«السيد والعبد»... مسرحية بحرينية تعيد إحياء جدلية تاريخية

عُرضت ضمن الدورة الـ30 لـ«القاهرة التجريبي»

العرض البحريني يطرح تساؤلات عدة (مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي)
العرض البحريني يطرح تساؤلات عدة (مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي)
TT

«السيد والعبد»... مسرحية بحرينية تعيد إحياء جدلية تاريخية

العرض البحريني يطرح تساؤلات عدة (مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي)
العرض البحريني يطرح تساؤلات عدة (مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي)

تحول «مسرح البالون» إلى قاعة، وتحولت الجدلية التاريخية إلى عمل فني معاصر، أما الجمهور فبات مشاركاً أساسياً في الحدث... هكذا كان العرض البحريني «السيد والعبد» الذي شهده اليوم الأول من فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته الثلاثين مساء (السبت).

المخرج البحريني خالد الرويعي (مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي)

يأخذنا النص المستلهم من القصص الأكدية في حضارة ما بين النهرين إلى حوار طويل يدور بين رجلين، أحدهما وفق العمل، يجسد السيد والآخر هو العبد، يجلسان معاً حول طاولة تتوسط قاعة فسيحة، وكلما تحدث السيد وأبدى رغبته في تنفيذ شيءٍ ما، كأن يذهب إلى قصر الحاكم، أو للصيد؛ فإن عبده يصدق على كلامه، ويمدح قراره، ويعدّد فوائد ما يسعى إلى فعله، لكن ما إن يصرف السيد النظر عن هذا القرار حتى يعود العبد إلى مباركة القرار الجديد، ويذكر مزاياه بنفس القوة، وخلال ذلك يظهر جسدا الشخصين وكأنهما في حالة تشابك، ويتحولان تدريجياً إلى التباعد والتنافر.

وعبر هذه الحالة أيضاً يطرح العمل، وهو من إنتاج «مسرح الصواري»، سينوغرافيا وإخراج الفنان خالد الرويعي، وتمثيل الفنانين أحمد سعيد وصالح الدرازي، الكثير من التساؤلات داخل ذهن المتفرجين حول استسلام العبد لأفكار سيده؛ إذ يؤيد العبد ما يريده سيده ويرفض ما يعزف عنه، إلى أن يقودهما إلى التساؤل الأهم: هل تجمع النفس البشرية ما بين السيادة والعبودية في وقت واحد؟

يناقش العمل السيادة والعبودية داخل الإنسان (مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي)

تعود «حوارية السيد والعبد» نصاً مسرحياً شعرياً منقوشاً على الألواح الحجرية إلى عام 1200 قبل الميلاد؛ أي إنها ظهرت في مرحلة تاريخية تمثّل قمة ازدهار أدب بلاد الرافدين، وتأثّره بقوانين حمورابي، فضلاً عن تأثرها بالأفكار السومرية والأكدية، وفق خالد الرويعي الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «أعتز كثيراً بعرض (السيد والعبد) في الدورة الحالية للمهرجان التجريبي؛ لأنه يأتي بعد مرور 30 سنة على مشاركتي فيه، وإن كانت هذه هي أول مرة أشارك فيها مخرجاً وليس ممثلاً أو رئيساً لفرقة مسرحية، ما يضاعف من ثراء التجربة؛ لأن ذلك سيتيح لي التواصل الأعمق مع الجمهور والوفود والنقاد على السواء».

«لم أشعر بالخوف من عدم قدرة الحوارية على الوصول للمشاهدين؛ لأن مضمون النص هو نفسه جدلية الإنسان المعاصر، الذي يعيش بإرادته فكرة أن يكون سيداً أو عبداً؛ هذه الفكرة موجودة في أعماق النفس البشرية منذ بداية الخليقة، لكنها تتفاوت في أشكالها ومراحلها».

المخرج والفنان خالد الرويعي

ووصف الفنان المهرجان بأنه «الأهم والأكثر عراقة في المنطقة العربية في مجال المسرح التجريبي؛ ولذلك يحرص الجميع على المشاركة فيه».

