«الغريب والنقيب»... دراما سعودية عن حب الأرضhttps://aawsat.com/%D9%8A%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82/4700566-%C2%AB%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D9%8A%D8%A8-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D9%8A%D8%A8%C2%BB-%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A7-%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%86-%D8%AD%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%B6
المسرحية السعودية تؤكد أنّ حب الأرض لا يتطلّب ثراء (مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي)
«حين تبيد الحروب كل شيء، تبقى البذرة الصالحة محرّك الإنسان في الحياة»... على هذه العِبرة، بُنيت قصة العرض المسرحي السعودي «الغريب والنقيب»، ضمن فعاليات المسابقة الرسمية للدورة الثامنة لـ«مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي» بمحافظة جنوب سيناء.
تدور الأحداث حول شخصين، ثري وفقير. الثري، نقيب يعمل في كتيبة عسكرية يخشى الموت بعدما ضحّى بجميع عناصره خلال الحرب، وحان دوره ليحارب بمفرده؛ أما الفقير فهو «بدر» المُلقَّب بـ«الغريب»، الذي ينضمّ إلى الكتيبة عن طريق الخطأ أثناء محاولته إيجاد دواء لعلاج والدته. تتصاعد الأحداث، فيقنع النقيبُ الغريبَ بالدفاع عن الوطن لخوفه من خوض المعركة بمفرده. أثناء الجدال، يسمعان صوت رصاصة، ليتحمّل الغريب مهمّة الدفاع عن الأرض، بينما يهرب النقيب خوفاً من القتل.
جوائز عدة
«الغريب والنقيب»، من تأليف أسامة زايد، وإخراج فهد الدوسري، تعرض بدعم من «هيئة المسرح والفنون الأدائية السعودية»؛ كانت نالت عدداً من الجوائز في مهرجانات مسرحية عربية خلال الأشهر الماضية، بالسعودية وسلطنة عمان وتونس.
في هذا السياق، يُعرب الدوسري عن سعادته للمشاركة في «مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي»، ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «إنه أحد أهم المهرجانات المسرحية العربية في المنطقة خلال السنوات العشر الأخيرة، ويتضمّن مشاركة عدد كبير من الأسماء الفنية والمسرحية المهمة عربياً وعالمياً».
ويرى أنّ مسرحيته تعتمد على الأداء التمثيلي أكثر من الإخراجي: «تحمل رسائل هادفة بطريقة سلسة وكوميدية، لتصل ببساطة إلى المتلقّي. هدفنا هو التأكيد على أنّ حب الوطن والعائلة لا يحتاج إلى ثراء فاحش، بل هو مبدأ يولد مع الإنسان وينشأ معه خلال مسارات حياته. لذا؛ البطل الحقيقي للعرض المسرحي هو الأداء التمثيلي».
تباين وجودي
ووفق المؤلّف أسامة زايد، فإنّ «العرض يكشف التباين بين طبقات المجتمع»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «ركزتُ في النص على التباين الوجودي على المستوى الاجتماعي، وكيف يتعامل النقيب الثري والغريب الفقير مع الحياة؟ يتجلّى هذا التباين حين يخوضان النقاش، فيسعى النقيب إلى إلحاق الغريب بكتيبته العسكرية وإثارة حماسته بجُمل تعبّر عن حب الوطن، لا يُمليها على نفسه؛ فيأتي الردّ من الغريب بسؤاله عن الفقر، وإمكان أن يأكل قطة لعجزه عن شراء الطعام وعلاج والدته المريضة».
من خلال حفلات للموسيقى الشعبية الليبية والأغاني التقليدية، استقطب افتتاح المهرجان أعداداً كبيرة من سكان درنة، لينثر ولو قليلاً من الفرح بعد كارثة الإعصار.
يختصر عوض عوض أكثر ما لفته في جولاته: «إنهم متعلّقون بالحياة ومتحمّسون لعيشها كما يرغبون. أحلامهم لا تزال تنبض، ولم تستطع الحرب كسرها».
فيفيان حداد (بيروت)
«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمودhttps://aawsat.com/%D9%8A%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82/5084909-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A7%D9%8A%D8%A7-%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%A9-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%86%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D9%88%D9%82%D8%AF%D8%B1%D8%AA%D9%87-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%85%D9%88%D8%AF
«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
في النسيج الواسع لتاريخ الفن التشكيلي، تبرز بعض الأعمال الفنية وتكتسب شهرة عالمية، ليس بسبب مفرداتها وصياغاتها الجمالية، ولكن لقدرتها العميقة على استحضار المشاعر الإنسانية، وفي هذا السياق تُعدّ لوحات الفنان السوري ماهر البارودي بمنزلة «شهادة دائمة على معاناة الإنسان وقدرته على الصمود»، وهي كذلك شهادة على «قوة الفن في استكشاف أعماق النفس، وصراعاتها الداخلية».
هذه المعالجة التشكيلية لهموم البشر وضغوط الحياة استشعرها الجمهور المصري في أول معرض خاص لماهر البارودي في مصر؛ حيث تعمّقت 32 لوحة له في الجوانب الأكثر قتامة من النفس البشرية، وعبّرت عن مشاعر الحزن والوحدة والوجع، لكنها في الوقت ذاته أتاحت الفرصة لقيمة التأمل واستكشاف الذات، وذلك عبر مواجهة هذه العواطف المعقدة من خلال الفن.
