سهى المحمدي تواكب غزّة بالفرشاة واللون

فلسطين حاضرة في أعمال الرسامة العراقية من قبل «الطوفان»

تحت الأنقاض (الشرق الأوسط)
تحت الأنقاض (الشرق الأوسط)
TT

سهى المحمدي تواكب غزّة بالفرشاة واللون

تحت الأنقاض (الشرق الأوسط)
تحت الأنقاض (الشرق الأوسط)

وسط مشاعر العجز والترقب، يحاول المبدعون العرب مواكبة المأساة الدائرة في غزة، واستخدام السلاح المتاح لهم، أي القلم والصوت والفرشاة والكاميرا وغيرها من وسائل التعبير الفني. وقد يكون هذا أضعف الإيمان، لكن كل منهم يقدم ما في وسعه تقديمه. ومن هؤلاء التشكيلية العراقية سهى المحمدي، الرسامة التي اعتاد أصدقاؤها في مواقع التواصل أن يتابعوا ما تنشره من أعمال تعكس تفاعلها مع الحرب، وما تفرزه من صور تروع الضمير.

التشكيلية العراقية سهى المحمدي (الشرق الأوسط)

لم تكن الحرب مدرجة على جدول سهى المحمدي وهي تفتح عينيها على النور في بغداد. كانت تقرأ عن النزاعات والمآسي في بعض كتب التاريخ التي تجدها في المكتبة العامة القريبة من البيت. وهي تذكر أن مدينتها كانت خضراء وبراقة كعيني عروس، يقسمها نهر تسطع على ضفتيه ساطع الأنوار. تفيض، كل صباح، بناسها الكرماء وأطفالها المدللين، يذهبون إلى مدارسهم وأعمالهم ويشتغلون بنزاهة. وفي المساء تفيض بالفنون والألحان والراقصين والعشاق المتنزهين على دجلة.

«الغزاوية وطفلها» (الشرق الأوسط)

ولدت سهى المحمدي في بيت تغطي جدرانه المكتبات واللوحات وتتوزع فيه الأعمال النحتية، حسبما تقول، وتتابع: «كانت هناك قداسة للكتب والفن. وبحكم عمل والدتي في الصحافة فإنني كنت أرافقها منذ صغري في جولاتها بين المعارض والمسرحيات الجادة. وهي قد حرصت على تكثيف معرفتي بالشعر والموسيقى والأدب بشكل أشعرني بحاجتي للتعبير بوسيلة تتجاوز الكلام فبدأت بالرسم. نعم، عشت عمراً رائعاً يحسدني عليه من كان في العالم البعيد الحزين».

صورة مثالية

«قد تبدو الصورة مثالية بمنظور اليوم»، فالمدينة، حسب ما انطبع في ذاكرة سهى، كانت تحنو على أهلها، وعلى نسائها الجميلات السعيدات. ولم تكن الحروب قد اشتعلت. فلما نما وعيها بدأت تتحسس الألم الإنساني وترفض الظلم. لقد كان التغيير كبيراً. وهي قد مرت بمآسٍ وأحداث لم يكن أحد بين أقرانها ليتعرف عليها.

من لوحات سهى المحمدي (الشرق الأوسط)

انعكاس الظروف في لوحاتها

وعن انعكاس الظروف في لوحاتها تقول: «إن التغيرات في حياتي جعلت حاجتي للرسم أكثر، رغم تعدد التنقل بين بلدان عربية وأفريقية وأوربية. كان الرسم رفيقي الدائم والشاهد على حياتي في أجواء لوحدة والخذلان».

درست سهى المحمدي في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد وتخصصت في التصميم الطباعي. أقامت 4 معارض شخصية وشاركت في الكثير من المعارض الجماعية وصمّمت العديد من أغلفة الكتب ونالت جوائز تقديرية.

منذ خروجها من بغداد قبل 25 عاماً «لم أستقر في بلد ولا أعرف كيف سينتهي بي المطاف».

