«صادق النمك»... عرض سعودي ساخر يطمح لكسر النمط التقليدي

المسرحية تعتمد على مشاركة الجمهور بشكل مباشر

العرض ينتمي إلى نوعية «الديودراما» (القاهرة للمسرح التجريبي)
العرض ينتمي إلى نوعية «الديودراما» (القاهرة للمسرح التجريبي)
TT

«صادق النمك»... عرض سعودي ساخر يطمح لكسر النمط التقليدي

العرض ينتمي إلى نوعية «الديودراما» (القاهرة للمسرح التجريبي)
العرض ينتمي إلى نوعية «الديودراما» (القاهرة للمسرح التجريبي)

على مر الزمان، ظل دور الجمهور في الفن المسرحي يتمثل في مجرد تلقي العمل بسلبياته وإيجابياته باعتباره الحلقة الأخيرة، التي ينتهى إليها العرض مكتملاً من دون أن يكون له أي دخل في صنعه. وتطمح المسرحية السعودية «صادق النمك» إلى كسر ذلك الشكل التقليدي المتعارف عليه وتقديم نوع جديد من المسرح يشارك فيه الجمهور بشكل قوي ومباشر في صنع العمل.

بوستر المسرحية السعودية (القاهرة للمسرح التجريبي)

يقوم الحدث الدرامي في المسرحية التي تعرض حالياً على مسرح «الطليعة» بالعتبة ضمن فعاليات الدورة الثلاثين من مهرجان «القاهرة الدولي للمسرح التجريبي»، التي تستمر حتى 8 سبتمبر (أيلول) الحالي، على فكرة بسيطة تتمثل في حوار إذاعي يجريه المذيع عارف يدري مع الضيف صادق النمك، لكن المفارقة الكوميدية أن كلا الشخصين ليس لهما من اسمهما نصيب، فالأول لا يعرف شيئاً ولا يدري حقيقة ما يدور من حوله على الساحة العالمية والإقليمية، بينما الضيف يجسد كل ما يناقض فضيلة الصدق، فهو يبدع في الكذب ويتفنن في المبالغات والتزييف.

ويأتي دور الجمهور حين يعطي المذيع، جسد شخصيته رامي الأحمدي، الضوء الأخضر للحضور في قاعة المسرح بطرح الأسئلة في صيغة مداخلات هاتفية على الضيف، جسد شخصيته محمد بحر، أو التعقيب على إجاباته السابقة.

حالة ارتجالية خاصة من نوعها (القاهرة للمسرح التجريبي)

يتّسم العرض على مستوى المضمون بالسخرية والانتقادات اللاذعة، حيث يتيح الحوار الممتد بين المذيع والضيف تناول العديد من الموضوعات بشكل ساخر مثل الرياضة والشعر والصيد الجائر، فضلاً عن بعض القضايا العالمية مثل الاقتصاد والرأسمالية. وتنبع المفارقة من المسافة بين ما يقال في الإعلام وبين ما يعيشه الناس على أرض الواقع.

أما على مستوى الشكل، فينتمي العمل إلى ما يعرف بـ«مسرح الديودراما» حيث يقوم العرض على اثنين فقط من الممثلين يتصاعد بينهما الحوار محملاً بالعديد من المحطات في الصراع الدرامي.

وتجسد مشاركة الجمهور في العمل ما يعرف بـ«المسرح التفاعلي» الذي يشير، حسب مختصين، إلى «عرض يقوم بشكل كامل أو جزئي على الارتجال واللعب بهدف متعة المتلقي، ويعطي مساحة لا بأس بها للجمهور للتفاعل مع الحدث والمشاركة في صنعه».

واللافت أن المسرحية مأخوذة عن رواية «أبو شلاخ البرمائي» للأديب والدبلوماسي السعودي د. غازي القصيبي (1940 - 2010)، وعمل مخرج العرض ياسر مدخلي المعالجة المسرحية لها أو «الدراماتورج»، فما الذي جذب المخرج السعودي إلى تلك الرواية تحديداً حتى يقع اختياره عليها؟ طرحنا السؤال عليه، فأجاب: «في الحقيقة يملك غازي القصيبي تأثيراً كبيراً عليّ، ونتاجه الأدبي كان لافتاً على مستوى القصيدة والرواية، كما أنني اطلعت على مؤلفاته منذ زمن، وكون عملي في المسرح يعتمد على التجربة والتجريب فقد وجدت شخصية (الشلاخ) أو (الكاذب) مناسبة، واشتغلت عليها منذ فترة بشكل عملي، وقدمت عروضاً محدودة لاختبار التجربة ومحاولة بناء قالب مسرحي مناسب».

ويضيف مدخلي قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «وجدت تشجيعاً ومؤازرة من أبناء القصيبي واستطعنا بعد هذه السنوات من العمل الجاد أن نصل إلى نموذج جيد نقدمه للجمهور».

