«أحلى بالعربي» جسر التواصل مع اللبنانيين المهاجرين

تدرّس اللبنانية «أونلاين» في حصص تعليمية خاصة (تانيا غنطوس)
تدرّس اللبنانية «أونلاين» في حصص تعليمية خاصة (تانيا غنطوس)
TT

«أحلى بالعربي» جسر التواصل مع اللبنانيين المهاجرين

تدرّس اللبنانية «أونلاين» في حصص تعليمية خاصة (تانيا غنطوس)
تدرّس اللبنانية «أونلاين» في حصص تعليمية خاصة (تانيا غنطوس)

تسجل فكرة العودة إلى الجذور انتشاراً ملحوظاً بين المغتربين اللبنانيين في مختلف المجالات، فمن الأطباق والأكلات إلى التقاليد والعادات اللبنانية، فهم في حالة بحث دائم عن كل ما يذكّرهم بجذورهم في بلاد الأرز. وتلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً بارزاً في هذا الموضوع، فصفحات الـ«إنستغرام» والـ«فيسبوك» تزخر بمعلومات وافرة عن تلك الموضوعات.

أما أحدث ظاهرة منتشرة في هذا الإطار، فهي تعلّم اللغة الأم افتراضياً من قِبل أشخاص من أصول لبنانية.

تانيا غنطوس أخذت على عاتقها تأمين هذا التواصل بين لبنان وأبنائه «أونلاين». فقررت التوقف عن ممارسة عملها كأستاذة في مدرسة الليسيه الفرنسية في لبنان، وتوجهت إلى مجال تعليمي آخر يوطد العلاقة بين لبنانيين مهاجرين ولغتهم الأم، فتحولت فكرتها جسر تواصل بينهم وبين وطنهم.

تانيا غنطوس تعرّف عن «أحلى بالعربي» (تانيا غنطوس)

ومن خلال صفحتها على «إنستغرام» «أحلى بالعربي» بدأت مشوارها منذ فترة انتشار الجائحة. لفتت انتباه لبنانيين مغتربين، لم يسبق أن تحدثوا بلغتهم الأم ولكنهم يحنون إليها بسبب أجدادهم وأهلهم. وحثت بالتالي شريحة لا يستهان بها منهم للعودة إلى الجذور. كبرت فكرة تانيا وانتشرت بشكل واسع بحيث صار لديها اليوم تلامذة وطلاب تتراوح أعمارهم ما بين الـ3 و60 عاماً. الأطفال كما أصحاب شركات وآباء عاديين ومحامين وموظفين ورجال أعمال، يتهافتون اليوم لتعلم العربية وبالأخص اللهجة اللبنانية. وتوضح تانيا في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لم أتوقع أن تلاقي صفحتي كل هذا التفاعل. ما فاجأني هو هذا الحنين الذي يسكن لبنانيين هاجروا منذ زمن ولكنهم لا يزالون يحلمون بلبنان». وتتابع تانيا: «بعضهم تعرف إلى لبنان من فترة قصيرة عندما زاروه مؤخراً بهدف السياحة، وبعضهم الآخر سمع عنه القصص والروايات من خلال آبائهم وأمهاتهم، فعرفوه بالاسم وحفظوا بعض الكلمات اللبنانية (مرحباً وشكراً وحبيبي) وغيرها من أهاليهم، فقرروا إعادة تقوية هذا الرابط ببلدهم من خلال تعلم لغته والتحدث بها».

يتوزع تلامذة تانيا على مختلف القارات، وتقول إنها لم تتوقع أن يتصل بها لبنانيون من غانا وتكساس والسنغال وهيوستن وغيرها. واللافت أن غالبيتهم يرغبون في تعليم أولادهم اللبنانية. «ما يهمهم هو أن يكتسب أبناؤهم أسلوب الحوار بالعربية وليس التشديد على القواعد العربية الخاصة بالفصحى. ولذلك قمت بأبحاث واسعة كي أستطيع وضع المناهج التعليمية المناسبة لكل تلميذ حسب البلاد المهاجر إليها».

