السودانيون يودعون الموسيقار «الأيقونة» محمد الأمين

الموسيقار السوداني الراحل محمد الأمين (سونا)
الموسيقار السوداني الراحل محمد الأمين (سونا)
TT

السودانيون يودعون الموسيقار «الأيقونة» محمد الأمين

الموسيقار السوداني الراحل محمد الأمين (سونا)
الموسيقار السوداني الراحل محمد الأمين (سونا)

ضجت وسائل التواصل الاجتماعي في السودان بنبأ رحيل الموسيقار والمطرب السوداني محمد الأمين في ولاية فيرجينا الأميركية يوم الاثنين، وانتشرت على منصتي «واتساب» و«إنستغرام» مقاطع من أغنياته وصور لآلة العود التي عُرف بإتقان العزف عليها، وكذلك نصوص القصائد التي تغنّى بها وتنوعت في مواضيعها بين الوطنية والحب والحرية.

ونعى مجلس السيادة السوداني وقوى سياسية وجماعات دينية الموسيقار الراحل، كما تحسر السودانيون على رحيل أيقونة الأغنية السودانية لأنه توفي بعيداً عن وطنه الذي أحبه وغنّى له لعقود طويلة، فيما حرمت ظروف الحرب الدائرة في السودان معجبيه ومحبيه من وداعه بالطريقة والمستوى اللذين يليقان به وبأغنياته الوطنية النضالية التي شكلت وجدان السودانيين عبر رحلة فنية امتدت ستين عاماً.

وكانت البداية الفنية للراحل في ستينات القرن الماضي ليصبح بعدها رمزاً من رموز الإبداع الفني، ويثري الموسيقى السودانية بألحان خلدها التاريخ الفني في السودان، ويرددها السودانيون جيلاً بعد جيل.

فقد غنّى الأمين للقيم الثورية، ولحن وغنى أشهر الأغنيات الوطنية في أعقاب «ثورة أكتوبر» (تشرين الأول) 1964 التي أطاحت بأول حكم عسكري في السودان، واستعادت الحكم المدني الديمقراطي في البلاد. واشتهرت تلك الأغنية باسم «الملحمة»، وأصبح صاحبها رمزاً ونموذجاً للفنان الذي يحمل قضايا وطنه محارباً ضد الديكتاتوريات.

واعتاد السودانيون في صباحاتهم على سماع «الباشكاتب»، كما يحلو لهم تسميته في المقاهي العتيقة وعبر مذياع سيارتهم ووسائل المواصلات العامة، وهو يغني بقوة للحب ويخفف عنهم عذابات الشقاء اليومي وأوجاعه. فقد عُرف عن الأمين أنه قدم أغاني للعشاق، فكانت تحمل بهجة بكلمات بسيطة مثل أغنية «أسمر يا ساحر المنظر» وأيضاً «وزاد الشجون».

وقال عصام أبو زيد، متذوق لفن الموسيقار الراحل، إن «أغاني محمد الأمين لن تندثر برحيله، فقد ترك أعمالاً ستكون زاداً لكل السودانيين». وأضاف أن الأمين «نقل الموسيقى السودانية إلى عوالم فنية مختلفة، مخترقاً السّلم الخماسي بإضافة نغمة سادسة متأثراً بالموسيقى العربية. كما ساعد صوته الجهور وانسيابيته على إثراء معنى الكلمات التي تغنى بها».

بزغ نجم محمد الأمين، الذي يُعرف وسط جمهوره بألقاب منها «ود الأمين» و«الباشكاتب»، في عام 1962 في برنامج «مع الأقاليم» على الإذاعة السودانية، حيث عمل على تجديد الموسيقى السودانية باستحداث ألوان متفردة على مستوى الأداء والألحان.

وقدم محمد الأمين، الذي ولد في 20 فبراير (شباط) 1943 في ضواحي مدينة ود مدني في وسط السودان، عدداً كبيراً من الأغاني والألحان الوطنية، وأخرى عابرة للحدود أبرزها «طائشة الضفائر» للشاعر نزار قباني.

