تماثيل عين غزال الأردنية... لم يعرفها كثيرون إلا بعد احتفاء «غوغل» بها

احتفال «غوغل» بتماثيل عين غزال الأثرية (صورة من صفحة «دودل» التابعة لـ«غوغل»)
احتفال «غوغل» بتماثيل عين غزال الأثرية (صورة من صفحة «دودل» التابعة لـ«غوغل»)
TT

تماثيل عين غزال الأردنية... لم يعرفها كثيرون إلا بعد احتفاء «غوغل» بها

احتفال «غوغل» بتماثيل عين غزال الأثرية (صورة من صفحة «دودل» التابعة لـ«غوغل»)
احتفال «غوغل» بتماثيل عين غزال الأثرية (صورة من صفحة «دودل» التابعة لـ«غوغل»)

ربما لا يعرف رجل الشارع الأردني أن بعضاً من أقدم التماثيل الآدمية اكتُشفت على مقربة منه، بل وربما لم يعلم البعض عنها شيئاً قبل أن يحتفي بها محرك البحث «غوغل» قبل بضعة أيام عندما حول شعاره على مدى يوم كامل إلى رسم يحمل حروفه... لكن على هيئة تلك التماثيل.

وحسب تقرير لـ«وكالة أنباء العالم العربي» اكتُشفت التماثيل، التي يُرجع الأثريون تاريخها إلى نحو 8 آلاف عام أو أكثر، في موقع عين غزال شمال شرقي العاصمة الأردنية عمان سنة 1983. واحتفى «غوغل» بمرور 40 عاماً على اكتشافها في 30 سبتمبر (أيلول).

وفي مقابلة مع «وكالة أنباء العالم العربي (AWP)»، قال عاطف الشياب أستاذ الآثار والأنثروبولوجيا ومدير متحف التراث الأردني في جامعة اليرموك سابقاً إن اهتمام المحرك الشهير بتماثيل عين غزال يرجع إلى كونها «أول تماثيل آدمية صنعها الإنسان في التاريخ البشري».

وأضاف أن التماثيل تعود للعصر الحجري الحديث الممتد في الفترة بين عامي 9000 و4000 قبل الميلاد، منوهاً بأهمية هذا العصر، نظراً لأنه شهد تطوراً في نمط الحياة الاجتماعية «ففيه نشأت القرى وسكنها الإنسان بعد أن كان يسكن الكهوف».

وحمل العصر الحجري الحديث، بحسب الشياب، ثورة وتطوراً في النمط المعيشي، وظهر لأول مرة مفهوم «القيادة» في المجتمع البشري «والملكية الفردية» بسبب النزاع على المصادر المائية.

أقدم تماثيل على وجه الأرض

قال رئيس «مركز ميشع للدراسات» الباحث في التاريخ والتراث ضيف الله الحديثات إن محرك «غوغل» كان يحتفل باليوبيل الفضي بعد مضي 25 عاماً على إنشائه، واختار بالتزامن مع هذه المناسبة أن يضع «أقدم تماثيل على وجه الأرض دلالةً على العمق التاريخي والبشري».

وقد اكتُشف الموقع الأثري عين غزال عام 1974 في أثناء شق الطريق الرئيسي بين مدينتي عمان والزرقاء. وتبلغ مساحة الموقع 150 دونماً (أي نحو 150 ألف متر مربع) ويعد قرية زراعية تضم مكتشفات أثرية كثيرة.

أما التماثيل، فتم اكتشاف عدد منها عام 1983، قبل العثور على مجموعة ثانية عام 1985.

وقال الحديثات لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، إن اكتشاف تماثيل عين غزال يدلل على حالة من الاستقرار والاستيطان البشري في تلك المنطقة، وهذا يعني أن السكان «لم يكونوا من البدو الرحَّل»؛ إذ إن استقرار الإنسان يولد حالة من الاهتمام بالنحت والفن.

ولفت إلى أن تلك التماثيل تدل على تطور الفكر والفن، مشيراً إلى التفاصيل الموجودة فيها، كرسمة العين وتفاصيل الجسد.