دراستها للتصميم جعلتها فنانة محبة للوضوح. تعشق الألوان وتقيم علاقة مع كل لون. وهذا ما دفعها إلى استخدام «الأكريلك» لأنها ألوان حدية وصريحة، حسب قولها. ومع تعدد التجارب كانت تدخل مواد أخرى وتنهي العمل، أحياناً، بالألوان الزيتية، حسب ما تستدعيه «شخصية اللوحة».

والقلب ما زال ينبض (الشرق الأوسط)

انتشار الرسم التجاري

ترى سهى المحمدي أنه انتشر بشكل واسع خلال سنوات الحصار الاقتصادي، كان حاجة خلقها الوضع الاستثنائي، خصوصاً بعد مجيء مراقبين وبعثات تفتيش وصحافيين أجانب وغيرهم، واهتمامهم باقتناء تذكارات ولوحات ذات أجواء محلية، وظهور سوق عالمية عن طريق الأردن. إنها مرحلة معينة لا يمكنها أن تمسح تجارب جيل ناهض من الفنانين في تلك الفترة من التسعينات.

تؤكد سهى المحمدي أن تلك الفترة شهدت ظهور تجارب من الحداثة والتجريب تستحق أن تكون في مصاف العالمية. أما موجة الرسم التجاري فهي مستمرة ما دامت سلعة مطلوبة من زبائن لهم معرفة محدودة بالفنون التشكيلية وتاريخ الفن وعلم الجمال. إن هؤلاء يسمون اللوحة «صورة». وعموماً فإن الفن التشكيلي العراقي، حتى في أصعب الظروف التي مرت على البلد، كان يتصدر المشهد التشكيلي العربي.

«انفجار» (الشرق الأوسط)

هجرة المبدعين من العراق

تذكّر سهى المحمدي بهجرة كثيرين من مبدعي العراق بلدهم، تقول: «يجب ألا ننسى أن الإبداع التشكيلي عملية فردية، يمكن لصاحبها أن ينجزها حيثما كان. لقد عايش كثير من فنانينا أحداث الوطن وخاضوا تجارب الحرب والتغريب والخسارات والتقلبات النفسية الصعبة. ولهذا السبب بالذات فإن لديهم تجارب مشحونة بطاقة قد لا تتوفر لفنان في بقاع أخرى من العالم. فهناك من يسعى لتوثيق الأحداث، كما فعل الفلسطيني إسماعيل شموط، ومثله العراقي ماهود أحمد، وهؤلاء بالنسبة لي هم حراس الهوية. لكن هناك أيضاً من تدفعه للرسم هواجس تفرضها عليه تجارب شخصية غير عادية».

قبل دراستها في أكاديمية الفنون تأثرت سهى المحمدي بفنانين عراقيين من جيل الرواد ومن جاء بعدهم. وبعد توسعها في الاطلاع على المدارس التعبيرية وجدت نفسها بعد عناء تعجب بالرسام الروسي الأصل الفرنسي الجنسية مارك شاغال، وبالنمساوي غوستاف كليمت. وهي ترى أن دراستها للتصميم الطباعي كانت لأسباب خاطئة لم تستطع تصحيحها لأن عينها كانت دائماً على دراسة الرسم. وفيما بعد اكتشفت أن التصميم كان له أثر مفيد في تجربتها الفنية.

لوحات حرب غزة

القضية الفلسطينية كانت حاضرة في ضمير وأعمال سهى المحمدي من قبل طوفان الأقصى. وما يجري في غزة يدفع العالم إلى إعادة النظر بكل العلوم الإنسانية وحتى بمفاهيم الحق والقانون والخير والشر.


مقالات ذات صلة

اللبناني ألان برجي: مجتمعنا الاستهلاكي قضى على الموسيقى الأصيلة

يوميات الشرق هدفه الخروج من الصندوق التقليدي للعزف (صور ألان برجي)

اللبناني ألان برجي: مجتمعنا الاستهلاكي قضى على الموسيقى الأصيلة

يفاجئك ألان برجي بأسلوب تفكيره وكيفية استخدامه الموسيقى آلةً للعبور نحو الزمن. يُلقَّب بـ«أوركسترا في رجل».

