إقالة رئيس تحرير مجلة «آرت فوروم» بسبب رسالة مفتوحة تدعم فلسطين

فنانون عالميون يدعون إلى مقاطعة المجلة

أقالت مجلة «أرت فوروم» رئيس تحريرها ديفيد فيلاسكو إثر سماحه بنشر رسالة مفتوحة عن الحرب بين إسرائيل و«حماس» (غيتي)
أقالت مجلة «أرت فوروم» رئيس تحريرها ديفيد فيلاسكو إثر سماحه بنشر رسالة مفتوحة عن الحرب بين إسرائيل و«حماس» (غيتي)
TT
20

إقالة رئيس تحرير مجلة «آرت فوروم» بسبب رسالة مفتوحة تدعم فلسطين

أقالت مجلة «أرت فوروم» رئيس تحريرها ديفيد فيلاسكو إثر سماحه بنشر رسالة مفتوحة عن الحرب بين إسرائيل و«حماس» (غيتي)
أقالت مجلة «أرت فوروم» رئيس تحريرها ديفيد فيلاسكو إثر سماحه بنشر رسالة مفتوحة عن الحرب بين إسرائيل و«حماس» (غيتي)

نيويورك: زاكاري سمول*

بعد يوم واحد من إقالة مجلة «آرت فوروم» رئيس تحريرها ديفيد فيلاسكو إثر سماحه بنشر رسالة مفتوحة عن الحرب بين إسرائيل و«حماس»https://www.artforum.com/columns/open-letter-art-community-cultural-organizations-518019/، استقال محرر آخر وقال العديد من الفنانين البارزين إنهم سيقاطعون المجلة ما لم تتم إعادة فيلاسكو إلى منصبه.

أدت الانقسامات حول كيفية مناقشة الصراع في الشرق الأوسط إلى توتر العلاقات بين جامعي الأعمال الفنية والفنانين على مدى سنوات. ويوم الجمعة، انتقدت نيكول أيزنمان ونان غولدين مالك المجلة لقراره بفصل فيلاسكو، الذي كان رئيس تحريرها لمدة 6 سنوات، وقالا إنهما لن يعملا مع «آرت فوروم» بعد الآن.

قالت غولدين، التي تعد واحدة من أكثر المصورين الأحياء شهرة ووقعت على الرسالة المفتوحة التي تدعو إلى تحرير الفلسطينيين ووقف إطلاق النار: «لم أعش أبداً فترة أكثر قسوة من تلك. إذ يُدرج الأشخاص على القائمة السوداء ويفقدون وظائفهم».

نان غولدين تعد واحدة من أكثر المصورين الأحياء شهرة (غيتي)
نان غولدين تعد واحدة من أكثر المصورين الأحياء شهرة (غيتي)

ووقع ما يقرب من 50 موظفاً ومساهماً في مجلة «آرت فوروم» رسالة مختلفة يطالبون فيها بإعادة فيلاسكو إلى منصبه، قائلين إن فصله من عمله «لا يحمل فقط آثاراً مخيفة على استقلال مجلة «آرت فوروم»، ولكنه يحبط أيضاً مهمة المجلة نفسها: توفير منتدى لوجهات النظر المتعددة والنقاش الثقافي». وكان هناك رد فعل عنيف بين بعض القراء بعد أن نشرت المجلة رسالة مفتوحة يوم 19 أكتوبر (تشرين الأول) لم تشر فيها في البداية إلى الهجوم الذي شنته «حماس»، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 1400 إسرائيلي.