كذلك تحدث عن بدء الاستيطان البشري في منطقة عين غزال بالعصر الحجري الحديث، مع وجود المصادر المائية متمثلة في «سيل الزرقاء»، وهو ما أدى إلى نشوء الزراعة.

واستخدم الإنسان في ذلك العصر أدوات مصنوعة من الحجارة، من أهمها المنجل الحجري الذي أدى إلى ظهور الزراعة واستقرار الإنسان في أماكن ثابتة ونشوء التبادل بين الناس.

المعتقدات والروحانيات

أدَّى استقرار الإنسان في القرى، حسب أستاذ الآثار والأنثروبولوجيا، الشياب، إلى ازدياد التفكير بالمعتقدات والأمور الروحانية قبل ظهور الديانات السماوية بما يزيد على 8 آلاف سنة.

وأضاف أنه مع تطور المعتقدات، بدأ التعبير عنها بالفنون. واستطرد قائلاً إنه تم العثور على «مجموعتين من التماثيل الآدمية تشكلان 32 تمثالاً» داخل حفرة تشبه الغرفة، ما يعكس الحرص عليها وعلى أهميتها.

وتختلف تحليلات الدارسين حول دلالة التماثيل في عقلية الإنسان الذي صنعها، وتدور تساؤلات عما إذا كان أسلافنا قد توقفوا عند أمور روحانية تتعلق بوجود آلهة، قبل ظهور الديانات السماوية بنحو 8 آلاف سنة.

والتماثيل مصنوعة من الحجر الكلسي المنتشر في تلك المنطقة.

ويقول الشياب إن الإنسان عمل وقتها على طحنه وتعريضه لدرجة حرارة بين 600 و900 درجة لتفكيكه وتحويله لمادة الجص.

وأضاف أن ما يثير اهتمام الباحثين هو معرفة الإنسان في ذلك العهد البعيد بآلية تحويل المادة من شكل لآخر ضمن ظروف معينة، مثل الحرارة العالية، ومعرفته بشكل من أشكال المعادلات الكيميائية.

وبخلط مادة الجص بالماء تتحول إلى عجين يمكن تشكيله على هيئة تماثيل.

وقد صبَّ الإنسان الجص بقوالب من أعواد القصب لتشكيل الهيكل العظمي وأجزاء من التمثال، ثم قام بطلائه وتزيينه.

وقف التنقيب وتفرُّق التماثيل

يصف الشياب تماثيل عين غزال بأنها «كنز حقيقي كان يجب على الجهات الرسمية استثماره وتحويل المنطقة لمتحف مفتوح كان سيصبح من أهم المواقع الأثرية»، مضيفاً أن ذلك يستدعي استكمال أعمال التنقيب والترميم والصيانة ثم تأهيل المنطقة لاستقبال السياح.

لكن التماثيل تفرقت في أماكن عدة؛ فمنها ما هو موجود في متحف جامعة اليرموك، وبعضها موجود في متحف الآثار بجبل القلعة في عمان، فيما نُقل جزء إلى متحف اللوفر في باريس للترميم والعرض، وانتقل قسم آخر إلى المتحف البريطاني.

ويؤكد الحديثات، رئيس مركز «ميشع» للدراسات، أن 26 تمثالاً من تماثيل عين غزال موجودة في المتحف البريطاني، حيث تم نقلها عام 1990 من أجل ترميمها، ولم يستعدها الأردن حتى الآن.

وفي هذا السياق، طالب الحكومات المتعاقبة بإيلاء ملف الآثار أهمية أكبر تتناسب مع حجم وقيمة الآثار المكتشَفة.

وللمفارقة، وُجدت أقدم تماثيل مكتشفة على وجه الأرض في الأردن، وفقاً للحديثات، لكنها غير موجودة اليوم على أراضيه.

وأضاف مختتماً حديثه: «المسؤولية تحتم علينا أن نسلم الأجيال القادمة هذا الإرث وهو في أحسن حال».


مقالات ذات صلة

متاحف مصرية لاستقبال كنز أثري «غارق»

يوميات الشرق جانب من المضبوطات الأثرية الغارقة (وزارة الداخلية)

متاحف مصرية لاستقبال كنز أثري «غارق»

أعلنت وزارة الداخلية المصرية عن ضبط 448 قطعة أثرية تعود للعصرين اليوناني والروماني بحوزة لصّين تحصّلا عليها عبر الغوص، وتم التحفظ على القطع المضبوطة.

