبير الفنان ياسر جاد، فإن جميل شفيق هو «سندباد الأبيض والأسود». ويضيف في وصف الحالة التي تُشكّلها أعمال جميل شفيق: «الظل والنور في أعمال جميل شفيق يشكّلان نوعاً من الموسيقى البصرية، وقعها يشبه صوت الوتريات العتيقة مثل آلة الهارب المصرية القديمة، وإن كانت تختلف عنها من حيث الشعور بدرجة من درجات الكلاسيكية الرخيمة، كما تسهم في إضفاء الطابع الرمادي في فضاء اللوحات الذي تزدهر فيه الخيالات والأحلام، وكذلك أشعرني في بعض الأعمال بفضية ضوء القمر ورومانسيته، وما يمثله من تفاؤل وعاطفة».
ويضم المعرض مجموعة من المنحوتات الخشبية، التي تُمثل أيقونات شفيق الشهيرة من أسماك، وخيول، ومُجسمات جسدية بحركتها الحُرة، وهي أعمال تؤرخ للحالة الفنية والوجدانية التي صاغ بها جميل شفيق عالمه الفني الفريد الذي استلهمه من الأخشاب التي كان يجدها مُلقاة على شاطئ البحر، وكان يُطلَق عليها «طرح البحر»، وكان يُعيد تشكيل تلك الأخشاب ويصنع منها أعماله النحتية التي تبدو في قاعة العرض كأنها في حالة تحاوّر خلاّق مع اللوحات المعروضة، أو كما يصفها جاد بـ«الحالة الدرامية»، فمنحوتات الخيول تبدو كأنما خرجت لتوّها من إطارات اللوحات التي تُجاورها.
تتحدث أعمال شفيق التصويرية كما لو كانت ومضات من أحلام، فالوجوه تتسع عيونها على الأمل، وسرديات الرومانسية لا تخبو رغم الجوع والانتظار، والأسماك التي تظهر في معظم الأعمال بمختلف أحجامها تتحدث عن رزق آتٍ، بينما الصيادون هم أبطال جميل شفيق الدائمون، الحاضرون في ظلال الأبيض والأسود، وفي أعماله التي استخدم فيها الألوان، والخيوط، فالمُناجاة بين أعماله والبحر والمراكب والجنيات، لم تنقطع أوصالها عبر تاريخه الفني.
ويُبرز المعرض المراحل الزمنية لتطوّر مشروع جميل شفيق، بما فيها عمله رسّاماً صحافياً، كما يخصص جانباً لاسكتشات لوحات مشروع تخرج جميل شفيق في كلية الفنون الجميلة، في عام 1962، وكان موضوع مشروع تخرجه هو «عالم السيرك»، الذي يظهر فيه اعتناء شفيق بتفاصيل السيرك والحلبة، وفنون الاستعراض، والحيوانات، بعينه التواقّة للتفاصيل، وقدرة خطوطه على التعبير عن طاقة الحركة في سرديات بصرية لا تكف عن إدهاش المُتلقي.