غنية تجارب المخرج المسرحي برونو جعارة في عالم الفنون على أنواعها. فهو عاش أجمل حقباتها منذ التسعينات وصولاً إلى الألفية الثانية. تعاون مع الراحل مروان نجار في «عمتي نجيبة» و«نادر مش قادر» و«هريبة يا أوادم» وغيرها. وكانت له تجارب مسرحية فرنكوفونية عززت مشواره بنكهات فنية غربية. تعاون مع الراحل ريمون جبارة في «من قطف زهرة الخريف» بالفرنسية، ومثّل لبنان في الدورة الـ11 من مهرجان «اللقاءات المسرحية» في مدينة ليون الفرنسية.
مؤخراً سطع اسم برونو جعارة من جديد ضمن أعمال مسرحية خاصة بالأطفال. وبعد «سيرين وعلاء الدين» في عام 2013 عاد إلى المسرح بعملين جديدين، فقدم عام 2022 «لو ترينو دي بير نويل» (Le traîneau du Père Noël). وفي عام 2023 لاقت مسرحيته «رايحين جايين» نجاحاً ملحوظاً، مما استوجب تمديد مدة عرضها أكثر من مرة على مسرح «مونو» في الأشرفية.
حالياً يستعد المخرج جعارة لتقديم عمل مسرحي كوميدي «حماتك بتحبك»، على مسرح «مونو» في الأشرفية ابتداء من 7 سبتمبر (أيلول) الحالي.
مسرحية اجتماعية تناسب جميع أفراد العائلة. تدور قصتها حول الحماة عفيفة التي تثير مشكلة وراء أخرى عندما تقرر أن تزور ابنتها جومانا وتقيم عندها لفترة. يوضح برونو جعارة لـ«الشرق الأوسط»: «إنها تناسب جميع الأعمار من 17 إلى 90 عاماً، ومحورها الحماة التي تتسبب بمصيبة تلو الأخرى عن غير قصد. فالعمل جميل ويرسم البسمة على شفاه مشاهده بأسلوب سلس ولطيف».
يشارك في هذا العمل مجموعة من الممثلين بينهم فيفيان بلعط، وباتريك شمالي، وميرا بارودي، ومحمد عساف، وغدي هوشر، وباتريسيا سميرا، ونديم يارد. «لقد أخذت أفكاراً من مسرحيات عدّة وجمعتها في واحدة. غالبية مسرحياتي مقتبسة، وفي (حماتك بتحبك) سنشهد كوكتيلاً من المواقف والشخصيات. أنا شخصياً لا أذكر في تاريخ المسرح عملاً مشابهاً محوره الحماة». ويتابع جعارة: أن «شخصية الحماة عادة ما تثير التساؤلات ومن عبارة مشهورة في لبنان (حماتك بتحبك) نستخدمها في ظروف عدة. وهي رائجة عند وصول أحدهم إلى منزل يتناول أفراده طعام الغداء أو فنجان قهوة، فيبادرونه بالقول (حماتك بتحبك) لتلطّف هذه العلاقة الشائكة بينها وبين الصهر أو الكنة».
انقطع برونو جعارة لفترة عن تقديم مسرحيات من إخراجه. «جميعنا نعرف الأسباب القسرية التي أدت إلى توقف عمل المسرح. فالجائحة من ناحية والأزمات المتلاحقة في لبنان من ناحية ثانية أثرت على هذا المجال وغيره من الفنون».
ولكننا اليوم نلاحظ غزارة إنتاجات مسرحية فما رأيك؟ يرد: «لا أجدها أبداً كذلك فغالبية المسارح مقفلة أبوابها كـ(جورج الخامس) و(شاتو تريانو) و(كازينو لبنان) والـ(أتينيه) وغيرها. بالكاد هناك مسرحان أو ثلاثة تواظب على تقديم الأعمال في نطاق بيروت».