وكشف المخرج عن ظروف استلهامه للعمل من أقدم حوارية عرفها التاريخ، قائلاً: «هذا النص سلّمه لي الفنان العراقي عوني كرموي منذ نحو 20 سنة، مبدياً رغبته في أن أُقدّمه مسرحياً، وقرأته وأحببته كثيراً، لكني لم أقرّر إخراجه إلا منذ 5 سنوات، إلى أن رأى النور منذ شهرين في البحرين، ورأيت أن أشارك به في المهرجان».

أداء الممثلين جزء من فضاء العمل (مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي)

لكن ألم تكن إعادة تقديم نص يعود عمره إلى بدايات البشرية تمثل له نوعاً من المخاطرة أو المغامرة؟ يجيب الرويعي قائلاً: «لا، لم أشعر بالخوف من عدم قدرة الحوارية على الوصول للمشاهدين، لأن مضمون النص هو نفسه جدلية الإنسان المعاصر، الذي يعيش بإرادته فكرة أن يكون سيداً أو عبداً؛ هذه الفكرة موجودة في أعماق النفس البشرية منذ بداية الخليقة، لكنها تتفاوت في أشكالها ومراحلها».

ويتابع: «إن مفهوم السيد والعبد وفق النص قائم على مبدأ السلطة وتحقيق الرغبات، فأحياناً نكون عبيداً لإرادتنا ولخياراتنا ولا نعترف بعبوديتنا؛ لأننا نراها نوعاً من تحقيق الرغبات، في حين أننا في واقع الأمر نكون عبيداً لهذه الرغبات».

مسرحية «السيد والعبد» (مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي)

ويوضح الفنان البحريني: «في أحيانٍ كثيرة نكون أسياداً وعبيداً في الوقت نفسه، وتلك هي قيمة الحوارية، إنها تأخذنا إلى أماكن مختلفة تمسّ الإنسان في كل مكان وزمان، وما يميّزها ويمنحها الخلود هو بساطتها المفرطة وعمقها الشديد، إضافةً إلى قابليتها المدهشة للتأويل ومحاكاة الرغبات والنزعات البشرية، أستطيع أن أجزم بعد التعامل مع هذا النص أنه يمنح من يتصدى له القدرة على بعث الحياة فيه من جديد، وذلك سر آخر من أسرار خلوده».

في السياق نفسه، وعلى الرّغم من توغل النص في القدم، فإن المتفرج لا يشعر بذلك، يقول خالد الرويعي: «كثير من المتفرجين تساءلوا اليوم: هل فعلاً هذا العرض مستقى من الجدلية التاريخية؟ وكان ردي: نعم، والأكثر من ذلك أنه مطابق لها بنسبة تتجاوز الـ95 في المائة». ويضيف: «العرض يمثل قراءة معاصرة للنص، وهذا هو الجانب المهم في الأمر، وقد لعبت السيونوغرافيا دوراً أساسياً في تحقيق ذلك مثل الإخراج؛ لأنها حاولت أن تعطي أبعاداً مختلفة لتأويل النص بشكل جديد، كما أنّ كل جزئية بها أعطته دلالة معمقة لما أراد النص أن يقوله».

ويواصل حديثه إلى «الشرق الأوسط»: «حتى أداء الممثلين ساهم في الشكل الفني للعرض؛ فقد كانا ممثلين، وفي الوقت نفسه جسدا جانباً مهماً من فضاء العرض، عبر حركاتهما وجسديهما وتحريك قطعة الديكور، وهي الطاولة التي تحمل في حد ذاتها ما تحمله من مدلولات وتأويلات في الثقافتين العربية والغربية حيث الحميمية الأسرية أو فن التفاوض السياسي والاجتماعي وغير ذلك».


