«موركس دور» تتألق بنسختها الـ23 متضمنة مفاجآت ومصالحات

«للموت 3» و«النار بالنار» يحصدان غالبية جوائزها 

كاريس بشار (موركس دور)
كاريس بشار (موركس دور)
TT

«موركس دور» تتألق بنسختها الـ23 متضمنة مفاجآت ومصالحات

كاريس بشار (موركس دور)
كاريس بشار (موركس دور)

تحت عنوان «البقاء على قيد الحياة»، احتشد نجوم من لبنان والعالم العربي، للاحتفال بإنجازاتهم ونجاحات زملائهم. وتلوّنت المشهدية العامة للحفل بفرحة اللقاء من جديد تحت سماء لبنان الثقافة والفن. وكالعادة احتلت الأناقة والموضة وأسماء مصممين لبنانيين مساحة كبيرة في هذه الأمسية. واعتمد ذكر مصمم الأزياء لملابس كل فنان وفنانة من باب تشجيع المواهب اللبنانية وإلقاء الأضواء عليها.

وعبر شاشة «إل بي سي آي» وبعد غياب 14 عاماً، نُقل الحفل مباشرة، منطلقاً من صالة السفراء في «كازينو لبنان» عند الثامنة والنصف مساء. وافتتحت فعالياته بأغنية «البقاء على قيد الحياة» (staying alive) لفريق الـ«بي جيز» بلوحة فنية تصدرتها مقدمة الحفل هيلدا خليفة التي تصدرت مواقع التواصل الاجتماعي بحرفيتها وأناقتها الموقعة من المصمم اللبناني نيكولا جبران، وحضورها الأخاذ والمتمكن.

وتكلل أول التكريمات بعطر الرحابنة من خلال الفنانة هدى حداد، فحصلت على جائزة عن مشوارها الفني مطربة من زمن الأصالة. وأهدت الجائزة إلى مدرسة عاصي ومنصور الرحباني. وأدت بعدها واحدة من أغنياتها المعروفة «من يوم ليوم».

هالة صدقي مع بوسي شلبي (موركس دور)

وبعد جائزة تكريمية مشابهة نالها الممثل المخضرم جهاد الأطرش عن مشواره الفني، اعتلت الممثلة المصرية هالة صدقي الخشبة، فنالت جائزة «موركس دور» عن فئة أفضل ممثلة في الدراما المصرية. وذلك عن دورها «صفصف» في مسلسل «جعفر العمدة» في رمضان الفائت.

قيس الشيخ نجيب (موركس دور)

في حين حصل الممثل السوري قيس الشيخ نجيب جائزته عن فئة أفضل ممثل عربي في الدراما المشتركة عن دوره في «ستليتو». وكان للممثل رفعت طربيه حصته من الجوائز التكريمية عن مجمل مشواره الخمسيني في المسرح، وليفسح المجال من بعده لإلقاء تحية لفنانين رحلوا في عام 2022 وتركوا فراغاً على الساحة. واستذكر عبر شاشة عملاقة توسطت المسرح بعضاً منهم، ومن بينهم مروان نجار وسامي خياط وعبد الله الحمصي وجيرار أفيديسيان وغسان إسطفان والشيف رمزي شويري وصولاً إلى الراحل روميو لحود. فاعتلت المسرح ابنة شقيقه ناهي ألين لحود التي ألفت مع الممثل طوني عيسى ثنائية غنائية، وأدّت معه أغنيات حفرت بالذاكرة من توقيع رميو لحود تضمنت «خدني معك» و«دقي يا ربابة» و«طال السهر».

وفي القسم الثاني من الحفل كُرّم فنانون آخرون رحلوا خلال العام الحالي مثل إيلي شويري ومحمد جمال.

