«سفرة» السعودية تُحلّق في الأعالي

أمين درة لـ«الشرق الأوسط»: نقلُ المطبخ السعودي إلى الطائرة دهشة

بين استقبال الضيف ووداعه... احتفالية (المخرج أمين درّة)
بين استقبال الضيف ووداعه... احتفالية (المخرج أمين درّة)
TT

«سفرة» السعودية تُحلّق في الأعالي

بين استقبال الضيف ووداعه... احتفالية (المخرج أمين درّة)
بين استقبال الضيف ووداعه... احتفالية (المخرج أمين درّة)

يبدو الأمر في ظاهره إعلاناً للائحة مأكولات على متن «الخطوط السعودية». نظرة أعمق، تُبيِّن الحقيقة: ما يقدّمه أمين درّة في شريط «سفرة» هو تقاليد أرض وضيافة شعب. علاقة السعودي بالضيف، تحضُر في دقيقتين. وكيف يتأهّل ويستبقي على المائدة. يتخطّى المشهد كونه إعلاناً حين يفيض بالحسّ ويُحمَّل برائحة. ثمة حكاية خلف الصورة، وإرث في الوجبة المُقدَّمة.

إلى المألوف من الطعام العالمي: برغر، ستيك، وما يقدّمه الجميع؛ تضيف «الخطوط السعودية» قائمة «سفرة» إلى خيارات ركابها. للتعريف بها، وسَّعت المساحة التسويقية؛ فإلى وسائل الإعلام واللوحات الإعلانية، اختارت شركة الإعلان «ليو برنيت السعودية» بالتعاون مع شركة الإنتاج «مجموعة فيلم وركس»، المخرج اللبناني أمين درّة لسكب الفكرة بمشهدية مؤثرة. يتحدّث لـ«الشرق الأوسط» عن مشروع تطلّب تنفيذه نحو الشهرين بين الرياض وجدة، كثَّف حبه للمملكة التي يقول إنها «حضارة وشعب قبل العمران والرفاهية».

تستدعي الفكرة المطبخ السعودي إلى الطائرة. لتنفيذها، تَعمّق درّة في البحث. قرأ واطّلع، سأل وزار المكان. يعتاد تصوير إعلانات تحمل جدوى، فيعبُر بها من ظاهرها التجاري نحو بُعدها الفني. «سفرة» أبعد من تعريف بلائحة طعام أُضيفت إلى أخرى اعتادت «الخطوط السعودية» تقديمها لمسافريها. إنها ثقافة بلد وطموح بحضور عالمي للمطبخ السعودي على الخريطة. التذوُّق ليس وجبة للتناول ثم يحلّ الشبع... هو فنّ.

ثقافة بلد وطموح بحضور عالمي للمطبخ السعودي على الخريطة (المخرج أمين درّة)

درّة انتقائي في خياراته الإعلانية. فهو مخرج سينمائي، وله لمسة في التصوير الدرامي. استمالته في «سفرة» فرادة الفكرة: «جانبها الثقافي من الأشياء المُغرية. شعرتُ بهيبة الإقامة في نسيج المجتمع السعودي. الطعام عادات، فلا يمكن تقديمه بسطحية. لمناطق المملكة خصائص تتنوّع كاللهجات. كان علي الاطّلاع والبحث».

نقلُ المطبخ إلى الطائرة يعني التغنّي ببلد أمام الكون. «سفرة» ليست طعاماً يُسكت المعدة. إنها محاكاة لفنّ إشباع الذوق والمنافسة على الفرادة. كان على درّة ربط الخيوط، فالمطبخ يرادف الضيافة والأخيرة تُظهر الكرم. شبَكَ العناصر للخروج بشريط يُخبر القصة: من لحظة استقبال الضيف إلى مغادرته مُحمَّلاً بتجربة خاصة. وبين الاستقبال والوداع، احتفالية. بالترحيب وإشاعة الألفة؛ بلذائذ المطبخ ورائحة القهوة.

يشرح: «لكل منطقة في السعودية ميزات، فالتقطنا معالم الثقافة في الشمال والجنوب، وفي الرياض وجدة. الرياض هي العاصمة، لديها خصائصها في تحضير الطعام وإعداد المائدة. جدة ساحلية تتفوّق بالمأكولات البحرية. عَرْعَر والخُبر لهما أيضاً عاداتهما».

