برونو جعارة لـ«الشرق الأوسط»: الارتجال فن يتطلب من الممثل الوعي

يرى أن هناك صعوبة في إيجاد النص المسرحي الجيد

يستعد لعرض مسرحية «حماتك بتحبك» في 7 سبتمبر على مسرح مونو (برونو جعارة)
يستعد لعرض مسرحية «حماتك بتحبك» في 7 سبتمبر على مسرح مونو (برونو جعارة)
TT

برونو جعارة لـ«الشرق الأوسط»: الارتجال فن يتطلب من الممثل الوعي

يستعد لعرض مسرحية «حماتك بتحبك» في 7 سبتمبر على مسرح مونو (برونو جعارة)
يستعد لعرض مسرحية «حماتك بتحبك» في 7 سبتمبر على مسرح مونو (برونو جعارة)

غنية تجارب المخرج المسرحي برونو جعارة في عالم الفنون على أنواعها. فهو عاش أجمل حقباتها منذ التسعينات وصولاً إلى الألفية الثانية. تعاون مع الراحل مروان نجار في «عمتي نجيبة» و«نادر مش قادر» و«هريبة يا أوادم» وغيرها. وكانت له تجارب مسرحية فرنكوفونية عززت مشواره بنكهات فنية غربية. تعاون مع الراحل ريمون جبارة في «من قطف زهرة الخريف» بالفرنسية، ومثّل لبنان في الدورة الـ11 من مهرجان «اللقاءات المسرحية» في مدينة ليون الفرنسية.

مؤخراً سطع اسم برونو جعارة من جديد ضمن أعمال مسرحية خاصة بالأطفال. وبعد «سيرين وعلاء الدين» في عام 2013 عاد إلى المسرح بعملين جديدين، فقدم عام 2022 «لو ترينو دي بير نويل» (Le traîneau du Père Noël). وفي عام 2023 لاقت مسرحيته «رايحين جايين» نجاحاً ملحوظاً، مما استوجب تمديد مدة عرضها أكثر من مرة على مسرح «مونو» في الأشرفية.

حالياً يستعد المخرج جعارة لتقديم عمل مسرحي كوميدي «حماتك بتحبك»، على مسرح «مونو» في الأشرفية ابتداء من 7 سبتمبر (أيلول) الحالي.

مسرحية اجتماعية تناسب جميع أفراد العائلة. تدور قصتها حول الحماة عفيفة التي تثير مشكلة وراء أخرى عندما تقرر أن تزور ابنتها جومانا وتقيم عندها لفترة. يوضح برونو جعارة لـ«الشرق الأوسط»: «إنها تناسب جميع الأعمار من 17 إلى 90 عاماً، ومحورها الحماة التي تتسبب بمصيبة تلو الأخرى عن غير قصد. فالعمل جميل ويرسم البسمة على شفاه مشاهده بأسلوب سلس ولطيف».

يلوم المدارس لتراجع الحسّ الثقافي عند الجيل الجديد (برونو جعارة)

يشارك في هذا العمل مجموعة من الممثلين بينهم فيفيان بلعط، وباتريك شمالي، وميرا بارودي، ومحمد عساف، وغدي هوشر، وباتريسيا سميرا، ونديم يارد. «لقد أخذت أفكاراً من مسرحيات عدّة وجمعتها في واحدة. غالبية مسرحياتي مقتبسة، وفي (حماتك بتحبك) سنشهد كوكتيلاً من المواقف والشخصيات. أنا شخصياً لا أذكر في تاريخ المسرح عملاً مشابهاً محوره الحماة». ويتابع جعارة: أن «شخصية الحماة عادة ما تثير التساؤلات ومن عبارة مشهورة في لبنان (حماتك بتحبك) نستخدمها في ظروف عدة. وهي رائجة عند وصول أحدهم إلى منزل يتناول أفراده طعام الغداء أو فنجان قهوة، فيبادرونه بالقول (حماتك بتحبك) لتلطّف هذه العلاقة الشائكة بينها وبين الصهر أو الكنة».

انقطع برونو جعارة لفترة عن تقديم مسرحيات من إخراجه. «جميعنا نعرف الأسباب القسرية التي أدت إلى توقف عمل المسرح. فالجائحة من ناحية والأزمات المتلاحقة في لبنان من ناحية ثانية أثرت على هذا المجال وغيره من الفنون».