وفيما استبعده من الرواية وما حافظ عليه عند تحويلها لعمل مسرحي، أوضح أنه «اعتمد على الشخصية أكثر من اعتماده على النص حرفياً، فالفكرة في الرواية تدور حول حوار صحافي بين البطل وأحد محرري الصحف، وهذا لا يصلح لتجسيده درامياً، لذلك أعاد بناء الشخصية لتواكب الجمهور في 2023 وجعل الحدث عبارة عن لقاء إذاعي وكتب له ما يتواءم مع الشخصية التي صنعها القصيبي ولغته التي كانت إحدى ركائزه الدفاعية التي يمارسها لتأكيد أكاذيبه».

وأضاف: «جاء هذا الشكل المسرحي مصمماً ليشارك الجمهور في التمثيل معنا من خلال مداخلات هاتفية يقوم بها المتفاعلون مع العرض من أماكنهم بمجرد طلب الميكروفون، وصنعنا مع جمهورنا عروضاً مذهلة وارتجالاً بديعاً قدمه الصديقان الممثلان محمد بحر ورامي الأحمدي».

وفيما إذا كان شعر ببعض التخوف عند عرض العمل خارج السعودية بسبب اختلاف اللهجة التي ربما تجعل هناك صعوبة في فهم طبيعته الكوميدية، أكد أن «لغة العمل مدروسة، وسهلة، ومفهومة».

وأضاف أن «ما نقدمه ليس اللغة المنطوقة بقدر ما نقدم القالب التجريبي الذي نطمح أن يجد قبولاً لدى المتلقين من المتخصصين بالذات الذين يعون أهمية ابتكار شكل جديد يخاطب جمهور اليوم ويتحدى الأشكال النمطية التي لم تستطع اليوم جذب الجمهور بشكل كافٍ أمام زحف التقنيات الحديثة، التي وفرت للمتلقي منصة سينمائية ومحتوى متجدداً في جيبه وعلى هاتفه النقال، وتمنحه فرصة التفاعل والنقد والانتقاء والمشاركة».


مقالات ذات صلة

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

يوميات الشرق الفنانة المصرية منة شلبي تقدم أول أعمالها المسرحية (حسابها على «فيسبوك»)

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

تخوض الفنانة المصرية منة شلبي أولى تجاربها للوقوف على خشبة المسرح من خلال عرض «شمس وقمر» الذي تقوم ببطولته، ويتضمن أغاني واستعراضات.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق عرض مسرحي

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

من خلال حفلات للموسيقى الشعبية الليبية والأغاني التقليدية، استقطب افتتاح المهرجان أعداداً كبيرة من سكان درنة، لينثر ولو قليلاً من الفرح بعد كارثة الإعصار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق مجموعة نشاطات فنّية يقدّمها الفريق في كل مركز (فضاء)

مؤسّسة «فضاء» تؤرشف للمسرح خلال الحرب

يختصر عوض عوض أكثر ما لفته في جولاته: «إنهم متعلّقون بالحياة ومتحمّسون لعيشها كما يرغبون. أحلامهم لا تزال تنبض، ولم تستطع الحرب كسرها».

فيفيان حداد (بيروت)

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
TT

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ45، «تشريفاً تعتز به»، ومسؤولية في الوقت نفسه، مؤكدة أن «السينما العربية حققت حضوراً جيداً في المهرجانات الدولية». وأشارت، في حوارها مع «الشرق الأوسط»، إلى أنها تنحاز للأفلام التي تُعبر عن أصالة الفكرة وروح المغامرة، منوهة بعملها على فيلمها الطويل الأول منذ 3 سنوات، لكنها لا تتعجّل تصويره؛ كون الأفلام الطويلة تتطلّب وقتاً، ولا سيما الأفلام الأولى التي تحمل تحديات على صُعُد القصة والإنتاج والممثلين، مُشيدة بالخطوات التي قطعتها السينما السعودية عبر أفلام حقّقت صدى محلياً ودولياً على غرار «نورة» و«مندوب الليل».

بدأت هند الفهاد عملها عام 2012، فأخرجت 4 أفلام قصيرة شاركت في مهرجانات عدة وهي: «بسطة» الذي فاز بجائزة في «مهرجان دبي» 2015، و«مقعد خلفي»، و«ثلاث عرائس وطائرة ورقية»، و«المرخ الأخير» الذي جاء ضمن فيلم «بلوغ»، وتضمّن 5 أفلام قصيرة لـ5 مخرجات سعوديات، وشارك قبل 3 أعوام في «مهرجان القاهرة السينمائي».

