«الأوركسترا السعودية» تجربة فنية نقلت الموسيقى الوطنية لآفاق عالمية

أطلقت هيئة الموسيقى منذ فبراير 2020 أعمالها لتطوير البنية التحتية للثقافة الموسيقية في المملكة (واس)
أطلقت هيئة الموسيقى منذ فبراير 2020 أعمالها لتطوير البنية التحتية للثقافة الموسيقية في المملكة (واس)
TT

«الأوركسترا السعودية» تجربة فنية نقلت الموسيقى الوطنية لآفاق عالمية

أطلقت هيئة الموسيقى منذ فبراير 2020 أعمالها لتطوير البنية التحتية للثقافة الموسيقية في المملكة (واس)
أطلقت هيئة الموسيقى منذ فبراير 2020 أعمالها لتطوير البنية التحتية للثقافة الموسيقية في المملكة (واس)

عندما انتظم عقد موسيقيين عالميين على هامش اجتماع وزراء ثقافة دول مجموعة العشرين في الهند، لأداء (كنز الألحان «Sur Vasudha») احتفاءً بالإرث الثقافي الموسيقي لهذه الدول، ظهر قائد الأوركسترا السعودية بزيّه الوطني ولغته العربية، مشاركاً في أداء الأغنية التي وصفت العالم كعائلة واحدة، ومزجت في لوحة فنية سخية بالمشتركات الإنسانية، ألحاناً وآلاتٍ موسيقية لشعوب 20 دولة حول الأرض. من الهند، إلى فرنسا، والمكسيك، والأردن، وكثير الدول التي احتضنت عروضاً للأوركسترا السعودية، وعزفت على خشبات مسارحها الوطنية روائع من الموروث الموسيقي السعودي، تسافر الفرقة الوطنية التي تشكلت حديثاً بالأنغام والألحان السعودية إلى مختلف الآذان، في لغة موسيقية عالمية تصل الشعوب ببعضها وتذكر الإنسان بمشتركه الحضاري الواحد.

وتقدم الأوركسترا والكورال الوطني السعودي في كل ظهور دولي، مجموعة من الأغاني الفلكلورية الوطنية التراثية والطربية والحديثة، بمشاركة نحو 70 عازفاً وكورالاً سعودياً، في عرض يعكس الثقافة الموسيقية السعودية، وما تتميز به المكتبة الموسيقية من أغانٍ مميزة سجلت حضورها التاريخي، ولا تزال عالقة في أذهان المستمعين.

وفي إطار عروضها الدولية الفريدة، قدّمت الأوركسترا السعودية عروضاً غير مسبوقة مزجت فيها بين الموروث الموسيقي السعودي المتنوع والغنيّ بتجاربه، وبين ألحان من الدول المضيفة، حيث يتداول متابعون عبر مواقع التواصل نماذج من أعمال فريدة لمشاركة فرقة الأوركسترا السعودية والكورال الوطني مع الفرق الأخرى، مثل المعزوفة المتناغمة التي قدمت مع أوركسترا كارلوس تشافيز المكسيكية، وعلى أثرها ضجّ المسرح الوطني في المكسيك بتصفيق الجمهور؛ تثميناً لبراعة الأداء وعبقرية الربط بين التجربتين الموسيقيتين، وكانت التجربة بمثابة سفير فني رصين للأغنية والإرث الموسيقي في السعودية.

طارق عبد الحكيم مع ولي العهد آنذاك الأمير سلطان بن عبد العزيز في افتتاح المتحف الموسيقي بالرياض (الشرق الأوسط)

تجربة عمرها 8 عقود

لم تكن الأوركسترا السعودية وفرقة الكورال الوطني، نبتاً طارئاً من دون تاريخ، بل تعود إلى تجربة سعودية مبكرة في عام 1942 عندما كلّف وزير الدفاع السعودي آنذاك الأمير منصور بن عبد العزيز، الفنان السعودي المعروف طارق عبد الحكيم وأوائل الملحنين السعوديين بتشكيل فرقة موسيقية عسكرية في السعودية، كانت هي نواة لرحلة فنية تنامت مع الوقت وخلقت هوية موسيقية سعودية فريدة.

