أغاني علي الحجار مصدر إلهام تشكيلي للمرة الأولى

معرض مصري يضم 46 لوحة تتناول أبرز أعماله

الفنان علي الحجار مع الفنانة منى شعير (الشرق الأوسط)
الفنان علي الحجار مع الفنانة منى شعير (الشرق الأوسط)
TT

أغاني علي الحجار مصدر إلهام تشكيلي للمرة الأولى

الفنان علي الحجار مع الفنانة منى شعير (الشرق الأوسط)
الفنان علي الحجار مع الفنانة منى شعير (الشرق الأوسط)

تتعدد مصادر الإلهام لدى الفنان التشكيلي، فقد يستوحي فكرة لوحاته من الطبيعة أو المدن القديمة ذات الطرز المعمارية العتيقة أو حتى ما يراه في أحلامه أو يطالعه من تصورات البشر عن المستقبل بحلوه ومره، لكنها من المرات النادرة للغاية أن يكون مصدر الإلهام حنجرة فنان يملك مشروعاً غنائياً متراكماً عبر ما يزيد عن أربعين عاماً.

حدث هذا في معرض «من وحي الحجار»، الذي يقام حالياً بقاعة «زياد بكير الموسيقية» بدار الأوبرا المصرية، والمستمر حتى الخامس والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، الذي تستلهم فيه الفنانة التشكيلية منى شعير أغاني المطرب علي الحجار المولود في 4 أبريل (نيسان) 1956.

البحر والقوارب عنوانا للرحيل (الشرق الأوسط)

وقالت الفنانة منى شعير لـ«الشرق الأوسط» إن «هذا المعرض يمثل أحد طموحاتها الفنية الكبرى فضلاً عما يتضمنه من تحديات غير مسبوقة بالنسبة لها، حيث إنها من عشاق الحجار وتربت وجدانياً على أغنياته وكان التحدي الخاص الذي واجهها هو كيفية تحويل كتلة المشاعر والانفعالات والأحاسيس التي تتضمنها كلمات وألحان أغنياته التي يؤديها بحنجرة ذهبية وصدق، قلما نجد له نظيراً إلى أعمال فنية تعكس كل هذه المعاني أو على الأقل تسعى إلى ذلك».

المرأة ثيمة أساسية في المعرض (الشرق الأوسط)

وأضافت: «الفنون تتكامل ولها روح واحدة ونبع واحد وقد اعتدت في أعمالي أن أقرأ نصوصاً مكتوبة ثم أرسم ما استقر في روحي بعد القراءة، وهو ما حدث في هذه اللوحات التي تعد هي الأخرى بمنزلة نغمات بصرية تعكس انفعالي بالطرب الأصيل».

لوحة المسجد الأقصى مستوحاة من أغنية «فلسطيني» (الشرق الأوسط)

وتابعت منى شعير: «المعرض يضم 46 لوحة تم تنفيذها بخامات مختلفة منها ألوان الأكريلك وأحبار الأكوالين وقد استغرق تنفيذها ما يربو على الأربع سنوات منذ أن اختمرت الفكرة في ذهني».

لكن أليس هناك أغنيات بعينها حرصت الفنانة على أن تعطيها الأولوية أثناء عمل المعرض؟ طرحنا السؤال عليها فأجابت: «لم يحدث هذا بالضرورة، فقد كان هناك جزء كبير عفوي وتلقائي وغير مخطط في الموضوع برمته، حيث لم يكن في نيتي عمل معرض، بقدر ما كنت أستمع إلى أغنية ما وأنفعل بها، ثم أبدأ الرسم حتى بدأت اللوحات تتزايد واكتملت فكرة المشروع في ذهني فبعثت للفنان علي الحجار برسالة أستأذنه فيها لبدء العمل بشكل منظم، ورحب كثيراً».

استلهام مفردات الطبيعة (الشرق الأوسط)

واللافت أن هناك أغنيات شهيرة تم التعبير عنها تشكيلياً بشكل مباشر في المعرض مثل أغنية تتر مسلسل «ذئاب الجبل» الشهيرة، التي يقولها مطلعها «قالوا علينا ديابة، واحنا يا ناس غلابة»، فهنا يظهر الذئب وسط تكوينات لونية ككائن جميل غير مخيف، وكذلك أغنية «فلسطيني»، التي يقول مطلعها «رفاقي الوحدة والمنفى وشوق الريح... مهاجر من وطن ضايع لقلب جريح»، وقد تجسدت بصرياً من خلال لوحة للمسجد الأقصى. أما أغلبية اللوحات الأخرى فتستلهم بشكل غير مباشر المعاني والأفكار التي تطرحها الكلمات والألحان.