محمد الكفراوي (القاهرة )
علوم الماموث «إيانا» عمرها 50 ألف عام (رويترز)

روسيا تعرض بقايا ماموث محفوظة بشكل جيد عمرها 50 ألف سنة

عرضت روسيا، اليوم (الاثنين)، بقايا محفوظة بشكل جيد لماموث صغير عمرها 50 ألف عام، عُثر عليها خلال الصيف الفائت في أقصى الشمال الروسي.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
يوميات الشرق القبقاب الذي تم العثور عليه عمره 500 عام (رويترز)

علماء آثار هولنديون يكتشفون قبقاباً نادراً عمره 500 عام

تشتهر هولندا عالمياً بأحذيتها الخشبية، لكن الاكتشاف النادر في الآونة الأخيرة لقبقاب عمره 500 عام بمدينة ألكمار أظهر مدى انتشار استخدام مثل هذه الأحذية بالماضي.

«الشرق الأوسط» (أمستردام)
سفر وسياحة رئيس بلدية روما روبرتو غوالتيري خلال حفل إعادة افتتاح النافورة الشهيرة (أ.ب)

نافورة تريفي في روما تستقبل زوارها بعد إعادة افتتاحها (صور)

أُعيد افتتاح نافورة تريفي الشهيرة رسمياً بعد أعمال تنظيف استمرت أسابيع، وقررت البلدية الحد من عدد الزوار إلى 400 في آن واحد.

«الشرق الأوسط» (روما)
المشرق العربي لقطة جوية تُظهر قلعة حلب (أ.ف.ب)

حلب «الشاهدة على التاريخ والمعارك» تستعد لنفض ركام الحرب عن تراثها (صور)

أتت المعارك في شوارع حلب والقصف الجويّ والصاروخي على كثير من معالم هذه المدينة المُدرجة على قائمة اليونيسكو، لا سيما بين عامي 2012 و2016.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

«إلى حيث ننتمي» جردة أعوام مضت في لوحات ومنحوتات

منحوتات ورسومات تعود بنا إلى سنوات ماضية (الشرق الأوسط)
منحوتات ورسومات تعود بنا إلى سنوات ماضية (الشرق الأوسط)
TT

«إلى حيث ننتمي» جردة أعوام مضت في لوحات ومنحوتات

منحوتات ورسومات تعود بنا إلى سنوات ماضية (الشرق الأوسط)
منحوتات ورسومات تعود بنا إلى سنوات ماضية (الشرق الأوسط)

اختار غاليري «آرت أون 56» معرضاً جماعياً يتألف من نحو 20 لوحة تشكيلية ليطلق موسمه الفني لفصل الشتاء، يودّع معه عاماً ويستقبل آخر في جردة حساب تعود بنا إلى سنة 2012 حتى اليوم. وتشير صاحبة الغاليري، منى وادي محرّم، إلى أن المعرض بمثابة احتفالية بلبنان الثقافة. وتتابع: «بعد كل المصاعب التي مررنا بها كان لا بد من وقفة فنية نتواصل عبرها مع الجمال والقوة».

وتشارك في هذا المعرض مجموعة من الرسامين والنحاتين اللبنانيين والسوريين، من بينهم جورج باسيل ووسام بيضون وليلى داغر وعماد فخري وديالا خضري وغادة جمال ويامن يوسف، وغيرهم.

وتتوزّع اللوحات على صالات «آرت أون 56»، فتطلّ على قطع فنية زيتية وأكليريك و«ميكسد ميديا». وتحت عناوين مختلفة كـ«نعم للحرية ولا لـ...». و«الشقراء» و«الزهرة الزرقاء» و«بيروت» و«رحلة الأمل» و«قطع من السماء». تستوقفك مجموعة زهير دبّاغ المنفذة في عام 2016، فهي مصنوعة من الطين الأحمر (تيراكوتا) مع خلفية سوداء. وتقرأ فيها صفحات تاريخ أشخاص من دون ملامح هائمة في مهب الحياة.

