الملك تشارلز والموسيقى... «كي بوب» وأكثر

عزف ورسم وكتابة... هوايات ملكيّة تحوّلت إلى مواهب

علاقة تاريخية تجمع الملك تشارلز بالموسيقى وتعود إلى أيام الدراسة (غيتي)
علاقة تاريخية تجمع الملك تشارلز بالموسيقى وتعود إلى أيام الدراسة (غيتي)
TT

الملك تشارلز والموسيقى... «كي بوب» وأكثر

علاقة تاريخية تجمع الملك تشارلز بالموسيقى وتعود إلى أيام الدراسة (غيتي)
علاقة تاريخية تجمع الملك تشارلز بالموسيقى وتعود إلى أيام الدراسة (غيتي)

​ربما لم تتوقّع مغنّيات فريق «بلاك بينك» الكوري الجنوبي الدخول يوماً إلى باكنغهام مكرّماتٍ من قِبَل الملك تشارلز، ولا الخروج من القصر مع وسام الإمبراطورية البريطانية من رتبة ضابط. وما لم يتصوّرنه حتماً هو إلمام سيّد القصر بثقافة البوب الكوريّة المعروفة بالـK-pop (كي بوب) التي تجتاح العالم شرقاً وغرباً منذ سنوات.

الملك تشارلز يتحدّث إلى مغنّيات فريق «بلاك بينك» بعد تكريمهنّ في قصر باكنغهام (رويترز)

الـK-pop على مائدة الملك تشارلز

خلال العشاء الذي سبق التكريم، والذي أقامه ملك بريطانيا على شرف رئيس كوريا الجنوبية، بدا مطّلعاً على تلك الظاهرة الناشئة. تحدّث في خطابه عن أغنية «Dynamite» لفريق «BTS» الشهير، قائلاً إنّ شهرتها وازت شهرة «Let it Be» لفريق الـ«بيتلز». ثم قارن جماهيريّة مسلسل «Squid Game» (لعبة الحبّار) بسلسلة «جيمس بوند». ولم ينسَ الملك تشارلز أن يستذكر عاصفة أغنية «Gangnam Style» التي أطلقت شرارة الـK-pop عام 2012.

نُظّم هذا الحدث الملَكي قبل أيام بهدف تكريم نجمات «بلاك بينك» الأربع: جيني، وجيسو، وليزا، وروز، لجهودهنّ في التوعية بأخطار التغيّر المناخي. ومن المعروف عن الملك تشارلز الثالث، اهتماماته البيئيّة المتواصلة منذ سنوات شبابه؛ لكن في حياته أولويّات أخرى توازي البيئة أهمية، وعلى رأسها الموسيقى.

فريق «بلاك بينك» في قصر باكنغهام قبيل العشاء التكريمي (رويترز)

بين عصا «المايسترو» وأوتار التشيللو

رغم الاطّلاع الذي أبداه على الـK-pop، فإن تشارلز ليس من هواته، فأذواقه الموسيقية مختلفة وتميل إلى كل ما هو كلاسيكي. لعلّه أمر بديهيّ، فقد درس العزف على البيانو والتشيللو والبوق في صغره، كما نما لديه عشق للموسيقى الكلاسيكية منذ سنواته الأولى. رافقه هذا الشغف خلال سنواته الدراسيّة، فغالباً ما شارك عازفاً على التشيللو، ومرنّماً في الكورس ضمن الفِرَق الموسيقية الخاصة بالمدرسة.

درس الملك تشارلز العزف على التشيللو ومارسه خلال الطفولة والمراهقة (غيتي)

لكن مع دخوله الكلية الحربية وانغماسه في الخدمة العسكرية، كان على الأمير حينذاك أن يلجم أهواءه الفنية، ويخفّض صوت الموسيقى في رأسه. لم يلمس الآلات بعد ذلك إلا في حالات نادرة، غير أنّ النغم بقي جزءاً أساسياً من حياته، فهو القائل في إحدى مقابلاته إنه لا يستطيع العيش من دون موسيقى كلاسيكية. وتشهد محطات كثيرة على ذلك، من بينها زيارته إلى أستراليا عام 1988؛ حيث حاول العزف على التشيللو بعد سنوات من الانقطاع.

بالتزامن مع انخراطه في أنشطة موسيقية عدّة، كرعايته الأوركسترا الفيلهارمونية الملكيّة، ومجموعة كبيرة من مدارس الموسيقى وفِرَق الباليه في بريطانيا، لم يوقف الملك تشارلز محاولاته الخاصة. ففي زيارة إلى الكلّية الملكيّة للموسيقى في لندن سنة 2004، التقط عصا المايسترو، وقاد أوركسترا الكلّية لبعض الوقت.

الملك تشارلز قائداً لأوركسترا الكلّية الملكيّة للموسيقى عام 2004 (صورة متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي)

تكرّرت التجربة بعد 3 سنوات، إنما تلك المرة كانت على شرف زوجته كاميلا باركر بولز. ففي مفاجأة خاصة بعيد ميلادها الستّين، قاد تشارلز الأوركسترا الفيلهارمونيّة الملكيّة، ضمن أداء لمعزوفة «Siegfried Idyll» لريتشارد فاغنر. وقد وصف تلك القصيدة السيمفونية بأنها «من الألحان الأكثر رومانسية عبر التاريخ».

