إسبانيا تحيي قنوات ريّ بناها عرب الأندلس لمواجهة الجفاف

الناس يستمتعون بموسيقى الفلامنكو التقليدية أمام قصر الحمراء في غرناطة (نيويورك تايمز)
الناس يستمتعون بموسيقى الفلامنكو التقليدية أمام قصر الحمراء في غرناطة (نيويورك تايمز)
TT

إسبانيا تحيي قنوات ريّ بناها عرب الأندلس لمواجهة الجفاف

الناس يستمتعون بموسيقى الفلامنكو التقليدية أمام قصر الحمراء في غرناطة (نيويورك تايمز)
الناس يستمتعون بموسيقى الفلامنكو التقليدية أمام قصر الحمراء في غرناطة (نيويورك تايمز)

في أعالي الجبال الجنوبية لإسبانيا أمسك نحو 40 شخصاً بمعازق ومجارف لتنظيف قنوات قديمة مشيدة منذ قرون، لا تزال تحافظ على خضرة سفوح الجبال، من الأحجار وأكوام العشب. قال أنطونيو جيسيز غارسيا، مزارع من قرية بيتريس القريبة التي يبلغ عدد سكانها 400 شخص: «إنها مسألة حياة أو موت، ومن دون هذه المياه لا يستطيع المزارعون زراعة أي محصول، ولن تتمكن القرية من الصمود والبقاء على قيد الحياة».

الحرارة المرتفعة التي تسود جزءاً كبيراً من جنوب أوروبا خلال الأسبوع الحالي ليست سوى رسالة تذكير حديثة بالتحديات التي فرضها التغير المناخي على إسبانيا، حيث وصلت درجة الحرارة إلى 109 درجة فهرنهايت يوم الثلاثاء الماضي، ما يعرّض نصف الأراضي إلى الخطر.

ويعرّض هذا المستوى من الحرارة، وما يترتب عليه من موجات جفاف، ثلاثة أرباع أراضي البلاد إلى خطر التصحّر خلال القرن الحالي. وفي مواجهة هذا الواقع أخذ مزارعون ومتطوعون وباحثون إسبان يبحثون في عمق التاريخ عن حلول، وتوجهوا نحو شبكة من قنوات الرّي التي بناها الموريون (مغاربة)، وهم المسلمون الذين فتحوا شبه الجزيرة الإيبريية، واستقروا فيها خلال القرون الوسطى.

لقد جعلت القنوات التي اشتقت الكلمة المشيرة إليها من كلمة «الساقية» العربية، الحياة ممكنة في واحدة من أكثر مناطق أوروبا جفافاً، حيث غذّت نافورات قصر الحمراء الملكي، وحوّلت منطقة الأندلس إلى مركز للزراعة.

وباتت الكثير من قنوات الري تلك غير مستخدمة في ستينات القرن العشرين عندما اتجهت إسبانيا إلى تبني نموذج زراعي فضّل خزانات الماء، ودفع بالكثير من الإسبان إلى مغادرة المناطق الريفية نحو المدن. وكما انتهى زمن استخدام الشبكة، كذلك ضاعت المعرفة القديمة والتقاليد التي كانت توصل المياه إلى أبعد مناطق الأندلس.

متطوعون وعاملون في التنقيب عن القنوات المائية في سييرا نيفادا بجنوب إسبانيا (نيويورك تايمز)

واليوم يُعاد إحياء ذلك النظام المعقّد، الذي يُنظر إليه بوصفه أداة قليلة التكلفة وفعّالة للتخفيف من وطأة الجفاف. قال خوسيه ماريا مارتين سيفانتوس، عالم آثار ومؤرخ يتولى مهمة تنسيق مشروع ترميم وإصلاح ضخم: «لطالما كانت قنوات الرّي قادرة على الصمود والبقاء في مواجهة ألف عام من التغيّر المناخي والاجتماعي والسياسي على الأقل. لماذا نستغني عنها اليوم؟».