امتزاج المرأة بالطبيعة (الشرق الأوسط)

وليس غريباً أن يكون الحضور الأنثوي قاسماً مشتركاً بين الكثير من اللوحات، باعتبار أن الحب والعلاقة العاطفية تشكل الموضوع الأكثر حضوراً في مسيرة الحجار، التي تضم العشرات من الأغاني المميزة، سواء تلك التي جاءت في ألبومات غنائية أو كانت «البصمة الصوتية» للعديد من المسلسلات عبر تترات المقدمة والنهاية.


مقالات ذات صلة

أعمال «الأسود والضوء» تحضّ على التأمل

يوميات الشرق عمل للدكتور أشرف سعد جلال (الشرق الأوسط)

أعمال «الأسود والضوء» تحضّ على التأمل

خيط رفيع ربط بين أعمال 50 فناناً فوتوغرافياً يتمثّل في رصد «الأسود والضوء»، وهو العنوان الذي اختاره «نادي عدسة» ليقيم تحته معرضاً بالإسكندرية.

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق يقدم «يبدو لذيذاً!» معرض نظرة شاملة لتقليد «السامبورو» منطلقاً من البداية (ماسودا يوشيرو - بيت اليابان)

«السامبورو»... استكشف ثقافة الطعام المزيف في اليابان

من زار اليابان سيتعرف فوراً على «السامبورو»، وهي نسخ من الأكلات والأطعمة اليابانية مصنوعة من البلاستيك بدقة لاستنساخ شكل الطعام الحقيقي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق جانب من معرض «ملمس المياه» لريم الجندي (الشرق الأوسط)

​«ملمس المياه» لريم الجندي فسحة صيف تطوف على وهم

يسرح المتفرّج في تفاصيل الأعمال فيُخيَّل إليه بأنّ الوهم الذي بحثت عنه الفنانة أصابه أيضاً فيتزوّد بجرعات من الطاقة الإيجابية وبمشاعر النضارة والحيوية.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق مشاهد من رحلة عبد الله فيلبي إلى عسير عام 1936 (وزارة الثقافة)

التاريخ الثقافي والحضاري لمنطقة عسير حيّ في معرض للمخطوطات

انطلق «معرض مخطوطات عسير» لاستكشاف قصص الأجداد وتاريخ المنطقة بين طيّات المخطوطات ومن خلال الأجنحة المتنوعة والندوات والجلسات الحوارية المتخصصة.

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق إحدى اللوحات ضمن المعرض (مكتبة الإسكندرية)

الفطرة الإنسانية بأعمال 14 فناناً في معرض بالإسكندرية

في محاولة لاكتشاف أبعاد الفطرة الإنسانية، والبحث عن جذور البراءة والتلقائية، شارك 14 فناناً في معرض بعنوان «أول مرة #30».

حمدي عابدين (القاهرة )

من النكبة إلى غزة... سليمان منصور يؤرّخ لفلسطين بألوان الأرض والدم

الرسّام والفنان التشكيلي الفلسطيني سليمان منصور ولوحة بعنوان «القدس» (إنستغرام الفنان)
الرسّام والفنان التشكيلي الفلسطيني سليمان منصور ولوحة بعنوان «القدس» (إنستغرام الفنان)
TT

من النكبة إلى غزة... سليمان منصور يؤرّخ لفلسطين بألوان الأرض والدم

الرسّام والفنان التشكيلي الفلسطيني سليمان منصور ولوحة بعنوان «القدس» (إنستغرام الفنان)
الرسّام والفنان التشكيلي الفلسطيني سليمان منصور ولوحة بعنوان «القدس» (إنستغرام الفنان)

سليمان منصور أكبر من النكبة بعام. طفلاً، مرّغ يدَيه بتراب رام الله المخضّب دماءً وعرَقاً وزيتوناً. وهو ما كاد يبلغ العاشرة، حتى بدأ يسكب ألوان البلاد على الورق. ظنّه الأهل ولداً يلهو بالرسم كأترابه، إلى أن فاز في مسابقة نظّمتها الأمم المتحدة وهو بعدُ في الـ13 من عمره. كانت الجائزة حينها 200 دولار؛ لكن الفرحة فاقت المبلغ بأشواط.