شجبت حملة مفاجئة من الرسائل آلاف الفنانين والعاملين في الحقل الثقافي، بمن فيهم فيلاسكو، الذين وقعوا الرسالة. وحث أصحابُ المعارض الموقعين على إزالة أسمائهم من الرسالة، وطلب العديد من جامعي المقتنيات من مركز ويكسنر للفنون في جامعة ولاية أوهايو إغلاق معرض للفنانة الفلسطينية جومانا مانا، التي وقعت على الرسالة المفتوحة. (قالت متحدثة باسم المتحف إنه سيواصل عرض أعمال الفنانة؛ وأكدت أن العرض لا يزال مستمراً). ونأت مجلة آرتفورم بنفسها عن الرسالة المفتوحة بعد أن تلقت ضغوطاً من المعلنين. وفي وقت لاحق، أصدر ناشرو المجلة بياناً جاء فيه إن المنشور: «لا يتفق مع عملية التحرير في مجلة (آرت فوروم)»، مضيفاً أنه «أسيء تفسيره على نطاق واسع بأنه عبارة عن بيان من المجلة حول ظروف جيوسياسية بالغة الحساسية والتعقيد». لم ترد شركة بنسكي ميديا كوربوريشن، التي تمتلك مجلة «آرت فوروم»، على طلب التعليق. استقالت المحررة بالمجلة كيت ساتون، التي كانت محررة مشاركة منذ عام 2018، بعد قرار طرد فيلاسكو وقالت، إنها كانت «مُحبطة للغاية» و«غير متأكدة من أنني أستطيع أن أرى طريقة للمضي قدماً في المجلة».

وقال أكثر من 12 فناناً لصحيفة «نيويورك تايمز» إن التهديدات بالانتقام الموجهة لهم من هواة جمع الأعمال الفنية جعلت من الصعب الدفاع علناً عن قرارهم بالتوقيع على الرسالة المفتوحة، مؤكدين أن نيتهم كانت الدعوة للسلام. قالت أيزنمان، الفنانة التي عرضت أعمالها مع مؤسسات مثل متحف ويتني للفنون الأميركية ومتحف كليفلاند للفنون: «إن جامعي الفنون يقومون دائماً، بطريقة أو بأخرى، بتضخيم الأمور من شيء وقّع عليه الفنان، لكن ما يثير الدهشة هو عدد جامعي الأعمال الفنية الذين يعتقدون أن امتلاك بعض رسوماتي يمنحهم الحق في أن يخبروني ماذا ينبغي أن أفعل باسمي». وأضافت: «أريد أن أردد ما كان يصرخ به الناشطون في الشوارع: ليس باسمي. هذه الحرب لن تُشن باسمي. إنني أستاء من هذه الحملات الجبانة للتنمر والابتزاز لتشتيت انتباه الجميع في عالم الفن عن المطلب الرئيسي للرسالة، الذي كان: وقف إطلاق النار! حاول بعض جامعي الأعمال الفنية إقناع الفنانين بالتراجع عن التواقيع.

وهدد آخرون في عالم الفن بالتعبير عن مخاوفهم عبر بيع أعمال من وقعوا على الرسالة». كتبت سارة ليهات بلومنشتاين، التي تحاول تمويل إنشاء متحف كبير، إلى أعضاء مجموعة من «الواتساب» نظمت استجابة على الرسالة المفتوحة: «لدينا خطة لإزالة الأعمال الفنية من المتاحف والمعارض» التي من شأنها أن «تقلل من قيمة هؤلاء الفنانين». في مقابلة هاتفية، قالت بلومنشتاين، وهي يهودية الديانة، إن مثل هذه الخطة لم تكن نشطة، وإن جهودها لمساءلة الفنانين جاءت من الخوف من أن تصاعد معاداة السامية يعرض حقها في الوجود للخطر. وقالت غولدين إن الناس خلطوا بشكل غير صحيح بين معاداة السامية ودعم الفلسطينيين. ثم قالت أيضاً: «أياً كان الموقف الذي اتخذناه فهو حقنا في حرية التعبير. ليست لدي خطط للعمل مع مجلة «آرت فوروم» لأنهم طردوا شخصية أكن لها احتراماً كبيراً».