وقال سيفانتوس إن الموريين بنوا على الأقل 1500 ميل من قنوات الري في مناطق غرناطة وألميريا الأندلسية، مشيراً إلى أنه قبل قنوات الري كان من الصعب زراعة أي محاصيل غذائية في مناخ البحر المتوسط المضطرب، الذي يشهد موجات دورية من الجفاف. وأضاف قائلاً: «تكمن عبقرية النظام في أنه يُبطئ تدفّق المياه من الجبال إلى السهول من أجل الاحتفاظ بها وتوزيعها بشكل أفضل».

قرية كانيار تقع في منطقة البشرات (نيويورك تايمز)

من دون وجود قنوات الرّي يتدفق الماء الناتج عن ذوبان الثلج من قمم الجبال مباشرة إلى الأنهار والبحيرات التي تجفّ مياهها خلال فصل الصيف، لكن في ظل وجود قنوات الرّي تُوجّه تلك المياه إلى قنوات عدّة تعمل عبر التلال.

وتتشرب الأرض الماء مثل «الإسفنجة»، ومن ثَمّ تدور ببطء عبر الطبقات الصخرية المائية، وتعود للظهور مرة أخرى بعد أشهر في اتجاه المنحدر في الينابيع التي تروي المحاصيل خلال موسم الجفاف.

ولا تزال آثار النظام موجودة في كل مكان بجبال البشرات الجنوبية على المنحدرات الجنوبية لمنطقة سييرا نيفادا، تتدفق المياه من الجبال على كل منحنى من الطرق، وتجعل تربة السهول المرتفعة لينة. إنها تنبجس من نافورات في قرى المنطقة المطلية باللون الأبيض.

قالت إيلينا كوريا، باحثة في مشروع الترميم والإصلاح الذي تديره جامعة غرناطة وهي تمسك بمجرفة، وتشير إلى الأراضي الخضراء الممتدة بالأسفل: «لم يترك لنا الموريون قنوات الري فحسب، بل أيضاً المحيط الجغرافي الذي صاحب إنشاءها. لم يكن أيّ مما نراه ليكون موجوداً لولا قنوات الرّي تلك، ولم يكن لولاها من مياه للشرب أو نافورات أو محاصيل، ولكانت الأرض أصبحت صحراء تقريباً». ولطالما كانت المياه ضرورية هنا إلى درجة أن السكان المحليين يتحدثون عنها كأنها المحصول نفسه. لا تمتص التربة التحتية المياه، بل «يتم بذرها»، ولا تُجمع من أجل الري، بل «تُحصد».

عندما استخدمت إسبانيا أنظمة حديثة لإدارة المياه عوضاً عن الكثير من قنوات الري التقليدية أصبحت نحو خمس القنوات الموجودة في سييرا نيفادا مهجورة ومهملة حسب بيانات حكومية.

وساعدت الثورة الزراعية في تحويل الأندلس إلى حديقة أوروبا الخلفية بفضل ما تنتجه من كميات هائلة من الرمان والليمون التي تُصدّر إلى جميع أنحاء أوروبا. مع ذلك أدى الأمر إلى نقص كبير في الماء تسبب في نضوب الطبقات الصخرية المائية في المنطقة، وتفاقم موجات الجفاف.

وما يزيد الأمر سوءاً هو تعرّض إسبانيا إلى موجات كثيرة متكررة من الحرارة الشديدة بسبب التغير المناخي، وكان فصل الربيع الحالي هو الأكثر حرارة فيها حسب هيئة الأرصاد الجوية الإسبانية، حيث تجاوزت درجة الحرارة مائة درجة فهرنهايت في الأندلس خلال شهر أبريل (نيسان).