وقد أُوفد عبد الحكيم إلى مصر عام 1952 للبدء في الترتيبات اللازمة لتشكيل فرقة أوركسترا موسيقية سعودية، والتقى خلال رحلته العلمية والتدريبية نخبة من فناني مصر، وطوّر من خبراته ومعارفه بالاحتكاك مع القامات الموسيقية المصرية والعربية؛ الأمر الذي كان له الأثر البالغ في صوغ ذائقته وبناء مشواره الفنّي العريض. وبعودته من رحلة شملت إلى جانب مصر، لبنان، بدأ عبد الحكيم في تأسيس أول معهد لموسيقى الجيش، وتشكيل فرقة موسيقية كانت فاتحة عهد موسيقي وفني مزدهر في السعودية.

ازدهرت الموسيقى في السعودية منذ إطلاق العنان لتجارب جديدة وتطوير القطاع الموسيقي والاهتمام بالمواهب الواعدة (واس)

مرحلة جديدة بداية واعدة

وفي عام 2019، أعلنت وزارة الثقافة السعودية وفي غمرة مرحلة واعدة للقطاع الثقافي، عن تأسيس الفرقة الوطنية للموسيقى، وتطوير فريق محترف يمثّل السعودية في المحافل الدولية، ويسافر بالألحان والإرث الموسيقي السعودي عبر العالم، متوّجاً بتجربة غنيّة نحتت هويتها الموسيقية وصاغت فرادتها في بناء الألحان ومخاطبة الآذان، وانتٌدب للعمل مشرفاً عليها الفنان عبد الرب إدريس، وهو فنان مخضرم رافق التجربة الموسيقية السعودية في بواكيرها، ليكلف ببناء الفريق الوطني وتعليم أشكال مختلفة من الموسيقى العربية والعالمية، التقليدية منها والمعاصرة، ودمجها مع الموسيقى السعودية، وتيسير دعم وتطوير صناعة الموسيقى في السعودية، مع تأصيل الموروث السعودي الموسيقى وبثّه إلى العالم.

وبعد الكشف عن منظومة ثقافية جديدة في السعودية، بقيادة وزارة الثقافة التي وزعت أعباء القطاع الثقافي عبر 11 هيئة متخصصة في مجالات مختلفة، أطلقت هيئة الموسيقى في السعودية في عام 2021، استراتيجيتها لتطوير ودعم الموسيقى في المملكة وفقاً لـ«رؤية 2030» التي وضعت الثقافة ضمن أولوياتها، ورصدت مجموعة من المبادرات والخطط والبرامج التي عززت القطاع الثقافي، لتطوير الاختصاصات الموسيقية، من ملحنين ومؤلفين موسيقيين وعازفين وفنانين ومستثمرين، والارتقاء بمجال الموسيقى وتحويله صناعة موسيقية مؤثرة. ومن ضمن استراتيجيتها، بدأت الهيئة دعم توفير المنافذ التي تسمح بالوصول إلى المنتج الموسيقي السعودي بسهولة، وتعزيز حضور فرقة الأوركسترا السعودي والكورال الوطني التي استأنفت مرحلتها الجديدة، كتطور عن الفرقة السعودية التي انطلقت عام 2019.

أطلقت هيئة الموسيقى منذ فبراير 2020 أعمالها لتطوير البنية التحتية للثقافة الموسيقية في المملكة (واس)

قوة رمزية وهوية ثقافية

وقال المايسترو عماد زارع: إن الأوركسترا والكورال الوطني، يمثّلان الموروث الموسيقي السعودي في المحافل الدولية والمنصات الفنية والموسيقية العالمية، ويعدّ دعامة رئيسية للفنانين السعوديين والعازفين والموسيقيين في مختلف الاختصاصات، مشيراً إلى أن الفرقة الوطنية وإلى جانب تمثيلها الاحترافي فنون الوطن في الخارج، فإنها تدعم الحركة الفنية من خلال اكتشاف المواهب وتبني تأهيلها بشكل احترافي من خلال برنامج معدّ خصيصاً لتطوير تلك المواهب، ودعم المجالات الفنية المتعددة، ونشر التراث السعودية في المحافل الدولية وتعزيز توجهات «رؤية السعودية 2030» التي تعدّ الثقافة بمختلف قطاعاتها قوة رمزية وهوية ثقافية وإضافة اقتصادية.