استعانت تانيا بقواعد من مناهج تعليمية بريطانية وفرنسية وأميركية. وكذلك استعانت بكتب لمنى فليفل الخاصة بدعم الحروف. وعلى أساسها وضعت البيانات والأساليب التي تناسب كلاً منها. وتوضح: «بهذه الطريقة أسهل على الولد اكتساب اللبنانية على قاعدة 8 حصص أولية. فأخذت من المناهج الأجنبية التي ذكرتها ما أستطيع تطبيقه على المنهج اللبناني. أما الهدف الأهم الذي أصبو إليه في هذه العملية فهو إجادة التحاور وليس لفظ كلمات معينة فقط. وصار عندي الأساس التعليمي المطلوب. وهو يشمل حوارات حول الألوان والأشكال وكيفية التعامل مع الباعة في الأسواق اللبنانية. فلا أشدد على تعليم معاني مفردات (الشجرة) و(البيت) و(الطاولة) وغيرها من كلمات نستخدمها يومياً، بل أشدد على حوار تواصلي يشمل كل هذه الكلمات ضمن جمل مفيدة يحسنون استخدامها».

تخبر تانيا «الشرق الأوسط» أن أحد اللبنانيين في فرنسا اتصل بها يسألها مساعدته في تلقين ابنته التي لا يتجاوز عمرها الـ7 أشهر، العربية. «أراد أن تعتاد على اللبنانية وهي في المهد، فزوجته الأجنبية تحدثها وتدللها وتغني لها بالفرنسية. فشاركته أفكاري في الاستعانة بموسيقى وأغانٍ وقصص لبنانية. حتى تبدأ أذنها بالتآلف مع اللبنانية فتكتسبها بسرعة عندما تكبر».

نماذج كثيرة ومختلفة تخبرك عنها تانيا، تتعلق بحب تعلم العربية ولأسباب مختلفة. «هناك أجنبية من أصول لبنانية تملك شركة كبرى في أميركا، طالبتني بتعلم اللبنانية كي تفاجئ زبائنها العرب. بينما شريحة لا يستهان بها من الشباب المهاجر تتصل بي لأخذ هذه الحصص حتى تثير الفخر لدى الأهل بإجادتها اللبنانية».

تخبرنا تانيا أن جاليات لبنانية في هولندا وإسبانيا والمكسيك ونيجيريا وغيرها تتهافت على تعلم اللبنانية «أونلاين». وتعلق: «هذه الصفوف الافتراضية سهلت علينا التواصل ونشر لغتنا بطريقة أسرع. عادة ما تستغرق كل حصة ما بين 40 و50 دقيقة. وألمس حماساً كبيراً عند تلامذتي من كبار وصغار، وبعضهم يأخذ هذه الحصص في وقت قصير كي يسرعوا في تعلمها، وغيرهم يكملون التعلم بعد انتهاء الحصص الثماني التي تشكل الأساس».

فكرة تانيا بدأت معها مع تلامذة من لبنان هاجر أهاليهم بعد أزمات متلاحقة. «شهدنا هجرة كبيرة من قِبل اللبنانيين في السنوات الأخيرة. وهو ما حرم بعضهم من هذه الدروس التي بدأوها معي في لبنان. ومن هنا ولدت فكرتي (أحلى بالعربي)؛ إذ راح الأهالي يتصلون بي ويطالبونني بإكمال هذه الدروس».

وهكذا كبرت فكرة تانيا وتوسعت لتشمل حتى أجانب غير لبنانيين زاروا لبنان من باب السياحة، فأحبوا البلد وعشقوا عاداته وتقاليده وأهله، فقرروا تعلم لغته ليزوروه من جديد وهم يجيدون تحدثها.

تصف تانيا اللبنانية باللغة الجميلة والعذبة والرقيقة «تدخل القلب بسرعة ولا تتطلب مخارج لفظية وقواعد عربية صعبة. فهي تتسلل إلى الأذن بسرعة لأنها رقيقة».