وينتقد جعارة غياب خشبات المسرح واستبدال مقاهي النرجيلة بها، «عندما تلاحظين أن رواد المقاهي ومدخني النرجيلة يفوقون بأعدادهم هواة المسرح والفنون، تدركين إلى أين نحن ذاهبون».
في الماضي كانت المسرحيات تعرض لأشهر متتالية وحتى لمدة عام كامل، وهذه الحقبة ولّت اليوم كما يذكر في سياق حديثه. ولكن إلى من يوجه أصابع الملامة؟ يقول: «بصراحة أحمّل المدارس مسؤولية تراجع الثقافات الفنية على أنواعها. فهي ما عادت تعطي هذا النوع من النشاطات حقه في برنامجها الدراسي. في الماضي القريب كانت تنظم رحلات إلى المتاحف والمسارح. اليوم باتت تبحث عن الأقل تكلفة بالنسبة لها. فعندما يعتاد تلميذ المدرسة على إيقاع ثقافي معين يستثمر بمعارض رسم وحفلات موسيقية وأعمال مسرحية وغيرها، فلا بد أن تسهم المدرسة في بناء جيل مثقف. فلا الكتّاب ولا القراءة ولا أي نشاطات ثقافية أخرى تحضر اليوم عند أولادنا وهو أمر محزن».
تنقل برونو جعارة في مشواره المسرحي بين الكوميدي والسيكولوجي والعبثي والاجتماعي. في رأيه أذواق الناس تتفاوت، فهناك من يحضر حفلاً أوبرالياً للتباهي فقط، وهناك من يستمتع بعمل مسرحي بعيداً عن التزيف و(شوفة الحال). مجتمعاتنا تتفاوت ثقافتها ولذلك هي تحتاج للعمل المسرحي الحقيقي والنص الجيد.
وعلى سيرة النص، يرى جعارة أن هناك صعوبة في إيجاد النص المسرحي الجيد. «يرتبط الموضوع بثقافة المخرج وميوله وتراكمات تجاربه. ومن الصعب إرضاء الجمهور، لذلك توجب عليه إيجاد النص المناسب، وهو أمر لم يعد متوفراً اليوم».
برونو جعارة صاحب تجارب متراكمة. فهو مارس تعليم مادة المسرح في المدارس لعشر سنوات متتالية. ويملك خلفية غنية في العمل المسرحي تفوق الـ20 عاماً. شغوف في عمله، تنقل ما بين التلفزيون والإذاعة ينشر ويعزز ثقافة السينما والدراما والمسرح في برامج مختصة. كما يملك خبرات كبيرة تتعلق بمسرح الأطفال. وهو يستعد اليوم لتحضير عدة مسرحيات جديدة ستعرض حتى نهاية عام 2024.
ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «لدي مجموعة أعمال مستقبلية أحضر لها ومن بينها مسرحية (ديو) و(صالون) و(أوفر 21) و(الخط). وتتنوع ما بين الاجتماعية والكوميدية». ويحدثنا عن «صالون»: «إنها مسرحية تخص المرأة، حميمة وتتناول موضوعات مختلفة عن النساء، كما أنها ضد الرجل».
وتختم «الشرق الأوسط» حديثها مع برونو جعارة بالسؤال عن فن الارتجال، خصوصاً المتعلق بالممثل المسرحي، يقول: «يتأثر بجمهور المسرح الذي يدفع بالممثل للجوء إلى العفوية المطلقة. فرد فعل جمهور ما يفرض هذا الفن أو العكس. فالارتجال يكسر الملل شرط أن يأتي ضمن الرؤية والنص المتبعين في العمل. لست ضده لأن الممثل يجب أن يشعر بالراحة. وأستذكر اليوم الراحل بيار شمعون الذي كان سيّد هذا الفن ومالكه. ولكن لهذا الفن شروطه، وأهمها أن يتمتع الممثل بالوعي المطلوب. وأن يكون لديه القدرة على تخيل نفسه وهو يقوم بذلك ليضمن مدى تفاعل الحضور معه».