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق اليوغا تعزّز التوازن بين الجسم والعقل (جامعة ميريلاند)

اليوغا تُحسِّن صحة العين

وجدت دراسة هندية أن ممارسة اليوغا قد تلعب دوراً مهماً في تحسين صحة العين وعلاج بعض الحالات البصرية، مثل المياه الزرقاء، وقصر النظر، وارتفاع ضغط العين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تعمل بعض الأخطاء كقنبلة موقوتة صامتة تدمر الزواج (أرشيفية - رويترز)

4 أخطاء تقتل العلاقات العاطفية ببطء

تنهار العديد من الزيجات والعلاقات العاطفية ليس لأن الحب لم يكن حقيقياً ولكن بسبب الأخطاء التي لا يعرف الزوجان أنهما يرتكبانها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق طائرة تابعة لشركة يونايتد إيرلاينز تسير على المدرج للإقلاع في مطار دنفر الدولي (أ.ب)

العثور على جثة بتجويف عجلات طائرة «يونايتد إيرلاينز» في هاواي

تُجري السلطات في هاواي تحقيقاً على أثر العثور على جثة، في تجويف عجلات طائرة تابعة لشركة «يونايتد إيرلاينز» الأميركية، كانت قد سافرت من شيكاغو إلى ماوي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مهنة مبلَّلة بالغرابة (صور ليزا بويرمان)

عائلة إنجليزية تُحوِّل كهفاً عمره 350 مليون سنة مَعْلماً سياحياً

تتضمَّن رؤية أوليفر الجديدة لمغارات «ستامب كروس» إتاحة قسم جديد منها للجمهور، كان يُسمَح الدخول إليه، سابقاً، لمغامري الكهوف فقط.

«الشرق الأوسط» (لندن)

اللبناني ألان برجي: مجتمعنا الاستهلاكي قضى على الموسيقى الأصيلة

هدفه الخروج من الصندوق التقليدي للعزف (صور ألان برجي)
هدفه الخروج من الصندوق التقليدي للعزف (صور ألان برجي)
TT

اللبناني ألان برجي: مجتمعنا الاستهلاكي قضى على الموسيقى الأصيلة

هدفه الخروج من الصندوق التقليدي للعزف (صور ألان برجي)
هدفه الخروج من الصندوق التقليدي للعزف (صور ألان برجي)

يعزف الموسيقي اللبناني ألان برجي على أكثر من 15 آلة؛ فإضافة إلى الناي (فلوت دي بان) والبيانو والغيتار، تُحرّكه أيضاً آلات الكاليمبا والبانغو والأورغ. وفي لقاء تلفزيوني استضافه مؤخراً، لفت المُشاهد ببراعته في العزف على الناي والأكورديون.

آلته المفضَّلة البيانو، علماً بأنه يسعى دائماً إلى تعلُّم العزف على آلات غير معروفة. يقول: «إنه من الآلات التي تُوسّع فكر الإنسان وتُسهم في تطوّره بالتوزيع والأبعاد الموسيقية».

أما الأكورديون فيعدّه من الآلات التي يصعب العزف عليها: «تقنيته تختلف عن آلات أخرى، وعلى الراغب في تعلُّم العزف عليه إدراك كيفية استعمال أنامل يده اليسرى. فأزرار إيقاعاته الأساسية مُصمَّمة على ناحية اليسار».

يروي لـ«الشرق الأوسط» أن التحاقه بعالم الموسيقى جاء بعد تعمُّق: «عالمٌ لا يرتكز على تعلُّم النوتات الموسيقية فحسب، وإنما تكمن أهميته بمدى التفاعل مع الموسيقى من دون حدود. بحثتُ عن طريق يخرجني من صندوق الموسيقى التقليدية، وأدركتُ أنه بالعلم وحده لا أستطيع التطوّر. كنتُ أجد الموسيقى مجرّد وسيلة تسلية، فترافقني في جلساتي مع الأصدقاء والأصحاب. بعدها نضجت موهبتي لتشمل أكثر من آلة رحتُ أكتشفها بنفسي».