المزارع رامون فيرناندز يتذكر عندما كانت المنازل توشك على الانهيار بسبب الثلوج (نيويورك تايمز)

وعانت كانيار، وهي قرية تقع في منطقة البشرات، من الزراعة المكثفة، ودرجات الحرارة المرتفعة، وإهمال قناة ري قريبة، وأصبحت العديد من الأراضي الزراعية في القرية جدباء حالياً. هناك لافتة في مقهى مكتوب عليها «أبحث عن مزرعة مروية». وتتجه أكثر روافد المياه في جبال المنطقة بعيداً عن قرية كانيار، وتغذي نهراً في وادٍ بالأسفل يروي خيماً زراعية تزرع فيها الأفوكادو، ولا يعمل أحد من القرية هناك. وقال رامون فيرناندز، مزارع عمره 69 عاماً، إنه يتذكر عندما كانت منازل القرية توشك على الانهيار تحت وطأة ثلوج الشتاء. وعندما سُئل عن أخر مرة تساقطت فيها الثلوج على المنطقة، ضحك وقال: «الأيام السيئة آنذاك باتت السنوات الجميلة الآن».

عالم الآثار خوسيه ماريا مارتين سيفانتوس (نيويورك تايمز)

في عام 2014 أصبحت القرية موقع اختبار لمشروع ترميم قنوات الري الخاص بخوسيه ماريا مارتين سيفانتوس وإصلاحها. وظل سيفانتوس و180 متطوعاً يحفرون الأرض تحت أشعة الشمس الحارقة لمدة شهر من أجل استكشاف قناة واستعادتها. وأوضح قائلاً: «كان بعض المزارعين في الثمانين من العمر، وكانوا يبكون لاعتقادهم أنهم لن يروا هذا الماء يتدفق مرة أخرى».

وقال فرانشيسكو فيلتشيز، أحد السكان الذين يديرون شبكات الرّي في قرية كانيار، إن استعادة قناة الري مكّنت بعض السكان من زراعة الكرز والكيوي مرة أخرى.

وقد تمكّن سيفانتوس وفريقه حتى هذه اللحظة من إعادة إحياء أكثر من 60 ميلاً من قنوات الرّي، وهو ما تطلب عملاً شاقاً من جانب مجموعات متباينة من الباحثين والمزراعين ونشطاء البيئة والسكان المحليين في أنحاء منطقة البشرات. لقد انتشرت المبادرة، ووصلت إلى مناطق في شرق وشمال إسبانيا، لكن سيفانتوس والعديد من المزارعين قالوا إنهم يحتاجون لدعم مالي؛ لأن السياسيين ورجال الأعمال كثيراً ما يعدون قنوات الرّي غير فعّالة مقارنة بالشبكات الهيدروليكية الحديثة. وتابع موضحاً: «من الصعب تغيير العقليات وطرق التفكير، لكن إذا فهم المرء الفاعلية من حيث تعدد الوظائف، فستكون أنظمة الرّي التقليدية أكثر فاعلية، فهي تحتفظ بالمياه بشكل أفضل، ومن ثمّ تعيد تغذية قنوات الري وتحسّن خصوبة التربة».

مياه متدفّقة من ذوبان ثلوج سييرا نيفادا (نيويورك تايمز)

مع ذلك يظلّ التحدي الأكبر أمام إنقاذ قنوات الرّي هو الحفاظ على معرفة تمتد لعصور تقف وراء وجود تلك القنوات، في قرى مثل كانيار، حيث لا يزال السكان يستخدمون سجلاً يعود إلى القرن الـ19 لتوزيع المياه على المزراعين، وتهدد الهجرة من الريف عملية التناقل والتوارث الشفهي للتقنيات والوسائل.

وقال فيلتشيز إن أحد السكان، الذي كان يعرف كل فرع على طول 22 ميلاً من قنوات الرّي في المنطقة، قد تُوفي مؤخراً وأخذ معه إلى القبر «معرفة الأجداد الغالية». وأفاد خوسيه أنطونيو غارسيا، عمدة بلدة بيتريس (58 عاماً)، خلال استراحته أثناء عملية التنظيف بأن هناك «الكثير من الحكمة» المحفوظة في قنوات الرّي، مشيراً إلى أن (الفرصة لا تزال أمامنا لاستغلال هذه الحكمة القديمة في مكافحة التغير المناخي».