وأشاد زارع الذي قاد الأوركسترا والكورال الوطني في الكثير من المناسبات الدولية التي شاركت فيها، بجهود وزارة الثقافة منذ إطلاق استراتيجيتها في بث الحماس والتنظيم الذي ساهم في نتائج مبكرة للأوركسترا السعودية في المحافل الدولية التي شاركت من خلالها، وأضاف: «جهود وزير الثقافة الأمير بدر بن فرحان، واهتمامه الكبير بدعم تأسيس هذه الفرقة وتطوير عملها، نلمسه بوضوح في مستوى الاحتراف الذي يتمتع به أعضاء الفرقة في أداء مختلف الفنون والألوان المحلية والعربية»؛ الأمر الذي يصبّ بمجمله في مصلحة الفنان والفن السعودي عموماً، ويساهم في إيصال القيمة الفنية والتجربة الموسيقية السعودية إلى العالم، عبر لغة الموسيقى العالمية.

موسيقى السعودية وفنونها تزدهر

وازدهرت الموسيقى في السعودية، منذ إطلاق العنان لتجارب جديدة وكيانات معنيّة بتطوير القطاع الموسيقي والاهتمام بالمواهب الواعدة في المجال، حيث لم تخلُ كل فترة من إطلاق مبادرة جديدة أو افتتاح معهد موسيقي لاستقبال الراغبين في تطوير إمكاناتهم والانخراط في المرحلة الحالية المزدهرة فنياً.

وأطلقت هيئة الموسيقى منذ فبراير (شباط) 2020 أعمالها لتطوير البنية التحتية للثقافة الموسيقية في المملكة التي ستساهم في تمكين الجميع من الحصول على فرصة تعلم الموسيقى، إلى جانب عملها في اكتشاف وتنمية وتمكين المواهب الموسيقية، والسعي إلى نشر الوعي بثقافة الموسيقى في المجتمع، وتأسيس قطاع يساهم في الاقتصاد المحلي؛ وذلك من خلال خلق فرص عمل لكلا الجنسين، وإنتاج وحوكمة العروض الحية الثقافية، والتسجيلات الموسيقية ومراكز تعليم الموسيقى للهواة، وإحياء وتوثيق عروض الفلكلور والموسيقى السعودية لتنمية الحس الوطني والاجتماعي، وتطوير الهوية الثقافية الموسيقية للسعودية ونشرها إقليمياً وعالمياً والتأكيد على مكانتها القيادية في العالم العربي والإسلامي لإدراج الوعي الثقافي الموسيقي ضمن متطلبات جودة الحياة. وتنظر الهيئة إلى الموسيقى كلغة عالمية، وتصمم برامجها ومبادرتها وتنظم وتطوّر القطاع والنهوض به للوصول إلى مستويات عالمية من منطلق عبور هذا الفن إلى الشعوب والإفصاح عن مشاعرها وتاريخها، ووطنيتها وعراقة أراضيها، ومساعدتها على بناء جسور تواصل مع ثقافات العالم المختلفة.



مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
TT

مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية

في سابقة جديدة، تسعى من خلالها وزارة الثقافة المصرية إلى تكريس «تقدير رموز مصر الإبداعية» ستُطلق النسخة الأولى من «يوم الثقافة»، التي من المقرر أن تشهد احتفاءً خاصاً بالفنانين المصريين الذي رحلوا عن عالمنا خلال العام الماضي.