* خدمة «نيويورك تايمز»



«خط التماس»... وثائقي يكسر الصَّمت للعبور إلى المصالحة

فداء مع مخرجة الفيلم سيلفي باليوت (فداء بزري)
فداء مع مخرجة الفيلم سيلفي باليوت (فداء بزري)
TT
20

«خط التماس»... وثائقي يكسر الصَّمت للعبور إلى المصالحة

فداء مع مخرجة الفيلم سيلفي باليوت (فداء بزري)
فداء مع مخرجة الفيلم سيلفي باليوت (فداء بزري)

يسرد الفيلم الوثائقي «خط التماس»، على مدى ساعتين، قصة فتاة تُدعى «فداء» مع الحرب اللبنانية؛ مُستخدماً نماذج مصغرة لمباني بيروت، وتماثيل منمنمة لإعادة بناء نشأة «فداء» المضطربة خلال الحرب الأهلية اللبنانية.

وبمساعدة هذه النماذج، تواجه الفتاة رجال ميليشيا سابقين، شاهدتهم خلال طفولتها في الثمانينات بغرب العاصمة بيروت، وقتها، ادَّعوا أنهم كانوا يحمونها، وفي الحقيقة كانوا يرعبونها.

تتنقل كاميرا المخرجة الفرنسية سيلفي باليوت بين شوارع بيروت، فتُعيد شريط الحرب اللبنانية التي سكنت ذاكرة «فداء»؛ حينها، كانت في العاشرة من عمرها عندما وجّه أحد المحاربين بندقيته صوبها. مشهد لا تزال تتذكره بخوف، وبقي يسكنها حتى اليوم. تحمل الفتاة مجسمات صغيرة لتروي قصتها من خلالها، ومن بينها مجسمٌ يمثلها عندما كانت فتاة صغيرة، ومجسمات أخرى تمثل القتلى وضحايا الحرب والقنَّاصة والمحاربين، توزِّعها على الأرض بشكل خريطة حرب لتبدأ سرديتها، وتحرِّكها كما أحجار لعبة الشطرنج مستعيدة مشهديات حرب أثّرت فيها.

بطلة الفيلم فداء تحمل دميتها (فداء بزري)
بطلة الفيلم فداء تحمل دميتها (فداء بزري)

تلتقي «فداء» مقاتلين قُدامى وتواجههم بما ارتكبته أياديهم. وتطرح عليهم سؤالاً كبيراً: «لماذا؟»، فتضعهم أمام حقائق وذكريات لا تزال تراودها. وتقارن بين منظورها الطفولي ومنظورهم.

طيلة مدة الفيلم نراها تبحث وتفتّش عمَّا يُثلج قلبها؛ فمشاهد الحرب التي حفظتها بأمِّ العين مرات، ومن أخبار جدّتها عن «الجحيم الأحمر» مرات أخرى لم تبرحها.

توضح فداء بزري لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة لي هذا الفيلم هو بمثابة طبق ثقيل علِق في معدتي، واستطعت هضمه أخيراً. في الماضي القريب، كنت أتحدَّث عن الحرب في الثمانينات وكأني أروي مجرد حكاية عابرة. لم أكن أشعر بمرارة ما عشته، وربما لم يكن لديَّ ما أقوله. بيد أن الفضل يعود لمخرجة الفيلم الفرنسية سيلفي باليوت، التي راحت تطرح علي أسئلة استفهامية كثيرة تجاوزت صمتي».

تقول فداء إن تعاطف المخرجة مع قصتها أثار انتباهها إلى الجرح العميق في ذاكرتها: «أعتقد أن الباب الذي فُتح أمامي للقيام بهذه المهمة يتمثّل بالدمى الصغيرة. شعرت وكأنها البطلة الحقيقية، مما ساهم في التخفيف عني. فالتحدث عن الحرب بالشكل الذي اتخَذه الفيلم، لم يكن أمراً صعباً، بل مستحيلاً بالنسبة لي. لأني لم أكن أعي قساوة هذه التجربة من الماضي».

استخدمت سيلفي باليوت نماذج منمنمة لتصوير حقبة الحرب اللبنانية (فداء بزري)
استخدمت سيلفي باليوت نماذج منمنمة لتصوير حقبة الحرب اللبنانية (فداء بزري)

تصف فداء الفيلم بعلاج غير مباشر خضعَت له. عملية التصوير، ومقابلتها المحاربين القدامى، وإجراء الحوارات معهم، عزَّز لديها هذا الشعور. فكان مقدّمة أتاحت لها الاستماع إلى الآخر.