وقال علم الدين حمد النيل، شقيق الموسيقار الراحل، لوكالة أنباء العالم العربي، بنبرة حزينة قبل أن ينفجر باكياً: «نبأ رحيل محمد كان مفجعاً ووقع علينا كالصاعقة». وأضاف: «لولا الأحداث التي تمر بها البلاد لكنا في هذا الوقت في مطار الخرطوم ننتظر الجثمان لدفنه في ود مدني لكنها الأقدار»، لافتاً إلى أن جثمان الموسيقار سيوارى الثرى يوم الثلاثاء في ولاية فيرجينا.

وعدّ أسامة بيكلو، أحد أعضاء فرقة محمد الأمين الموسيقية، أن وفاته «يوم أسود»، قائلاً إنه أصبح يتيماً بعد رحيل رفيق دربه. وأضاف بيكلو، الذي عمل مع محمد الأمين منذ ما يزيد على 30 عاماً: «تحدى السلم الخماسي المرتبط بالشخصية السودانية، وأدخل السلم السباعي القريب من الموسيقى العربية، ولاقى قبولاً كبيراً من الجمهور».



محمد رحيم... رحيل يستدعي حزن جيل التسعينات

الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
TT

محمد رحيم... رحيل يستدعي حزن جيل التسعينات

الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

ما أن تم الإعلان عن خبر الرحيل المفاجئ للملحن المصري محمد رحيم، حتى سيطرت أجواء حزينة على الوسط الفني عامة والموسيقي خاصة بمصر، كما أعرب عدد كبير من متابعي «السوشيال ميديا» من جيل التسعينات والثمانينات عن حزنهم العميق لرحيل ملحنهم «المحبوب» الذي يعتبرونه أفضل من عبّر عن أحلامهم وصدماتهم، مشيرين إلى أن رحيله «خسارة فادحة» لعالم الموسيقى والغناء عربياً.

وبدأ الملحن المصري محمد رحيم مسيرته المهنية مبكراً، إذ تعاون مع نخبة كبيرة من النجوم بمصر والعالم العربي، وكان قاسماً مشتركاً في تألقهم، كما صنع لنفسه ذكرى داخل كل بيت عبر أعماله التي تميزت بالتنوع ووصلت للعالمية، وفق نقاد.

الشاعر فوزي إبراهيم والمطربة آية عبد الله والملحن محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

ومن بين النجوم الذين تعاون معهم رحيم عمرو دياب، ونانسي عجرم، ومحمد منير، وأصالة، وإليسا، ونوال الزغبي، وأنغام، وآمال ماهر، وروبي، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وغيرهم.

وقدم رحيم أول ألحانه مع الفنان عمرو دياب أواخر تسعينات القرن الماضي، قبل أن يكمل عامه الـ20، من خلال أغنية «وغلاوتك» ضمن شريط «عودوني»، التي حققت نجاحاً كبيراً وكانت بداية الطريق لأرشيف غنائي كبير صنع اسم رحيم في عالم الفن.

وقدم رحيم، الذي رحل السبت عن عمر يناهز الـ45 عاماً، مع عمرو دياب أغنية «حبيبي ولا على باله»، التي حصد عنها دياب جائزة «ميوزك أورد» العالمية عام 2001.

بدأ رحيم في عصر ازدهار «شرائط الكاسيت»، التي كانت الملاذ الوحيد لمحبي الأغاني وخصوصاً في مواسم الإجازات، وانتظار محلات وأكشاك بيع الشرائط في الشوارع والميادين بمصر كي تعلن عبر صوت صاخب طرح «شريط جديد».

الملحن محمد رحيم والمطربة جنات (حساب رحيم على فيسبوك)

ووفق موسيقيين؛ فإن الملحن الراحل قد نجح في صناعة ألحان يعتبرها جيل التسعينات والثمانينات «نوستالجيا»، على غرار «أنا لو قلت» لمحمد فؤاد، و«الليالي» لنوال الزغبي، و«يصعب علي» لحميد الشاعري، و«ياللي بتغيب» لمحمد محيي، و«أحلف بالله» لهيثم شاكر، و«جت تصالحني» لمصطفى قمر، و«مشتاق» لإيهاب توفيق، و«أنا في الغرام» لشيرين، وغيرهم. لذلك لم يكن مستغرباً تعليقات نجوم الغناء على رحيل رحيم بكلمات مؤثرة.