مقالات ذات صلة

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

يوميات الشرق الفنانة المصرية منة شلبي تقدم أول أعمالها المسرحية (حسابها على «فيسبوك»)

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

تخوض الفنانة المصرية منة شلبي أولى تجاربها للوقوف على خشبة المسرح من خلال عرض «شمس وقمر» الذي تقوم ببطولته، ويتضمن أغاني واستعراضات.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق عرض مسرحي

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

من خلال حفلات للموسيقى الشعبية الليبية والأغاني التقليدية، استقطب افتتاح المهرجان أعداداً كبيرة من سكان درنة، لينثر ولو قليلاً من الفرح بعد كارثة الإعصار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق مجموعة نشاطات فنّية يقدّمها الفريق في كل مركز (فضاء)

مؤسّسة «فضاء» تؤرشف للمسرح خلال الحرب

يختصر عوض عوض أكثر ما لفته في جولاته: «إنهم متعلّقون بالحياة ومتحمّسون لعيشها كما يرغبون. أحلامهم لا تزال تنبض، ولم تستطع الحرب كسرها».

فيفيان حداد (بيروت)

هولندي يروّج للسياحة المصرية بالتجديف في النيل لمدة أسبوع

المجدف الهولندي يبدأ رحلته من بني سويف حتى القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
المجدف الهولندي يبدأ رحلته من بني سويف حتى القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

هولندي يروّج للسياحة المصرية بالتجديف في النيل لمدة أسبوع

المجدف الهولندي يبدأ رحلته من بني سويف حتى القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
المجدف الهولندي يبدأ رحلته من بني سويف حتى القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

دشن المجدف الهولندي المحترف، روب فان دير آر، مشروع «التجديف من أجل مصر 2024»، بهدف الترويج لمنتج السياحة الرياضية المصرية، حيث تستمر الرحلة لمدة أسبوع، وتبدأ من بني سويف (115 كيلومتراً جنوب القاهرة)، وحتى العاصمة القاهرة.

ويهدف المشروع إلى تسليط الضوء على جمال مصر وتراثها الطبيعي والثقافي المتميز، بالإضافة إلى الترويج لمقوماتها السياحية والأثرية المتنوعة، ورفع الوعى بأهمية الحفاظ على نهر النيل.

المُجدّف الهولندي المحترف روب فان دير آر (وزارة السياحة والآثار المصرية)

ووفق عمرو القاضي، الرئيس التنفيذي للهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي، فإن مشاركة الهيئة في هذا الحدث تأتي في إطار حرص الدولة المصرية على التعاون مع سفارات الدول الأجنبية بمصر، ولا سيما في الفعاليات والأحداث التي تلقي الضوء على المقصد السياحي المصري والترويج لمقوماته ومنتجاته السياحية المتنوعة والمختلفة.

ولفت القاضي إلى أن «هذه النوعية من الأحداث تخاطب شريحة من المهتمين بمنتج السياحة الرياضية بصفة عامة ومنتج سياحة المغامرات بصفة خاصة، كما أنها تتماشى مع الاستراتيجية الترويجية للهيئة التي تهدف إلى الترويج لمقومات مصر السياحية، علاوة على الدور المجتمعي الذي تقوم به الهيئة في التعاون مع المؤسسات الخيرية».

جدير بالذكر أن هذا المشروع يتم تنفيذه بالتعاون والتنسيق بين سفارة دولة هولندا في القاهرة، ومؤسسة مجدي يعقوب للقلب، وشركة Aspire، وتحت رعاية عدد من الوزارات.

مشروع «التجديف من أجل مصر 2024» يهدف إلى الترويج للسياحة الرياضية (وزارة السياحة والآثار المصرية)

ويتوقع وزير السياحة والآثار المصري، شريف فتحي، الوصول إلى هدف «30 مليون سائح سنوياً» بحلول عام 2031 إذا لم تحدث متغيرات جيوسياسية جديدة بالمنطقة»، وفق تعبيره.

وقال إن «الاستراتيجية التي أعلنتها الحكومة المصرية خلال الفترة الماضية -30 مليون سائح بحلول عام 2028- كانت طَموحة للغاية، ولم تضع في حسبانها الأزمات السياسية والعسكرية التي أثّرت تداعياتها على دول المنطقة والعالم».

ورغم ذلك توقع الوزير أن يشهد العام الحالي زيادة في أعداد السائحين القادمين إلى مصر، ليكون 15.2 مليون سائح في 2024، مقارنةً بـ14.906 مليون سائح عام 2023.