وتتابع: «لم أكن أعرف كيف أُعبِّر عن هذا الجرح، فالكلام لم يكن كافياً. بيد أن هذا الفيلم شجعني لأضع النقاط على الحروف، فخرجت الكلمات منّي بسهولة».

خلال عرض الفيلم يمرّ مُشاهده على محطات عدّة من الحرب الأهلية في لبنان. يُذكِّر بالبيروتَين (شرقية وغربية)، ومتاريس الرَّمل لمقاتلين من أحزاب مختلفة، كما يُناقش تأثيرها على المجتمع والأطفال من خلال شخصية «فداء» ودمية تمثِّلها تُحرِّكها من مكان إلى آخر، ويكشف في الوقت نفسه، عن مأساة طويلة لم يتحدَّث اللبنانيون عنها بصراحة ليشفوا منها. وتأتي أسئلة فداء في هذا السياق عن معنى الحياة. فلماذا تستمر ضمن صراعات لا تنتهي في بلدنا؟

ولكن ماذا استخلصت فداء من هذه التجربة السينمائية؟ تردّ: «لقد اكتشفت أننا نحن اللبنانيين لا نعرف كيف نُعبِّر عن تلك الحرب، وكأننا نهرب من مواجهة ذكرياتنا. حتى إن المحاربين القدامى الذين التقيتهم وشكّلوا عناصر أساسية في هذه الحرب يعانون بدورهم من مشكلات نفسية. فكانوا يؤكدون لي بأنهم لم يشاهدوا القتلى يوماً. ومراكزهم القتالية كانت تتطلَّب منهم المكوث في أماكنهم، فيمارسون القتال ضمن مهمة دفاعية طُلبت منهم. لا أعرف إذا ما كانوا بالفعل نسوا تلك الحقبة، أو حاولوا تناسيها أمامي».

الدمية «فداء» سهّلت للفتاة اللبنانية مهمة التعبير عن مشاعرها (فداء بزري)
الدمية «فداء» سهّلت للفتاة اللبنانية مهمة التعبير عن مشاعرها (فداء بزري)

البقاء على قيد الحياة بعد حرب دامية، شكَّل بالنسبة لفداء المولودة في السبعينات، سبباً رئيسياً لالتزام الصمت. «لم أكن أجرؤ على التحدث عن الحرب لأنني نجيت منها. وكنت أُعدّ حالتي هذه سخيفة، مقارنة بخسارات أكبر تكبَّدتها عائلات لبنانية عدّة. وهو ما دفعني إلى الإحساس بأنه لا يحقّ لي التحدث عن أوجاعي أمام آلام لا تُحتمل عاشها غيري».

خلال عرض الفيلم يستوقف المُشاهد محطات عدة، من بينها حماس فداء الفتاة التي كبرت وترعرعت في بيروت للبحث عن الحقيقة. فكانت تواجه الماضي بشراسة طفلة خسرت براءتها بسبب الحرب. وكذلك توبة محاربين قدامى، وآخرين زملاء لهم نادمون، بيد أنهم يدافعون عن تصرفاتهم في تلك الحقبة.

وتختم فداء حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «العبرة التي استخلصتها، هي ضرورة إجراء حوار بيننا نحن اللبنانيين. وبدل أن نبحث عن نقاط ضعف نستفزُّ بها بعضنا بعضاً، علينا التحدُّث إلى قلب هذا الطفل القابع داخل كلٍّ واحد منا. عندها فقط، سنلمس الحقيقة عن قرب».

عُرض الفيلم ضمن مهرجان «شاشات الجنوب»، وهو من تنظيم جمعية «متروبوليس» للسينما. وقد حصل على جائزة «موبي» لأول فيلم طويل واعد في مهرجان «لوكارنو السينمائي الدولي».