دراسة: التفكير بلغة أجنبية يؤثر على طريقة اتخاذنا قراراتنا

الناس غالباً ما يكونون أكثر حذراً ودقةً وعقلانيةً في تفكيرهم عند استخدام لغة أجنبية (رويترز)
الناس غالباً ما يكونون أكثر حذراً ودقةً وعقلانيةً في تفكيرهم عند استخدام لغة أجنبية (رويترز)
TT

دراسة: التفكير بلغة أجنبية يؤثر على طريقة اتخاذنا قراراتنا

الناس غالباً ما يكونون أكثر حذراً ودقةً وعقلانيةً في تفكيرهم عند استخدام لغة أجنبية (رويترز)
الناس غالباً ما يكونون أكثر حذراً ودقةً وعقلانيةً في تفكيرهم عند استخدام لغة أجنبية (رويترز)

أظهرت دراسة جديدة أن طريقة اتخاذ الأشخاص قراراتهم تتغير حين يفكرون ويناقشون هذه القرارات بلغة أجنبية مختلفة عن لغتهم الأصلية.

ووفقاً لصحيفة «الغارديان» البريطانية، فقد أشار البروفسور بواز كيسار، من جامعة شيكاغو، الذي قاد هذه الدراسة إلى أن مناقشة فكرةٍ ما بلغة أجنبية قد يؤثر على «تفكيرنا الأخلاقي»، الذي غالباً ما يكون مدفوعاً بمشاعرنا الغريزية بدلاً من التفكير المنطقي.

وأوضح قائلاً: «يتجلى ذلك بوضوح في التجربة الفكرية المعروفة باسم «مشكلة العربة». وتتطلب هذه التجربة من الأشخاص تخيل أنفسهم وهم يقودون قطاراً قبل أن يخرج هذا القطار عن السيطرة فجأة ويتجه نحو 5 أشخاص، الطريقة الوحيدة لإنقاذ هؤلاء الأشخاص الخمسة هي سحب المقبض وتحويل العربة إلى مسار آخر يقتل فيه شخصاً واحداً فقط. سيموت الرجل لكن موته سيمنع القطار من الاصطدام بالأشخاص الخمسة الآخرين. وهذا الخيار يسمى «الخيار النفعي».

وأضاف: «يشعر الكثير من الناس بالاشمئزاز الشديد من فكرة دفع رجل إلى الموت ويفضلون عدم اتخاذ أي إجراء على الإطلاق، على الرغم من أن ذلك يعني فقدان الكثير من الأرواح».

وأجرى كيسار وعدد من زملائه تجربة على عدد من المشاركين الأميركان الذين تعلموا اللغة الإسبانية كلغة ثانية، حيث طلب من نصفهم التفكير في «مشكلة العربة» بلغتهم الأصلية، في حين طلب من النصف الآخر التفكير فيها بعد مناقشتها باللغة الإسبانية.

ووجد الباحثون أن احتمال اتخاذ المشاركين الخيار النفعي الذي يقضي بتحويل العربة إلى مسار آخر يقتل فيه شخصاً واحداً فقط، كان أكبر بكثير عندما استخدموا اللغة الإسبانية.

وللتأكد من النتائج، تعاون كيسار مع فريق آخر من جامعة «بومبيو فابرا» في برشلونة، أجرى التجربة نفسها على مشاركين متنوعين من الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا. وتوصل الفريق الإسباني إلى نفس نتائج فريق كيسار، حتى إنه قال إنه في إحدى العينات، كان المشاركون أكثر عُرضة بمقدار الضعف لاختيار «الخيار النفعي» عند التحدث عن المشكلة بلغة ثانية.

طريقة اتخاذ الأشخاص قراراتهم تتغير حين يفكرون ويناقشون هذه القرارات بلغة أجنبية (رويترز)

بالإضافة إلى ذلك، درس كيسار وفريقه كيفية تأثير التفكير بلغة أخرى عن المكاسب المالية المحتملة من عملية ما. وأظهرت التجارب السابقة أن الناس غير مستعدين للمخاطرة بخسارة مبلغ صغير من المال من أجل فرصة الفوز بمبلغ أكبر. لكن كيسار وجد أن هذا الخوف من المخاطرة يقل حين يفكر الأشخاص في المشكلة ويناقشونها بلغة مختلفة عن لغتهم.