وطوال الحفل لوحظ بقاء عدد كبير من نجوم الفن حتى بعد تكريمهم وحصولهم على الجوائز. وفي مقدمهم هدى حداد وناصيف زيتون ومحمد رمضان ونوال الزغبي. واستمرت وقائع الحفل لما بعد منتصف الليل. وآثر الفنان زياد برجي الذي نال جائزة «نجم الغناء اللبناني» أن يكون مسك الختام، فكان آخر من تسلم جائزته واختتم الحفل بأغنية «وبطير».

نوال الزغبي (حساب موركس دور في إكس)

مصالحات فنية سادت «موركس»

وخلال الحفل عُرض ريبورتاج مصور عن المصالحة التي جرت بين زياد برجي و«موركس دور»، فصُور الإعلامي جمال فياض كونه من لجنة الجائزة أثناء زيارة برجي في منزله، وقد رافقه زملاء له في اللجنة، وتمنوا على برجي أن يشارك في الحفل بعد سوء تفاهم وقع بينه وبين القيمين على الجائزة. وتردد أن برجي امتنع عن تسلم الجائزة إثر تحويلها إليه بعد رفضها من وائل كفوري.

محمد رمضان (موركس دور)

أما المصالحة الثانية التي شهدها الحفل مباشرة على الخشبة، فتمت بين محمد رمضان ونوال الزغبي. فقبيل تسليم جائزة تكريمية لمروان خوري طلب جمال فياض من الزغبي ورمضان اعتلاء المسرح لكسر الجليد بينهما. وكان سببه قول رمضان إن الفنانة اللبنانية التي يتمنى أن يقدم دويتو غنائياً معها لم تولد بعد مما استفز الزغبي. وهي كانت قد استفزت رمضان بدورها عندما قالت عنه في إحدى مقابلاتها في مصر إنها لا تعرفه.

مفاجآت تلوّن الحفل

مفاجآت عدة حملها «موركس دور» في نسخته الـ23، وبينها إعلان نقيب محترفي الموسيقى فريد بو سعيد، منح الأخوين زاهي وفادي الحلو منظمي الحفل عضوية فخرية في النقابة.

وتمثلت المفاجأة الثانية، بإطلالة الممثلة التركية شيفال سام صاحبة شخصية «إندر» في مسلسل «التفاح الحرام»، فحصلت على جائزة التميز ممثلة تركية وتفاعل معها الحضور إثر غنائها «يا قمر أنا وياك» لفيروز.

ميريام فارس (موركس دور)

وشكل إدخال فئات جوائز جديدة على نسخة «موركس» لعام 2023 مفاجآت بدورها، من بينها جائزة التميز الفني لعبير نعمة، وجائزة فنانة لبنانية وصلت إلى العالمية وحصدتها ميريام فارس.

نيقولا معوض بتصميم وقعه جورج حبيقة (موركس دور)

وكذلك جائزة مماثلة للممثل نيقولا معوض ممثلاً لبنانياً وصل إلى العالمية. فهو لعب دور بطولة فيلم أجنبي بعنوان «ابنه الوحيد» مجسداً دور النبي إبراهيم. كما كُرّم أشخاص من خارج مجال الفن كرجل الأعمال العراقي كاوا جنيد.

«للموت 3» و«النار بالنار» يحصدان الجوائز

حصة المسلسلين الدراميين «للموت 3» و«النار بالنار» كانت الأهم لحصدهما العدد الأكبر من الجوائز.

أفضل ممثل لبناني جورج خباز (موركس دور)

«النار بالنار» نال جوائز أفضل ممثلة عربية في الدراما المشتركة وكانت من نصيب كاريس بشار؛ وكذلك عن أفضل ممثل لبناني من الفئة نفسها لجورج خباز، وأفضل مسلسل لبناني بالدراما المشتركة وتسلمها صادق الصباح منتج العمل. وبالتالي حصل

كل من ساشا دحدوح وطارق تميم على جائزتين عن أفضل ممثل وممثلة عن دور مساند في العمل نفسه.

