يلفتك عدد المسرحيات المعروضة أو المبرمجة لمواعيد مقبلة حتى نهاية عام 2023 على خشبة «مسرح مونو»، الواقع في منطقة الأشرفية، وقد بات عنواناً أسبوعياً يقصده اللبنانيون للترفيه عن النفس. منذ نحو سنتين، تولّت إدارته جوزيان بولس مع جمعية «كريل». ومنذ ذلك الحين، صار يُعرف بنبض بيروت الثقافي للحركة الدائمة التي تجتاحه.
مسرحيات كوميدية واجتماعية وأخرى تتحدث عن الحروب وعن مشكلات عدة؛ أما أبطالها فهم وجوه رائدة ومعروفة في عالم المسرح اللبناني؛ نطالع بينها أنجو ريحان، وفؤاد يمين، وفيليب عرقتنجي، وجوزيان بولس نفسها. ومن المخرجين الذين يشاركون في تحريك نبض هذا المسرح، لينا أبيض ويحيى جابر وبرونو جعارة وغيرهم.
أولى بشائر معركة جوزيان بولس مع مسرح «مونو» تمثلت في حثّ الناس للعودة إلى عروض الخشبة. فقبل أن تتسلم زمام الأمور فيه حصل انتشار الجائحة، وأصيب هذا المجال بالشلل التام. وكان على جوزيان بولس أن تفكر في كيفية إعادتهم إليه. فراحت تختار نصوصاً مختلفة يحبها جمهور المسرح، ونجحت في جذبه من جديد، وشكّل إقباله هذا سبباً أساسياً في إطلاق برمجة مسرحية تغطي كل أيام السنة.
وتقول جوزيان بولس في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «ما دام هناك جمهور يقصدنا باستمرار فالمسرح لن يتوقف. فهذا الجمهور وإثر الجائحة استوعب أن الخشبة هي متنفس لهم، فاللبنانيون عانوا من تجارب قاسية على مرّ سنوات طويلة. ويحضر المسرح ليلوّن حياتهم ويدفعهم إلى تحسين حالتهم النفسية».
قد ينتقد كثيرون جوزيان بولس لأنها أبقت برنامجها المسرحي على ما هو عليه رغم الأزمات الكثيرة التي شهدها لبنان ولا يزال. ولكنها ترد: «لا أحد يحبذ إيقاف المسرح لأننا بذلك نسير عكس الحياة والطبيعة. نتوجه جميعنا إلى العمل يومياً. وبالنسبة لنا فالمسرح هو مكان عملنا ويؤمن لقمة عيشنا، فلماذا سيوجهون الانتقادات لنا؟ نحن نعمل كغيرنا من الناس مع فريق إضاءة وتصوير وديكور ومجموعة عمال. وإضافة إليهم يأتي دور المخرج والكاتب والممثل وجميعهم يحتاجون للعمل».
ترى جوزيان بولس أن الفنون على أنواعها أساسية في الحياة ومن شأنها أن تخفف من وطأة همومنا. «إنه نضال من نوع آخر نتمسك به ولا يمكننا الاستغناء عنه إلا في حالات استثنائية». وتتابع: «لقد حفظت مقولة من المخرجة اللبنانية هايني سرور أعجبتني كثيراً»، تقول فيها: «عندما نناضل من أجل الثقافة فإننا نقاتل ضد الحروب».
تملك جوزيان بولس تجارب متراكمة في عالمي التلفزيون والمسرح. ويكفي أنها واكبت والدها الراحل جان كلود بولس لندرك حِرَفيتها، فعملت معه في تلفزيون لبنان عندما كان مديره العام. أجرت حوارات ضمن برامج تلفزيونية لا يزال المشاهد اللبناني يتذكرها حتى اليوم. وفي المسرح كان لديها أكثر من إنتاج ومشاركة تمثيلية، ولم تهمل السينما فكان لها إطلالات عدّة.
اليوم تؤدي مهمتها في مسرح «مونو» على أكمل وجه. وكثافة العروض التي يقدمها المسرح على مدار السنة هي الدليل الأكبر على ذلك. فكيف تختار موضوعات مسرحيات «مونو» اليوم؟ توضح: «حاولت منذ البداية اعتماد التنويع وما يرضي جميع الأذواق. كنت سعيدة باستضافة نجوم أجانب قدّموا عروضهم، أحدثهم أوليفييه سوتون الفرنسي في مسرحية (فابريس لوشيني وأنا). المقاعد جميعها كانت محجوزة على مدى خمسة أيام متتالية. وهو ما أعدّه إنجازاً في بلد صغير يعاني أزمات كثيرة».
قد تكون التكلفة المدروسة لأسعار البطاقات قد أسهمت في جذب الناس إلى المسرح. «إنها ترضي جميع الشرائح وتتراوح ما بين 5 دولارات و30 دولاراً، وقبولها عند الناس شجعنا أكثر لتقديم عروض متتالية».
يزخر «مونو» بعروض مختلفة اليوم فيستعد لاستضافة مسرحية «تنين تنين»، و«بليلة فيا ضو قمر»، و«مجدرة حمرا». وفي الأسبوع المقبل يقدم مسرحية إيطالية بالتعاون مع المركز الثقافي الإيطالي.
تقول جوزيان إنها منذ بداية عملها، كانت تختار مسرحيات خفيفة تستقطب جميع الشرائح. «أما اليوم فبتنا نرفع من مستوى ما نقدمه لنرضي شريحة تحب التحليل والتفكير بما تشاهده على الخشبة. وهو أمر يسهم في تنمية الثقافة عند الناس ويزودهم بخلفية غنية. وبما أننا نتجه صوب هذا النوع من المسرحيات فالخيارات باتت محصورة مما يسهل علينا هذه المهمة».
وتفتخر جوزيان بولس بالانتشار الإيجابي للمسرح اللبناني، «موجودون نحن اليوم على الخريطة المسرحية الأوروبية بشكل ممتاز. ومؤخراً قصدنا المخرج وجدي معوض من فرنسا، واختار 5 ممثلين ومن بينهم عايدة صبرا للمشاركة في عمله الجديد الذي يقدم في لبنان في مايو (أيار) المقبل. وقد أخذ على عاتقه مرافقتهم له إلى باريس للقيام بقسم من التمارين هناك في مارس (آذار) المقبل، ومن ثم يعودون إلى لبنان للتحضيرات النهائية للمسرحية، التي ستعرض على خشبة (مونو). والمسرحية هي من نوع الدراما الاجتماعية وبعنوان (سهرة عرس عند سكان الكهف)».