أثر كاميلا

من بين المؤلّفين الكلاسيكيين، يضع الملك تشارلز: هيوبرت باري، وفاغنر، وباخ، وجوليوس بينيديكت، ضمن لائحته المفضّلة. أما مقطوعة «Scylla et Glaucus» للمؤلف الفرنسي جان ماري لوكلير، والتي تتحدّث عن حب مستحيل بين حوريّة وأحد آلهة البحر، فيقول إنه كلّما سمعها شعر بحال أفضل، مهما كان محبطاً.

الملك تشارلز وزوجته كاميلا خلال زيارة لأستراليا عام 2015 (رويترز)

كان لا بدّ من أن تتأثّر أذواق تشارلز الموسيقية، بالمرأة المحوريّة التي سكنت حياته، وبقصة حبّهما التي تأرجحت بين مستحيلٍ ومحتوم.

عام 2021، وضمن لقاء إذاعي أجراه دعماً لموظّفي القطاع الصحي في ظلّ جائحة «كورونا»، أفصح الملك تشارلز عن أغانيه المفضّلة. من بينها ما يحمل معاني عالية الرومانسيّة، مثل «La vie en rose» لإديث بياف، و«You’re a Lady» لبيتر سكيلرن، و«Upside Down» لديانا روس. لكن تبقى أغنية «They Can’t Take That Away From Me» لفريد إستير وجينجر رودجرز، الأكثر تعبيراً عن قصة تشارلز وكاميلا، ومعناها باختصار «لا يمكنهم أخذ ذلك منّي».

ومن ضمن قائمة الملك تشارلز الموسيقيّة المفضّلة، أغانٍ أقوى إيقاعاً، مثل «Givin’ Up Givin’ In» التي يصفها بأنها إحدى أغانيه المفضّلة التي تمنحه «طاقة لا تقاوَم للرقص». في القائمة كذلك أغنية «Lulu’s Back in Town»، ويعلّق عليها قائلاً: «هذه الأغنية تُشعرني بالفرح لأنها تذكّرني بجدّتي».

موسيقى التتويج

انطلاقاً من حسّه الموسيقي المرهَف وأذواقه الخاصة، وضع الملك تشارلز شخصياً البرنامج الموسيقي لحفل تتويجه في مايو (أيار) 2023؛ من كورس موسيقى الـ«غوسبل»، مروراً بالترانيم الأرثوذكسيّة اليونانيّة، في تحيّة لجذور والده الأمير فيليب، وليس انتهاءً بانتقائه مغنّي الأوبرا برين تريفيل، والمؤلف الموسيقي نايجل هيس.

في المقابل، زخرت القائمة الموسيقية الاحتفاليّة الخاصة بالتتويج بالأغاني العصريّة الراقصة. 27 أغنية اختارها قسم الإعلام الرقمي والثقافي في المملكة المتحدة، نيابة عن الملك. وقد تراوحت أغاني القائمة بين «Come Together» لفريق الـ«بيتلز»، و«Celestial» لإد شيران، مروراً بـ«Say You’ll be There» لفريق «سبايس غيرلز»، وغيرها كثير من الأغاني الشبابيّة.

الملك تشارلز في رقصة هندية تقليدية في إحدى قرى راجستان عام 2010 (رويترز)

الملك الروائي والرسّام

تحتلّ الموسيقى صدارة هوايات الملك تشارلز؛ لكن تنضمّ إليها اهتمامات أخرى، كالرسم، والكتابة، ومشاهدة الأفلام والمسلسلات. لا يمضي وقتاً طويلاً أمام الشاشة على غرار والدته الملكة إليزابيث، غير أنّ مُشاهداته المفضّلة هي «Poldark»، و«The Night Manager»، وسلسلة أفلام «Pink Panther»، والرسوم المتحرّكة الكوميديّة «Wallace and Gromite».

مواهب الملك تشارلز متعدّدة ومن بينها الرسم (رويترز)

يأخذ الرسم حيّزاً كبيراً من وقت الملك تشارلز، وقد نظّم معرضَين للوحاته الخاصة عامَي 2018 و2022. غالباً ما تتمحور لوحاته حول الطبيعة، أما الأماكن التي تُلهمُه للرسم، فهي أسكوتلندا، وجنوب فرنسا وتنزانيا.