ساشا دحدوح أفضل ممثلة في دور مساند (موركس دور)

أما «للموت 3» فحصد جائزة «موركس دور» عن أفضل مخرج درامي لبناني وتسلمها فيليب أسمر. وكذلك الأمر وعن المسلسل نفسه، تسلمت الكاتبة نادين جابر جائزتها بصفتها أفضل كاتبة سيناريو. بينما حصدت ورد الخال جائزة أفضل ممثلة لبنانية عن دورها (كارما) فيه.

ورد الخال (موركس دور)

ونال المنتج جمال سنان جائزة «موركس» عن أفضل مسلسل لبناني جماهيري «للموت 3».

أما أفضل شارة مسلسل فحصدها مسلسل «وأخيراً» عن أغنية «ضاع القلب» للمغني نادر الأتات الذي قدمها إثر تسلمه الجائزة على المسرح مباشرة.

جوائز الغناء للبنانيين وسوريين وعراقيين وأردنيين ومصريين

تنوعت جوائز «موركس دور» الخاصة بالغناء لتشمل باقة من فناني لبنان وسوريا ومصر والأردن والعراق.

ناصيف زيتون (موركس دور)

فحصدت نوال الزغبي جائزة نجمة الغناء اللبنانية عن عملها «حفلة». بينما فاز السوري ناصيف زيتون بجائزة نجم الغناء العربي. وتميزت العراقية رحمة رياض بجائزة نجمة الغناء العربية وقدمت أغنية «حلو هالشعور». أما الفنان مروان خوري فنال جائزة تكريمية عن مشواره الفني، على مدى 20 عاماً من النجاح والاستمرارية.

أحمد سعد (موركس دور)

أما المصريان أحمد سعد ومحمد رمضان فحصد كل منهما جائزة «موركس»؛ الأول عن فئة أفضل أغنية عربية (سايرينا يا دنيا)، غناها على المسرح وتفاعل معه الحضور بحيث أشعل الأجواء حماساً. وحصد رمضان جائزة عن فئة أفضل ممثل عربي عن «جعفر العمدة». وأدى على المسرح ميدلاي من أغانيه المعروفة، فهاج معه الجمهور وماج حماساً.

وفاز الأردني عصام النجار بجائزة أفضل مغنٍّ عربي ناشئ. وشاركه الغناء على المسرح محمد رمضان في دويتو «تي إم أو».

وفاز كليب أغنية نانسي عجرم «على شانك» من توقيع المخرجة ليلى كنعان بجائز أفضل فيديو كليب.

وتميز الحفل بلوحات غنائية لونتها أخرى راقصة أضافت عليها كاميرا مخرج الحفل طوني قهوجي التألق، فشكل مع مقدمة الحفل هيلدا خليفة ثنائياً منسجماً كل من موقعه الذي يعود إليه بعد غياب عن شاشة «إل بي سي آي».


مقالات ذات صلة

إجبار راكب على التخلي عن مقعده بالدرجة الأولى في الطائرة... من أجل كلب

يوميات الشرق صورة نشرها المسافر للكلب على موقع «ريديت»

إجبار راكب على التخلي عن مقعده بالدرجة الأولى في الطائرة... من أجل كلب

أُجبر أحد ركاب شركة «دلتا للطيران» على التخلي عن مقعده الفاخر في الدرجة الأولى لمسافر آخر، اكتشف فيما بعد أنه كلب، الأمر الذي أثار غضبه ودهشته.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق أول كائن مولود رقمياً (متحف الحياة الريفية الإنجليزية)

«ميم» في متحف إنجليزي للمرّة الأولى

أصبحت صورة «الوحدة المطلقة» التي انتشرت بسرعة عبر الإنترنت، أول «كائن مولود رقمياً» يُعرض في المتحف الوطني للعلوم والإعلام بإنجلترا. 