مقالات ذات صلة

قمة «كوب29» تتوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لتمويل المناخ

العالم كان من المقرر اختتام قمة «كوب29» أمس الجمعة لكنها امتدت لوقت إضافي (رويترز)

قمة «كوب29» تتوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لتمويل المناخ

اتفقت دول العالم بعد أسبوعين من المفاوضات الشاقة، على هدف تمويل سنوي بقيمة 300 مليار دولار لمساعدة الدول الأكثر فقراً على مواجهة آثار تغير المناخ.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد رجل يحمل حقيبة سفر بالقرب من مدخل مكان انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP29 في باكو (رويترز)

أميركا وأوروبا ودول أخرى ترفع التمويل المناخي للدول النامية إلى 300 مليار دولار

وافق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى خلال قمة الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ (كوب29) على زيادة عرضها لهدف التمويل العالمي إلى 300 مليار دولار

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد سيارات تُحضر بعض الوفود إلى مقر انعقاد مؤتمر «كوب 29» في العاصمة الأذرية باكو (رويترز)

«كوب 29» يشتعل في اللحظات الحاسمة مع اعتراضات من كل الأطراف

سيطر الخلاف على اليوم الختامي لـ«كوب 29» حيث عبرت جميع الأطراف عن اعتراضها على «الحل الوسطي» الوارد في «مسودة اتفاق التمويل».

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد مفوض الاتحاد الأوروبي للعمل المناخي فوبكي هوكسترا في مؤتمر صحافي على هامش «كوب 29» (رويترز)

«كوب 29» في ساعاته الأخيرة... مقترح يظهر استمرار الفجوة الواسعة بشأن تمويل المناخ

تتواصل المفاوضات بشكل مكثّف في الكواليس للتوصل إلى تسوية نهائية بين الدول الغنية والنامية رغم تباعد المواقف في مؤتمر المناخ الخميس.

«الشرق الأوسط» (باكو)
بيئة أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)

الاحترار القياسي للمحيطات زاد حدة الأعاصير الأطلسية في 2024

أكدت دراسة جديدة، نُشرت الأربعاء، أن ظاهرة الاحترار المناخي تفاقم القوة التدميرية للعواصف، مسببة زيادة السرعة القصوى لرياح مختلف الأعاصير الأطلسية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
TT

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

عاماً بعد عام وبدأب وطموح كبيرين يُثبت معرض فن أبوظبي مكانه في خارطة المعارض الفنية العربية، وهذا العام احتفل بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم في مقره بجزيرة السعديات الملتفة برداء الفنون. التجول في أروقة المعرض الفني يحمل الكثير من المتعة البصرية والفنية، نعيد مشاهدة أعمال لفنانين كبار، ونكتشف أعمالاً لم نرها من قبل لفنانين آخرين، ونكتشف في وسط ذلك النجوم الصاعدة. ولم يختلف الوضع هذا العام بل أضاف أقساماً جديدة ليستكشف الزائر من خلالها أعمالاً فنية بعضها عتيق وبعضها حديث، من الأقسام الجديدة هناك «صالون مقتني الفنون» و«فن جريء، فن جديد» و«طريق الحرير، الهويات المتبادلة» إضافة إلى معرض منفصل من مجموعة فرجام عن الفن الحديث والتحرر من الاستعمار سنعود له لاحقاً.