ولكننا اليوم نلاحظ غزارة إنتاجات مسرحية فما رأيك؟ يرد: «لا أجدها أبداً كذلك فغالبية المسارح مقفلة أبوابها كـ(جورج الخامس) و(شاتو تريانو) و(كازينو لبنان) والـ(أتينيه) وغيرها. بالكاد هناك مسرحان أو ثلاثة تواظب على تقديم الأعمال في نطاق بيروت».

وينتقد جعارة غياب خشبات المسرح واستبدال مقاهي النرجيلة بها، «عندما تلاحظين أن رواد المقاهي ومدخني النرجيلة يفوقون بأعدادهم هواة المسرح والفنون، تدركين إلى أين نحن ذاهبون».

يؤكد أن مسارح كثيرة في بيروت لا تزال أبوابها مقفلة (برونو جعارة)

في الماضي كانت المسرحيات تعرض لأشهر متتالية وحتى لمدة عام كامل، وهذه الحقبة ولّت اليوم كما يذكر في سياق حديثه. ولكن إلى من يوجه أصابع الملامة؟ يقول: «بصراحة أحمّل المدارس مسؤولية تراجع الثقافات الفنية على أنواعها. فهي ما عادت تعطي هذا النوع من النشاطات حقه في برنامجها الدراسي. في الماضي القريب كانت تنظم رحلات إلى المتاحف والمسارح. اليوم باتت تبحث عن الأقل تكلفة بالنسبة لها. فعندما يعتاد تلميذ المدرسة على إيقاع ثقافي معين يستثمر بمعارض رسم وحفلات موسيقية وأعمال مسرحية وغيرها، فلا بد أن تسهم المدرسة في بناء جيل مثقف. فلا الكتّاب ولا القراءة ولا أي نشاطات ثقافية أخرى تحضر اليوم عند أولادنا وهو أمر محزن».

تنقل برونو جعارة في مشواره المسرحي بين الكوميدي والسيكولوجي والعبثي والاجتماعي. في رأيه أذواق الناس تتفاوت، فهناك من يحضر حفلاً أوبرالياً للتباهي فقط، وهناك من يستمتع بعمل مسرحي بعيداً عن التزيف و(شوفة الحال). مجتمعاتنا تتفاوت ثقافتها ولذلك هي تحتاج للعمل المسرحي الحقيقي والنص الجيد.

وعلى سيرة النص، يرى جعارة أن هناك صعوبة في إيجاد النص المسرحي الجيد. «يرتبط الموضوع بثقافة المخرج وميوله وتراكمات تجاربه. ومن الصعب إرضاء الجمهور، لذلك توجب عليه إيجاد النص المناسب، وهو أمر لم يعد متوفراً اليوم».

برونو جعارة صاحب تجارب متراكمة. فهو مارس تعليم مادة المسرح في المدارس لعشر سنوات متتالية. ويملك خلفية غنية في العمل المسرحي تفوق الـ20 عاماً. شغوف في عمله، تنقل ما بين التلفزيون والإذاعة ينشر ويعزز ثقافة السينما والدراما والمسرح في برامج مختصة. كما يملك خبرات كبيرة تتعلق بمسرح الأطفال. وهو يستعد اليوم لتحضير عدة مسرحيات جديدة ستعرض حتى نهاية عام 2024.

ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «لدي مجموعة أعمال مستقبلية أحضر لها ومن بينها مسرحية (ديو) و(صالون) و(أوفر 21) و(الخط). وتتنوع ما بين الاجتماعية والكوميدية». ويحدثنا عن «صالون»: «إنها مسرحية تخص المرأة، حميمة وتتناول موضوعات مختلفة عن النساء، كما أنها ضد الرجل».