ويرى الشاعر والناقد الموسيقى المصري فوزي إبراهيم أن «محمد رحيم ملحن كان يتمتع بموهبة فريدة، وألحانه تميزت بالبساطة والقرب من ذائقة الجمهور التي يعرفها بمجرد سماعها، لذلك اقتربت موسيقاه من أجيال عدة».

لم يقم الموسيقار الراحل باستعارة أو اقتباس جمل موسيقية مطلقاً خلال مشواره، بل اعتمد على موهبته الإبداعية، برغم ترجمة أعماله للغات عدة، وفق إبراهيم، الذي أشار في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى «أن محمد منير وصف رحيم بأنه (أمل مصر في الموسيقى)، مثلما قالها عبد الحليم حافظ للموسيقار بليغ حمدي».

محمد حماقي ومحمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

«بدأ شاباً وكان يعي متطلبات الشباب»، على حد تعبير الناقد الموسيقى المصري أمجد مصطفى، الذي يقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «ارتباط جيل التسعينات بأعماله يرجع لكونه نجح في القرب منهم والتعبير عن أحلامهم ومشاعرهم، بجانب ثقافته الموسيقية المبكرة التي حملت أبعاداً مختلفة».

ولفت مصطفى إلى أن «رحيم كان تلميذاً للملحن الليبي ناصر المزداوي، الذي يتمتع بتجارب عالمية عديدة، كما أن رحيم كان متميزاً في فن اختيار الأصوات التي تبرز ألحانه، بجانب إحساسه الفني الذي صنع شخصيته وميزته عن أبناء جيله».

الملحن محمد رحيم والفنان محمد منير (حساب رحيم على فيسبوك)

وكان للملحن المصري بصمة واضحة عبر أشهر شرائط الكاسيت مثل «الحب الحقيقي» لمحمد فؤاد، و«عودوني» لعمرو دياب، و«غزالي» لحميد الشاعري، و«أخبارك إيه» لمايا نصري، و«صورة ودمعة» لمحمد محيي، و«شوق العيون» لرجاء بلمليح، و«وحداني» لخالد عجاج، و«حبيب حياتي» لمصطفى قمر، و«عايشالك» لإليسا، و«جرح تاني» لشيرين، و«قوم أقف» لبهاء سلطان، و«ليالي الشوق» لشذى، و«ليلي نهاري» لعمرو دياب، و«طعم البيوت» لمحمد منير، وغيرها من الألحان اللافتة.

الملحن محمد رحيم والفنانة نانسي عجرم (حساب رحيم على فيسبوك)

من جانبها قالت الشاعرة المصرية منة القيعي إنها من جيل التسعينات وارتباطها بأغاني رحيم لم يكن من فراغ، خصوصاً أغنية «غلاوتك»، التي أصرت على وجودها خلال احتفالها بخطبتها قبل عدة أشهر، رغم مرور ما يقرب من 26 عاماً على إصدارها.

وتوضح منة لـ«الشرق الأوسط» أن «رحيم كان صديقاً للجميع، ولديه حس فني وشعور بمتطلبات الأجيال، ويعرف كيف يصل إليهم بسهولة، كما أن اجتماع الناس على حبه نابع من ارتباطهم بأعماله التي عاشت معهم ولها ذكرى لن تزول من أذهانهم».

الملحن محمد رحيم والموسيقار الراحل حلمي بكر (حساب رحيم على فيسبوك)

وتؤكد منة أن «ألحان رحيم جزء لا يتجزأ من الهوية المصرية، والقوى الناعمة التي تملكها مصر، وفنه الراسخ هو (تحويشة) عمره، فقد بدأ صغيراً ورحل صغيراً، لكن عمره الفني كان كبيراً، وأثر في أجيال عديدة». على حد تعبيرها.