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

صالون مقتني الفنون

يُعد إضافة مميزة لنسخة هذا العام، ويعرض المخطوطات والأسطرلابات والتحف التاريخية والكتب النادرة بتنظيم من روكسان زند. نطلق الجولة من غرفة أنيقة حملت جدرانها خريطة ضخمة أحاط بها من اليمين واليسار قطعتان مثبتتان على الحائط، ونقرأ أنها كانت تُستخدم لحمل العمامة في العهد العثماني، في كوات حائطية نرى أطباقاً من الخزف أحدها يعود للقرن الـ16، ويصور فارساً عربياً على صهوة جواده، وفي أخرى إبريق ذهبي اللون يعود للعهد العثماني. في جناح «شابيرو للكتب النادرة» من بريطانيا نرى نسخاً من مصاحف تاريخية مزخرفة ومذهبة بجمال وحرفة لا تتخطاها العين، ما يجذب الزائر هو أن الكتب والمصاحف كلها في متناول اليد مفتوحة الصفحات ومنتظمة في عرض جميل.

مصاحف أثرية (الشرق الأوسط)

تستعرض القائمة على العرض بعض القطع المميزة، وتقول: «إنها المرة الأولى التي نشارك فيها في معرض أبوظبي. نعرض بعض المخطوطات والكتب النادرة من متجرنا في لندن، منها صفحة من مصحف بالخط الحجازي يعود للقرن السابع، وبعض المصاحف المصغرة أحدها يعود للقرن الـ19». وعن الأسعار تقول إنها تتراوح ما بين آلاف الدولارات لبعض اللوحات التي تعود لعهد الحملة الفرنسية على مصر، أما المصاحف فتتراوح أسعارها حسب تاريخها ونسبة مالكيها السابقين، كمثال تشير إلى نسخة تعود لبلاد فارس في القرن الـ16 سعرها 335 ألف دولار، وصحائف من القرآن تتراوح أسعارها ما بين 20 و30 ألف دولار. هنا أكثر من مثال للمصاحف المصغرة منها مصحف مكتوب بدقة متناهية بالذهب على أوراق خضراء اللون مشكلة على نحو ورق الشجر، وبجانبه نرى مصحفاً مصغراً آخر محفوظاً في علبة ذهبية تتوسطها عدسة مكبرة. الكتابة دقيقة جداً، وهو ما يفسر وجود العدسة المكبرة، تقول: «هذا المصحف ليس مكتوباً باليد مثل المصاحف الأخرى هنا، بل مطبوع من قبل دار نشر في غلاسكو في عام 1900 باستخدام تقنية جديدة للطباعة الفوتوغرافية. ومثل هذا النوع من المصاحف المصغرة كانت تطبع لاستخدام الجنود البريطانيين المسلمين في الحرب العالمية الأولى، وكانوا يرتدونها معلقة في قلائد كتعويذة، يقدر سعر المصحف بـ3.5 ألف دولار أما المصحف على هيئة ورقة الشجر فيقدر سعره بـ40 ألف دولار.

مصحف مصغر مطبوع في غلاسكو عام 1900

نمر على «غاليري آري جان» الذي يعرض لوحات المستشرقين من القرن الـ19، ومنها أعمال جاك ماجوريل، ثم نصل إلى جناح «كتب دانيال كاروش النادرة» الذي يعرض مكتبة تضم أكثر من 500 ألبوم صور تحتوي على صور تاريخية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم العربي الأوسع. هنا نرى مجموعة من الصور النادرة المكبرة معروضة على كامل الحائط، من ضمنها صور من الجزيرة العربية قديماً، بعضها لأشخاص مشهورين مثل الرحالة غيرترود بيل ولورانس العرب، وغيرها لأشخاص لا نعرف أسماءهم، نرى أيضاً صوراً للكعبة المكرمة وصوراً عامة لأشخاص يرتدون الزي العربي. في الصدارة مجموعة من المجلدات، يقول عنها المشرف على الجناح إنها المجموعة الكاملة التي تضم 33 ألف صورة من 350 ألبوماً، يقول: «إنَّ المجموعة تعود لسيدة من لندن تُدْعَى جيني ألزوث، وإنها جمعت الصور على مدى 25 إلى 30 عاماً. الشيء المثير للاهتمام في هذه المجموعة هو أنها تعبّر عن لمحات من الحياة اليومية في الجزيرة العربية التقطها زوار أوروبيون بريطانيون على مدار 130 عاماً».