وتختم «الشرق الأوسط» حديثها مع برونو جعارة بالسؤال عن فن الارتجال، خصوصاً المتعلق بالممثل المسرحي، يقول: «يتأثر بجمهور المسرح الذي يدفع بالممثل للجوء إلى العفوية المطلقة. فرد فعل جمهور ما يفرض هذا الفن أو العكس. فالارتجال يكسر الملل شرط أن يأتي ضمن الرؤية والنص المتبعين في العمل. لست ضده لأن الممثل يجب أن يشعر بالراحة. وأستذكر اليوم الراحل بيار شمعون الذي كان سيّد هذا الفن ومالكه. ولكن لهذا الفن شروطه، وأهمها أن يتمتع الممثل بالوعي المطلوب. وأن يكون لديه القدرة على تخيل نفسه وهو يقوم بذلك ليضمن مدى تفاعل الحضور معه».


مقالات ذات صلة

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

يوميات الشرق الفنانة المصرية منة شلبي تقدم أول أعمالها المسرحية (حسابها على «فيسبوك»)

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

تخوض الفنانة المصرية منة شلبي أولى تجاربها للوقوف على خشبة المسرح من خلال عرض «شمس وقمر» الذي تقوم ببطولته، ويتضمن أغاني واستعراضات.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق عرض مسرحي

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

من خلال حفلات للموسيقى الشعبية الليبية والأغاني التقليدية، استقطب افتتاح المهرجان أعداداً كبيرة من سكان درنة، لينثر ولو قليلاً من الفرح بعد كارثة الإعصار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق مجموعة نشاطات فنّية يقدّمها الفريق في كل مركز (فضاء)

مؤسّسة «فضاء» تؤرشف للمسرح خلال الحرب

يختصر عوض عوض أكثر ما لفته في جولاته: «إنهم متعلّقون بالحياة ومتحمّسون لعيشها كما يرغبون. أحلامهم لا تزال تنبض، ولم تستطع الحرب كسرها».

فيفيان حداد (بيروت)

زافين قيومجيان في برنامج «شو قولك» ينقل رؤية جيل الغد

برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
TT

زافين قيومجيان في برنامج «شو قولك» ينقل رؤية جيل الغد

برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)

في حوارات جدّية تتّسم بالموضوعية وبمساحة تعبير حرّة يطالعنا الإعلامي زافين قيومجيان ببرنامجه التلفزيوني «شو قولك» وعبر شاشة «الجديد» ينقل للمشاهد رؤية جيل الشباب لمستقبل أفضل للبنان.

ويأتي هذا البرنامج ضمن «مبادرة مناظرة» الدّولية التي تقوم على مبدأ محاورة أجيال الشباب والوقوف على آرائهم. اختيار الإعلامي زافين مقدّماً ومشرفاً على البرنامج يعود لتراكم تجاربه الإعلامية مع المراهقين والشباب. فمنذ بداياته حرص في برنامجه «سيرة وانفتحت» على إعطاء هذه الفئة العمرية مساحة تعبير حرّة. ومنذ عام 2001 حتى اليوم أعدّ ملفات وبرامج حولهم. واطّلع عن كثب على هواجسهم وهمومهم.

يرتكز «شو قولك» على موضوع رئيسي يُتناول في كل حلقة من حلقات البرنامج. وينقسم المشاركون الشباب إلى فئتين مع وضد الموضوع المطروح. ومع ضيفين معروفَين تأخذ الحوارات منحى موضوعياً. فيُتاح المجال بين الطرفين للنقاش والتعبير. وبتعليقات قصيرة وسريعة لا تتجاوز الـ90 ثانية يُعطي كل فريق رأيه، فتُطرح سلبيات وإيجابيات مشروع معيّن مقترح من قبلهم. وتتوزّع على فقرات محدّدة تشمل أسئلة مباشرة وأخرى من قبل المشاهدين. ولتنتهي بفقرة الخطاب الختامي التي توجز نتيجة النقاشات التي جرى تداولها.

ويوضح قيومجيان لـ«الشرق الأوسط»: «يهدف البرنامج إلى خلق مساحة حوار مريحة للشباب. ومهمتي أن أدير هذا الحوار بعيداً عن التوتر. فلا نلهث وراء الـ(تريند) أو ما يُعرف بالـ(رايتينغ) لتحقيق نسبِ مشاهدة عالية. وبذلك نحوّل اهتمامنا من محطة إثارة إلى محطة عقل بامتياز».