ومن خلال لوحات معرض «المرايا» بغاليري «مصر» بالزمالك، يمكن للمشاهدين اكتساب فهم أفضل لحالتهم النفسية الخاصة، وتحقيق شعور أكبر بالوعي الذاتي والنمو الشخصي، وهكذا يمكن القول إن أعمال البارودي إنما تعمل بمثابة تذكير قوي بالإمكانات العلاجية للفن، وقدرته على تعزيز الصحة النفسية، والسلام، والهدوء الداخلي للمتلقي.
إذا كان الفن وسيلة للفنان والمتلقي للتعامل مع المشاعر، سواء كانت إيجابية أو سلبية، فإن البارودي اختار أن يعبِّر عن المشاعر الموجعة.
يقول البارودي لـ«الشرق الأوسط»: «يجد المتلقي نفسه داخل اللوحات، كل وفق ثقافته وبيئته وخبراته السابقة، لكنها في النهاية تعكس أحوال الجميع، المعاناة نفسها؛ فالصراعات والأحزان باتت تسود العالم كله». الفن موجود إذن بحسب رؤية البارودي حتى يتمكّن البشر من التواصل مع بعضهم بعضاً. يوضح: «لا توجد تجربة أكثر عالمية من تجربة الألم. إنها تجعلهم يتجاوزون السن واللغة والثقافة والجنس لتعتصرهم المشاعر ذاتها».
لكن ماذا عن السعادة، ألا تؤدي بالبشر إلى الإحساس نفسه؟، يجيب البارودي قائلاً: «لا شك أن السعادة إحساس عظيم، إلا أننا نكون في أقصى حالاتنا الإنسانية عندما نتعامل مع الألم والمعاناة». ويتابع: «أستطيع التأكيد على أن المعاناة هي المعادل الحقيقي الوحيد لحقيقة الإنسان، ومن هنا فإن هدف المعرض أن يفهم المتلقي نفسه، ويفهم الآخرين أيضاً عبر عرض لحظات مشتركة من المعاناة».
وصل الوجع بشخوص لوحاته إلى درجة لم يعد في استطاعتهم أمامه سوى الاستسلام والاستلقاء على الأرض في الشوارع، أو الاستناد إلى الجدران، أو السماح لعلامات ومضاعفات الحزن والأسى أن تتغلغل في كل خلايا أجسادهم، بينما جاءت الخلفية في معظم اللوحات مظلمةً؛ ليجذب الفنان عين المشاهد إلى الوجوه الشاحبة، والأجساد المهملة الضعيفة في المقدمة، بينما يساعد استخدامه الفحم في كثير من الأعمال، وسيطرة الأبيض والأسود عليها، على تعزيز الشعور بالمعاناة، والحداد على العُمر الذي ضاع هباءً.
وربما يبذل زائر معرض البارودي جهداً كبيراً عند تأمل اللوحات؛ محاولاً أن يصل إلى أي لمسات أو دلالات للجمال، ولكنه لن يعثر إلا على القبح «الشكلي» والشخوص الدميمة «ظاهرياً»؛ وكأنه تعمّد أن يأتي بوجوه ذات ملامح ضخمة، صادمة، وأحياناً مشوهة؛ ليعمِّق من التأثير النفسي في المشاهد، ويبرز المخاوف والمشاعر المكبوتة، ولعلها مستقرة داخله هو نفسه قبل أن تكون داخل شخوص أعماله، ولمَ لا وهو الفنان المهاجر إلى فرنسا منذ نحو 40 عاماً، وصاحب تجربة الغربة والخوف على وطنه الأم، سوريا.
وهنا تأخذك أعمال البارودي إلى لوحات فرنسيس بيكون المزعجة، التي تفعل كثيراً داخل المشاهد؛ فنحن أمام لوحة مثل «ثلاث دراسات لشخصيات عند قاعدة صلب المسيح»، نكتشف أن الـ3 شخصيات المشوهة الوحشية بها إنما تدفعنا إلى لمس أوجاعنا وآلامنا الدفينة، وتفسير مخاوفنا وترقُّبنا تجاه ما هو آتٍ في طريقنا، وهو نفسه ما تفعله لوحات الفنان السوري داخلنا.
ولا يعبأ البارودي بهذا القبح في لوحاته، فيوضح: «لا أحتفي بالجمال في أعمالي، ولا أهدف إلى بيع فني. لا أهتم بتقديم امرأة جميلة، ولا مشهد من الطبيعة الخلابة، فقط ما يعنيني التعبير عن أفكاري ومشاعري، وإظهار المعاناة الحقيقية التي يمر بها البشر في العالم كله».
الخروف يكاد يكون مفردة أساسية في أعمال البارودي؛ فتأتي رؤوس الخرفان بخطوط إنسانية تُكسب المشهد التصويري دراما تراجيدية مكثفة، إنه يعتمدها رمزيةً يرى فيها تعبيراً خاصاً عن الضعف.
يقول الفنان السوري: «الخروف هو الحيوان الذي يذهب بسهولة لمكان ذبحه، من دون مقاومة، من دون تخطيط للمواجهة أو التحدي أو حتى الهرب، ولكم يتماهى ذلك مع بعض البشر»، لكن الفنان لا يكتفي بتجسيد الخروف في هذه الحالة فقط، فيفاجئك به ثائراً أحياناً، فمن فرط الألم ومعاناة البشر قد يولد التغيير.