تلجأ تانيا إلى صور وتسجيلات وبيانات مأخوذة من حياة اللبناني العادية. فتشكل المواد الرئيسية التي يتعلم منها التلميذ أسس اللبنانية. «أحياناً أسجل حوارات أجريها مع أولادي، أو مع باعة في السوق. فتنقل إلى التلميذ الأجواء الحية للغة نتكلمها في يومياتنا وبسهولة».

بعد أن انتشرت فكرتها لجأت تانيا إلى زميلات لها في أميركا ولندن كي تساعدنها في تعليم اللبنانية. «كريستيل موجودة في أميركا وتهتم بتلامذة يقيمون في البرازيل وأميركا الجنوبية؛ لأن التوقيت متشابه بين تلك البلدان. في حين تأخذ ميشيل من لندن على عاتقها إعطاء حصص تعليمية لمن هم في السنغال وغانا للسبب نفسه».

قريباً ستفتح تانيا الأجواء الرقمية أمام تلامذتها فيتواصلون عبرها. «بذلك أفتح المجال ليتشاركوا الأحاديث كل من البلاد التي يقيمون فيها. فهم يحبون ممارسة التحدث باللبنانية كجماعات. فيكتشفون حلاوتها ويحفظونها بصورة أسرع».


مقالات ذات صلة

ألحان وألوان من الموسيقى السعودية تتألق في «طوكيو أوبرا سيتي»

يوميات الشرق عزفت "الأوركسترا السعودية" أروع الالحان الموسيقية في ليلة ختامية استثنائية كان الابداع عنوانها (واس)

ألحان وألوان من الموسيقى السعودية تتألق في «طوكيو أوبرا سيتي»

عزفت «الأوركسترا السعودية» أجمل الألحان الموسيقية في ليلة ختامية كان الإبداع عنوانها على مسرح «طوكيو أوبرا سيتي» بالعاصمة اليابانية بمشاركة 100 موسيقي ومؤدٍ.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي مع توشيكو آبي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان (الشرق الأوسط)

الرياض وطوكيو نحو تعاون أعمق في مختلف المجالات الفنية والثقافية

تهدف «مذكرة التفاهم» إلى تعزيز التعاون والتبادل الثقافي بين الرياض وطوكيو واليابان في مختلف القطاعات الثقافية.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
المشرق العربي مبنى مقر «اليونيسكو» في باريس (رويترز)

«اليونيسكو» تعزز مستوى حماية 34 موقعاً تراثياً في لبنان

أعلنت «اليونيسكو» أنها منحت عشرات المواقع التراثية المهددة بالغارات الإسرائيلية في لبنان «حماية مؤقتة معززة»، لتوفر لها بذلك مستوى أعلى من الحماية القانونية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق أعضاء اللجنة الوزارية أعربوا عن رغبتهم في تعزيز التعاون بما يعكس الهوية الثقافية والتاريخية الفريدة للمنطقة (واس)

التزام سعودي - فرنسي للارتقاء بالشراكة الثنائية بشأن «العلا»

أكد أعضاء اللجنة الوزارية السعودية - الفرنسية بشأن تطوير «العلا»، السبت، التزامهم بالعمل للارتقاء بالشراكة الثنائية إلى مستويات أعلى.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شؤون إقليمية أعربت القنصلية الفرنسية في القدس في بيان عن «غضب» باريس من عمليات الهدم الإسرائيلية مشيرة إلى أنها دعمت المركز الثقافي المدمر (مقر جمعية البستان) «بأكثر من نصف مليون يورو» منذ عام 2019 (وفا)

فرنسا تطلب «تفسيراً» من السلطات الإسرائيلية بعد هدم مركز ثقافي في القدس

أكدت الخارجية الفرنسية، الجمعة، أن باريس طلبت «تفسيراً من السلطات الإسرائيلية»، بعد هدم مقر جمعية البستان الذي موّلته فرنسا في حي سلوان بالقدس الشرقية المحتلة.