ووفق وزارة الثقافة المصرية، فإن الاحتفالية ستُقام، مساء الأربعاء المقبل، على المسرح الكبير في دار الأوبرا، من إخراج الفنان خالد جلال، وتتضمّن تكريم أسماء عددٍ من الرموز الفنية والثقافية الراحلة خلال 2024، التي أثرت الساحة المصرية بأعمالها الخالدة، من بينهم الفنان حسن يوسف، والفنان مصطفى فهمي، والكاتب والمخرج بشير الديك، والفنان أحمد عدوية، والفنان نبيل الحلفاوي، والشاعر محمد إبراهيم أبو سنة، والفنان صلاح السعدني، والفنان التشكيلي حلمي التوني.

أحمد عدوية (حساب نجله محمد في فيسبوك)

وقال الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري في تصريحات الأحد، إن الاحتفال بيوم الثقافة جاء ليكون مناسبة وطنية تكرم صُنّاع الهوية الثقافية المصرية، مشيراً إلى أن «هذا اليوم سيُعبِّر عن الثقافة بمعناها الأوسع والأشمل».

وأوضح الوزير أن «اختيار النقابات الفنية ولجان المجلس الأعلى للثقافة للمكرمين تم بناءً على مسيرتهم المميزة وإسهاماتهم في ترسيخ الهوية الفكرية والإبداعية لمصر». كما أشار إلى أن الدولة المصرية تهدف إلى أن يُصبح يوم الثقافة تقليداً سنوياً يُبرز إنجازات المتميزين من أبناء الوطن، ويحتفي بالرموز الفكرية والإبداعية التي تركت أثراً عظيماً في تاريخ الثقافة المصرية.

وفي شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي، رحل الفنان المصري الكبير صلاح السعدني، الذي اشتهر بلقب «عمدة الدراما المصرية»، عن عمر ناهز 81 عاماً، وقدم الفنان الراحل المولود في محافظة المنوفية (دلتا مصر) عام 1943 أكثر من 200 عمل فني.

صلاح السعدني (أرشيفية)

كما ودّعت مصر في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2024 كذلك الفنان التشكيلي الكبير حلمي التوني عن عمر ناهز 90 عاماً، بعد رحلة طويلة مفعمة بالبهجة والحب، مُخلفاً حالة من الحزن في الوسط التشكيلي والثقافي المصري، فقد تميَّز التوني الحاصل على جوائز عربية وعالمية عدّة، بـ«اشتباكه» مع التراث المصري ومفرداته وقيمه ورموزه، واشتهر برسم عالم المرأة، الذي عدّه «عالماً لا ينفصل عن عالم الحب».

وفي وقت لاحق من العام نفسه، غيّب الموت الفنان المصري حسن يوسف الذي كان أحد أبرز الوجوه السينمائية في حقبتي الستينات والسبعينات عن عمر ناهز 90 عاماً. وبدأ يوسف المُلقب بـ«الولد الشقي» والمولود في القاهرة عام 1934، مشواره الفني من «المسرح القومي» ومنه إلى السينما التي قدم خلالها عدداً كبيراً من الأعمال من بينها «الخطايا»، و«الباب المفتوح»، و«للرجال فقط»، و«الشياطين الثلاثة»، و«مطلوب أرملة»، و«شاطئ المرح»، و«السيرك»، و«الزواج على الطريقة الحديثة»، و«فتاة الاستعراض»، و«7 أيام في الجنة»، و«كفاني يا قلب».

الفنان حسن يوسف وزوجته شمس البارودي (صفحة شمس على فيسبوك)

وعقب وفاة حسن يوسف بساعات رحل الفنان مصطفى فهمي، المشهور بلقب «برنس الشاشة»، عن عمر ناهز 82 عاماً بعد صراع مع المرض.

وجدّدت وفاة الفنان نبيل الحلفاوي في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الحزن في الوسط الفني، فقد رحل بعد مسيرة فنية حافلة، قدّم خلالها كثيراً من الأدوار المميزة في الدراما التلفزيونية والسينما.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

وطوى عام 2024 صفحته الأخيرة برحيل الكاتب والمخرج بشير الديك، إثر صراع مع المرض شهدته أيامه الأخيرة، بالإضافة إلى رحيل «أيقونة» الأغنية الشعبية المصرية أحمد عدوية، قبيل نهاية العام.