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مغامرة غير محسوبة (أ.ب)

قطّ أعمى عمره 20 عاماً يعيش مغامرة على الجليد

يحبّ «تيكي»، وهو قطٌّ أعمى أبيض وأسود، عمره 20 عاماً، التجوُّل في الهواء الطلق. ولكن هذه المرّة أثار الذعر.

«الشرق الأوسط» (ماساتشوستس الولايات المتحدة)
يوميات الشرق يمكن للعواطف أن تجعل الأشياء أسهل في التذكّر (سيكولوجي توداي)

كيف تجعل ذكرياتك «تعيش مدة أطول»؟

كل لحظة وكل ذكرى تثير استجابة عاطفية معينة، ويمكن للعواطف أن تجعل تذكّر الأشياء أسهل.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس (أ.ف.ب)

مقاضاة رجل عانق المستشار الألماني على مدرج مطار فرانكفورت

أعلن الادعاء العام الألماني في مدينة فرانكفورت عن تحريك دعوى قضائية بحق رجل عانق المستشار أولاف شولتس على مدرج مطار فرانكفورت.

«الشرق الأوسط» (فرانكفورت)

«مائة عام من العزلة» يستحق ابتسامة ماركيز... مسلسلٌ ضخم على هيئة حلم مدهش

مسلسل «مئة عام من العزلة» يعيد إحياء تحفة غابرييل غارسيا ماركيز الأدبيّة (نتفلكس - أ.ب)
مسلسل «مئة عام من العزلة» يعيد إحياء تحفة غابرييل غارسيا ماركيز الأدبيّة (نتفلكس - أ.ب)
TT

«مائة عام من العزلة» يستحق ابتسامة ماركيز... مسلسلٌ ضخم على هيئة حلم مدهش

مسلسل «مئة عام من العزلة» يعيد إحياء تحفة غابرييل غارسيا ماركيز الأدبيّة (نتفلكس - أ.ب)
مسلسل «مئة عام من العزلة» يعيد إحياء تحفة غابرييل غارسيا ماركيز الأدبيّة (نتفلكس - أ.ب)

منذ اللحظة التي حصلت فيها «نتفليكس» على حقوق تصوير رواية «مائة عام من العزلة»، أدركت أنه لا يمكنها العبث بإرثٍ ثمين كهذا الإرث الذي تركه غابرييل غارسيا ماركيز.

يوم عرض المنتج الأميركي هارفي واينستين على الأديب الكولومبي عام 1994 تحويل تحفته إلى فيلم هوليوودي، أجابه ماركيز: «وحدها مائة ساعة سينمائية ربما تَفي هذه الرواية حقّها». تراجعَ واينستين أمام عناد ماركيز وشروطه التعجيزيّة، ورحل الأخير عام 2014 ليوافق ولداه رودريغو وغونزالو (بعد 5 سنوات) على تنفيذ المشروع، بالتعاون مع المنصة العالمية.

الكاتب الكولومبي الحائز على نوبل الآداب غابرييل غارسيا ماركيز (أ.ب)

بـ16 حلقة، مدّة كلٍ منها ساعة، وبفريق عمل كولومبي مائة في المائة، وباللغة الإسبانية، بدأ عرض الحلقات الـ8 الأولى من المسلسل، الذي أشرف على تفاصيله وريثا ماركيز بصفة منتجَين منفّذَين، اشترطا على «نتفليكس» أن يجري التصوير في كولومبيا، وأن يفي النص لروح الرواية، فينطق بالإسبانية. أما الممثلون فهم جميعاً كولومبيون.

ينتمي العمل إلى فئة الواقعيّة السحريّة، أي أنّ الخيال والحقيقة يتداخلان من دون أي خيطٍ رفيعٍ فاصلٍ بينهما، فيبدو السحر جزءاً طبيعياً من السرديّة. ولو قُدّر لماركيز أن يكون حياً ويتابع المسلسل، فإنّه على الأرجح كان سيبتسم إعجاباً بصورة عالية الجاذبيّة وبأداءٍ تمثيلي خارق، أخلصا لروايته المدهشة.