ففي عَرْعَر الشمالية، يستقبل «الشيخ»، وهو لقبُ كبير القوم، الضيف في خيمة مُبطّنة من شَعر الحيوانات يُطلق عليها «بيت الشعر». يُشارك درّة دهشته بطريقة تحضير «المندي»: «يوضع فحم في برميل تحت الأرض؛ الأرزّ في الطبقة السفلية ولحم الضأن فوق الأرزّ. يتطلّب الأمر نحو 24 ساعة، حتى ذوبان اللحم على الأرزّ وتقديمه بأقصى احتمالات الشهية».

فرادة الفكرة حرّكت رغبة أمين درّة في تصوير «سفرة» (المخرج أمين درّة)

بحركة كاميرا رشيقة، تُروى حكاية مناطق تهمّ جميعها بركوب الطائرة. شَرْحُ درّة عن مأكولات المدن، يجعل الخيال يسرح واللعاب يسيل. عسير مشهورة بـ«الحنيذ» (لحم وأرزّ يحافظان على طابع عصائري) والخبز، «يحضّرونه مبروماً على فرن يُشبه التنور في لبنان. يُمدَّد، ويتّخذ شكل المشطاح، ثم تُضاف إليه حبة البركة». بينما يتكلّم، تشتمّ الرائحة!

ويتحدّث عن طَحْن القهوة بـ«المدقّة»، وغليانها على الفحم. «ذلك يُصدر لحناً، كأنه أغنية». بينما يُجري بحوثه، شعر بسعادة الاكتشاف. يتابع أمين درّة: «صوّرتُ الحفاوة بالضيف، بجانب ثقافة المطبخ. سهَّل المَهمّة إحساسي بالتعاطف مع الفكرة. اللبنانيون أيضاً شعب مضياف، مما جعلني معنياً على المستوى الشخصي. تعمّدتُ إرخاء نَفَس فكاهي وما يترك بسمة. وإظهار كرم الضيافة ورمزية فنجان القهوة».

هدف الإعلان تقديم المطبخ السعودي برتبة عالمية ونَقْل هذه الروحية إلى الطائرة (المخرج أمين درّة)

الغاية مزدوجة، مثل الأصداء: «تقديم المطبخ السعودي برتبة عالمية وإظهار الاهتمام بالأطباق؛ وفي آن، نَقْل هذه الروحية إلى الطائرة. أما ردّ الفعل فإيجابية من شقين: السعوديون الذين يعرفون جيداً معنى العادات والثقافة، ولا يمكن خداعهم بأي محتوى، وجمهور الطائرة وهم عالميون. الطرفان تقبَّل وأحبَّ».

يُسمّي لمسته على المشهدية، «لطشة فنية». يعني بها رَدْف المحتوى بطبقة ثانية تتيح التعمّق. منطلقه السينمائي ونتاجه الدرامي يجعلانه يدرك الفارق في مقاربة الشخصيات وفق عنصر الوقت: «في السينما والتلفزيون، يمكن التمهّل بكشف طبقات الشخصية. في الإعلان، الوقت سيف. على الانطباعات حولها أن تكتمل بأسرع ما يمكن. لذا، قدّمتُ الشخصية السعودية بما تختزله من ثقافة وضيافة وأصالة وعادات».

زيارته الأخيرة للمملكة كانت في 2016. وكثُرت الانشغالات. اليوم يقول: «يا للصدمة الإيجابية! هالني هذا التطوُّر». لا يعني بالدهشة الأبنية والمرافق فحسب، بل الإنسان أيضاً: «الشباب السعودي ينخرط بالمكان؛ في المطعم والفندق ومواقع التصوير. أحببتُ هذه الأرض بإنسانها قبل عمرانها. لا بدّ أن تشعر بشيء خاص وأنت تزورها».


مقالات ذات صلة

السعودية تبرز نهضتها الثقافية في «مهرجان جرش»

يوميات الشرق يُقدّم مجموعة حِرفيين سعوديين أعمالاً مبتكرة أمام زوار المهرجان (وزارة الثقافة)

السعودية تبرز نهضتها الثقافية في «مهرجان جرش»

تستعرض السعودية تنوعها الثقافي والفني أمام زوّار «مهرجان جرش للثقافة والفنون 2024» في المدينة التاريخية الأردنية، وذلك خلال الفترة بين 24 يوليو و3 أغسطس.