كبُر الطفل وكبُر المشروع معه. حملت ريشة سليمان منصور على عاتقها توثيق تاريخ فلسطين بمُرّه الكثير وحُلوِه القليل. لكن رغم المآسي، لطالما أفردَ الرسّام والفنان التشكيلي لوحاته للجمال: «لأنّي أردتُ رسمَ فلسطين بأسلوب رومانسي، ومن دون شوائب»، وفق ما يخبر «الشرق الأوسط».

منصور مشاركاً في ورشة عمل للرسم في القدس مخصصة للأطفال الذين يعانون من السرطان (إنستغرام الفنان)

«جمل المحامل»... من الأقصى إلى غزة

يوم رسم «جمل المحامل» عام 1973، دخل منصور كل بيتٍ فلسطيني حول العالم. كرّسته تلك اللوحة التي تمثّل مُسناً يحمل القدس والمسجد الأقصى على ظهره، أحد أبرز سفراء الفن الفلسطيني.

منذ سنة بلغت لوحة «جمل المحامل» نصف قرن، ولم تنتهِ رحلة الشقاء. عن آخر فصولها يتحدّث منصور: «كل فلسطيني يعرف أن الحركة الصهيونية ستسعى إلى طرده من أرضه عندما تحين الفرصة؛ لكني لم أتصوّر أن تكون عملية الطرد بهذه الوحشيّة. ظننتُ أنّ عصر النكبة قد ولّى، وأنّ وسائل التواصل ستحمينا ولو قليلاً؛ لكني كنت على خطأ».

لوحة «جمل المحامل» بريشة الفنان الفلسطيني سليمان منصور (إنستغرام الفنان)

سحبت فاجعة غزة اللون من اللوحات، كما سحبت الحرب الروح من القطاع. «هنا في الضفّة، اختفت الألوان بقرارٍ ذاتي تضامناً مع غزة ومع فنّانيها الذين فقدوا مراسمهم وأدواتهم وألوانهم»، كما يقول منصور، ويضيف: «لم يبقَ سوى الفحم والحبر وأقلام الرصاص لتوثيق اليوميات المسيّجة بالدمار والشظايا والأشلاء».

«أمهات غزة» من أحدث لوحات سليمان منصور (مجموعة الفنان)

تحلّ مأساة غزة ضيفة دائمة على مرسم الفنان الفلسطيني وعلى أفكاره. غالباً ما يستقي من أرشيفه لينشر بعضاً من لوحاته القديمة، عبر صفحته على «إنستغرام»، وهي تأتي لتؤكّد أن تاريخ الظلم والإجرام الإسرائيلي يعيد نفسه في فلسطين.

لوحة لسليمان منصور تعود إلى الثمانينات تجسّد القذائف المنهمرة على أطفال فلسطين بدل الطعام (إنستغرام الفنان)

اللوحة الحلم

لا مفرّ من أن تترك حرب غزة بصماتها على الفن التشكيلي الفلسطيني. غير أنّ ذلك سيحصل تدريجياً وفق منصور، أي «بعد أن يستقرّ الحدث في وجدان الفنان، وربما بعد سنوات؛ خصوصاً أن غالبيّة الفنانين المعنيين بما يجري يراقبون عن بُعد، لا من قلب الفاجعة».

هو الذي رسم بلاده في كل حالاتها، من مواسم ليمونها وزيتونها، إلى حصارها وانتفاضتها، وليس انتهاءً بجُرح غزة المفتوح، يقرّ بأنه لم يُنجز بعد اللوحة الحلم: «أنا أحلم برسم فلسطين محرّرة وجميلة من دون عمليات تجميل».

لوحة بعنوان «صباح هادئ» رسمها سليمان منصور عام 2009 (إنستغرام الفنان)

لوحاتٌ من قهوة وسمّاق وحنّاء

لوحة سليمان منصور هي ابنة أرضها. تستعين بعناصرها الطبيعية وبرموزها كموادّ أولية ومصادر وحي، فتأتي النتيجة محاكاة للإرث الفلسطيني تاريخاً وجغرافيا.

مع بداية الانتفاضة الأولى عام 1987، وبوصفه موقفاً سياسياً يعبِّر عن الاكتفاء الذاتي، تزامناً مع مقاطعة البضائع الإسرائيلية، راح منصور يبحث عن مواد من الطبيعة لاستعمالها في الفن. يخبر كيف أنه صار يخلط الطين بمكوّنات يأتي بها من المطبخ، مثل السمّاق، والكمّون، والقهوة، والحنّاء. «كانت أعمالي في تلك الفترة تجريديّة، ولاحقاً ركّزت على الطين ودلالاته الإنسانية والسياسية ليعود فنّي إلى الواقعيّة».