وبين حضورها المهرجان في أحد أفلامها قبل سنوات، ومشاركتها بلجنة تحكيم العام الحالي، ترى هند الفهاد فرقاً كبيراً، موضحة: «أن أكون مشاركة في فيلم ويعتريني القلق والترقب شيء، وأن أكون أحد الأعضاء الذين يُسمّون هذه المشروعات شيء آخر، هذا تشريف ومسؤولية، إذ أشاهد الأفلام بمنظور البحث عن الاختلاف والتميز وأساليب جديدة لصناع أفلام في تناول موضوعاتهم، وأجدني أنحاز للأفلام التي تعبّر عن أصالة الفكرة وتقدم حكاية لا تشبه أي حكاية، وتنطوي على قدر من المغامرة الفنية، هذه من الأشياء المحفزة في التحكيم، وقد ترأستُ قبل ذلك لجنة تحكيم أفلام الطلبة في مهرجان أفلام السعودية».

لا تتعجل الفهاد فيلمها الطويل الأول (الشرق الأوسط)

وعن رؤيتها للسينما العربية بعد مشاهدتها أحدث إنتاجاتها في «مهرجان القاهرة»، تقول هند الفهاد: «لا شك في أنها قطعت خطوات واسعة في السنوات الأخيرة بحضورها في المهرجانات الكبرى؛ لأن لدينا حكايات تخصّنا، وهناك مخرجون ومخرجات أثبتوا حضورهم القوي عبر أفكار وأساليب متباينة، وأنا أقول دائماً إن الفكرة ليست في القصة، وإنما في كيف تروي هذه القصة ليتفاعل معها الجمهور في كل مكان».

وتكشف المخرجة السعودية عن استعدادها لتصوير فيلمها الروائي الطويل الأول الذي تعمل عليه منذ سنوات، قائلة: «كتبته المخرجة هناء العمير، ووصلنا أخيراً لنسخة السيناريو المناسبة، لكن الأفلام الطويلة، ولا سيما الأولى تحتاج إلى وقت للتحضير، خصوصاً إذا كان في المشروع تحديات على صُعُد القصة والممثلين والإنتاج».

وتتابع هند: «لم أحدّد بعدُ توقيت التصوير. وعلى الرغم من أنه مشروعي الأساسي، لكن هناك مشروعات أخرى أشتغل عليها، وفي تعدّدها أضمن استمرارية العمل لأكون حاضرة في المجال، فقد تكون هناك فكرة رائعة، لكن حين تُكتب نكتشف أنه من الصعب تنفيذها، لأسباب عدة».

وعن نوعية الفيلم تقول: «اجتماعيّ دراميّ، تدور أحداثه في غير الزمن الحالي. وانتهت مرحلة تطوير النص لفيلمي القصير، ووصل إلى النسخة المناسبة، وأنا، الآن، أختار أبطاله، وهو يروي حكاية تبدو في ظاهرها بسيطة، وتحمل أوجهاً عدّة، فأنا لا أُعدّ الأفلام القصيرة مرحلة وانتهت، بل أحب العمل عليها بشغف كبير في ظل ما أريده، والمعطيات من حولي وكيف أتقاطع مع هذه الأشياء».

وحاز مشروع فيلمها الطويل «شرشف» على منحة إنتاج من معمل البحر الأحمر، وترى هند الفهاد أن التّحدي الحقيقي ليس في التمويل؛ لأن النص الجيد والسيناريو المكتمل يجلبان التمويل، مُشيدة بتعدّد جهات الدعم في المملكة من منطلق الاهتمام الجاد بالسينما السعودية لتأسيس بنية قوية لصناعة السينما أوجدت صناديق تمويل متعددة.

وعلى الرغم من عمل هند الفهاد مستشارة في تطوير المحتوى والنصوص الدرامية، فإنها تواصل بجدية الانضمام إلى ورش السيناريو؛ بهدف اكتساب مزيد من الخبرات التي تُضيف لها بصفتها صانعة أفلام، وفق تأكيدها.

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

بدأت هند الفهاد مشوارها قبل القفزة التي حققتها صناعة السينما السعودية. وعن ذلك تقول: «كنا نحلم بخطوة صغيرة فجاءنا بحرٌ من الطموحات، لذا نعيش لحظة عظيمة لتمكين المرأة ورعاية المواهب المحلية بشكل عام، وقد كنّا نتطلع لهذا التّحول، وأذكر في بداياتي أنه كان وجود السينما أَشبه بالحلم، لا شك في أن نقلة كبيرة تحقّقت، لكن لا تزال التجربة في طور التشكيل وتتطلّب وقتاً، ونحن مهتمون بتطوير المواهب من خلال مشاركتها في مشروعات عربية وعالمية لاكتساب الخبرات، وقد حقّقت أعمالٌ مهمة نجاحاً دولياً لافتاً على غرار (نورة) و(مندوب الليل)».

وتُعبر هند الفهاد عن طموحاتها قائلة: «أتطلع لأحكي قصصنا للعالم، فالسينما هي الصوت الذي يخترق جميع الحواجز».