علاوة على ذلك، أظهرت دراسة كيسار أن تأثير اللغة الأجنبية يمكن أن يثبط «تكوين ذكريات كاذبة». وفي تجربة أجراها فريقه، تم إعطاء المشاركين أولاً قائمة من الكلمات المرتبطة لقراءتها، مثل «حلم»، و«غفوة»، و«سرير»، و«راحة». وبعد دقائق طُلب منهم تذكر هذه الكلمات. ووجد الباحثون أن الكثير من الأشخاص أشاروا إلى أنهم سمعوا كلمة «نوم»، التي لم تكن موجودة في القائمة، ما يعني أنهم كان لديهم ميل إلى تكوين ذكريات كاذبة.

وعند تكرار التجربة بعد مطالبة المشاركين بذكر الأشياء بلغة أجنبية، كانت الإجابات أكثر دقة بكثير، وفقاً للباحثين.

واستنتج كيسار أن الناس غالباً ما يكونون أكثر حذراً ودقة وعقلانية في تفكيرهم عند استخدام لغة أجنبية.

وسبق أن أفادت دراسة أجراها باحثون هنود، ونُشرت في عام 2015، بأن من يتحدثون لغة ثانية غير لغتهم الأصلية يستعيدون وظائفهم الإدراكية والمعرفية الطبيعية بواقع الضِّعف عمّن يتحدثون لغة واحدة فقط، وذلك بعد الإصابة بالسكتة الدماغية.

وقالت الدراسة الهندية إن استخدام عدة لغات يمثل تحدياً للمخ؛ لأنه يصبح من الصعب إيجاد لفظ معين لمعنى واحد بين عدة لغات -ومثل هذا التحدي يقوّي المرونة العصبية أو المخزون المعرفي مما يهيّئ المخ للتعامل مع التحديات الجديدة مثل الأمراض.


مقالات ذات صلة

3 أكاذيب تُقنع بها نفسك قد تتسبب في فشلك

يوميات الشرق يغوص الشخص في حالة من الإنكار حين يمر بموقف محبط (رويترز)

3 أكاذيب تُقنع بها نفسك قد تتسبب في فشلك

في بعض الأحيان، تكون الأشياء التي نرويها لأنفسنا لإنكار الموقف أو تجاوزه هي السلاسل التي تقيدنا وتقيد نجاحنا، حسبما أكده عالم النفس جيفري بيرنستاين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق نجمة بلقاسم (الفيغارو)

نجمة بلخادم جزائرية مرشحة لجائزة فرنسية لنساء الأعمال

جاءت سيدة الأعمال المغربية نجمة بلخادم ضمن الأسماء العشرة المرشحة للفوز بجائزة «بيزنس وذ أتيتود» التي تكافئ أكثر امرأة مجددة في المؤسسة الخاصة التي تديرها.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق صورة نشرها المسافر للكلب على موقع «ريديت»

إجبار راكب على التخلي عن مقعده بالدرجة الأولى في الطائرة... من أجل كلب

أُجبر أحد ركاب شركة «دلتا للطيران» على التخلي عن مقعده الفاخر في الدرجة الأولى لمسافر آخر، اكتشف فيما بعد أنه كلب، الأمر الذي أثار غضبه ودهشته.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق أول كائن مولود رقمياً (متحف الحياة الريفية الإنجليزية)

«ميم» في متحف إنجليزي للمرّة الأولى

أصبحت صورة «الوحدة المطلقة» التي انتشرت بسرعة عبر الإنترنت، أول «كائن مولود رقمياً» يُعرض في المتحف الوطني للعلوم والإعلام بإنجلترا. 

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مغامرة غير محسوبة (أ.ب)

قطّ أعمى عمره 20 عاماً يعيش مغامرة على الجليد

يحبّ «تيكي»، وهو قطٌّ أعمى أبيض وأسود، عمره 20 عاماً، التجوُّل في الهواء الطلق. ولكن هذه المرّة أثار الذعر.

«الشرق الأوسط» (ماساتشوستس الولايات المتحدة)

دريد لحّام لـ«الشرق الأوسط»: انقضت سنوات القهر وأنا لم أكن مع النظام بل ضد الفوضى

الفنان السوري دريد لحّام (فيسبوك)
الفنان السوري دريد لحّام (فيسبوك)
TT

دريد لحّام لـ«الشرق الأوسط»: انقضت سنوات القهر وأنا لم أكن مع النظام بل ضد الفوضى

الفنان السوري دريد لحّام (فيسبوك)
الفنان السوري دريد لحّام (فيسبوك)

يطوي دريد لحّام بعد أسابيع عامه الـ90 وفيه طاقة شابٍ ما زال يعمل ويخطّط ويحلم بسوريا جديدة. أمضى أكثر من نصف تسعينه في بلدٍ كان يُعرف بـ«سوريا الأسد». أما اليوم فقد تبدّلت التسميات والرايات والوجوه، ويبدو الممثل العابر للأجيال مستعداً هو الآخر للعبور إلى فصلٍ مختلف من تاريخ وطنه. ذهب الأسد وبقي مَن علقَ في ذاكرة أجيالٍ من المشاهدين العرب باسم «غوّار الطوشة».