صور تاريخية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم العربي

يضيف محدثنا أن الصور لم تنشر من قبل، «نأمل أن تقدم هذه الصور سرداً لتاريخ المنطقة لم يوثقه أحد من قبل»، ويقدر سعرها بمبلغ 2 مليون دولار.

ولفت جناح دار «كسكينار - كنت آنتيكس» الأنظار إليه بمجسم لحصان وضع عليه سرج صُنع للسلطان العثماني سليم الثالث (1789-1807) ومزين بـ1036 شكلاً مذهباً، منها أكثر من 500 نجمة فضية، وكل نجمة يصل وزنها إلى 11 غراماً تقريباً، ويصل سعر السرج إلى 3 ملايين دولار.

«فن جريء، فن جديد»

«فن جريء، فن جديد»، بإشراف ميرنا عياد، يعيد عرض أعمال لفنانين مهمين كان لهم أدوار محورية في تاريخ الفن في المنطقة. من خلاله تستعرض صالات من تونس ومصر وفلسطين ولبنان والمملكة العربية السعودية وإيران وفرنسا، مجموعة ملهمة من أعمال الفن الحديث لفنانين وفنانات رواد من أوائل الستينات، وحتى أوائل الثمانينات»، وفي هذا الإطار نستمتع بنماذج رفيعة لرواد أمثال إنجي أفلاطون من مصر ونبيل نحاس من لبنان وسامي المرزوقي من السعودية وغيرهم. الأعمال المعروضة في هذا القسم لها ألق خاص فهي تعيد فنانين حفروا أسماءهم في تاريخ الفنون في بلادهم، وفي الوطن العربي بعضهم انحسرت عنه أضواء السوق الفنية، وأعادها العرض مرة أخرى لدائرة الضوء.

عمل للفنانة المصرية إنجي أفلاطون (الشرق الأوسط)

في «غاليري ون» نرى أعمالاً للفنانة الأردنية الفلسطينية نبيلة حلمي (1940-2011)، يصف موقع المتحف الوطني الأردني أسلوب الفنانة الراحلة بأنه خليط من «الكولاج والألوان المائية والحبر الصيني. تتميز أعمالها الزيتية بشفافية حالمة وعفوية، فيها تجريد تعبيري يتسم بالغموض والنضج الفني». نرى هنا نماذج لأعمالها، ونتحدث مع المشرف على القاعة عنها، يقول إنَّ الفنانة لها أعمال في متاحف عالمية وعربية، ولكنها قليلة في السوق التجارية. الفنانة الثانية هي إميلي فانوس عازر (فلسطينية، مواليد الرملة عام 1949)، ويعرض لها الغاليري أكثر من عمل منها بورتريه لامرأة تنظر إلى الأمام بينما عقدت ذراعيها أمامها، العمل يجبر الزائر على التوقف أمامه والتأمل فيما يمكن أن تخفيه تلك المرأة خلف نظرتها الواثقة والعزيمة التي تنبعث منها.

بورتريه للفنانة إميلي فانوس عازر (الشرق الأوسط)

من مصر يقدم «أوبونتو آرت غاليري» المشارك للمرة الأولى عدداً من أعمال الفنان المصري إيهاب شاكر (1933-2017)، المألوفة للعين، فالفنان له خطوط مميزة رأيناها في أعمال الكاريكاتير التي نشرها في الصحف المصرية. يقول المسؤول عن الغاليري إن شاكر انتقل للعمل في مسرح العرائس مع شقيقه ناجي شاكر قبل أن يسافر إلى فرنسا في عام 1968 حيث عمل في مجال أفلام الرسوم المتحركة، ونال عدداً من الجوائز عن أحد أفلامه. تلفتنا تعبيرات شاكر التي تحمل عناصر شعبية مصرية يقول عنها محدثنا إنَّها تبعث البهجة، ويشير إلى أن الحس الموسيقي يميز أعمال الفنان أيضاً، ويظهر ذلك في الوحدة والتناغم بين العناصر، ويؤكد أن «لديه خطوطاً مختلفة عن أي فنان آخر».