«بعد سنواتٍ كثيرة، وبينما كان يواجه فرقة الإعدام، عاد الكولونيل أوريليانو بوينديا بالذاكرة إلى تلك الظهيرة البعيدة، عندما أخذه والده لاكتشاف الثلج». بتلك العبارة الشهيرة، يُفتَتح المسلسل لتنطلق رحلة 7 أجيال من سلالة بوينديا. بدءاً بالوالد المؤسس خوسيه أركاديو وزوجته أورسولا، وصولاً إلى أحفاد الأحفاد الذين يحملون الأسماء واللعنات ذاتها.

في منتصف القرن الـ19، ومن قريتهما، حيث اعترضت العائلة على ارتباطهما خوفاً من غضب القدَر، ينطلق خوسيه أركاديو وأورسولا إلى بقاع كولومبيا الشاسعة. ترافقهما في الرحلة مجموعة من شبّان البلدة وشاباتها، فيؤسسون معاً بلدة ماكوندو المتخيّلة. في ذلك المكان الذي يشبه مجسّماً صغيراً للبشريّة بجمالها وبشاعتها، بيوميّاتها الاعتياديّة وغرائبها، بخَيرها وشرِّها، تكبر عائلتهما وعائلات رفاقهما، لتتحوّل القرية الصغيرة تدريجياً إلى بلدة معروفة ومقصودة، إنما مسحورة في الوقت عينه.

خوسيه أركاديو بوينديا باحثاً عن مكان في أراضي كولومبيا الشاسعة لتأسيس بلدة "ماكوندو" (نتفليكس)

ليس شبح الرجل الذي قتله خوسيه أركاديو في بداية القصة، والعائد أبداً لزيارته وزوجته، المتخيَّل الأول والأخير. ستدخل إلى ماكوندو مجموعة كبيرة من الغجر الذين سيجلبون معهم كثيراً من الغرائب والعجائب والظواهر غير المألوفة. يقع أركاديو في شَرَك ما ورائياتهم وألاعيبهم وعلم الفلك والخيمياء، فيصبح حبيس مختبره مستطلعاً النجوم والكواكب، ومحاولاً تحويل الحديد إلى ذهب. فيما أورسولا تصنع الحلوى لتبيعها وتعيل العائلة.

تنطلق الحكاية من زواج خوسيه أركاديو بوينديا وأورسولا إيغواران والذي يثير حفيظة عائلتهما وغضب القدر (نتفليكس)

لا تجتاح الغرائب ماكوندو عبر سيّد الغجر ملكياديس الذي يعود من الموت فحسب، بل تدخلها كذلك مع ريبيكا، الطفلة ذات العينَين الجاحظتَين. تطرق باب الثنائي بوينديا حاملة عظام والدَيها في كيسٍ يهتزّ وحده بين الفينة والأخرى، وتأكل التراب من الحديقة كلّما ساورتها نوبة حزن أو غضب.

على كثرتها، لا تبدو الغرائب وكل الظواهر الخارجة عن الطبيعة نافرة. فهي، وكما آمنَ بها ماركيز، جزءٌ لا يتجزَّأ من معتقدات شعوب أميركا اللاتينيّة والأساطير التي آمنت بها.

ينسحب الأداء الآسر على الممثلين الأطفال على رأسهم شخصية «ريبيكا» على يمين الصورة (إنستغرام)

كذلك يأتي الواقع ليطرق باب ماكوندو. يزورها على هيئة حكايات عشقٍ تقلب حياة أولاد خوسيه أركاديو وأورسولا رأساً على عقب، أو على هيئة قاضٍ آتٍ ليفرض القانون بواقعيّة المدن المتحضّرة. كما تدخل السياسة إلى البناء الدرامي، بصراعاتها وانتخاباتها ودمويّتها الزائدة عن حدّها أحياناً في المسلسل.