من قلب دمشق، يطلّ عميد الفنانين السوريين متحدّثاً إلى «الشرق الأوسط» عن أمله بغدٍ أفضل، تتّسع فيه البلاد للآراء كلّها. يعبّر عن ارتياحه إلى التحوّل الجذري الحاصل. يختصر انطباعه حول أحداث الأسبوعَين اللذَين تليا سقوط نظام بشار الأسد بالقول: «أشعر بأنّ هناك حياة مختلفة عمّا كانت عليه سابقاً خلال سنوات القهر». يذهب في تفاؤله أبعد من ذلك ليعلن أنه على استعداد لتجهيز عملٍ مسرحي أو تلفزيوني جديد. يودّ أن يطلق عليه عنوان «مبارح واليوم»، وهي العبارة ذاتها التي يعتمدها لوصف ما تعيشه سوريا حالياً.

«لم أكن مع السُّلطة»

كان لحّام من أوّل المباركين للشعب السوري من خلال فيديو نشره عبر صفحاته على وسائل التواصل الاجتماعي. تلك الحماسة إلى «هروب الأسد» كما سمى، وصفها الرأي العام بـ«التكويعة»، على أساس أنّ لحّام كُرّم من قِبَل بشار الأسد وهو عُرف بدعمه النظام، لا سيّما خلال سنوات الحرب في سوريا.

يعترض لحّام على ذلك وعلى «التشهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي»، موضحاً موقفه السابق بالقول: «أنا مع النظام بمعنى أنني ضد الفوضى، ومع بلدي سوريا لكني لم أكن مع السلطة، والفرق كبيرٌ بينهما». يدعّم رأيه المناهض للسُلطة بمفهومها الذي كان سائداً في سوريا، مستشهداً بأعمالٍ له انتقدت النظام القائم على مرّ الأجيال. يعود مثلاً إلى مسلسل «وادي المسك» (1982) الذي «مُنع بسبب انتقاده السلطة بمسائل كثيرة»، لا سيّما منها الفساد والإثراء غير المشروع. «كان ممنوع نقول إنو في مسؤولين فاسدين»، يضيف لحّام.

لحّام المعروف بدعمه للنظام السابق يقول إنه كان ضد الفوضى وليس مع السلطة (أ.ف.ب)

انتقاد الأحصنة ممنوع...

يشكو الفنان السوري من مقصّ الرقيب الذي لم يوفّر سيناريو مسلسل ولا نصاً مسرحياً. «في أحد المسلسلات كتبتُ حواراً بين حمارٍ وإنسان يشكو فيه الحمار من أنه مظلوم ويعمل كثيراً لينال القليل من التبن، فيما الحصان يركض ربع ساعة ويحصل على الدلال والاهتمام». يتابع لحّام: «تصوّري أن الرقيب منع تلك المقارنة بين الحمار والحصان، مبرّراً ذلك بأنّ باسل الأسد يحب الأحصنة، ولا يجب بالتالي انتقادها».

يؤكّد لحّام أنه لطالما لجأ إلى الاستعارات والتسميات المخترَعة في مسرحياته، وأفلامه، ومسلسلاته، تفادياً للمَنع أو الرقابة. في مسرحية «غربة» (1976)، يقول إنه هرب إلى جغرافيا أخرى كي يمرّر أفكاره: «حتى إذا أتى مَن يحاسبنا نقول له إننا نتحدث عن قرية غربة وليس عن بقعة جغرافية في سوريا». كذلك حصل في فيلم «الحدود» (1982)، حيث «استبدلتُ سوريا ولبنان بواسطة شرقستان وغربستان».

ملصق فيلم «الحدود» الذي جمع دريد لحّام ورغدة في الثمانينات (فيسبوك)

«دريد بدّو قطع لسان»

في النصف قرن الماضي من حُكم آل الأسد، أكثر ما أقلقَ لحّام على سلامته وأمنه، وأَشعرَه بأنّ القمع الفني تحوّل إلى تهديد شخصي، كان قول أحد المسؤولين في مجلسٍ خاص: «دريد بدّو قطع لسان». وفق تعبيره: «كانت تلك أصعب فترة».