يعزف على نحو 15 آلة مختلفة (صور ألان برجي)

يفاجئك ألان برجي بأسلوب تفكيره وكيفية استخدامه الموسيقى آلةً للعبور نحو الزمن. يُلقَّب بـ«أوركسترا في رجل»، ويقول: «الموسيقى تُحرّكني، ووجود الآخر الذي يُصغي، يُحفّزني». حوّل غرف منزله نماذجَ لبلدان عدّة، فيوضح: «أقسامه خصّصتها لبلدان أحبّها، فيحضر قصر فرساي في باريس مثلاً، كما خصّصتُ إحدى غرفه لمدن الوسترن الأميركية، وأعددتُ غرفة خاصة تُشبه المطعم أستقبل فيها زبائن لا يزيد عددهم على 10 أشخاص. إنه عالمي الذي أركن إليه، والموسيقى تطبعه، فيعبُق بأنغام البيانو والأكورديون وغيرهما».

يتابع بأنّ الموسيقى نادته منذ كان في سنّ الـ11: «لا أحبّذ التمارين، فالألحان تولد معي ارتجالياً من دون التخطيط المسبق لها». ورغم موهبته اللافتة، يفضّل البقاء في الظلّ، فهو أحد الهاربين من الشهرة: «عدو الإنسان: السلطة والمال والشهرة. في مرحلة ما، لامستني الأخيرة ووقعتُ في فخّها، لكنني تخلّصت منها. أفضّل القناعة؛ المسار الحقيقي للسلام مع الذات».

يصف موسيقى اليوم بالتجارية، وأصحابها يلهثون خلف الربح: «لستُ أعمِّم، لكنّ معظم الموسيقيين يفكرون بهذه الطريقة. نفتقد حالياً مظاهر الموسيقى التي رافقتنا في الصغر. فلا حماسة لولادة أغنية جديدة، ولا نلهث للحصول على أسطوانة قبل الآخرين كما اعتدنا أن نفعل. كانت أياماً مفعمة بالبركة والخير، فقضى المجتمع الاستهلاكي عليها. صرنا مجرّد آلات (روبوت) تواكب العصر».

يعزف على نحو 15 آلة مختلفة (صور ألان برجي)

موسيقاه خليط من الغربي والشرقي، فيُعلّق: «لا أحصر نفسي بنمط، وعندما أعزف، أترك لإحساسي حرية الاختيار. البعض يراني أسير بعكس التيار. لكنني، ببساطة، لا أحب الرضوخ لعالم خالٍ من القيم يفتقد الروح. استطعتُ التحرّر من تفاهة الحياة؛ ومع الموسيقى تبدو أجمل».

يستفزّه التقليد اليوم على الساحة الفنّية: «كثيرون ينسخون أعمالاً سبق أن لاقت النجاح. ففرصُ الخلق والإبداع قلّت. وعندما يستعيرون أغنية معروفة، تتراءى بوضوح مشاعرهم الزائفة. تخيّلي أن يغنّي أحدهم للراحل جاك بريل (لا تتركيني Ne me quitte pas)، وهو يبتسم! الأغنية حزينة، فيها معاني الشوق والحنين، ومع ذلك تُقدَّم بقالب لا يشبهها».

يعتب ألان برجي على عدم تمتُّع الموسيقيين الحقيقيين بالتقدير: «مهما بلغ الموسيقيّ من إمكانات وقدرات، فزمننا لا يبالي به إلا إذا نال الشهرة. الأسوأ أنها شهرة ترتكز على أرقام المتابعين ووهم مواقع التواصل». وهو حقَّق الاختلاف في آلة الناي (فلوت دي بان) التي ابتكرها من الرصاص. يختم بإيجاز قصتها: «قصدتُ بلدة عرسال الشمالية بُعيد عملية (فجر الجرود) التي قضى خلالها الجيش اللبناني على معقل الإرهاب. فكّرت بتكريمه على طريقتي. لملمتُ رصاص الأسلحة عن الأرض، وحوّلته إلى آلة نفخ، عزفتُ عليها النشيد الوطني اللبناني».