بين الواقع والخيال، لا بدّ من أن يقع المُشاهد في حب عملٍ تلفزيوني لا يقتصر تَميُّزُه على ضخامة الإنتاج (إحدى أكبر الميزانيّات الإنتاجيّة في تاريخ المنصة)، ولا على استلهامِ روح ماركيز وإحدى أجمل رواياته على الإطلاق، بل على كونِه تُحفة بصريّة لا تبالغ في توظيف العناصر الخياليّة ولا تضخّم الرموز والفانتازيا، فلا تشعر العين بالتخمة أو بالاشمئزاز.

ملصق المسلسل الكولومبي المؤلّف من 16 حلقة (نتفليكس)

لإضفاء مزيدٍ من عناصر الإقناع والبساطة إلى مشاهد السحر وكل ما هو خارق للطبيعة، تجنَّب فريق الإنتاج قدر المستطاع الاعتماد على المؤثّرات البصريّة بواسطة الكومبيوتر. في مشهد الكاهن الذي يرتفع عن الأرض مثلاً، جرت الاستعانة بحبالٍ ورافعة. أما آلاف الأزهار التي انهمرت من السماء في مشهدٍ آخر، فكلّها حقيقية، ولم تتكاثر بواسطة التكنولوجيا.

تجنّب فريق المسلسل الإكثار من العناصر البصريّة المصنوعة عبر الكمبيوتر (نتفليكس)

من دون أن يتحوّل إلى ترجمة حرفيّة للرواية الأصلية، أخلصَ مسلسل «مائةُ عامٍ من العزلة» لروحِ كِتاب ماركيز. أخذ خيالَ المؤلّف الكولومبي على محمل الجدّ، منحَه قيمة وبرعَ في إقناع المُشاهد به. بدا المسلسل لصيقاً بالأرض، بواقعيّتها وطبيعتها، على الرغم من امتلائه بمحرّكات المخيّلة. يمكن القول إنه من بين أفضل الإنتاجات الدراميّة التي نجحت في التعامل مع الواقعيّة السحريّة. وقد فرض العمل نفسه في صدارة مسلسلات 2024، مغرّداً في الوقت نفسه خارج سرب باقي الإنتاجات؛ إذ إنه لا يشبهها بشيء، لا شكلاً ولا مضموناً.

يحلّق المسلسل فوق الحقبات العابرة على ماكوندو، من خلال نقلاتٍ زمنية سلسة وسريعة لا تُغرق المُشاهد في الملل؛ كأن تعبرَ سنواتٌ بثوانٍ بصريّة ممتعة. لا يُفقد هذا الأمر النص بلاغتَه ولا القصة تفاصيلها المزخرفة بعناية. وما يساعد في ذلك، الأداء الآسر لممثلين كولومبيين غير معروفين عالمياً، إنما على مستوى عالمي من البراعة؛ على رأس هؤلاء مارليدا سوتو بدَور أورسولا، وكلاوديو كاتانيو بشخصية أوريليانو بوينديا.

قدّمت الممثلة مارليدا سوتو أداءً استثنائياً لشخصية أورسولا (نتفليكس)

لم تعلن «نتفليكس» بعد عن تاريخ عرض الجزء الثاني من المسلسل، لكن لا بدّ من فسحة يلتقط فيها الجمهور أنفاسه قبل خوض القسم الثاني من الحلم المثير للدهشة.

ووفق المعلومات، فإنّ الآتي سيحافظ على المستوى ذاته من الإدهاش. مع العلم بأنّ التصوير جرى في مكانٍ قرب ألفارادو في كولومبيا؛ حيث بُنيَت 4 نُسَخٍ من بلدة ماكوندو، تجسيداً لعبور الزمن على أجيال عائلة بوينديا.

أما المستفيد الأكبر من هذه الحركة الإنتاجية، فهم أهالي المنطقة والاقتصاد الكولومبي عموماً، الذي عاد عليه هذا النشاط بـ52 مليون دولار.