من أعمال الفنان إيهاب شاكر (الشرق الأوسط)

 

في «غاليري بركات» من بيروت نجد مجموعة من الأعمال المتنوعة ما بين اللوحات والمنحوتات الخشبية والبرونزية، يتحدث معنا صالح بركات مالك الغاليري عن الأعمال المعروضة، ويبدأ بالإشارة لعمل ضخم من البرونز للفنان معتصم الكبيسي يمثل أشخاصاً يتهامسون: «يعكس خلفيات المسرح السياسي، الكل يتهامس، وما لا يقال قد يكون أكثر أهمية مما يقال». للفنان جوزف الحوراني منحوتات خشبية تحمل كتابات بالخط العربي، تنتظم ببراعة، وتتضافر في تشكيلات خشبية مدهشة تجعلنا ندور حولها، ونحاول قراءة الجمل المكتوبة، ومنها «مصائب قوم عند قوم فوائد» و«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ». «عبقرية!» يصفها صالح بركات، ويتحدث عن الخط العربي ونقله للعالم المعاصر: «أنا اليوم يعنيني أن نحافظ على تراثنا بطريقة عصرية. نريد أن نأخذ تراثنا للمستقبل».

من أعمال الفنان العراقي سيروان باران (الشرق الأوسط)

ينتقل إلى عملين للفنان سروان بهما الكثير من الحركة، نرى أشخاصاً يتحركون في اتجاهات مختلفة، يحملون حقائب وأمتعة، ليست حركة مرحة بل متعجلة، يعلق: «الفنان لا يتحدث فقط عمّن يرحل، بل أيضاً عمّن يعود، حالات ذهاب وعودة وضياع».

 

الفن السعودي حاضر

عبر مشاركات في «غاليري أثر» و«غاليري حافظ» نرى عدداً من الأعمال الفنية السعودية المميزة، فيعرض «غاليري أثر» مجموعة من أعمال الفنانة المبدعة أسماء باهميم تفيض بالحيوانات الأسطورية وقصص من الخيال مرسومة على الورق الذي تصنعه الفنانة بيدها. للفنانة باهميم هنا مجموعتان جذابتان: «ملاحظات في الوقت» و«فانتازيا». تستكشف الأخيرة الفروق الدقيقة والتعقيدات في سرد القصص. وتتعمق «ملاحظات في الوقت»، وهي سلسلة أحدث، في الفولكلور العربي، وتفحص الأدوار الجنسانية في الحكايات التقليدية وتأثيرها اللاحق على الهوية الثقافية.

من أعمال الفنانة أسماء باهميم (الشرق الأوسط)

كما يقدم «أثر» عدداً من أعمال رامي فاروق الفنية وسلسلة للفنانة سارة عبدو بعنوان «الآن بعد أن فقدتك في أحلامي، أين نلتقي». أما «غاليري حافظ» فيقدم صالتين تتضمنان أعمال مجموعة من الفنانين المعاصرين والحديثين، فيقدم عدداً من أعمال الفنان سامي المرزوقي تتميز بألوانها وخطوطها التجريدية. وفي قسم الفن المعاصر يعرض أعمال الفنانة بشائر هوساوي، التي تستمد فنونها من بيئتها الغنية وذاكرتها البصرية العميقة، باستخدام مواد طبيعية مثل النخيل، وتعبر عن موضوعات مثل الانتماء، والحنين، والهوية الإنسانية المتغيرة. بجانبها يستعرض سليمان السالم أعماله التي تتعمق في الطبيعة الزائلة للوجود. باستخدام تقنيات الطباعة العدسية والفيديو ووسائط أخرى، تستكشف أعماله التفاعل بين الشعور والإدراك والتواصل الإنساني.