«الشرق الأوسط» (جرش)
الاقتصاد ميناء الملك عبد العزيز بالدمام شرق السعودية (موقع «موانئ»)

السعودية: الصادرات غير النفطية تسجل أعلى مستوى منذ عامين

حققت الصادرات السعودية غير النفطية في مايو (أيار) الماضي أعلى مستوى لها في عامين، حيث بلغت 28.89 مليار ريال (7.70 مليار دولار).

آيات نور (الرياض)
الخليج السفير عبد المحسن بن خثيلة يتحدث خلال مؤتمر مراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (البعثة السعودية بجنيف)

السعودية تؤكد على التعاون السلمي لتحقيق الأمن العالمي

أكدت السعودية على التعاون الدولي السلمي كوسيلة لتحقيق الازدهار والاستقرار والأمن العالمي، وتنفيذ معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية كاملةً لتحقيق عالم خالٍ منها.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
الاقتصاد أحد قطارات نقل الركاب التابعة للخطوط الحديدية السعودية (الموقع الرسمي)

قطارات السعودية تنقل 9 ملايين راكب في الربع الثاني

نقلت قطارات السعودية أكثر من 9.3 مليون راكب في الربع الثاني من العام الحالي، بنسبة نمو بلغت 13 في المائة مقارنة بالربع المماثل من العام المنصرم.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق وضعت رؤية السعودية 2030 خطة واضحة لتنمية القطاع غير الربحي وتطويره (واس)

أكثر من 800 ألف متطوع لمنظمات القطاع غير الربحي في السعودية

أصدر المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي تقريره لسنة 2023م، وتضمّن التقرير مستجدات مؤشرات أداء المركز ومنجزاته وفقاً للمرتكزات الاستراتيجية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

رغم المرض... سيليون ديون تبهر الحضور في افتتاح أولمبياد باريس

النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)
النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)
TT

رغم المرض... سيليون ديون تبهر الحضور في افتتاح أولمبياد باريس

النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)
النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)

لم يمنع المرض النجمة العالمية سيلين ديون من إحياء افتتاح النسخة الـ33 من الألعاب الأولمبية في باريس، مساء الجمعة، حيث أبدعت في أول ظهور لها منذ إعلان إصابتها بمتلازمة الشخص المتيبس.

وأدت المغنية الكندية، الغائبة عن الحفلات منذ 2020، أغنية «L'hymne a l'amour» («نشيد الحب») لإديت بياف، من الطبقة الأولى لبرج إيفل.

ونجحت الفنانة الكندية رغم أزمتها الصحية الأخيرة في مواصلة شغفها كمغنية عالمية، كما أثارث النجمة البالغة من العمر 56 عاماً ضجة كبيرة بين معجبيها في عاصمة الأنوار هذا الأسبوع الحالي، حيث شوهدت محاطة بمعجبيها.

وتعاني ديون بسبب هذا المرض النادر، الذي يسبب لها صعوبات في المشي، كما يمنعها من استعمال أوتارها الصوتية بالطريقة التي ترغبها لأداء أغانيها.

ولم يشهد الحفل التاريخي في باريس عودة ديون للغناء المباشر على المسرح فقط، بل شمل أيضاً أداءها باللغة الفرنسية تكريماً لمضيفي الأولمبياد.

وهذه ليست أول مرة تحيي فيها سيلين ديون حفل افتتاح الأولمبياد، إذ أحيته من قبل في عام 1996، حيث أقيم في أتلانتا في الولايات المتحدة الأميركية.

وترقبت الجماهير الحاضرة في باريس ظهور ديون، الذي جاء عقب أشهر عصيبة لها، حين ظهر مقطع فيديو لها وهي تصارع المرض.

وأثار المشهد القاسي تعاطف عدد كبير من جمهورها في جميع أنحاء المعمورة، الذين عبّروا عبر منصات التواصل الاجتماعي عن حزنهم، وفي الوقت ذاته إعجابهم بجرأة سيلين ديون وقدرتها على مشاركة تلك المشاهد مع العالم.

وترتبط المغنية بعلاقة خاصة مع فرنسا، حيث حققت نجومية كبيرة مع ألبومها «دو» («D'eux») سنة 1995، والذي تحمل أغنياته توقيع المغني والمؤلف الموسيقي الفرنسي جان جاك غولدمان.

وفي عام 1997، حظيت ديون بنجاح عالمي كبير بفضل أغنية «My Heart will go on» («ماي هارت ويل غو أون»)، في إطار الموسيقى التصويرية لفيلم «تايتانيك» لجيمس كامرون.