«الشرق الأوسط» (باريس)

وزير الثقافة السعودي يلتقي مبتعثي «صناعة المانجا» في اليابان

وزير الثقافة السعودي مع عدد من الطلاب المبتعثين وقيادات هيئة الأدب والنشر والترجمة وشركة «مانجا للإنتاج» (واس)
وزير الثقافة السعودي مع عدد من الطلاب المبتعثين وقيادات هيئة الأدب والنشر والترجمة وشركة «مانجا للإنتاج» (واس)
TT

وزير الثقافة السعودي يلتقي مبتعثي «صناعة المانجا» في اليابان

وزير الثقافة السعودي مع عدد من الطلاب المبتعثين وقيادات هيئة الأدب والنشر والترجمة وشركة «مانجا للإنتاج» (واس)
وزير الثقافة السعودي مع عدد من الطلاب المبتعثين وقيادات هيئة الأدب والنشر والترجمة وشركة «مانجا للإنتاج» (واس)

حث الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة السعودي رئيس مجلس إدارة هيئة الأدب والنشر والترجمة، السبت، الطلاب المبتعثين في برنامج أسس صناعة القصص المصورة «المانجا» في اليابان، على أهمية التأهيل العلمي والأكاديمي في التخصصات الثقافية للإسهام بعد تخرجهم في رحلة تطوير المنظومة الثقافية في بلادهم.

وأكد الأمير بدر بن عبد الله، خلال لقائه عدداً من الطلاب المبتعثين في مقر إقامته في طوكيو، دعم القيادة السعودية لكل ما من شأنه تنمية القدرات البشرية في المجالات كافة.

ويُقام البرنامج التدريبي بالتعاون بين هيئة الأدب والنشر والترجمة، وشركة «مانجا للإنتاج»، التابعة لمؤسسة محمد بن سلمان «مسك»، الذي يستهدف موهوبي فن المانجا ضمن برنامج تدريبي احترافي باستخدام التقنيات اليابانية؛ منبع هذا الفن.

حضر اللقاء الدكتور محمد علوان الرئيس التنفيذي لهيئة الأدب والنشر والترجمة، والدكتور عصام بخاري الرئيس التنفيذي لشركة «مانجا للإنتاج»، وعددٌ من الطلاب والطالبات المبتعثين لدراسة فن المانجا في أكاديمية كادوكاوا، إحدى أكبر الأكاديميات في اليابان، التي تهتم بتدريب واستقطاب الخبرات والمهتمين بصناعة القصص المصورة.

يشار إلى أن البرنامج التدريبي يتضمن 3 مراحل رئيسية، بدءاً من ورش العمل الافتراضية التي تقدم نظرةً عامة حول مراحل صناعة القصص المصورة، تليها مرحلة البرنامج التدريبي المكثّف، ومن ثم ابتعاث المتدربين إلى اليابان للالتحاق بأكاديمية كادوكاوا الرائدة في مجال صناعة المانجا عالمياً.

كما تم ضمن البرنامج إطلاق عدد من المسابقات المتعلقة بفن المانجا، وهي مسابقة «منجنها» لتحويل الأمثلة العربية إلى مانجا، ومسابقة «مانجا القصيد» لتحويل القصائد العربية إلى مانجا، ومؤخراً بالتزامن مع عام الإبل 2024 أُطلقت مسابقة «مانجا الإبل» للتعبير عن أصالة ورمزية الإبل في الثقافة السعودية بفن المانجا.

وتجاوز عدد المستفيدين من البرنامج 1850 متدرباً ومتدربة في الورش الافتراضية، وتأهل منهم 115 للبرنامج التدريبي المكثّف، أنتجوا 115 قصة مصورة، وابتُعث 21 متدرباً ومتدربة إلى اليابان؛ لصقل مواهبهم على أيدي خُبراء في هذا الفن، إضافة إلى استقبال 133 مشاركة في مسابقة «منجنها»، وما يزيد على 70 مشاركة في مسابقة «مانجا القصيد»، وأكثر من 50 مشاركة في «مانجا الإبل».

يذكر أن هيئة الأدب والنشر والترجمة تقدم برنامج أسس صناعة القصص المصورة «المانجا» بالتعاون مع شركة «مانجا للإنتاج»، بهدف تأسيس جيل مهتم بمجال صناعة المانجا، وصقل مهارات الموهوبين، ودعم بيئة المحتوى الإبداعي في المملكة.