وتوجّه بالكلام لمَن حكموا سوريا خلال السنوات الـ50 الماضية، حيث قال: «الله لا يسامحكم». يذكّر هنا بالقول المأثور حول السلطة: «لو دامت لغيرك لما آلت إليك»، مضيفاً: «لقد ظنّوا أنهم باقون إلى الأبد، ولم يعرفوا أن الأبد ليس سوى لربّ العالمين».

دريد لحّام بشخصية «أبو سامي» من مسلسل «سنعود بعد قليل» (فيسبوك)

صهاريج المازوت والأسلحة

وهو الذي سبقَ أن دخل إلى «قصر الشعب» وقابلَ الأسد، ويؤكّد أنه حاول مرة وخلال لقاءٍ جمع الرئيس السابق بالفنانين في بداية الحرب، ولفتَ نظره إلى أمرٍ أقلقَه، حيث حذّر لحّام حينذاك «من خروج صهاريج مازوت من سوريا إلى لبنان وعودتها ممتلئة بالأسلحة تحت عيون المسؤولين عن المعابر الحدودية، وهذه قمّة الفساد». يُذكر أنّ سامعَه اكتفى بالاستماع ولم يحاوره.

أما للسلطة الحالية وتلك التي ستحكم سوريا في المستقبل، فيقول لحّام: «انتبهوا قبل أي شيء إلى مسألة الرأي والرأي الآخر، لأن لا مجتمعاً يعيش برأي أحاديّ». وأكثر ما يريحُه «أننا انتهينا من الحُكم الأحادي»، راجعاً في هذا السياق إلى فظاعة ما تكشّف خلف أسوار السجون السورية: «يمكن بالعالم كلّه ما في سجن مخصص لأصحاب الرأي إلّا عندنا بسوريا».

حتى الآن، هو لم يلتقِ بمَن هم على رأس السلطة الجديدة، إلّا أنه يلفت إلى أنّ «الأشخاص الموجودين في الشارع والذين يتولّون حراسة البلد، تعاملوا معنا بودٍّ منقطع النظير. شعرتُ بأنهم أصدقاء وأحبّاء لنا ولسوريا».

يقول لحّام إن أكثر ما يريحه بسقوط النظام هو نهاية الرأي الأحادي (فيسبوك)

«تفسير أعوَج»

ويبدو لحّام مطمئناً إلى أنّ سوريا الجديدة ستكون دولة مدنيّة تتّسع للآراء كلّها، ولا تخضع للحُكم الطائفي، على قاعدة أنّ «البلدَ لطالما كان بعيداً عن الطائفية». ويراهن على شعبٍ عانى الأمرَّين خلال العقود الماضية، وهو يتمنّى على أبناء بلده «أن يكونوا سوريين مائة في المائة، وألّا ينتموا سوى إلى وطنهم».

ويتأسف على أجيالٍ من السوريين «أضاعوا زهرة شبابهم في الغربة أو قضوا في رحلات العبور البَحري هرباً من الخدمة العسكرية الإلزامية، حيث كانوا يُرغمون على تأديتها لـ8 أو 10 سنوات». وهذا الموضوع تطرّق إليه لحّام خلال لقاءٍ جمعه في الماضي بوزير دفاع النظام السابق؛ حيث قال له حين ذلك: «حرام تتركوهم بالخدمة كل هالسنين». وأجابه أنهم بذلك يقضون على البطالة. ويعلّق لحّام على ذاك الموقف الذي سمعه بالقول: «يا له من تفسيرٍ أعوج!».

وبالحديث عن عبور الحدود، أكثر ما يَحضُر لحّام حالياً هي شخصية «عبد الودود» من فيلم «الحدود». ويرغب في تصوير جزءٍ ثانٍ منه، حتى يتمكّن عبد الودود من قول ما لم يستطع قوله خلال العهد السابق. أما بخصوص المشاريع الجاري التحضير لها، فيحلّ دريد لحّام ضيف شرف على مسلسل رمضاني، كما يستعدّ لخوض تجربة سينمائية جديدة إلى جانب المخرج باسل الخطيب في فيلم بعنوان «زيتونة». ويتطرّق العمل إلى شخص معروف تاريخياً في المجتمع الدمشقي يُدعى زيتونة، وهو كان يجمع المال من المقتدرين ليوزّعه على الفقراء، رغم أنه كان أكثر منهم فقراً.