تجري مسبقاً التمرينات واختيار الموضوعات المُراد مناقشتها من قبل الشباب المشاركين. فالبرنامج يقوم على ثقافة الحوار ضمن ورشة «صنّاع الرأي»؛ وهم مجموعات شبابية يخضعون سنوياً لتمارين تتعلّق بأسلوب الحوار وقواعده. ويطّلعون على كلّ ما يتعلّق به من براهين وحجج وأخبار مزيفة وغيرها. فيتسلّحون من خلالها بقدرة على الحوار الشامل والمفيد. ويوضح زافين: «عندما يُختار موضوع الحلقة يجري التصويت لاختيار المشتركين. وبعد تأمين الفريقين، يلتقي أفرادهما بضيفي البرنامج. ومهمتهما دعم الشباب والوقوف على آرائهم. ونحرص على أن يكونا منفتحين تجاه هذا الجيل. فأهمية البرنامج تتمثل في التوفيق بين المشتركين بمستوى واحد. ولذلك نرى الضيفين لا يتصدران المشهدية. وهي عادة متّبعة من قبل المبادرة للإشارة إلى أن الشباب هم نجوم الحلقة وليس العكس».

يمثّل المشاركون من الشباب في «شو قولك» عيّنة عن مجتمع لبناني ملوّن بجميع أطيافه. أما دور زافين فيكمن في حياديته خلال إدارة الحوار. ولذلك تختار المبادرة إعلاميين مخضرمين لإنجاز هذه المهمة.

طبيعة الموضوعات التي تُثيرها كلّ مناظرة حالياً ترتبط بالحرب الدائرة في لبنان.

ويستطرد زافين: «عادة ما تُناقش هذه المناظرات موضوعات كلاسيكية تهمّ الشباب، من بينها الانتحار والموت الرحيم، ولكن هذه الاهتمامات تقلّ عند بروز حدث معيّن. فنحاول مواكبته كما يحصل اليوم في الحرب الدائرة في لبنان».

ضرورة فتح مطار ثانٍ في لبنان شكّل عنوان الحلقة الأولى من البرنامج. وتناولت الحلقة الثانية خدمة العلم.

ينتقد قيومجيان أسلوب بعض المحاورين على الشاشات (زافين قيومجيان)

«شيخ الشباب» كما يحبّ البعض أن يناديه، يرى زافين أن مهمته ليست سهلةً كما يعتقد بعضهم. «قد يُخيّل لهم أن مهمتي سهلة ويمكن لأي إعلامي القيام بها. فالشكل العام للبرنامج بمثابة فورمات متبعة عالمياً. والمطلوب أن يتقيّد بها فريق العمل بأكمله». ويستطرد: «يمكن عنونة مهمتي بـ(ضابط إيقاع) أو (قائد أوركسترا)؛ فالمطلوب مني بصفتي مقدّماً، التّحكم بمجريات الحلقة ومدتها ساعة كاملة. فالتجرّد وعدم التأثير على المشاركين فيها ضرورة. أنا شخصياً ليس لدي هاجس إبراز قدراتي وذكائي الإعلامي، والمقدم بصورة عامة لا بدّ أن ينفصل عن آرائه. وأن يكون متصالحاً مع نفسه فلا يستعرض إمكانياته. وهو أمر بتنا لا نصادفه كثيراً».

يقول زافين إن غالبية إعلاميي اليوم يتّبعون أسلوب «التشاطر» على ضيفهم. وهو أمر يبيّن عدم تمتع الإعلامي بالحرفية. ولنتمكّن من الإبقاء على هذا الأسلوب المرن لا بدّ أن نتدرّب على الأمر. وأن نملك الثقة بالنفس وهو ما يخوّلنا خلق مساحة حوار سليمة، تكون بعيدة عن الاستفزاز والتوتر وتأخذ منحى الحوار المريح».

يستمتع زافين قيومجيان بتقديم برنامجه «شو قولك»، ويقول: «أحب اكتشاف تفكير الشباب كما أني على تماس مستمر معهم من خلال تدريسي لطلاب الجامعة، وأنا أب لشابين».

يحضّر زافين قيومجيان لبرنامج جديد ينوي تقديمه قريباً عبر المحطة نفسها. ولكنه يرفض الإفصاح عن طبيعته. ويختم: «سيشكّل مفاجأة للمشاهد وأتمنى أن تعجبه».