وأمام لوحة «قبل الحفلة» لديالا خضري تحلّق في عالم ثلاثي الأبعاد؛ فتقدّم مشهداً من بيوت بيروت وتقاليد أهلها، وتجمع فيها ما بين سماء العاصمة وسجادة تستلقي على حديد الشرفة قيد التنظيف. فيما تتسمر أمام لوحة لجورج باسيل تذكّرك بأشهر لوحات القرن السادس عشر: «موناليزا» لليوناردو دافنتشي، وتكتشف بأنها تتألف من طبقات «ميكسد ميديا» عمّرها باسيل بدقة في عام 2023.

وفي لوحة «إرادة جيل» لهيبة بلعة بواب نفّذتها في عام 2020، ترى الحياة من منظار ملوّن بالشباب، تُصورّه منشغلاً بالتخطيط لغدٍ أفضل بواسطة تقنية اللصق (كولاج).

وغالبية لوحات «إلى حيث ننتمي» تلفتك بأحجامها الضخمة. تطبعك بالخيال وتزوّدك بذبذبات إيجابية تحتاج إليها بعد فترة حرب دامية. ولعلّ تنوّع تقنياتها وأطياف ريشتها يكمن فيها سرّ جماليتها، وأحياناً تأخذك إلى عالم الحسابات الهندسية كما مع الفنان السوري منير الشعران، فتحل معه ألغاز رسمة بسيطة وغامضة في آن بعنوان «نعم للحرية ولا لـ...»، وبالخط العربي الذي يتقن تطريزه بلوحاته يترك لك حرية إكمال العبارة كما تشاء.

وبألوان زاهية من الأزرق والأصفر والأخضر، وعلى مساحة قماش (كأنفاس) واسعة تتعرّف إلى طبيعة «المتحكمون باللعبة»، بتوقيع إدغار مازجي، الذي يصورّهم على هيئة رجلين مقنّعين، يبدّلان خيوط الحقبات كما يرغبان، تصغر الكرة الأرضية بين أياديهما ككرة الـ«بولينغ»، يقذفانها لتضرب ما يطالعها من أجسام خشبية متسببة بفوضى.

التنوع بالتقنيات وأساليب الرسم يطبع معرض «إلى حيث ننتمي»، وتحتل الذكريات قسماً منه تحت عنوان «غرفة رقم 11» لرفيق مجذوب، فينقل مشاهداته من غرفة سجن دخلها لفترة قصيرة تحمل هذا الرقم. يربطها مجذوب بالإنسانية مصوراً حالة شخص يفتقد الحرية، ويترجمها في كلمات مكتوبة بالإنجليزية على خلفية بيضاء وإطار خشبي أحمر. وقد نفّذ مجموعته هذه في عام 2016.

لوحة ليلى داغر «قطع من السماء» نفّذتها بالزيت والباستيل في عام 2022. وتنقل من خلالها انعكاسات حياة على امرأة تعيش الوحدة. فيما يأخذنا عماد فخري بلوحته «مشهد ثلاثي» إلى علاقة الإنسان الباحث عن الوفاء، فيجدها مع كلبيه اللذين يشعرانه بالسعادة.

الرسام السوري أنس حمصي ينثر رشّة من الأمل والخيال على أجواء المعرض. ومع لوحتيه «رحلة الأمل» و«الحالمون»، يضع شخصياته الملونة والمغمورة بخربشات سوداء في حالة ضبابية. فيما تعبّر صفاء الست عن معاناة إنسان مغدور بمنحوتة من النحاس والحديد، فيخترقها سهم يجمّد الحياة في شرايينها.

وتقابلها منحوتة من الـ«ريزين» للفنان السوري يامن يوسف «آخر الرجال الواقفين»، فنراه ينتصب بقامته الزرقاء خائفاً من لحظة السقوط.

قصص من الحياة يستعيد معها «إلى حيث ننتمي» شريطاً من الذكريات، فيزوّد زائره بحفنة من الفن التشكيلي المعاصر، ويؤلّف بذلك واحة ثقافية وفنية يحتاج إليها اللبناني كي يتنفس الصعداء بعد حالة حرب خانقة عاشها.