تعدّدت الموادّ والتقنيات، وبقي الثابت في لوحة سليمان منصور الرموز الفلسطينية، كالزي التقليدي المطرّز، والكوفيّة، وطيور الحمام، وشجر الزيتون، وسنابل القمح، وقبّة الأقصى، والعائلة المقدّسة.

لوحة بعنوان «عائلة فلسطينية» تجسّد يسوع المسيح والقدّيسَين مريم ويوسف (إنستغرام الفنان)

«العائلة المقدّسة الفلسطينية»

في وجه محاولات شيطنة الفلسطيني وتشويه صورته من قِبَل آلة الإعلام الإسرائيلية، غالباً ما تقف الريشة سلاحاً. يشرح سليمان منصور كيف أنّ «تجسيد العائلة المقدّسة كعائلة فلسطينية، هو جزء من جهد إعادة الإنسانية إلى الفلسطينيين، وهو تذكير بأن المسيح كان فلسطينياً بثقافتَيه المادية والمعنويّة، بغضّ النظر عن هويّة إيمانه».

في طليعة أهداف الرسّام: «تقديم الإنسان الفلسطيني بأجمل صورة؛ خصوصاً من خلال المرأة التي هي رمز الوطن». عن تلك المرأة التي غالباً ما تعود في لوحاته، يقول إنها يجب أن تكون «جميلة وذات عنق ممشوق، رمزاً لشموخها. كما يجب أن تكون يداها قويّتَين رمزاً لارتباطها بالأرض والعمل، ثم يأتي الثوب التقليدي ليكمّل هويّتها الفلسطينية».

لوحة بعنوان «المهاجرة» تجسّد المرأة الفلسطينية المتمسّكة بجذورها حتى في غربتها (إنستغرام الفنان)

حكايات الصمود

من النكبة، مروراً بالانتفاضتَين الأولى والثانية، وليس انتهاءً بالعدوان على غزة، أرّخ سليمان منصور لحكايات الصمود كلّها على طريقته. لم يبخل عليه القدَر الفلسطيني بالقصص، فلم يشعر بالحاجة يوماً إلى سرد رواية أخرى من خلال لوحاته. عجنته البلاد، وهو لم يجد خبزاً يومياً يُشبعُه سواها.

عن تكريس رحلته الفنية بكاملها لفلسطين، يشرح منصور أنه عاش جزءاً كبيراً من التاريخ الفلسطيني المعاصر بشكلٍ شخصي، وقد أثّر فيه كثيراً؛ خصوصاً أنه اختبر العيش تحت وطأة الاحتلال. كلّما نظر حوله، كان يجد حكاية جديدة في انتظار ريشته. حتى عندما رسمَ مائدة خبز الطابون والطماطم والزيتون عام 1980، رأى فيها المتلقّي انعكاساً للواقع الاقتصادي والسياسي، ولقدرة الفلسطيني على الاكتفاء بخيرات أرضه.

«إفطار فلسطيني» لوحة لسليمان منصور رسمها بالأتربة الملوّنة والبيض (إنستغرام الفنان)

«طفل البطّيخة»

قبل 36 عاماً، خرج طفلٌ بملامح شخصٍ بالغ من رحمِ بطّيخة. رمزت تلك اللوحة إلى أطفال فلسطين الذين ينضجون قبل الأوان. لطالما كان فنّ منصور رؤيوياً، ولطالما وظّف الرموز في مواقعها المناسبة.

عاد البطّيخ ليُلهم الملايين حول العالم بالتزامن مع حرب غزة. يقول منصور إن «الفنان بحاجة دائمة إلى رموز وعناصر جمالية مشحونة بالمعاني والعواطف، من أجل إثراء لوحته». يردّ الجميل في ذلك إلى «الأجداد الذين زرعوا الأرض ورفعوا الأسوار، وإلى الجدّات اللواتي طرّزن الملابس وصنعن أطباق القشّ وأواني الفخّار».

لوحة لسليمان منصور تجسّد طفلاً بملامح رجل يخرج من البطّيخة (إنستغرام الفنان)

للأجداد الذين زرعوا أرض فلسطين، وللأحفاد الذين حصدوا الثمار، الحلوة منها والمُرّة، ما زال سليمان منصور يرسم منذ نصف قرن وأكثر. أما لونه المفضّل فلا اسم له في مدارس الرسّامين، هو «لون التراب المحمر بالدمّ... إنه لون فلسطين».