وفيما تبقّى من الوقت المخصص لمواهبه وهواياته، يؤلّف تشارلز الكتب. أما مواضيعها فتتنوّع ما بين البيئة، والزراعة، والهندسة. كما أنه نشر رواية خياليّة خاصة بالأطفال عام 1980، وهي تحكي قصة رجل يعيش في كهف قرب قلعة بالمورال الملكيّة في أسكوتلندا.​


مقالات ذات صلة

قصر باكنغهام يخضع لعملية تجديد بتكلفة 369 مليون جنيه إسترليني

يوميات الشرق سيغلق قصر باكنغهام أبوابه أمام الزيارات الرسمية (موقع باكنغهام)

قصر باكنغهام يخضع لعملية تجديد بتكلفة 369 مليون جنيه إسترليني

سيغلق قصر باكنغهام أبوابه أمام الزيارات الرسمية لمدة ثلاث سنوات، يخضع خلالها القصر التاريخي لعملية تجديد ضخمة بتكلفة 369 مليون جنيه إسترليني.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الأمير ويليام خلال تسجيل أول فيديو عبر منصة «تيك توك» (اندبندنت)

حاور طالبة تأخرت عن محاضرتها... الأمير ويليام يقتحم عالم «تيك توك» (فيديو)

ظهر الأمير ويليام لأول مرة على تطبيق «تيك توك» خلال زيارة إلى مركز حرم مدينة بلفاست.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الملك البريطاني تشارلز يلوّح بقبعته (أ.ف.ب)

بعيده الـ76... الملك تشارلز يحتفل عبر افتتاح مركزين لتوزيع الطعام

يحتفل الملك تشارلز ملك بريطانيا، اليوم (الخميس)، بعيد ميلاده السادس والسبعين بافتتاح مركزين لتوزيع الإمدادات الغذائية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق تقف كيت أميرة ويلز البريطانية على شرفة أثناء الخدمة الوطنية لإحياء الذكرى في النصب التذكاري بلندن (أ.ب)

الأميرة كيت تستضيف أول فعالية ضخمة بعد التشخيص بالسرطان

تعود كيت أميرة ويلز البريطانية بأبرز ظهور لها في الفعاليات الملكية، الشهر المقبل، في حين تتحسن حالة ملكة بريطانيا بعد عدوى في الصدر.

«الشرق الأوسط» (لندن )

يوناني في الثمانينات من عمره يبدأ الدراسة بعد حياة كادحة

اليوناني فاسيليس بانايوتاروبولوس متعطشاً للمعرفة (موقع بانايوتاروبولوس)
اليوناني فاسيليس بانايوتاروبولوس متعطشاً للمعرفة (موقع بانايوتاروبولوس)
TT

يوناني في الثمانينات من عمره يبدأ الدراسة بعد حياة كادحة

اليوناني فاسيليس بانايوتاروبولوس متعطشاً للمعرفة (موقع بانايوتاروبولوس)
اليوناني فاسيليس بانايوتاروبولوس متعطشاً للمعرفة (موقع بانايوتاروبولوس)

كثيراً ما كان اليوناني فاسيليس بانايوتاروبولوس متعطشاً للمعرفة، لكنه اضطُر لترك التعليم عندما كان في الثانية عشرة من عمره لمساعدة والده في العمل بالحقل.

ويقول بانايوتاروبولوس: «كل شيء أتعلمه مثير للاهتمام، ووجودي هنا أمر ينير العقل».

وفي تمام الساعة 7:45 مساءً، رن الجرس في فصل آخر، وها هو عالَم اليونان الكلاسيكي يستدعي الرجل المتقاعد الذي وضع حقيبته المدرسية وكتبه على مكتب خشبي صغير.

وببدلته الداكنة وحذائه اللامع، لا يبدو بانايوتاروبولوس أنيقاً فحسب في الغرفة التي تزين جدرانها رسومات الجرافيتي، بل هو أيضاً أكبر طالب يحضر في المدرسة الليلية الثانية في وسط أثينا.

فعلى الأقل نصف زملائه في الصف هم في عمر أحفاده، وقد مر ما يقرب من 70 عاماً منذ آخر مرة ذهب فيها الرجل الثمانيني إلى المدرسة.

ويقول التلميذ الكبير وهو يسترجع ذكريات طفولته في إحدى قرى بيلوبونيز: «تركت المدرسة في سن الثانية عشرة لمساعدة والدي في الحقل، لكن كان لدي دائماً في عقلي وروحي رغبة في العودة، وتلك الرغبة لم تتلاشَ قط».

وعندما بلغ الثمانين، أخبر التلميذ الحالي وصاحب المطعم السابق زوجته ماريا، وهي خياطة متقاعدة، بأنه أخيراً سيحقق رغبته، فبعد ما يقرب من 5 عقود من العمل طاهياً وفي إدارة مطعم وعمل شاق وحياة شاقة في العاصمة اليونانية، دخل من بوابات المدرسة الليلية الثانية في العام الماضي.

واليوم هو مُسجَّل في صف من المفترض أن يحضره المراهقون في سن الخامسة عشرة من عمرهم، وهي الفكرة التي جعله يبتسم قبل أن يضحك بشدة ويقول: «آه، لو عاد بي الزمن للخامسة عشرة مرة أخرى، كثيراً ما كان لديَّ هذا الحلم بأن أنهل من نبع المعرفة، لكنني لم أتخيل أن يأتي اليوم الذي أعيش الحلم بالفعل».